قطر تقدم تجربتها الأمنية في إدارة الجوازات والخبرات والتدريب لوزير الداخلية اليمني إسبانيا تُواجه كارثة هي الاولى من نوعها... حداد وطني وعدد الضحايا في ارتفاع المليشيات تستكمل «حوثنة» الوظيفة العامة بقرارات جديدة لماذا تعرقل إيران انضمام تركيا إلى البريكس؟ إغتصاب الأطفال.. ثقافة انصار الله في اليمن صحيفة فرنسية...جنود الاحتياط ينهارون و 170 ألف جندي إسرائيلي يغرقون .. تفاصيل الإنهيار من الداخل ثمانية مرشحين لجائزة هدف الشهر في الدوري الإنكليزي تكشف عنهم رابطة الدوري وزير الأوقاف يشدد على اللجنة العليا للإشراف على موسم الحج انتقاء أفضل الخدمات لحجاج اليمن في كل المحطات مسؤول سوداني رفيع يكشف حجم الخسائر الاقتصادية الناجمة عن التهريب 55 ألف تأشيرة متاحة للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.. السفارة الأمريكية باليمن تمدد الموعد النهائي لتقديم طلبات الهجرة
مأرب برس - خاص
بالطبع شيء حسن وكريم ورائع أن يسود عالمنا دعوات التحاور والتفاهم والتفاوض، بدلا من نداءات التحارب والتصارع والتقاتل ، نسمع عن صيحات عاقلة وواعية في عالمنا تدعوا إلى الحوار والتفاوض ، من عقلاء الغرب ومفكريه وبعض منظماته ومؤسساته ، بمختلف انتماءاتها ودياناتها ، في أمريكا وأوربا ، كما ترتفع أصوات الشرق الإسلامي كذلك بنداءات الحوار من أجل السلام حتى لتكاد تسد آفاق الكون .
ومع أنه كما قلت شيء إيجابي وحسن وكريم أن يصبح الحوار لغة عالمية ، وثقافة شائعة وضرورة ملحة ، وواقعا لا بد منه ، إلا أن ثمة ملحوظات عابرة على هذه الدعوات تفرض نفسها ، على الحدث زمانا ومكاناً ، من أهمها :
1-
ثمة صعوبات وإشكاليات عميقة وكبيرة تقف في وجه الحوار الإسلامي الأمريكي والإسرائيلي والغربي عموماً ،
وضعها الآخر أمام هذا الحوار، وهي: كيف نفهم الحوار مع دولة استعمارية تدمر وتقتل وتشرد الملايين ، وتستخدم الأسلحة المحرمة دوليا ضد المدنيين؟! ، سواء في العراق أو أفغانستان ، كما هي العادة في كل حروبها ، في فيتنام ونكازاكي وهيروشيما ، وغيرها ، اقتضتها بالطبع ظروف الحوار والحرية والسلام الأمريكي ، أو كتلك الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية لمدينة الفلوجة التي اسودت وتفحمت بفعل قنابل النابال والقنابل العنقودية والغازات المحرمة دولياً ، التي أحرقت كل شيء ، حتى امتدت جرائم هذه الحرب إلى الطبيعة والحيوانات والطيور!! ، إنه ليصعب على كل عاقل أن يفهم نداءات الحوار الأمريكي في ظل هذه الأجواء القاتمة والمتفحمة ، كما أن موائد الحوار التي يراد لها أن تقوم بين العرب والأمريكان والإسرائيليين في أجواء مثل هكذا ملبدة بغيوم الغازات والقنابل التي تدمر مدناً وشعوبا بأسرها ، خلا العديد من السجون والمعتقلات وملايين المشردين والمعذبين الذين ينتظرهم الموت أو القتل ، الإسرائيلي أو الأمريكي ، أمر يجعل الحوار غير مفهوم ولا معقول بحكم الواقع والحال!! إلا أن يفسر على أنه حوار إملاءات وضغوط ، وتحقيق مزيد من المكاسب والتوسعات على حساب العقل والفكر والوعي العربي ، بعد أن اتسع على الأرض والجغرافيا ، ليس إلا
.
