السفير مروان النعمان: غالبية السفارات اليمنية أصبحت ملكيات خاصة
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 24 يوماً
السبت 02 يونيو-حزيران 2012 05:51 م

 

قضى ثمانية وثلاثين عاماً في السلك الدبلوماسي ليعلن استقالته من عمله كسفير لليمن في اليابان عقب جمعة الكرامة العام الماضي وبمجرد عودته إلى صنعاء لم تملك وزارة الخارجية إلا أن استغنت عن عمله وأحالته إلى التقاعد - السفير - مروان النعمان في حوار نشرته صحيفة الجمهورية يزيح الستار عن جوانب مظلمة من عمل وزارة الخارجية وأداء البعثات الدبلوماسية لبلادنا في الخارج:

حاوره/ ثابت الأحمدي

- قدم السفير مروان النعمان استقالته من عمله كسفير لليمن في اليابان عقب جمعة الكرامة العام الماضي.. حبذا لو عرف القارئ ظروف تقديم هذه الاستقالة؟

يوم جمعة الكرامة يوم تاريخي في حياة الشعب اليمني، وكان لابد لأي يمني أن يتخذ موقفا مصيريا إزاء ما حدث ذلك اليوم. كان من أصعب الأيام في حياتي، وشعرت بأنه سيصعب علي كدبلوماسي وسياسي أمثل بلدي في الخارج أن أبرر للرأي العام الياباني ما حدث في صنعاء من قتل غير مبرر وانتهاك لحقوق اليمنيين في التعبير عن رغبتهم لتغيير الواقع المرير الذي يعيشونه. كان لزاما علي أن أتخذ قراراً ذاتيا إزاء ما حصل.

ــ أنت تابعت العملية من بدايتها؟

نعم تابعتها، وتابعت الثورة من بدايتها. شاهدت عملية القتل مباشرة وأنا في طوكيو، مع فارق ست ساعات بين اليمن وتوقيت اليابان، وليلتها لم أستطع النوم. عشت ليلتها والليلة التالية في صراع داخلي مرير، بين أن أرتهن لوظيفة أو أنتمي للشعب، لأنني تربيت على أخلاق ومبادئ أسرة عريقة ناضلت من أجل الحرية وقيم العدالة؟ فاتخذت القرار بالإنتصار لشعبي وضميري.

وقد أرسلت استقالتي للأخ وزير الخارجية بالبريد الاليكتروني بعد ظهر يوم 20 مارس بتوقيت طوكيو، وكان قد سبقني بساعات سفيرنا في نيويورك الأخ عبدالله الصايدي بتقديم استقالته من عمله هناك كسفير لليمن لدى الامم المتحدة. ومساء نفس اليوم، اتصل بي الاخ أبوبكر القربي وزير الخارجية عارضاً على الانتقال الفوري من اليابان إلى نيويورك، لملء الفراغ الكبير الذي سببه رفض الاخ عبدالله الصايدي الرجوع عن استقالته، للدفاع عما جرى. فأجبته بأني اعتذر عن ذلك، لأنني لا أستطيع الانتقال إلى نيويورك ولن أستطيع البقاء هنا في طوكيو، فاستغرب ردي على عرضٍ كهذا،متسائلاً ما الحاصل؟ قلت له ربما انك لم تطلع على رسالتي إليك في البريد الاليكتروني؟ وكان في مكتبه حوالي الثالثة بعد الظهر بتوقيت صنعاء، فاطلع على البريد، وسألني إن كان من الممكن التراجع عن الاستقالة، وأجبته بأنني لا استطيع، لأنني لن أفيد في الدفاع عما جرى، ولا استطيع ان اعمل وأتآمر على الحكومة. وقلت لوزير الخارجية لا أستطيع أن أبرر للعالم ما حدث سواء في جمعة الكرامة أو الجرائم التي سبقتها، وسأعود إلى بلدي. واتذكر أن استقالتي أعلنت هنا في صنعاء اليوم التالي 21 مارس.

الحقيقة أن السلطات العسكرية والأمنية قد استخدمت الغازات المسيلة للدموع السامة ضد المتظاهرين، من قبل جمعة الكرامة، والتي لا تستخدم ضد أي مظاهرات سلمية مدنية في العالم، هي من الغازات المسيلة للدموع سامة تستخدم في اقتحام أوكار الإرهابيين المسلحين لشل حركتهم. لذلك عجز الأطباء اليمنيون في المستشفيات الميدانية عن التعاطي مع الذين استنشقوا هذه الغازات. وأنا متأكد من أنها من ضمن المعونات التي قدمت لبلادنا من أجل مكافحة الإرهاب من الولايات المتحدة الأمريكية، فاستخدمت ضد المتظاهرين قبل وبعد جمعة الكرامة، بالنسبة لمجزرة جمعه الكرامة كانت جريمة مرتبة مع سبق الإصرار والترصد لعمل بهدف اجتثاث الثورة الشبابية السلمية. وكانت محاولة فاشلة في النهاية.

ــ ما موقف الدبلوماسيين اليمنيين والعاملين معك في السفارة؟

لم يكن معي إلا دبلوماسي واحد من الدرجة الصغيرة كان أثناء جمعة الكرامة موجودا في صنعاء، وقد طلبت من وزير الخارجية توجيهه بسرعة العودة لاستلام السفارة مني، أما عن مشاعر اليمنيين المغتربين هناك وبعضهم كان من الأساتذة الجامعيين الذين يعملون هناك، فقد كانت لا توصف في الوقوف مع الثورة.

