احداث اليومين الماضيين وما شابها من اشتباكات بين قوات الحماية الرئاسية ومسلحي الحوثي لم تكن سوي لطمة موجهة الي جبين شعب بأكمله كون الهجوم استهدف اهم واخر مؤسسة جمهورية مازالت تعبر عن هوية ونظام الجمهورية.
فالبرغم فداحة الاخطاء وجسامتها والتي ارتكبتها تلك المؤسسة بحق الشعب الا ان تلك الاخطاء لا تشفع للحوثي القيام بإهانتها اذ انها موجهة للشعب اكثر من كونها موجهة الي من يرأسونها .
نعلم يقينا ان تلك المواجهات لم تكن بسبب اعتداء قوات الحماية الرئاسية علي نقطة مسلحة حوثية قريبة منها، وعلينا ان لا نخوض في هكذا حديث كونها ستخرجنا عن جوهر موضوع المشكلة ، تكمن المشكلة بوجود مليشيا تريد ابتلاع الدولة او ما تبقي منها واي مواجهات عسكرية مستقبلية ستكون حتمية بالطبع .
هيمنة الحوثي علي الشمال وصنعاء بالتحديد ، لا يدخل في اطار القضاء ومكافحة الفساد وحرصه علي الدولة المدنية فعقلية الحوثي ابعد واضيق من تدرك كنه ومعني الدولة المدنية، فمداركه العقلية والفلسفية ليس باستطاعتها اختراق او فهم معني الدولة الحديثة دولة النظام والقانون، فهو لايستوعب أي معنى للدولة الحديثة سوي دوله الامامة دوله اجداده العقيمة التي لم تنتج سوي حروب داخلية وطبقات اجتماعية علي شاكله السادة والرعية .
فسيطرة الحوثي علي صنعاء لا تدخل في اطار وعيه الفكري والاخلاقي التي تحتم تدخله نتيجةً لما آلت اليه الاوضاع في اليمن ، بل تدخل سياق رؤيته لنفسه علي انه ذو الاحقية بالحكم والدولة ومؤسساتها من منظور ديني ودنيوي، دينيا لكونه سليل البطنين والاحق بالحكم يدعمه في ذلك اصول دينية تعطيه السند الشرعي الديني لما يطمح اليه ، دينيويا! يري الحوثي نفسه الوارث الوحيد والحصري ذو الاهلية العقلية والجسدية ليرث تركة حقبة صالح وما اعقبها من تفكك قوي النفوذ المسيطرة في ذلك الوقت ليثبت الحوثي احقيته بتركتهم .
يرفض الحوثي فكرة الاقاليم ، والسبب عائد لنظرته تلك الي كونه وريثا لا يريد اشراك احد معه ويري في التقسيم علي انه مؤامره ضده تستهدف تِركتُه تلك .
حتي فكرة الاقليمين او الثلاثة اقاليم سيرفضها الحوثي فهو لا ينظر للتقسيم من منظور اداري بقدر ما يري فيه تقسيم لتركته الدينية والدنيوية .
في حين تعبر القوي السياسية علي استحياء عن رفضها المطلق لتلك التصرفات، نري جليا في ذات الوقت كم ان تلك القوي لا يعتمد عليها في قيادة البلد الي شاطي الامان، حيث ان مواقفها التي يفترض ان تلتحم مع بعضها لتُكوّن جبهة في مواجهة التمدد الحوثي علي السلطة والدولة ، وبالتالي التعبير عن ذلك الرفض بالتحرك الفعلي علي الارض وعقد مؤتمرات معارضة وندوات تندد بالهمجية الحوثية تجاة المقدرات والمكتسبات الوطنية ، الامر الذي يوصلنا الي نتيجة مفادها ان القوي السياسية تلك تتحكم بها مصالح شخصية فئوية تريد الحفاظ عليها، لذلك نري حالة الجمود السياسي تجاه ما يحدث من قبل تلك المكونات .
خلال اقتحام دار الرئاسة ومحاصرة منزل هادي لم تتحرك اي الوية عسكرية باستثناء الوية الحماية الرئاسية التي لم تكن لديها القدرة لمقاومة جماعة الحوثي دون دعم من بقية الوحدات العسكرية المرابطة في العاصمة وحولها الامر الذي يضع تساؤلات عدة تتمثل في :
من اين تتلقي الالوية العسكرية اوامرها ان كان الحوثي قد اعلن الحرب علي هادي والذي يكون بدوره القائد الاعلي للقوات المسلحة؟ وهل عصت وتمردت تلك الوحدات العسكرية اوامر هادي ام انه لم يأمرها بالتحرك؟
الغريب ان قائد الحركة الحوثية في خطابه بالأمس اشاد بدور الجيش الذي وقف مع الارادة الشعبية حد تعبيره ، الامر الذي يجيب عن جزء من تلك السؤالين اعلاه والمتمثل ان قطاعات الجيش لم تتدخل او لم تستجب لأوامر هادي بالتدخل، وهذا ما يفسر ان الجيش لا يأخذ اوامره من هادي , ويعود السبب في ذلك ان ولائه لقوي اخري تتمثل بـ علي عبدالله صالح الذي يحوز علي الولاء المطلق من قبل تلك القطاعات العسكرية للأسف ..
ان تداعيات اليومين السابقين لن تتوقف عند هذا الحد، فالرئيس عبد ربه منصور مازال الرئيس الشرعي لليمن وان كان تحت الاقامة الجبرية، الامر الذي يؤشر ان السلطة الفعلية اصبحت بيد الحوثيين وحلفائهم، فزعيم الحوثيين اتهم هادي مباشرة على مساعدة القاعدة علي الانتشار في عدة محافظات ، والفساد بمساعدة نجله جلال ، كل هذا سيثير قطاعات مجتمعية اخري لا تدين للحوثي بالولاء في المناطق الوسطي وجنوب اليمن مما سيأخذ الصراع نحو منعطفات وابعاد جديدة .
خلال مدة حكم هادي استطاع هادي ان يسحب البساط من تحت كثير من القيادات الجنوبية المطالبة بالانفصال الي جانبه كونه ينتمي للجنوب، وهو ما سمح له بتهدئة الحراك الجنوبي الانفصالي وخفف من تداعياته، لتأتي التحركات الحوثية لتهدم ما عمل هادي علي ترميمه خلال فترة حكمه الامر الذي يهدد باشتعال الجنوب مرة اخري وبشكل عنيف ايضا .
فالتحركات الحوثية الاخيرة والشلل الذي احدثته من في بنية السلطة والغموض الذي يحيط بأفراد الحكومة ورئيسها والرئيس هادي يجعل اليمن علي حافة الهاوية ، ذلك انه لم يعد هناك جهة رسمية معروفة يمكن ان يرجع اليها و مسئولة امام الشعب اليمني .
ان حالة الغموض التي تحيط بالسلطة ومن يمكن ان يعود المرؤسين اليه كون النظام الاداري يعتمد المركزية الادارية الشديدة , ستعمل دون ريب علي بزوغ مظاهر الفوضي والانقسام في المجتمع سيعززها حالة المعارضة الشديدة من قبل فئات مجتمعية رافضة للتواجد الحوثي بشكله المسلح في صنعاء ومحافظات اخري مما سيخلق جماعات متطرفة , خاصة في ظل التدهور الأمني والاقتصادي للمواطنين، ففي حين تغيب الدولة تكثر الصراعات الداخلية في المجتمع .