مستقبل ثورة التغيير بعد لعبة المجالس
بقلم/ د.خالد عبدالله علي الجمرة
نشر منذ: 13 سنة و شهرين
الأربعاء 31 أغسطس-آب 2011 03:42 م

بعد أن شكلت توكل كرمان مجلسها الانتقالي بدت وحلفائها وكأنهم حققوا مرادهم وانتصروا بثورتهم ولم يتبق كما يعلن المحامي الناشط الحقوقي السابق خالد الآنسي ورفقائه شـُركاء توكل في أحد التنظيمات الشبابية إلا إسقاط بقايا النظام.... هذا الإعلان بالطبع مجرد محاولة (نفسية) لتغطية الخطاء الأكبر الذي وقعت فيه كثير من قيادات التنظيمات والحركات الشبابية عندما تاهت في دهاليز السياسة واستعجلت خروج نفسها الثوري وهي تجر الشباب إلى احتفال مزيف وخادع بسقوط النظام عشية مغادرة الرئيس للاستشفاء في مستشفيات المملكة العربية السعودية....

سبق وأن حذرت قي كتابة سابقة وجهتها لثوار التغيير من الانجرار وراء الشعارات الفضفاضة واستعداء الآخرين بشكل مجاني واغفال الهدف الأساسي من الثورة وهو اسقاط النظام الفاسد، لكن لا توكل التي تقود مجموعة كبيرة من الشباب الحالمين بالتغيير السلمي استمعت للنصيحة التي قالها أيضاً غيري آخرون وهم كثر، ولا هي ورفقائها توقفت عن الاحتفال المزيف، فمضت في مشروعها لتحقيق هدفها الوهمي وأعلنت سقوط النظام وشكلت مجلسها الانتقالي الذي لم يعترف به سوى حورية مشهور!!!..

أحزاب اللقاء المشترك خلطت الدين بالسياسة كالعادة وأعلنت في يوم 17 رمضان (يصادف مناسبة غزوة بدر الكبرى) عن قيام وتشكيل مجلس وطني؛ مهمته الأساسية اختيار مجلس انتقالي كقيادة بديلة تقود البلاد سياسياً؛ ولم تنسى أحزاب المشترك أن ترد الدين لتوكل فأدرجت اسمها ضمن قائمة تشكيلة المجلس حيث سبق لتوكل ان اختارت المتوكل احد (شيوخ) المشترك لعضوية مجلسها الانتقالي، كما ضمت تشكيلة المجلس الرمضاني مجموعة من المشايخ والصحفيين والسياسيين ومنهم من كانت سلة التاريخ قد تلقفته وضربت العنكبوت خيوطها عليه ونساه الجميع بما فيهم هو نفسه...

بنظرة تأمل إلى قائمة المجلس الانتقالي المشكل بقرار من توكل كرمان وبين قائمة المجلس الوطني الذي استهلك جزء كبير من جهد ونشاط وصحة نعمان وباسندوه والآنسي؛ يلاحظ في القائمتين اسماء شخصيات ليس لها باع في خدمة الوطن ولا في قيام الثورة تحولت بفعل هذين التشكيلين إلى مجرد شخصيات ديكورية دورها انحصر فقط في تراقص اسمائها وسط أو أسفل قائمة التشكيلان لا غير وهي قبلت بهذا لأنها لا تستطيع أن تقدم أكثر من هذا أصلاً!!..