إن من متطلبات الحوار أن يكون في أجواء آمنة أو شبه آمنه ، أما أن تقام موائد الحوار على أنغام الأباتشي الأميركية وأزيز الصواريخ الإسرائيلية ، ومع نسائم قنابل النابال ، والإبادات الجماعية ، والحروب الخفية التي تشنها أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية ، فلعل دعاوى مثل هذا الحوار تكون والحالة هذه مجرد كسب للوقت ، وحربا أخرى رابحة من طرف واحد ، هو الطرف الأميركي والإسرائيلي ، حيث ينشغل العرب بإعداد بنود الحوار تعديلاً وإضافة وحذفا ، في الوقت الذي تقوم الآلة الحربية الأمريكية والإسرائيلية بحذف وإلغاء وإزالة جماعات وقرى ومدن عربية برمتها ، ولا يخفى على الدبلوماسية العربية الفرق بين الصورتين .
2- أمر آخر مطروح على الدبلوماسية العربية وهو ما الحوار المطلوب مع شخصية اعتبارية كبرى كأمريكا أو إسرائيل؟! ، كيف نفهم هذا الحوار مع دولة استعمارية أحادية؟! ، تقوم كما ذكرتُ على الحذف والإلغاء للمدن والدول ، فضلا عن إلغاء الرأي والكلمة ، إنها مسألة يصعب فهمها كذلك ، وهو أمر محل إشكال كبير ، إن دعوى الحوار هذه تشابه ما قاله أحد الزعامات العربية الديمقراطية على الطريقة الأميركية "دنا حافرمه!!" رغم إيمانه المطلق بالحوار الحر والديمقراطي
.
إن من المسلَّم به قطعا أنّ حوار القوي للضعيف غالباً ما يكون حوار إملاء وضغوط ، حتى على مستوى الحوزات الفقهية ، فدائما ما يكون حوار الشيخ والتلميذ غير متكافئ ، فمع الحق الذي لدى التلميذ لكن سطوة الشيخ وأبهته ، ربما حجبت الحق الذي لدى التلميذ ، ولو كان هذا الحق كجبال إيفرست ، إلا في النادر القليل ، إذا ما توافرت الشخصية الحوارية الذكية والفطنة والبارعة ، التي لديها المقدرة على كسب كل جولات الحوار ، وهو ما نؤمله ونرجوه من الدبلوماسية العربية ، في الوضع الراهن ، لكن تبقى الحقيقة باقية وماثلة للعيان ، أن حوار القوي للضعيف غالباً ما يكون حوار ضغوط وتنازلات ، من جهة الطرف الأضعف ، وهو ما نؤمل أن تتحاشاه الدبلوماسية العربية .
إننا نخشى أن ينجم عن حلقات الحوار العربي الإسرائيلي حول مبادرة السلام العربية مزيدا من التنازلات العربية ، ولن تقبل إسرائيل هذه المرة بأقل من أن يضم إليها جزء من العراق وسيناء لإقامة إسرائيل الكبرى ، من الفرات إلى النيل ، الحلم الذي تكاد إسرائيل تقترب منه ، أو لم يبق منه إلا التوقيع فقط من قِبَل ساسة الدبلوماسية العربية .
إن على أنظمتنا العربية التي تهفو وترنو للحوار ، مع العدو الإسرائيلي ، أن تعد لحوار ناجح وفعّال وإيجابي ، ولن يكون هذا الحوار على هذا النحو الذي نرجوه ، ما لم تتجاوز النظم العربية حالات التبعية والضعف ، والفرقة والشتات والصراعات الداخلية ، وأن تملك قرارها بيدها ، وأن تتجه صوب محاكاة النموذج الإيراني الذي استطاع أن يمتلك القوة النووية والاقتصادية المطلوبة لأي حوار مع الآخر ، حيث يكون الحوار هنا حقيقياً ومعقولاً ومقبولاً ، لا مجرد إملاءات من القوي المتجبر على الضعيف المسالم .
3- أمر ثالث يجب أن تضعه الدبلوماسية العربية في عين الاعتبار والحسبان ، أن هذا الضعف العربي متوهم وليس حقيقياً ، فلدينا من عوامل القوة والنصر والتحدي الكثير والكثير ، إن علينا جميعاً أن نعلم أننا أصحاب حق ، وحسب الحق قوةً ونصراً أنه الحق ، وان لدينا إيمان مئات الملايين من البشر بعدالة قضايانا ، كما أن لدى هذه الملايين حب التضحية والفداء والكرامة ، متى ما طُلب منها هذا ، وبالتالي فإننا نرفض حوار التنازلات والضغوط وحوارات الذل والاستسلام ، وكل آليات ذلك ووسائله ، مع إيماننا الدائم والمطلق بالحوار كمبدأ إسلامي
وإنساني ، لا بد منه
.
