الطرفان قررا الحسم بعيداً عن التوافق..
بقلم/ عبدالحكيم هلال
نشر منذ: 15 سنة و 11 شهراً و 7 أيام
الخميس 27 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 12:07 ص

لم تعد عظْمة المعارضة طرية، بحيث يمكن كسرها بسهولة كالمعتاد..والحزب الحاكم، لا يخشى شيئاً، وهو يمتلك كل شيء لحسابه. وعلى الشعب يراهن الطرفان: الأول بمنع ما يعتقد أنه مخطط للانقلاب على الديمقراطية. والثاني بالوقوف معه ضد ما يعتقد أنها محاولة لإيقاف المد الديمقراطي.

كيفما كانت وجهات النظر حول مفهوم الديمقراطية لديهما، فقد قرر الطرفان المضي كل لوجهته التي هو موليها.

لا تقارب على ما هو مختلف عليه، وكل يسير مستنداً على معطيات يقول إنها واقعية تؤشر أن الغلبة النهائية ستكون في مصلحته.

 تراهن المعارضة – بحسب بيانات وتصريحات قادتها – على الشارع. تؤمل منه الوقوف معها والامتناع عن وهب الشرعية للنظام بدون غطاء قانوني حقيقي على قاعدة المنافسة في إطار عادل ومتساوٍ لأرضية الملعب. وهي تسمي اللجنة العليا - الحالية – للانتخابات، بغير الشرعية.

* الحاكم: حسم الاستمرار، مع تغطية فراغات اللجنة العليا:

الحزب الحاكم هو الآخر يراهن على الشارع. وعلمت "المصدر" من مقربين فيه، أن اللجنة العامة للحزب قررت - في اجتماعها الذي أنعقد السبت الفائت – مواصلة المضي فيما قد عزمت عليه: السير نحو الانتخابات بدون تأجيل. على أن فراغ اللجنة العليا -القائم برفض أعضاء المشترك الثلاثة الاشتراك في العمل مع اللجنة – يجب أن يملئ بآخرين. قالت المصادر إن أسماءهم قد حددت ورفعت إلى الرئيس لإقرارها خلال الأيام القادمة.

مع نهاية الأسبوع الماضي، كانت المؤشرات تقوي خيار التأجيل، الذي بات من الواضح أن المعارضة تسعى إليه، أملا في إحداث عملية إصلاح ومراجعة لما تعتبرها إجراءات غير قانونية تقوم بها اللجنة العليا للانتخابات منذ فتحت باب تعديل جداول الناخبين في 11 من هذا الشهر. غير أن خيار مثل هذا [التأجيل] تدارسته اللجنة العامة للمؤتمر في اجتماعها الأخير، كما فعلت اللجنة الدائمة في اجتماعها الاستثنائي - الأربعاء قبل الماضي – وقررت أنه خيار لا مصلحة لها فيه. واعتبرته خياراً ينطوي على هزيمة معنوية، ويعزز القول بوجود أزمة، المؤتمر - أساساً - لا يعترف بها. من جهته، اتهم الرئيس – في خطابه أمام أعضاء اللجنة الدائمة – من يقول أن هناك أزمة، بأنه هو المأزوم.

حتى نهاية الأسبوع الماضي، لم يكن الحزب الحاكم، قد حسم الأمر بشكل نهائي. وكانت تسريباته تتحدث عن وجود حوار توصل فيه – الاثنين الماضي – مع قيادات المعارضة إلى اتفاق حول أهم البنود المختلف عليها. غير أن المعارضة نفت بشكل قاطع وجود ذلك الحوار أو أي انفراج حول المختلف بشأنه. ومع مطلع هذا الأسبوع – بحسب المعلومات– كانت اللجنة الدائمة للمؤتمر قد توصلت إلى قرار نهائي بمواصلة السير نحو الانتخابات دون الالتفات لمطالب المعارضة، ملء فراغات اللجنة العليا. ويبدو أن الحزب الحاكم ربما اعتمد في قراره الحاسم على تلك الأرقام الميدانية التي تقول اللجنة العليا أنها تجاوزت الـ (900) ألف حتى مساء أمس الأول. وهذا الرقم الكبير – من وجهة نظر مؤتمرية – جاء في ظل جهود المعارضة بالدفع إلى مقاطعة عملية القيد والتسجيل. وهو أمر اعتبر نجاحاً كبيراً من جهة، ويمكن – من جهة أخرى – اعتباره رقماً خالصاً للمؤتمر الشعبي العام.