باستثناء حورية مشهور وهي من بين من تم اختيارهم في مجلسي كرمان و17 رمضان الذي سارعت بمقال صحفي إلى شكر توكل كرمان على اختيارها لها وطالبت بتفعيل المجلس واجتماعه (تم مكافأتها وتسميتها كناطق إعلامي لمجلس17رمضان) باستثنائها قابل جميع من أدرجت اسماؤهم في المجلس المشكل من كرمان خبر التشكيل ببرود شديد، وكان القاضي فهيم محسن أول من سارع بإعلان رفضه لإدراج اسمه ضمن تشكيلة كرمان؛ فصرح لوكالة سبأ انه لم يستشر قبل ذلك، ومع أنه لم يعلن صراحة أنه لا يعترف بالمجلس، إلا أنه في بيانه أكد أن القضاء سلطة مستقلة تمارس مهامها باستقلالية لا يجب أن تكون طرفاً في اللعبة السياسية!!!! وعودة لمشهور فقبولها لعضوية المجلس الوطني يعني تلقائياً تخليها عن مجلس كرمان رغم أنها قبلت بعضويته في وقته وحينه وهذا مفارقة وتناقض واندفاع يعكس القدرات المتواضعة في التفكير والنشاط السياسي للأستاذة حورية..!!

تشكيل مجلس 17 رمضان لقوى أحزاب المشترك والذي أعلن قائمته سياسيي المشترك وحلفائهم بحفل (إشهار صائم) من داخل قاعة اجتماعات (عسكرية) متواضعة بمعسكر الفرقة الأولى مدرع التي يقودها الجنرال المنشق عن النظام والجيش علي محسن الأحمر أحد أقرباء الرئيس وحليفة طوال ثلاثة وثلاثون عاماً، لاقت هجوماً شديداً من أطراف عدة، فقد رفضت شخصيات عديدة إقحام اسمها في هذا المجلس بهذا الشكل البدائي والسطحي، مما أوقع أحزاب المشترك في حرج شديد كانت في غنى عنه، كما أن هذا (الإعلان) كشف حجم المشترك الحقيقي في الساحة السياسة؛ اذ لم تستطع هذه الأحزاب أن تنشئ تشكيلاً سياسياً من 142 عضواً صافياً، كما أنها بيّنت بوضوح حجم الانقسام العريض في الأهداف والمشاريع داخل التكوينات المعارضة لنظام الحكم!!؟

ومن أكثر ما أخذ على تشكيلة مجلس 17 رمضان احتواء قائمة تشكيل المجلس على أسماء ثلاثة من أبناء الشيخ الأحمر مما يؤكد ويوضح حجم تطلعات أولاد الأحمر السياسية ورغبتهم في امتلاك جزء من القرار داخل السلطة مستقبلاً، كما عدّ بعض حاملي لواء الدولة المدنية تسمية ثلاثة من أولاد الأحمر بمجلس المشترك إشارة ولو غير مباشرة إلى أن برنامج المشترك لا يخلو من شبهة النظام الأسري أيضاً...

أكثر المشاهد المتعلقة بمسلسل قائمة هذا المجلس إثارة يظهر في اتجاهين الأول الرفض الجماعي لشخصيات جنوبية إدراجها ضمن قوامه، و سرعة رفض الرئيس السابق علي ناصر ورئيس الحكومة السابق العطاس لهذا المجلس وعدم القبول بتسميتهما فيه، وهو تعبير صريح لرفض قاطع وصريح لم يلجئا إليه عند اعلان اسمائهما في مجلس كرمان الانتقالي رغم أنهما رفضاه أيضاً....والثاني رفض حسين الأحمر ومجلس التضامن الذي يرأسه لمجلس المعارضة بل واتهامه بانه تصرف هدفه سرقة الثورة، ومع اني اعتقد ان رفض حسين الأحمر لهذا المجلس جاء بعد ما تبين انه قد انهار تقريباً وامتداداً أيضاً للعبة تبادل الأدوار التي ينتهجها ابناء الشيخ عبدالله الأحمر رحمه الله بالانتشار داخل التكتلات والاحزاب والمواقف السياسية المتباينة والمختلفة إلا أن رفض حسين للمجلس رغم أن أخاه حميد كان أحد الذين صاغوا مسودة تشكيلته الأساسية يعد حدثاً مثيراً على كل حال يستحق التأمـل، ولم يكن موقف كرمان وحركة الشباب التي ترأسها من رفضها للمجلس غريباً او مفاجئاً لأن قبولها بمجلس باسندوه والآنسي ونعمان كان سيعد خطوة غبية جداً جداً وكان سينهي تقريباً شعبيتها ومصداقيتها الثورية داخل الإتلافات الشبابية كون قائمة مجلسها الذي شكلته لم يجف مدادها بعد وأن بدى واضحاً انه مات قبل أن يولد....

