سيناريو التغيير في اليمن..!!
بقلم/ أحمد محمد عبدالغني
نشر منذ: 13 سنة و 7 أشهر و 30 يوماً
الثلاثاء 08 مارس - آذار 2011 04:33 م

من المؤكد أن عجلة التغيير تحركت ولن تتوقف، فالمجتمع اليمني هو أحد المجتمعات التواقة للخروج من نفق الاستبداد والظلم والطغيان، حيث تتوفر كل الأسباب المحفزة للمطالبة بالتغيير اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، بل إننا في اليمن نعاني أكثر من غيرنا في مجال الفساد المالي والسياسي والإداري وفي ارتفاع نسبة البطالة وانهيار المستويات المعيشية وسيطرة قوى المصالح والفساد على مختلف الامكانيات الوطنية واحتكار هذه القوى للسلطة ونهبها للثروة والضرب بالنظام والقانون عرض الحائط..

وبالتأكيد فإن مجمل التطورات المتسارعة على مستوى الساحة اليمنية وأسلوب النظام في التعاطي معها كشف حجم الهوة الفاصلة بين الحاكم والشعب، وهي صورة مصغرة لطبيعة العلاقة القائمة بين الحكام العرب وشعوبهم، فهؤلاء الحكام ظلوا يتعاملون مع هذه الشعوب وكأنهم أُجراء لا مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات، وإمعاناً في إستمراء هذه الحالة السادية، أخذ الحكام ينظرون إلى أنين الشعوب وشكاواهم والتعبير عن معاناتهم باعتبارها شكل من أشكال التآمر والعمالة للخارج.

وفي هذا السياق فإن قيام الرئيس علي عبدالله صالح باتهامه أمريكا واسرائيل وتحميلهما المسئولية هو نوع من تستطيح القضايا والهروب عن مواجهة الواقع بحقائقه الماثلة أمام كل الناس، وأسلوب من أساليب استعطاف الرأي العام المحلي..

وكأن تحميل الأطراف الخارجية مسئولية ما يجري سيشفع لهؤلاء الحكام عما ارتكبوه من حماقات وممارسات لا دستورية ولاقانونية ولا أخلاقية في حق بلدانهم خلال عشرات السنين من تربعهم على كراسي الحكم.

والغريب أننا في ظل ما يجري لم نرى حاكما يسأل نفسه لماذا مارس الظلم ضد شعبه؟

ومن أعطاه حق نهب الثروة واحتكار السلطة وتوزيع خيرات الوطن غنائم وهبات للمقربين منه وجماعات المصالح والفساد المرتبطين به.

والمتتبع لطبيعة تفاعلات المشهد السياسي اليمني منذ هروب الرئيس التونسي (14 يناير 2011م)، سيجد أن النظام الحاكم في اليمن يعيش في حالة من الإرباك وعدم القدرة على استيعاب الدرس، وبدلاً من الاعتراف بالخطأ والمسارعة إلى اتخاذ إجراءات ومعالجات كلية وجذرية عاجلة، ظلت تحركات الرئيس وخطاباته تسير على نفس المنوال السابق المنتج للأزمة أصلاً.

فلقاءاته بالمجاميع القبلية على مستوى المناطق المحيطة بصنعاء مثلاً، أعطى مؤشرات كثيرة تؤكد أن النظام لم يعد قادراً على الصمود أمام حركة التغيير..

- فهذا التوجه بحد ذاته عكس درجة الاهتزاز والخوف الذي يعاني منه نظام الحكم، وبالذات فيما يخص العلاقة مع الجيش والاعتماد عليه، وبالتالي فإن الشك من موقف الجيش يعني حتماً أن هذه الورقة ليست مضمونة بالنسبة للرئيس .

- ولقاءات الرئيس ببعض الرموز القبلية خلق اصطفافاً قبلياً مضاد على مستوى هذه المناطق نفسها، وأفشل عليه فكرة الاعتماد على التجييش القبلي.

- ثم أن هذا التوجه القبلي المناطقي الذي قام به الرئيس أوجد حالة من التوجس على مستوى مختلف مناطق اليمن الأخرى، شمالاً وجنوباً، وحالة التوجس هذه فرضت نفسها بالضرورة على كل المكونات المرتبطة بالنظام، سواء كان ذلك في إطار السلطة وحلقاتها، أو كان في إطار حزب المؤتمر ودوائره وهياكله المتعددة..

وأمام تحركات الرئيس التي تعتمد على استهلاك الوقت، بدا العديد من رموز النظام وحلفائه في حالة من الترقب والانتظار، وكأن هناك شيئاً يجري الترتيب له من الداخل.

وفي المقابل تتسع دائرة حركة التغيير وتزداد قوة وفاعلية، سواء على مستوى الميدان، كاعتصامات واحتجاجات، وانضمام مكونات وروافد سياسية ومدنية واجتماعية جديدة، أو على مستوى انتشار فكرة التغيير وتحولها إلى قناعة في أوساط الرأي العام الذي كان في عداد المحايد، وبالإضافة إلى ذلك فإن مشروع التغيير هو الحاضر أولاً وثانياً وثالثاً على المستوى الإعلامي داخلياً وخارجياً.

ومن هنا أصبح التغيير في اليمن أمراً واقعاً لا يمكن الحياد عنه أو تجاوزه، ولحظة تحققه هي مسألة وقت يزداد في كل يوم اقتراباً..

اما بالنسبة للسيناريوهات المحتملة للتغيير، فالواقع اليمني قابل للتعاطي مع مختلف الأنماط التي شاهدناها سواء في تونس أو في مصر أو حتى في ليبيا.

وقد يكون سيناريو التغيير في اليمن عبارة عن كوكتيل لتلك الأنماط مجتمعة خاصة في ظل تعنت النظام الحاكم عن السير خطوات عملية في الاستجابة لمطالب الجماهير وتجنيب الوطن ويلات العناد والمكابرة، وعدم الاستفادة من أخطاء سابقيه..

وما يجعل سيناريو الكوكتيل وارداً هو أن غياب المؤسسية في اليمن واحتكار أسرة الحكم لقيادة قطاعي الجيش والأمن يقابله وجود توازن سياسي واجتماعي وقبلي على أرض الواقع. ووجود سخط عام على مختلف المستويات الإدارية وبالذات وسط أفراد القوات المسلحة والأمن الذين هم أكثر مظلومية وأكثر معاناة.. وبالطبع هناك تفكيك وانهيار منظور وغير منظور يجري داخل تركيبة النظام نفسه..

ولذلك لم يعد أمام الرئيس على عبدالله صالح من خيار أسلم سوى الاستقالة والرحيل الآن، وبحيث يتولى قادة التغيير عملية الترتيب لمرحلة ما بعد، وهو إن فعل ذلك سيخفف تكاليف النهاية عليه أولاً وعلى الوطن ثانياً، وسيكون خروجه أشبه بخروج المشير عبدالله السلال ( 5 نوفمبر 1967م) والقاضي عبدالرحمن الإرياني (13 يونيو 1974م)..

Ahmdm75@yahoo.com