* 3 معطيات هامة لاستمرار المعارضة:

أما أحزاب المشترك، فهي بالمثل، تمتلك معطيات مغرية لمواصلة ما بدأته: مقاطعة إجراءات القيد والتسجيل، باعتبارها مخالفة للدستور والقانون. وهو الأمر الذي إن استمر على نفس الوتيرة، سيؤدي بالضرورة إلى مقاطعة الانتخابات النيابية القادمة.

تلك المعطيات مبنية – من وجهة نظره – على تلك الأعداد الكبيرة التي تجاوبت معها بالمقاطعة، وحضرت مهرجاناتها الداعمة للمقاطعة في مختلف المحافظات. إلى جانب ذلك الرفض الشعبي الذي واجهته ما تسميها "بلجان السلطة" في بعض الدوائر الانتخابية والكثير من المراكز. حيث منعت تلك اللجان من مزاولة عملها، وطردت من مواقعها. وبين الحين والآخر يعلن المشترك عن وجود مخالفات قانونية كبيرة تمارسها تلك اللجان أثناء عملية القيد والتسجيل.

إلى جانب ذلك، برز - إلى صف المعارضة – معطى آخر هو: تلك التصريحات التي أدلى بها المدير الإقليمي لـ"الشرق الأوسط" للمعهد الديمقراطي الوطني الأمريكي، والتي دعا فيها إلى ضرورة التوافق بين السلطة والمعارضة، مالم فإن خيار تأجيل الانتخابات سيكون خياراً هاماً حتى لا تتعرض العملية الديمقراطية في البلاد إلى ما أسماه بـ" الإنتكاس السياسي" الذي قال إن نتائجه ستكون غير محمودة.

ليس ذلك فقط.. فالمشترك أعلن - في حفل أقامه الجمعة الماضية – تدشين المرحلة الثانية من عملية التشاور الوطني. والذي يسعى من خلاله – بحسب تصريحات الشيخ حميد الأحمر رئيس اللجنة العليا للتواصل من أجل التشاور الوطني – إلى الخرج من الأزمة الوطنية الراهنة من خلال إشراك المجتمع لتحمل الهم الوطني. ومن المقرر أن يقوم المشترك في هذه المرحلة بعملية نزول ميداني واسعة تشمل مختلف منظمات المجتمع المدني والمشايخ والشخصيات الاجتماعية والمواطنين، للتشاور معهم للخروج بتصور شعبي متفق عليه لما تعتبر أنه إنقاذ للعملية الديمقراطية في البلاد. وستسعى - في سبيل ذلك – إلى تنفيذ فعاليات مشتركة مع الجميع للضغط على السلطة من أجل التراجع عن إجراءاتها السابقة، واعتبار أن ما سيتوصل إليه هذا التشاور الوطني هو الأساس الذي يجب أن تستند عليه السلطة للخروج من الأزمة. حيث سيكون مدى هذه المرحلة حتى نهاية العام الحالي 2009. مالم فإنها ستنتقل إلى المرحلة الثالثة التي من المتوقع أن تصعد أكثر وصولاً إلى فرض اعتصامات وفعاليات سلمية طويلة الأمد بغرض شل حركة السلطة. ربما يكون النموذج اللبناني هو الأقرب لما يمكن أن تصير إليه الأمور في حالة استمرار التصعيد على هذا النحو.

* مابين الاستمساك بالواقع، والاستمساك بالحق:

ليس من الصعوبة أن تصل المعارضة اليمنية إلى النموذج اللبناني في فرض خياراتها سلمياً عبر الشارع. لكن، هل سيكون النظام اليمني بوعي وسلاسة النظام اللبناني؟

أمام هذا التساؤل، تفيد المعلومات أن اللجنة الدائمة – في اجتماعها السبت الماضي – قررت مواجهة المعارضة بقوتها هي لا بالقوة العسكرية والرصاص والهراوات والاعتقالات. غير أن ما يحدث حالياً على أرض الواقع ربما ينبئ بعكس ذلك تماماً.