أحزاب المشترك خسرت كثيراً بتشكيل هذا المجلس تجسدت في كم ضخم من الاحراجات السياسية الثقيلة جراء اعتراض شخصيات مهمة ومؤثرة على إقحام اسمائها بقائمة المجلس، وإعلان هذه الشخصيات عن عدم علمها بادراج اسمائها ضمن تشكيلته مُسبقاً يمكن تفسيره انه رفض للمجلس وليس انسحاباً من قائمته؛ ومع هذا يُمكن وصف رفض هؤلاء لقائمة تشكيل هذا المجلس من أنه أولاً وقبل كل شيئ تصرف سياسي بالمقام الأول مضاد لما قام به المشترك؛ إذ فهمه هؤلاء أن إدراج أسمائهم بقائمة المجلس دون مشاورتهم يدل عن عدم احترام وتقدير لهم من ناحية، ومن ناحية أخرى عدم قبول بمشروعاتهم السياسية كذلك، وان المشترك ينظر إليهم على أنهم مجموعة كروت يرفعها (الحكم) المشترك متى ما أراد لضبط اتجاه سير اللعب!!!

شخصياً اتفق مع من ذهب إلى أن أحزاب المشترك أرادت ضرب بعض الشخصيات السياسية المؤثرة والتي تراها فعلياً خطرة على مشروعها السياسي وذلك بإقحامها داخل قائمة تشكيل مجلسها لإحراقها لاسيما ناصر والعطاس اللذان ينظران لنفسهما وينظر إليهما قطاع كبير من متابعي المشهد السياسي اليمني أنهم يمكن أن يلعبوا دور سياسي اكبر حتى من المشترك نفسه مستقبلاً في حال سقط النظام، لكن هؤلاء كانوا أكثر دهاءً وهم يرفضون تحويلهم إلى مجرد فزاعة وواجهة إعلانية سياسية لآخرين..

أكثر من استفاد من تشكيل مجلس 17 رمضان هو النظام نفسه، ولهذا لم يكن غريباً أن يقابل النظام تشكيلة المجلس ببرود؛ إذ اكتفى بإن أوعز لإعلامه فقط بنشر بيانات الشخصيات الرافضة للمجلس التي اقحمت اسمائها في تشكيلته؛ وبهذا حقق النظام مكسب سياسي ومعنوي كبير وضخم كان بأمس الحاجة إليه في الآونة الأخيرة...

اثبتت تجربة انشاء مجلس توكل كرمان ومجلس تكتل المشترك أنها تجربة فاشلة، وأن تشكيل مجلس انتقالي دون دعم واعتراف خارجي ودون أن يسبق ذلك مشاورة وموافقة شعبية عريضة عمل سياسي لا يمكن له أن ينجح، وأن التجربة إذا ما نجحت بليبيا مثلاً او بمصر لايشترط لها ان تنجح باليمن لاختلاف كثير من الظروف المصاحبة والمحيطة بالثورة، كما أكدت هذه التجربة بوجهيها الكرماني والرمضاني أن المعارضة عاجزة تماماً على توحيد صفوفها لمواجهة النظام، وأن الشيئ الوحيد الذي يجمع أطياف المعارضة ويوحد مظهرها على الأقل الخارجي هو عداوتها للنظام وللرئيس صالح تحديداً...

للأسف هذه الأعمال والتصرفات السياسية ضربت زخم الثورة الشبابية في مقتل، فكرمان سلمت الثورة لمجلس انتقالي ميت وهجعت إلى التنظير وتبرير ما فعلته، والمشترك سابق الوهم وضرب مجلس كرمان بمجلس أكثر وهناً وضعفاً فأضر بجذوة التغيير أكثر وأكثر، وهذا هو بالضبط ماحذرت منه في كتابة سابقة...