ــ ما موقف اليابانيين أيضا؟

اليابانيون عندما قدمت استقالتي عبروا عن تعاطفهم معنا وعما يحدث للشعب اليمني، كانت مواقفهم إيجابية، وكانت اليابان قد استشعرت خطورة الاوضاع الامنية وكانت اول دولة اغلقت سفارتها، وسحبت سفيرها والدبلوماسيين واعضاء وكالة التنمية الى أبوظبي، وأوقفت اليابان كل مساعداتها ومشاريعها قبل يومين من جمعة الكرامة في 16 مارس، دون إخطار الخارجية في صنعاء، وانما عبر السفارة اليمنية في طوكيو. وكذلك كانت مواقف أعضاء السلك الدبلوماسي العربي والأجنبي هناك، وغادرت والناس كلهم متعاطفون معنا، الشارع الياباني كان متعاطفا معنا، العالم كله. وقد عدت إلى صنعاء ولم أبارحها حتى اليوم. وبمجرد عودتي لم تملك وزارة الخارجية إلا أن استغنت عن عملي وأحالتني إلى التقاعد.

ــ هل تواصل معك رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية بعد ذلك؟

كان العتاب من الأخ الوزير أثناء المكالمة التي تحدثت فيها معه عندما طلب مني الانتقال إلى نيويورك، فقلت له: إنني لا أستطيع الدفاع عن الجرائم التي حدثت، وأن تلك الجرائم التي سوف تصل ملفاتها إلى نيويورك، وهو ما حدث بالفعل، لأن الثورة التي كانت تطالب بإسقاط النظام لم تكن ثورة عبثية، بل كانت تستند إلى واقع مرير ومتردي من جميع النواحي، الناس لم تخرج من فراغ. ولما استفسر الوزير عن امكانية التراجع عن رأيي والعدول عنها، فقلت له إن الأخلاق التي تربيت عليها لا تسمح لي بالبقاء في هذا المنصب بعد أن أعلنت استقالتي على الإطلاق، وإنني تربيت على قيم الثورة ضد الظلم والاستبداد والفساد، وضد كل ما هو باطل. قلت له: هل يعقل أن أرى ثمانية وخمسين من أبناء الشعب اليمني الذين نمثلهم في العالم الخارجي ونطلب العون لهم ونحن نعرف فساد النظام، هل يعقل ان يقتلون ولا أتخذ بشأنهم موقفا؟ لا أستطيع أن أقول للعالم الخارجي إن ما فعله النظام عملاً للحفاظ على الامن والسكينة العامة، وأن خروج هؤلاء فعل إرهابي كما يدعي هذا النظام! وطلبت منه إبلاغ الرئيس السابق بذلك. وبالطبع فقد كان هذا الموقف أحد أسباب الاستغناء عن خدماتي في الوزارة، بعد ثمانية وثلاثين عاما خدمة في السلك الدبلوماسي.

ــ بحكم عراقتك في الوزارة وطول فترتك.. ما هي أبرز قضايا الفساد في هذه الوزارة التي طفحت فيها مظاهرة خاصة خلال الفترة الأخيرة؟

أعتقد ان وزارة الخارجية والسلك الدبلوماسي ليس استثناء مما تراه في كل أجهزة الدولة بشكل عام من فساد وسياسي ومالي وإداري، وأي إصلاح يستهدفه التغيير في الفترة الانتقالية يجب أن يشمل الجميع.

ــ لكن يبقى فساد السلك الدبلوماسي على وجه التحديد استثنائيا نظرا لحساسية العمل نفسه وأثره المباشر والكبير على الدولة؟

نعم، السلك الدبلوماسي عمل مهني وتخصصي، مثله مثل الجيش، مثل القضاء، مثل الأمن، ليس مجرد إدارة عادية لان السلك الدبلوماسي يمثل البلد والمفترض ان يعكس سياساته أمام العالم الخارجي، وأي اختلال في أداء هذا الجهاز، تكون سلبياته كبيرة.

ـ هل تتوافر المعايير الدبلوماسية بصورة صحيحة في العاملين في هذا القطاع؟

إلى حد كبير هناك دبلوماسيون محترفون من السفراء ومن دونهم من الدرجات، لكن النظام نجح خلال الفترة السابقة في اخضاع الوزارة والسلك الدبلوماسي لهيمنة أجهزة الأمن وشخص الرئيس مباشرة، بعيدا عن الوزير ورئيس الوزراء، وبالتالي تجد هناك البعض ممن ارتضوا لأنفسهم أن يرتبطوا بالأجهزة الأمنية حتى من الدرجات الوظيفية الدنيا. وقاد هذا الوضع بالضرورة إلى وصول الكثيرين الى مواقع قيادية وخلق مصالح متشابكة داخل وزارة الخارجية والسفارات، مما اثر سلباً على طبيعة ونوعية الدبلوماسي، في داخل وزارة الخارجية وفي البعثات على حد سواء، وعلى اداء الوزارة والسفارات. وهذه الاختلالات ادت الى مخالفات لقانون السلك الدبلوماسي والقنصلي ولائحته التنفيذية، من اختلال في هيكلية وزارة الخارجية وفي القبول والتسكين والترقية والتعيين في ديوان الوزارة وفي البعثات على حد سواء. وهكذا ان النظام سخر السفارات التي يريدها لخدمته. وعلى سبيل المثال تجد ان السفير في واشنطن منذ 1997 حتى الآن، هو صهر رئيس الجمهورية السابق، ومن بين اعضاء السفارة عدد من أبناء الرئيس واحفاده، وهو أمر لايحدث في أي بلد ولا حتى في أي حكم ملكي. ومن العبث ايضاً ان هناك دبلوماسيين ممن ارتبط بشبكات المصالح وعادوا للعمل في الديوان لايزالوا ضمن طاقم السفارة هناك مستفيدين من وضعهم الدبلوماسي بطريقة غير شرعية. ويمكن ان تجد هذا الوضع متكرراً في عدد من السفارات والبعثات. وهناك أمثلة اخرى لسفراء في مناطق اخرى ممن اقتحموا وزارة الخارجية اقتحاماً باوامر عليا.