فالعشرات من أنصار المعارضة تم الزج بهم في السجون، لمجرد أنهم وزعوا بيانات تحرض على مقاطعة عملية القيد والتسجيل. وتشير المعلومات الأولية أن شخصاً لقي مصرعه، وأصيب آخرون.

صحيح أنه لا يمكن عقد مقارنة جيدة بين ما حدث في لبنان، وما يحدث هنا. لا من حيث تفاصيل الإشكاليات القائمة، ولا من حيث الحلول والتسويات المطلوبة، ولا من حيث شكل النظام وتقسيماته. غير أننا هنا من الممكن – إلى حد ما - أن نذهب لعقد المقارنة، بين الخيار الذي من الممكن أن تصل إليه المعارضة في نهاية الأمر، بالنزول إلى الشارع وتنفيذ عملية اعتصام طويلة الأمد. وبين ما يمكن أن تواجهه من ردة فعل للسلطة.

تقول التصريحات الأولية التي تبنتها قيادات في أحزاب المشترك – خلال مهرجانات المقاطعة الشعبية التي تبنتها في الأيام القليلة الماضية في المحافظات – إن المشترك عاقد العزم على مواجهة قوة السلطة عن طريق الشعب.

وتوحي القوة التي ظهر بها المشترك وأنصاره على مدى الأسبوعين الماضي والحالي أن المشترك قرر رفع سقف المواجهة – بحسب تعبيراته–لحماية الديمقراطية من السرقة التي تتعرض لها.

وتعمق بعض القيادات – في المشترك التي نزلت إلى الميدان في المحافظات – خطاباً حماسياً يغذي السير نحو القبول بالمواجهة كنتيجة حتمية لرفض حياة الذل وحفاظاً على حياة الحرية والعزة والكرامة؛ (تضمن خطاب أحدهم الفكرة الحماسية التالية:الموت أحراراً خير من البقاء بدون كرامة). وحذر قيادي آخر من أن المؤتمر الشعبي العام، لا يصلح لحكم اليمن خلال الفترة القادمة. وفي السياق كثر الحديث عن ضرورة استعادة الحق الذي يراد سلبه بالقوة، وأن الحق لابد أن تقدم في سبيله التضحيات.

بالمقابل: هناك خطاب آخر يسوقه الحزب الحاكم، وسلطاته. فالرئيس ومعه قيادات أمنية بين الحين والآخر يستغلون الفرصة للحديث عن الخيانة، وضرورة تصدي قوات الأمن لمن يمس بالثوابت الوطنية. وبين الحين والآخر يوجه وزيرا الداخلية والدفاع تعميمات إلى قوات الأمن في المحافظات بضرورة التصدي لـ"المخربين" و"أعداء" الوطن و"أعداء" الأمن والاستقرار. كما توجه اللجنة العليا المحافظين والسلطات المحلية وقوات الأمن بضرورة التصدي لمن وصفوهم بـ"مرتكبي الجرائم الانتخابية". بل إن اجتماع اللجنة العليا – الأربعاء الماضي – اعتبر أن الاعتصام والتظاهر والتجمهر أمام المراكز الانتخابية والدخول إلى مقرات اللجان، جرائم يجب التصدي لها. بينما في المعارضة يركن القانويون، لمواد الدستور والقانون، ويقومون بتوعية أنصارهم بالتمسك بحقهم القانوني بالاعتصام والتظاهر!!

ليس هناك من شك أن المرحلة القادمة ستكون أكثر تفاعلاً بين طرفين اختط كلاهما طريقه في عكس اتجاه الآخر، وأنها ستكون أكثر مواجهة وقوة، سواء دخلت المعارضة الانتخابات على ماهي عليه ركوناً على الشعب الذي تعتقد أنه وصل إلى حد أنه يمكن أن يقول: "لقد سأمت من كل هذا"، أم قررت عدم الدخول في معركة الانتخابات، لكنها لم تقرر أيضا الجلوس في منازلها وإنما الخروج إلى الشارع للتعبير عن رفضها وحفاظاً على مكتسباتها.

قد يمتاز هذا الشتاء بسخونة سياسية أكثر حدة من أي وقت مضى. ويستقبل اليمنيون الربيع القادم، بحرارة تطغى على رونقه وبهائه.