باختصار يُمكن الجزم أن ما قامت به توكل والمشترك هو هدية ثمينة للنظام الذي صمد أمام مد شعبي كبير ضخم كاد أن يطيح به لكنه مد سرعان ما فترت قواه وتأكلت من ناحية بفعل أخطاء الثوار الذين تركوا هدف إسقاط النظام بالتغيير السلمي وراء ظهورهم وتفرغوا للشعارات والتحركات والمكايدات السياسية، ومن ناحية أخرى بأخطاء أحزاب المشترك التي اعتقدت خطئاً ان ماحققته ثورة التغيير هو نتاج لما تمتلكه من أدوات في الشارع في حين كشفت أخطاء هذه الأحزاب المشتركة أنها تنظيمات تسعى فعلاً للانقضاض على السلطة لكنها بالمقابل لا تملك مشروع سياسي متكامل قوي.....

الآن ومع هذه الأخطاء الفظيعة التي قامت بها قوى المعارضة بمختلف مشاربها بما فيها بعض حركات التغيير الشبابية ، وفي ظل انقسام هذه المعارضة وتشقق تحالفاتها واتضاح إن أهداف الكثير من القوى المنخرطة والمتسللة داخل قوى التغيير يتّجه إلى ماهو أكثر من مجرد طرد علي عبدالله صالح من دار الرئاسة؛ فإن الخطر الأكبر المُتبقى تقريباً على النظام هي القوى العسكرية المنشقة من الجيش، وكذا القوى المدنية المسلحة بمختلف توجهاتها؛ القبلية، والحراك الجنوبي المسلح، والقوى الإسلامية اليمينية المسلحة والمدعومة من الخارج.....

إن المراحل التي مرت بها ثورة التغيير باليمن ابتداءً بثورة التغيير الشبابية السلمية ثم تحولها بفعل أخطاء المعارضة لاسيما احزاب المشترك إلى أزمة سياسية وتحورها بعد ذلك إلى مصادمات مسلحة وانشقاقات عسكرية يظهر بوضوح أن النظام قد تجاوز الخيارات المدنية الصعبة والامتحانات الثورية الحقيقية العسيرة، وأنه لو أدار التعامل مع الأخطار المُسلحة بذكاء أعمق من مستوى إدارته السابقة للمواجهات السلمية فإنه سيبقى ولو حتى مريضاً مدة أطول وأكثر مما اعتقد كثيرون ونحن منهم.

كما أن على ثوار التغيير أن يعيدوا صياغة ثورتهم وأن يطردوا ويتبروا من السياسيين والعسكر والفاسدين والمتنفذين من أزلام النظام السابقين الذين سرقوا واجهة الثورة، وعلى القيادات الشبابية التي اخطأت وحولت بعض تنظيمات الشباب الساعية للتغيير السلمي إلى تنظيم سياسي بامتياز ان تكاشف نفسها و تعيد ترتيب نفسها بشفافية وصدق مع النفس، ومع أنني أشك تماماً أن ثورة التغيير الشبابية قادرة أن تستعيد زخمها الأول الذي كانت عليه لاسيما في ميادين التغيير بالعاصمة صنعاء خاصة بعد افتقادها لتغطية قناة الجزيرة لانشغال الأخيرة بثورة سوريا واحداث ليبيا، إلا ان التجارب والأحداث وتسارعها وتقلباتها علمتنا أن باب الأمل يبقى مفتوحاً خاصة مع تجارب سابقة تثبت وتؤكد أن عقلية النظام خشبية ومتوقفة عند زمن أكل عليه الدهر وشرب، نظام لا يمتلك القدرة الكاملة على إدارة الأزمات، ولا يستفيد بشكل سريع من هدايا خصومه لاسيما عندما تُترك مفاتيح هذه الإدارة بيد الرئيس علي عبدالله صالح وجناحه العسكري فقط هـذا والله أعلم وهو حسبنا ونعم الوكيل.....