ــ طيب ما المانع إذا كان هؤلاء دبلوماسيين محترفين؟

إن قبلنا ان السفير في واشنطن قد ارتبط بوزارة الخارجية بشكل أو بآخر، غير أن استمراره في ذات المنصب مايزيد عن خمسة عشر عاماً، أمرٌ استثنائيٌ. وبالنسبة للأبناء فلا بأس ان كانوا محترفين، ووفقاً للقواعد المرعية، ولكن هذا العدد في سفارة واحدة امرٌ غير مسبوق. وهم ليسوا محترفين، وليس لهم أي علاقة بالعمل من أساسه، وبهذا يتمتعون بمزايا وحصانات دبلوماسية ليست من حقهم. لقد اصبحت غالبية السفارات أصبحت مثل الضيعات والملكيات الخاصة لأصحاب المصالح والمقربين من النظام ومن شبكة المصالح المتشابكة.

ـ هل لهذه الدول موقف مما يعتمل داخل هذا الكيان المؤسسي باعتبار العمل الدبلوماسي عملاً مشتركاً تتحدد على ضوئه مصالح الأطراف؟

بالطبع. فالعلاقات الخارجية والتعاون الدولي طريق ذو اتجاهين. غير ان العالم يعرف كل شيء، والعالم يدرك ما نحن فيه. ومن هنا، نجد ان أداء سفاراتنا وبعثاتنا ضعيف جداً، وأن علاقاتنا الخارجية تتحرك عبر سفارات وبعثات الدول والمنظمات الدولية في صنعاء، الا فيما ندر. بل ان هناك وزارات اخرى مغتصبة اختصاصات أصيلة لوزارة الخارجية وبعثاتها. ومؤخراً، قامت السلطات الامريكية بإقفال حسابات السفارة اليمنية في واشنطن والوفد الدائم اليمني لدى الامم المتحدة في نيويورك مؤخراً ووضعها تحت رقابة اجهزة الأمن الامريكية، نجم عنه منع بلادنا من التصويت في الامم المتحدة للتخلف في دفع التزامات بلادنا في الامم المتحدة وأربك تشغيل البعثتين ودفع مستحقات الدبلوماسيين والموظفين المحليين. ولم تتمكن البعثتين في واشنطن ونيويورك ووزارة الخارجية من رفع الرقابة على الحسابات. وهذه ليست المرأة الاولى، فقد اوقفت حسابات السفارة في واشنطن من قبل، واستدعي احد اعضاء الوفد الدائم في نيويورك، وهو المسئول المالي، للاستبيان حول دخول مبلغ خيالي بملايين الدولارات الى حسابه، واطلق الحساب بعد ان عرف الأمريكان ان هذا الموظف وسيطاً في استلام عمولات تخصه مع بآخرين عن عملية شراء عقار باسم البعثة كسكن للسفير. هذا يدلل على ان بعثاتنا تحت المجهر.

ــ لو تحدثنا عن تخمة السفارات التي تمثل بلادنا في الخارج في بلدان هي نفسها ليس لها سفارات لدينا وهي من الدول الكبيرة؟

رغم ان اليمن من اكثر الدول فقراً في العالم مما يقتضي ضبط الإنفاق الخارجي، الا ان خارطة التمثيل الدبلوماسي اليمني في الخارج فيها اختلال كبير، تعكس الى الاختلالات والارتجالات الموجودة في الوطن. هناك بعثات دبلوماسية في العواصم العربية كضرورة سياسية لتمثيل اليمن في جميع الدول العربي. ولكن هناك كثير من التبذير والتبديد في الإنفاق على عدد من البعثات وعلى عدد من الملحقيات الفنية الثقافية والإعلامية والصحية والعسكرية.

في اوربا، تحتفظ اليمن بسفارات في دول لا وجود لسفارات لها في صنعاء، بل ان بعضها اغلق سفارتها لدينا لاسباب مالية، مثل المجر ورومانيا وبولندا.

وهناك، عدد من المنظمات الدولية في اوربا، الغالبية العظمى منها في جنيف في سويسرا في المقر الاوربي للأمم المتحدة، وعدد آخر في فيينا وفي روما الى جانب منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم في باريس، ومقر الاتحاد الاوربي في بروكسل. تتولى التمثيل في هذه المدن بعثة دائمة في جنيف، والسفير في فيينا يتولى تمثيل اليمن في المنظمات الدولية المتخصص التي تتخذ من فيينا مقراً لها، كما تتولى السفارة في روما تمثيل اليمن لدى المنظمات المتواجدة في روما. وهي ترتيبات تتفق وحالة اليمن المالية. ولكن في باريس، نقوم بالإنفاق على بعثة دبلوماسية كاملة يرأسها سفير، في حين ان السفارة في باريس يمكن ان تغطي هذه المهمة، وكانت تقوم بذلك قبل ان يتم عزل الوفد اليمني لدى اليونسكو عن السفارة. وللأسف ان السفير المندوب الدائم لدى اليونسكو تم تعيينه صيف العام الماضي في خضم الثورة ضد النظام، وليس مؤهلاً لشغل هذا المنصب الرفيع، وكان السفير الجديد حتى تعيينه موظفاً بدرجة متواضعة في السفارة في باريس، وتم تعيينه كسفير لوجاهات في البلاد. واليمن ليس اي سفارة في الدول الاسكندنافية، وهي دول مانحة والتي تلعب دورا كبيرا في تقديم المعونات للدول النامية، كان يجب أن يكون لنا تمثل هناك، تخيل لدينا سفارات في المجر ورومانيا وبولندا، في وقت اغلقت في هذه الدول سفاراتها في صنعاء لاسباب مالية. 

ولدينا سفارة في كندا، مع أن كندا لم تفتح لها سفارة في اليمن بحجة تقليص الإنفاق الخارجي، أيضا لدينا سفارة وسفير في جاكرتا في أندونوسيا، غير انه تم افتتاح سفارة يمنية لدى منظمة “آسيان” بسفير آخر وسفارة أخرى، وهي منظمة لدول جنوب آسيا مقرها في جاكرتا، كنوع من العبث والترف، لأن لليمن ليس لها علاقة بهذه المنظمة لا جغرافية ولا سياسية!! وبالمقابل، فإن دولة مهمة مثل كوريا الجنوبية وهي من الدول المانحة فتحت سفارة لدينا قبل ثلاثة اعوام، ونحن نتلكأ في افتتاح سفارة لنا هناك حتى الآن. ونحتاج ايضاً الى سفارة هناك لانها من اكبر المانحين وشريك تجاري لليمن، كما نحتاج الى سفارة لتمثيل اليمن في البرازيل او الأرجنتين.