4- ثمة حوارات أراها ترقى إلى درجة الفرض أو الواجب الشرعي ، وأعني بها تلك الحوارات مع عقلاء الغرب ومفكريه ومنظماته الإنسانية ، يجب تعزيزها وتنميتها وتطويرها ، لقد وجدنا كثيراً – أيها السادة- من منصفي الغرب وعقلائه يقف وإيانا مع قضايانا ومشكلاتنا في خندق واحد ، لا بل وجدنا بعضهم يتقدم علينا أحيانا في بعضها ، لقد خرجت المظاهرات العارمة في أمريكا وأوروبا تندد بالحرب الأميركية على العراق ، في الوقت الذي خرصت كثير من العواصم العربية عن هذه الحرب ، وكأنها صماء بكماء ، لا ترى ولا تسمع ، وهاهم الغربيون اليوم يتقدمون علينا ثانية بكشف جرائم الحرب الأميركية في الفلوجة والعراق وغيرها ، بالوثائق والمستندات ، وبالصوت والصورة ، لقد جاؤوا من وراء البحار ، في الوقت الذي عجزت عدسات تلفزتنا العربية عن أن تنقل إلينا ولو جزءاً يسيراً منها ، تلكم العدسات التي لا يفصلها عن الحدث إلا اللهم بضع كيلومترات !! .
كذلك حتى على المستوى الكنسي ، رغم أن الكنيسة غارقة في المعتقدات الدموية ، إلا أن هناك بعضاً من عقلاء الكنيسة ، يمكننا أن نجد لدى بعضهم تفهماً وإصغاءا لقضايانا العادلة ، وكذلك في بعض دوائر صنع القرار الأمريكي والأوربي ، حيث الشركات الكبرى العملاقة ، والتي لها مصالحها في الشرق الأوسط ولها استثماراتها الكبرى فيه ، هذه الشركات المسماة ب"مجموعات الضغط" لها دورها الكبير والمعروف في صنع القرار الغربي ، من خلال ممارسة ضغوطها الاقتصادية على دوائر القرار السياسي في بلدانها ، فيما يحرص هذا الأخير غاية الحرص على كسب المواطن الغربي في أي انتخابات مقبلة .
إن فتح أبواب الحوار على مصراعيها مع هذه الدوائر الإعلامية والاقتصادية والدينية ومنظمات المجتمع الغربي والأميركي ، كفيل بأن يحول كفة المعادلة لصالحنا ، أو على الأقل نجد أصواتاً عالمية تشاركنا همومنا وقضايانا ، إضافة إلى نقل قضايانا ومشكلاتنا من طور حديث النفس العربي ، إلى الطور العالمي والدولي ، ربما يسهم هذا بدوره في صحوة وإيقاظ الضمير العالمي الذي سيطر عليه التضليل الإعلامي الإسرائيلي ، وربما أسهم هذا أيضاً في التعريف بالإسلام كدين حضاري إنساني عالمي .
إن آليات هذا الحوار متوافرة وممكنة ، تبدأ أولاً بأن يتجاوز الإعلام العربي حالة الصمت والتكتم والسرية عن الجرائم التي ترتكبها القوى الاستعمارية على شعوبنا وأممنا المستضعفة ، ونقلها إلى العقل الغربي ، الذي يملك في بعض جوانبه وأوساطه قدراً من الإنسانية ، لا نستطيع نكرانها .
إن هناك العديد من المنظمات الدولية العادلة ، بل هناك من الأنظمة العالمية ما يمكن أن نجد فيه نجاشي الحبشة، وإن كان ثمة عجزاً فهو من قبلنا نحن ، الذين لم نستفد من التناقضات العالمية ، وصراعات المصالح والمكاسب الدولية ، ولم نأخذ دروساً كافية في فقه سنن الكون والحياة التي أقام الله تعالى عليها الحياة والكون والخليقة ، قال تعالى :
(وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة251
.
والله تعالى من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل .