التعليم العالي و توراة العهد القديم
بقلم/ جمال محمد الدويري
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 10 أيام
الأربعاء 21 ديسمبر-كانون الأول 2011 05:26 م

دعونا في هذه الفترة نحط ترحالنا على التعليم العالي في اليمن لكي نعيد منظومة البناء الحقيقية من الداخل ونشكل أجيالا قادرة على البناء والفاعلية، ونصنع تاريخيا حضاريا متمكنا من أداء دوره الحضاري و نبحث عن الخلل الدفين لنتجاوزه .

إن الثورات العربية لم يتزعمها حملة الدكتوراه ولا علماء الدين والدعاة والخطباء ولا القنوات الإعلامية العامة، وإنما قامت بها قلوب تعشق الحق والعلم ، ولم تجد لها فرصة التجوال في فضاء المعرفة ، وأيقنت أن الموت الحقيقي هو موت العقل وضياع المعرفة ، وأن فساده وعلله ومصائبه تنبع من إشكاليات عقدية تراكمت بجهالة القيادة السياسية والبيروقراطية العتيقة .

عندما تجد نفسك في حانوت التعليم العالي الذي هو أشد سكرا من المدام الذي يغيب عقلك ساعات بينما فساد التعليم العالي يغيب عقلية الأمة أعواما مديدة و يترتب عليه إفساد النفس والدين والمال والعرض ومن ثم فساد الوطنية والانتماء .

ستجد نفسك مع الوزير و الوزارة و سمسارها وحاملها والمحمولة إليه و عاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وآكل ثمنها . تلك عشرة كاملة وعلى الطلاب والباحثين حج الوزارة من استطاع اليها سبيلا. و ستجد نفسك ايضا محاطا برقيب الأمن القومي وعتيد الأمن السياسي ولا بد عليك ان ترمي الجمرات من جيبك لزبانية التعليم العالي حتى تتمكن من اكمال مراسم الحج وتخرج منها قائلا: الحمد لله الذي نجاني منك لم ينجي أحدا من العالمين . وربما تقول" ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون .

وزير التعليم العالي الأسبق الذي يرى من الوزارة نزهة يحضرها فقط حينما يشرف على استلام جائزة الجهل من رئيس الدولة للباحثين ويذهب بها الى ولده. وقد كان له موقفا حينما خير النظام بين أن يختار القلة من المفسدين والكثرة من الناس عبر هرطقة صحفية كتب عنه الكثير من الباعة المتجولين في أسواق النخاسة الصحفية . فشل حتما حينما قامت الثورة الشعبية ورفض ان يكون من العشرين مليون ليستأثر بمنصبه الوزاري و جشعه في أن يحظى برضا العميد كي يكون رئيسا للوزراء والحكومة الجديدة القادمة التى محتها الثورة بصفائها وصدقها ورجالها وشبابها ونسائها، وهكذا تفرز المواقف الرجال وقد انحنى العالم اجلالا لنساء اليمن اللواتي صنعن تاريخيا جديدا فكيف نقارن بين وزير وامرأة وبين الشمس والظلم .

بينما كانت الصحف التى تتزعم محاربتها للفساد ترفض أن تنشر المقالات النقدية خوفا من سخط الأمن السياسي والقومي ما دامت قدرة الله هي قدرة النظام والوزير، وقد زرت أكثرها وطلبوا أن اكتب عن بعض مدراء العموم فقط اذا حلت بهم نقمة الله وتخلى عنهم النظام .

مدراء العموم في البلدان العربية المتخلفة من الباحثين الذين لهم انشطة بحثية وبرامج تشغيلية بينما في اليمن ستجدهم من المرضى النفسيين والمتخلفين عقليا ومعرفيا إلا قليلا ولهذا قامت الثورة حينما تدخلت العقلية العسكرية في المؤسسات المدنية .

ننتظر القضاء اليمني غدا وسنفتح ملفات الوزراء ومدراء العموم والموظفين وسنؤسس لجنة من المحامين متخصصين في القضايا العامة وقضايا الثوار والمستضعفين وعلى نفقة الدولة تحت مظلة القانون وستؤسس وزارة الثورة للمستضعفين يكون المحامي موظفا للدولة وليس سمسارا للقضاة، وتكون لهم مكاتبهم الخاصة في الوزارة نفسها حتى نقضي على أزمة السكن من جهة وتعدد مكاتب السمسرة القضائية من جهة، ومن جهة أخرى يكون المحامي موظفا للدولة والشعب يتولى الدفاع عن المستضعفين حتى نحقق العدل ونمنع القضاة من المتاجرة بدماء وأموال الوطن .

فالقضاء يحمي التعليم والأمن والتنمية ويصنع وطنا نظيفا مزدهرا والتعليم يصنع المواطن في كل مؤسسات الدولة والمؤسسات المدنية وينتج مواردا بشرية فاعلة ، وسنقدم برامجنا حينما يطلب منا لإعادة تشكيل الوزارات والقانون و إعادة تأهيل العلماء والباحثين والمتعلمين .

وأول خطوة لنا التعليم العالي الذي منه تأتي مخرجات التنمية والمنهج والعلم والمعرفة وبالثوار سيتحقق كل ذلك ولن تنهزم امة اصطفاها الله وأحبها وسماها أنصارا. وأخيرا بقى لنا العهد الجديد هل سيكون قرآنا أم أن تحريف توراة العهد القديم هي الحاكمة .