يترتب على هذا الإنفاق الترفي العجيب هضم وظلم لحقوق كثير من الموظفين بحجة شحة الموارد. والواقع أن المشكلة ليست مشكلة موارد، بل مشكلة إدارة الموارد المتاحة. هناك مخصصات مالية تصرف لعدد كبير في الخارج لا علاقة لها بالسلك الدبلوماسي على شكل مرتبات من مخصصات الوزارة وبعثاتها، بموجب “أوامر عليا”!! وهذا مخالف للقانون، ووزارة الخارجية لا تجرؤ على القول بأن هذا مخالفاً للقانون!! وهذا فساد تراكم وترسخ منذ سنوات عديدة. هل يعقل أن يكون الطقم الذي يدير وزارة الخارجية وكيلا للشئون المالية والادارية لمدة اثني عشر عاما؟ هل يعقل ان يظل مديراً للشئون المالية والإدارية لمدة اثني عشر عاما؟ ونفس هذا الشخص هو مدير الحسابات قبل ذلك. ان هؤلاء حتى وإن كانوا عباقرة في اعمالهم او ملائكة فشبهة الفساد قائمة. ان شبكة المصالح والفساد في وزارة الخارجية لا يمكن تصورها لأن جذورها ضاربة في العمق. تخيل ان وكلاء الشئون المالية والإدارية منذ الوحدة هما وكيلان فقط، الاول شغل المنصب حتى عام 2000، وكان في ذات المنصب قبل الوحدة لسنوات. والثاني خلف الاول ولايزال يشغل هذا المنصب حتى اليوم، ووصل الى المنصب هذا بدفع من سلفه، وقفز الى هذا المنصب من درجة صغيرة وخبرة متعلقة بالعمل المالي ليصل الى درجة وكيل التي لايشغلها الا ممن وصلوا الى درجة سفير في الاصل!! انها مفسدة.

ــ من هو الذي يحدد السياسات العامة وسياسة العمل الدبلوماسي لوزارة الخارجية؟

ليست هناك أية سياسات مرسومة، حاولنا مرارا وتكرار أن نساهم في رسم سياسات صحيحة وهي محاولات موثقة ولكنها كانت ترفض. وكان آخرها قبل ثلاث سنوات عندما دعت الوزارة الى مؤتمر للسفراء لتقييم الأداء الدبلوماسي ورسم السياسات واعتمدت الأموال لذلك، وقامت كل السفارات بإرسال برؤيتها للمشاركة وأنا ممن أرسلت رؤيتي، والذي حصل انه المؤتمر أوجل ثم الغي وضاعت المخصصات وتبخرت الرؤى.

ــ على ضوء ما تحدثت به وهو حديث يدمي القلب ويبكي العين.. ما ذا عن صورة اليمن واليمنيين في الذهنية الخارجية لدى الأشقاء والأصدقاء؟

نحن دولة فقيرة وفاشلة في نفس الوقت، وهو وضع يعلمه المجتمع الدولي، وبالذات الدول المانحة، هم يعلمون أن هناك نظاما فاسدا، وحكومة لطالما كانت مطالبة بإصلاحات في كل المجالات. ومنذ حرب 1994 كانت هناك مطالبة بإصلاح النظام السياسي، والحوارات التي طالما استنزفت لسنوات بين المعارضة والحزب الحاكم كانت أشبه بحوار الطرشان. العالم الخارجي يتابعنا عن كثب ويعرف أوضاعنا، والإدراك الكبير لدى العالم الخارجي بها هو الذي دفع المجتمع الدولي بالتوافق على مساندة الثورة اليمنية والخروج بالحل السياسي التوافقي الذي نص عليه قرار مجلس الأمن رقم 2014. الأصدقاء أدركوا الموقف تماما وما آل إليه منذ حرب 1994، وكانت الرسائل لليمن من وقت مبكر من كثير من مراكز الأبحاث العالمية في بريطانيا وأمريكا، بأن اليمن دولة فاشلة، وأن اليمن أصبح مرتعا للقاعدة، وكل هذا كان مراقبا، وكانت أول رسالة فيما تسميه الحكومة السابقة مؤتمر المانحين في 2006م بلندن. قام المانحون بربط تقديم التعهدات التي التزموا بها بإجراء إصلاحات سياسية في إدارة الدولة والحكومة وحل المشاكل القائمة داخل البلد حيث بدأ الحراك الجنوبي وحرب صعدة، في مواجهة تعنت حكومي بانها مؤامرات خارجية. وظل النظام يتحجج بأن المانحين لم يقدموا ما تعهدوا به، في حين كانت هذه إخفاقات وفشل الحكومة في الوفاء بالتزاماتها السياسية وفي تقديم مشاريع محددة لاستيعاب تلك الاموال.

ــ لكن ما حصل بعد هذه الاشتراطات وبعد المؤتمر أن الفساد زاد بصورة أكثر؟

الفساد قائم منذ أمد، وما تراه أمامك من فساد هو آذني الجمل فقط، الفساد مترسخ منذ عقود، المجتمع الدولي أدرك مؤخرا أن الشعب اليمني لم يعد يحتمل المزيد من الفساد، الثورة جاءت لتشعل الشرارة فقط، وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير، والقطرة التي أفاضت البحر.

ــ كنتم تقدمون للنظام النصائح والتوجيهات من سابق؟

عندما تقول النظام تقصد النظام والارتباط العضوي والارتباط المصلحي في شبكة الفساد الكبيرة. والحقيقة لم يكن كل السفراء أو الموظفين الكبار خاضعون. الكثير منا كنا نعرف وندرك ما تواجهه بلادنا. وشخصياً، أنا كنت أتابع الوضع الداخلي من الخارج فقد كنت سفيرا في دولة مانحة. كثير منا نكتب تقارير بواقع الحال وملاحظات العالم الخارجي كما نقرؤها. وكتبت بشأن ما اتلقاه من ملاحظات وانتقاد من هيئة المعونة اليابانية ومن وزارة المالية، من وزارة الخارجية. ونبهت الى خطورة ماتمر به اليمن كما آراه من الخارج. وقد كان وزير الخارجية في زيارة لليابان في نوفمبر 2010 لبحث العلاقات الثنائية والتحضير لمؤتمر أصدقاء اليمن في الرياض في فبراير 2011، وسمع آراء اليابانيين بنفسه، وبذل وزير الخارجية جهوداً كبيرة لتشارك اليابان في اجتماع اصدقاء اليمن الذي كان مرتقباً في الرياض في فبراير 2011 الذي ألغي بسبب ثورة الشباب السلمية. وتمكنت كسفير لبلادي لدى الصين من الحصول على تسهيل ائتماني بمبلغ مليار دولار لتمويل أية مشاريع تقترحها اليمن. وكان ذلك قبل مؤتمر المانحين في لندن الذي قدم قرابة 4 مليارات. هذا التسهيل لايزال بالإمكان استخدامه في مشاريع عاجلة في الطاقة وغيرها. وتم التوقيع على مذكرة التفاهم في زيارة الرئيس السابق الى الصين في ابريل 2006. والذي قاوم التمويل كانت وزارة التخطيط والتعاون الدولي بحجج واهية.

ولاجتماع اصدقاء اليمن هذا قصة. في عقب محاولة تفجير النيجيري للطائرة الامريكية في ليلة عيد الميلاد في ديمسبر 2009 الذي تدرب في اليمن، تقدم رئيس الوزراء البريطاني بتنسيق مع الولايات المتحدة بدعوة لعقد مؤتمر دولي خاص بدراسة الوضع الامني في اليمن، على هامش مؤتمر خاص بأفغانستان. وعقد المؤتمر في مطلع يناير 2010، وقد أسمته الحكومة اليمنية بأنه مؤتمر المانحين ولم يكن أصلا للمانحين، كان مؤتمرا دوليا لمناقشة الوضع في اليمن. وخرج المؤتمر بخمس آليات لمساعدة اليمن في مواجهة التحديات التي تواجهها، وإحدى هذه الآليات انشاء مجموعة أصدقاء اليمن. والثانية آلية مجلس التعاون الخليجي، تختص بتحليل العوائق التي تحول دون تقديم دعم فعال لليمن بما يؤدي إلى حوار مشترك مع الحكومة اليمنية يشمل أولويات الإصلاح. وألآلية الثالثة آلية صندوق النقد الدولي لمواصلة أجندة الإصلاحات. والرابعة آلية قرار مجلس الأمن الدولي الخاصة بفرض عقوبات على الأشخاص والهيئات المرتبطين بالقاعدة. واخيراً، آلية دعم الحكومة اليمنية في محاربة القاعدة وكافة أشكال الإرهاب.

وبالفعل بدأ الترتيب لعقد اجتماع اصدقاء اليمن، في 24 سبتمبر 2010، وذلك باتفاق يمني سعودي بريطاني، بغرض استعراض التقدم المحرز منذ اجتماع لندن في يناير 2010، وإعطاء دفعة قوية للعمل المستقبلي لأصدقاء اليمن، وأوضح البيان المشترك الصادر 2 سبتمبر بالتزامن في صنعاء والرياض ولندن أن الاجتماع سيركز بشكل خاص على دعم العملية السياسية من خلال حوار وطني شامل، يؤدي إلى إجراء انتخابات نيابية حرة ونزيهة متعددة الأحزاب في ربيع عام 2011 الى جانب الجوانب التي تطرق لها اجتماع لندن. وانعقد اجتماع نيويورك في موعده وخرج ببيان مشترك مطول عالج كل التحديات والمطالب التي رأت فيها الحكومة انه يمثل تدخل في الشئون الداخلية ومؤامرة دولية لاسقاط النظام. وعندها أدرك المجتمع الدولي أنه ليست هناك جدية في تعاطي الحكومة في اليمن إزاء كل التحديات التي تواجهها.

ـ ما هي الجوانب التي طلبت منا مجموعة أصدقاء اليمن إصلاحها في العملية السياسية؟

ان ماسبق ان نصحوا به هو تماماً ما نحن بصدده اليوم!! تشكيل حكومة وفاق وطني.. الانتقال إلى وضع جديد يتضمن إصلاحيات دستورية.. إصلاح الحوكمة.. إصلاح القضاء.. إصلاح الأجهزة الأمنية وتدخلاتها في الشئون العامة.. التفاهم مع الحراك الجنوبي.. إنهاء حرب صعدة ومشاكل الحوثيين.. هذا الذي كان مطلوبا قبل الثورة. بيان نيويورك الصادر في 24 سبتمبر 2010 فيه تفاصيل كل المتطلبات الواقعية التي اعتبرها النظام والحكومة السابقة مؤامرة خارجية ضد اليمن.

ـ ما ذا يعني فشل السلطة والنظام في احتواء هذه المقترحات وتنفيذ الإصلاحات، وكذا فشلها في التعامل مع كل المؤتمرات الدولية التي من شأنها مساعدة اليمن؟

هذا يعني فقدان الإرادة السياسية الصادقة في تحقيق الاصلاح الذي كان الجميع يطالب به منذ حرب 1994. وهذا هو الفشل بعينه، فشل في إدارة الموارد، وفشل في رسم السياسات. نحن دولة فقيرة نطالب العالم الخارجي منذ العام 2006 بأربعة مليار دولار، وهناك من نسمح له بأن ينهب من موارد النفط لدعم المشتقات النفطية المنهوبة والتي لا تدخل اليمن والمسيطرة عليها أركان في أجهزة النظام حوالي اثنين مليار دولار سنويا!! بل ربما أكثر من ذلك تذهب إلى جيوب أشخاص يعدون على أصابع اليدين، ناهيك عن الأرقام الوهمية في أجهزة الأمن والأرقام الوهمية في تعداد الجيش، والفساد المتفشي في كل مرافق الدولة، وعجز عن تلبية متطلبات التنمية. العالم يعرف اننا اذا أنهينا هذا النهب القائم وأحسنا إدارة مواردنا سنحقق اهداف التنمية.

ــ ألا ترى أن وزارة الخارجية ممثلة في شخص الوزير بالدرجة الأولى كان عليه اتخاذ موقف أو على الأقل تبيين الحقائق للناس؟

هناك وزراء آخرون اتخذوا مواقف من الثورة الشبابية السلمية وقرروا عدم الاستمرار العمل مع النظام. الاخ الدكتور القربي كوزير للخارجية، ربما انه كسياسي يحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه، غير ان الأمور كانت بينة ان النظام قاد البلاد الى الهاوية. والقرار قرارا فرديا يتحمل نتائجه هو شخصيا. أنا هنا لا أستطيع أن ألومه أو أدافع عنه، فلعله يرى أن قراره هو الحق. وفي النهاية أن تقبل أن تكون في وجه المدفع فعليك أن تتحمل النتائج. تأتي لحظات يجب على الإنسان أن يتخذ قرارا حاسماً في حياته. والحقيقة أنه حدث انحدار كبير في مسار وزارة الخارجية بصورة كبيرة وفي المستوى الذي كانت عليه قبل ذلك عام 2000، دون ان يعني ذلك انه كان وضعاً مثالياً. ولكن الإنصاف يقتضي الا نحمل وزير الخارجية الدكتور أبوبكر القربي وزر كل ما حدث في الخارجية. وزارة الخارجية مثلها مثل أي جهاز في الدولة كانت مسخرة لشخص الرئيس ونظامه، والخارجية مثقلة باختلالات مثل بقية الأجهزة.

ــ كيف تنظر إلى اداء وزارة الخارجية منذ بداية الثورة؟

أداؤها كان متدنٍ جدا لأننا كنا نواجه العالم الخارجي بمتطلبات ترفضها الحكومة اليمنية وتمثلها وزارة الخارجية . هيمنة النظام وهيمنة أجهزة الأمن وهيمنة الحكم الفردي وإقصاء الآخرين وعدم الاستماع الى آرائهم أوصلنا إلى الشلل الكامل، فعندما حدثت الثورة تعاطت وزارة الخارجية بشكل سلبي مع سفاراتها. هل تعلم أنه بعد موجة الاستقالات التي أعقبت جمعة الكرامة لم نتلق أية ايضاحات حول حقيقة ما يحدث، بل أن أجهزة الأمن عبر وزارة الخارجية أرسلت لنا صيغة اعتذارات جاهزة طالبة منا تغيير مواقفنا، وقالوا: من أراد أن يستمر في استلام راتبه في الخارج فله ذلك، وكل السفراء الذين أعلنوا استقالاتهم لا يزالوا في مناصبهم لأنهم فضلوا البقاء في المنصب على الرغم من قناعتهم من عدم سلامة ما قامت به الحكومة يوم جمعة الكرامة وخلال الثورة، وقبلوا أن يتسلموا رواتبهم في الخارج مقابل التراجع عن مواقفهم. فهل يعقل أن تطلب وزارة الخارجية من سفرائها المفترض فيهم أن يكونوا وصلوا إلى قمة تمثيل الدولة في الخارج أن تطلبهم منهم الاعتذار عن مواقفهم المعلنة والتراجع عنها؟! كانت مهزلة!! ولم يعد من السفراء إلى اليمن إلا أنا والأخ عبد الوهاب طواف سفيرنا في سوريا.

ــ يقول البعض إن الوزارة إلى الآن لا تزال في خدمة النظام السابق؟

وزارة الخارجية جزء من حكومة الوفاق الوطني التي لازالت بمكوناتها السابقة الكاملة وإن تغير رئيس الحكومة الوزراء. لا تزال الحكومة تؤدي نفس الأداء السابق بنفس الأدوات والأليات ومفهوم الادارة والحكم الموروث، لا تزال الأجهزة الأمنية مهيمنة بنفس الوتيرة في النظام السابق، لسبب بسيط هو أن الحكومة لم تقم حقيقة بالانطلاق بتنفيذ ما يخصها مما نصت عليه المبادرة الخليجية، للخروج بالبلاد مما هي فيه وفرض المعالجات التي تعيد ضخ الدم في شرايين الاقتصاد المنهك، وتنقذ الناس من معاناتها المتفاقمة. ولازال الوطن كله مرهوناً في يد مجموعة ممن يغامرون ويقامرون بأمنه واستقراره.

الحكومة بموجب الآلية مطالبة بالعمل على ضمان وقف جميع أشكال العنف وانتهاكات القانون الإنساني، وفض الاشتباك بين القوات المسلحة والتشكيلات المسلحة والمليشيات والجماعات المسلحة الأخرى، وضمان عودتها إلى ثكناتها، وضمان حرية التنقل للجميع في جميع أنحاء البلد، وحماية المدنيين وغير ذلك من التدابير اللازمة لتحقيق الأمن والاستقرار وبسط سيطرة الدولة. وهذه أمور لم تتحقق حتى الآن، مما اثر على تيسير وتأمين وصول المساعدات الإنسانية المقدمة من المجتمع الدولي. ولم تتمكن حتى الآن من إطلاق سراح الذين احتجزوا بصفة غير قانونية، ولاتزال النيابة العامة ودوائر الشرطة والسجون والأمن ترفض ان تتصرف وفقاً للقانون والمعايير الدولية. ومن المهم ملاحظة ان الحكومة لا تعمل وفقاً لمعايير الحكم الرشيد وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. ووزارة الخارجية وسفاراتنا لم يحدث فيها اي تغيير على الاطلاق حتى هذه اللحظة، ولايزال القابضون عليها هم نفس الاشخاص، ولاتزال تؤدي نفس الوظيفة السابقة، ولاتعمل لخدمة التحول والتغيير والثورة.

هل هناك فهم كامل لوضع البلاد الحرج؟

اليمن منذ صدور قرار مجلس الأمن رقم 2014 نوفمبر الماضي،في وضع فريد يشبه وضع الوصاية الدولية، وهو يؤسس لقاعدة جديدة في تاريخ الأمم المتحدة والقانون الدولي قضت بأن شرعية الدول وسياداتها تنتهي بانتهاكات حكوماتها لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي، وتطلب من رئيس البلاد أن يستقيل من منصبه بسبب انتهاكات حقوق الإنسان ولتهديد الأمن والسلم الدوليين. الآلية التنفيذية جاءت أيضا إعلانا دستوريا يستند إلى قرار مجلس الأمن، وعلق الدستور وعلق القوانين النافذة وحدد خارطة طريق لليمن حتى انتخابات 2014.

هناك قصور في فهم الآلية التنفيذية والمبادرة الخليجية لأنهما اليوم دستور البلاد والمرجعية الدستورية، مجلس النواب لا شرعية له، مجلس الشورى لا شرعية له، أعضاء مجلس النواب شرعيتهم من الآلية. وقد عزز هذه الشرعية مؤخرا قرار الرئيس أوباما بأن من يعترض مسيرة الانتقال السلمي لتلبية طموحات الشعب اليمني بأن ذلك من قبيل تهديد الأمن القومي الأمريكي والسياسة الخارجية الأمريكية، وهدد بتجميد أرصدة وممتلكات كل من يعترض تنفيذ الآلية التنفيذية وقرار مجلس الأمن، والتهديد ليس لأركان النظام السابق فحسب بل ولكل الأطراف التي تعيق التقدم نحو إنجاز استحقاق التغيير بدستور جديد وانتخابات جديدة، واجتماع أصدقاء اليمن مؤخرا في الرياض أوضح ذلك..

ــ هذا الاجتماع ربط المنح والمساعدات بمخرجات الحوار الوطني؟

صحيح. وهو أشار الى ان هناك اجتماع المانحين نهاية يونيو القادم، وهو نفس الموعد المحدد لإنهاء ترتيبات البدء في الحوار الوطني حسبما هو محدد في قرار انشاء لجنة التواصل. والبيان أشار الى ان الحوار مدته ستة أشهر من مطلع 1 يوليو إلى نهاية ديسمبر 2012، وثلاثة أشهر تنتهي في 31 مارس 2013 للجنة الدستورية لإنجاز مشروع الدستور وقانون الانتخابات، على ضوء ما سيتفق عليه كل اليمنيين في الحوار. وقد حدد بيان الرياض أن 31 ديسمبر 2012 هو الموعد النهائي لدمج الجيش وإعادة هيكلة القوات المسلحة، والأجهزة الأمنية. ومن مطلع ابريل 2013 وحتى 25 فبراير 2014، يجب على اليمنيين ان يكونوا قد فرغوا في إنجاز كل ما يلزم لأن ينتهوا من انتخاب رئيس جديد وهيئة تشريعية جديدة وفقاً للدستور الجديد. المجتمع الدولي يتابع كل صغيرة وكبيرة في اليمن ولايمكن ان يعطي أية امكانيات للتقدم ما لم نصلح انفسنا ونتهيأ ونؤمن البلاد والعباد. يجب ان يخرج اليمن واليمنيون من حالة الارتهان لمجموعة فاسدة.

ــ برأيك لماذا هذا الاهتمام الإقليمي والدولي باليمن إلى هذا الحد؟

مجلس الأمن أسس لسابقة جديدة في القانون الدولي وللأمم المتحدة منذ إنشائها عند ما نص في القرار أن رئيس هذا البلد الشرعي يجب عليه أن يترك منصبه وأن تتم الانتخابات بعد عامين فأسس لقاعدة في القانون الدولي وفي العلاقات الدولية هي أن حكومة الدولة التي تنتهك حقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي تعتبر حكومة غير شرعية لأن مجلس الأمن هو المعني بحفظ الأمن والسلم الدوليين، لذلك قرر أن الوضع في اليمن الآن فيه تهديد للأمن والسلم الدوليين، ليس للموقع الجغرافي فحسب كما يحال أن يصوره البعض فحسب، بل لإدراك المجتمع الدولي أن هذا الشعب يستحق أفضل مما هو فيه.

ــ طيب بالمقابل سوريا أو الشعب السوري لم يحصل على ذات المعادلة؟

المعادلة أخرى، فيها مدخلات أخرى، لم يكن التعامل نفس التعامل في ليبيا أيضا، هناك قصور في قراءة ما نصت عليه مقررات مجلس الأمن في دعم ثورات الربيع العربي. مجلس الأمن أعطى المجتمع الدولي الحق في التدخل في ليبيا لحماية المدنيين، وهذا مبدأ جديد في العلاقات الدولية، حماية المدنيين أصبح من مسئولية المجتمع الدولي، لذلك الذي تدخل في ليبيا لم تكن الأمم المتحدة فحسب.. هناك دول أخرى ساهمت في ذلك، القذافي سقط لاستخدامه القوة المفرطة ضد شعبه، فكان تسليح الثوار جزءا من حماية المدنيين الذين انتهك حقوقهم المشروعة في التغيير. ما حدث في ليبيا لم يكن في البدء سوى ثورة شعبية سلمية بدأت اعتراضات عادية في الساحات تطور بعد ذلك إلى ثورة مسلحة لحماية المدنيين.

والمعالجات حتى الآن في سوريا مؤسفة ومؤلمة، بسبب الفيتو الروسي والصيني. وهذا السبب تحديداً هو الذي قاد المجتمع الدولي الى الاعتراف بالمجلس الوطني ممثلاً شرعياً، واعتماد كوفي عنان ممثلاً للأمم المتحدة والجامعة العربية بمشروع شبيه بالتسوية السياسية في اليمن. وانتهج المجتمع الدولي منهجاً دبلوماسياً يتمثل في سحب الاعترافات بالحكومة السورية الشرعية وطرد المبعوثين الدبلوماسيين السوريين، وهو ما تم مؤخراً. وهذا الوضع سيتبعه بالضرورة، حسبما أعتقد، واذا فشلت مبادرة كوفي عنان واستمر الفيتو الروسي والصيني، ان تعترف الدول بحكومة منفى سورية يحتل ممثلوها السفارات والبعثات السورية، وهي التي ستكون مخولة في طلب مساندة العسكرية دولية لاسقاط النظام بالقوة، من خلال دعم من دول الحوار وليس بالضرورة بقرار دولي اذا لوحت روسيا والصين باستخدام الفيتو كسياسي ودبلوماسي، اعتقد ان التدخل العسكري لإنهاء نظام الاسد اصبح قاب قوسين او أدني.

ــ علي عبدالله صالح كان خير من خدم الأمريكان وكذا الإقليم.. فكيف استغنوا عنه بهذه الصورة؟

القاعدة هي منظمة دولية قامت على قيادات وكوادر المجاهدين الذين اسندوا عملية إسقاط الوجود السوفيتي في افغانستان. وجيل القاعدة الحالي، جيل آخر من المجاهدين. العالم يعرف قصة التطرف في اليمن وكيفية توظيف المجاهدين العائدين من افغانستان من قبل الرئيس السابق واستغلالهم في صراعاته السياسية مع الحزب الاشتراكي اليمني، قبل وبعد حرب 1994. والقاعدة ناشطة في اليمن منذ وقت مبكر في اليمن قبل أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة. وبسبب الجهود الدولية في مكافحة الارهاب التي تقودها الولايات المتحدة والغرب، وفي افغانستان وباكستان والمملكة العربية السعودية على وجه التحديد، حدث تسرب بعض من قيادات القاعدة وعناصرها إلى اليمن، نتيجة غياب هيمنة الدولة على مساحات كبيرة من البلاد. وفي عام 2009 أعلنت عناصر القاعدة في اليمن توحيد نفسها تحت اسم القاعدة في جزيرة العرب. وقداستغل علي عبدالله صالح تصاعد هجمات القاعدة، وبدأ توظيف وجودها في اليمن ليطلب من الولايات المتحدة تشكيل مساعدته في تشكيل وتمويل وبناء قوات مكافحة الارهاب والقوات الخاصة لمحاربة القاعدة. وبالفعل قدمت الولايات المتحدة والدول الاخرى مبالغ كبيرة. وسلمت قيادة هذه القوات لابناء الرئيس.

منذ بدايات الثورة الشبابية السلمية، ولجوء النظام لاستخدام العنف لقمع المظاهرات السياسية التي هبت في كل أنحاء البلاد، ومنذ مجزرة جمعة الكرامة، ادرك الأمريكيون أن الأسلحة التي استخدمت في مجزرة جمعة الكرامة تحديدا وأيضا الغازات السامة قبلها هي أسلحة أمريكية، وان القناصة هم القوات الخاصة ووحدة مكافحة الإرهاب التي دربها المستشارون الامريكيون، ولذلك قاموا بسحب المستشارين الأمريكيين الذين كانوا يتولون التدريب وأوقفوا كل معوناتها، لأنهم يدركون العواقب القانونية اذا تمت مقاضاة حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بسبب ان ماقدمته من معونات وتمويل كبير للنظام اليمني بغرض مكافحة الارهاب، تم استخدمها في قتل الشعب اليمني عندما طالب بحقوقه السياسية سلمياً.

بالاضافة الى ذلك، اتضح للولايات المتحدة ان هناك توظيفاً سياسياً من قبل النظام واجهزة الأمن اليمنية المعنية بمكافحة الارهاب منذ حادثة مقتل جابر الشبواني نائب محافظ مارب، مما أدى الى ان تقوم الادارة الامريكية بوقف التعاون مع الجانب اليمني. وقامت بتكليف وكالة الاستخبارات الأمريكية بأمر خاص من الرئيس أوباما بالقيام بعمليات الطائرات بدون طيار لضرب عناصر القاعدة في اليمن. 

اما أنصار الشريعة في الجنوب فلا علاقة لهم بتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، وتم تجهيزهم وتسليحهم من قبل العناصر الأمنية والعسكرية التابعة للنظام السابق من الإرهابيين السابقين وأطلقت ايديهم في أبين وشبوة، وسهلت لهم جهات في قيادة المنطقة الجنوبية الاستيلاء على المعسكرات وقتل الجنود الأبرياء وأسرهم.

والحملة العسكرية الأمنية الجارية لتطهير أبين وشبوة اليوم العلميات هذه مسنودة إسنادا عملياتيا واستخباراتيا دوليا بقوة، أي أن هناك معلومات أمنية على الأرض تجمعها عناصر أمنية يمنية جديدة من غير أجهزة النظام السابق وتزود بها القوات الجوية وبقية القوات التي أصبحت تحت سيطرة رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، يتم تزويد القوات اليمنية المساهمة في تطهير أبين وشبوة مما يسمى بأنصار الشريعة. القاعدة كتنظيم موجود، ولكن ليس لها علاقة بأنصار الشريعة، لان القاعدة لا تستخدم دبابات وقواعد صواريخ ومدرعات، والحرب على القاعدة حرب على الارهاب حرب طويلة المدى لايمكن الانتصار فيها إلا بالانتصار على الفقر وبالتعليم وتحرير الانسان من الحاجة والعوز.