رسائل دول الخليج من العاصمة دمشق لسوريا وللعرب وللمحور الإيراني المليشيا تجبر طلاب جامعة ذمار على إيقاف الدراسة للإلتحاق بدروات طائفية وعسكرية تشمل التدرب على الأسلحة المتوسطة والثقيلة تعرف على الأموال التي سيجنيها ريال مدريد في حال تتويجه بكأس العالم للأندية 2025؟ أول دولة أوروبية تعلن تقديمها الدعم المالي لسوريا توكل كرمان : الشرع يدير سوريا وفق الشرعية الثورية وتشكيل حكومة شاملة بُعَيْدَ سقوط نظام الأسد نكتة سخيفة خمسون قائداً عسكريًا سوريا ينالون أول ترقيات في الجيش السوري شملت وزير الدفاع.. مأرب برس يعيد نشر أسماء ورتب القيادات العسكرية 1200 شخصية تتحضر للاجتماع في دمشق لصناعة مستقبل سوريا .. تفاصيل عاجل الإنذار الأخير ... واتساب سيتوقف عن العمل على هذه الهواتف نهائياً أجهزة الأمن بمحافظة عدن تلقي القبض على عصابة تورطت بإختطاف النساء ...تفاصيل صحيفة هآرتس: الاتفاق السعودي الحوثي معضلة أمام إسرائيل في حربها ضد الحوثيين ... قراءة تل ابيب لمشهد الحسم العسكري المتأرجح
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فإن العلماء هم ورثة الأنبياء ، وهم أهل البصيرة والنفاذ في الرأي ، وهم المرجعية الرئيسة في أمة الإسلام وإذا كان الحكام هم ولاة على الأمة في السياسة ، فإن العلماء هم أمراء الحكام وهم القادة الحقيقيون . وإبعاد العلماء عن قيادة الأمة ، أو محاولة التهميش أو التجاهل لدورهم لن يجدي نفعاً ، وستكون العواقب وخيمة ، وعلى الأمة أن ترجع إلى علمائهم وأن تلتف حولهم وألا تصدر إلا عن رأيهم ، وقد دل على ذلك أولاً قوله تعالى : (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)( ). فقبل الحديث عن شؤون الأمة في شتى مناحي الحياة لابد من الرجوع إلى العلماء وإمعان النظر والالتزام التام فيما صدر عنهم .
وأحب أن أنبّه إلى أمر ، وهو أن بيانات العلماء من الأمور الحاسمة في قضايا الاختلاف ، وهي المعول عليها بعد الله تعالى في الإيضاح لجوانب الحق وإزالة للّبس بالباطل ، وإنني أؤكد أن العلماء يقومون بواجبهم بالبيان ؛ حرصاً على امتثال أمر ربهم ، قال تعالى : (وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ)( ) وخوفاً من العقوبة المترتبة على السكوت والكتمان ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)( ).
وبيانات العلماء إذا قرنت بمزيد من التأمل ، وبعيداً عن الذهنية المسبقة عنها نجد فيها العديد من الجوانب . وفي بيان العلماء الأخير الصادر في يوم الاثنين 18/ ربيع الأول / 1432هـ ، والموسوم بـ(بيان هيئة علماء اليمن حول الأوضاع الراهنة) يظهر لنا عند قراءته وتأمله مدى مكانة العلماء في أمتنا ، ومدى الغبن الذي سيحل بنا إذا فرطنا في علمائنا وتركناهم من غير أن نأخذ بمشورتهم وبتوجيهاتهم .
1) العلماء هم أصحاب فقه الواقع :
فهم يربطون جميع قضايا الإسلام في بوتقة واحدة ، فنحن هذه الأيام في مرحلة من مراحل الحكم المنصوص عليه في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد : «... ثم يكون ملكاً جبرياً ، ثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه ...».
وهذا الحكم الجبري ظاهر من حيث استبداده على الأمة في اختيار من يحكمهم ، والسيطرة المطلقة على ثروات البلاد ، وما فيه من فرض الظلم والتعسف على الشعوب ، ولا شك أن هذا هو السبب الرئيس في كثير من الأزمات التي تمر بها الأمة ، والعلماء ما زالوا يبشرون الأمة بأن هذا الوضع المزري فيها لن يدوم ، وأنه سيزول ، وها هي رياح التغيير حلت علينا في بعض البلاد العربية كتونس ومصر والبقية ستأتي .
2) احترام الخصوصية :
حرص العلماء من خلال بيانهم على أننا في اليمن يمكن لنا أن نغير حالنا ، ونقيم العدل ، ونرفض ونزيل الاستبداد والظلم ، ولكن من غير قتل وقمع ، وليس لازماً أن نسلك مسلك الثورات نفسه ، فالمواجهة والصدام ليس مقصوداً لذاته ولا غاية بل هو حالة اضطرارية يُلجأ إليها في أحلك الظروف من باب «مكره أخوك لا بطل» ، ولا يعني هذا أن العلماء رغبوا في بقاء الظلم وتكريس الاستبداد – حاشاهم – ولكنهم يرغبون في تعظيم حرمات الله ، وأن دماء المسلمين محرمة على الجميع ، ويخاف أهل العلم من أن التمادي في الصراع سيؤدي إلى إراقة دماء كثيرة .
3) الانحياز إلى مطالب الأمة :
العلماء أكثر من يعيش هموم الأمة، وأكثر الناس قرباً لأبناء البلاد ، ولهذا يحرصون على أن تكون مطالب الأمة وإرساء حقوقها هو من أعظم الواجبات التي ينبغي أن تراعى من قبل الحكام ؛ لأن الحكام إنما دورهم ينحصر في حفظ الدين وسياسة الدنيا به ، وعلى الحكام العمل على حسن التدبير لمصالح الأمة من إقامة العدل ، وحق الكرامة ، ورفع الضائقة عنها، ومتى ما كان هناك خياران : أن نكون مع المستبدين - وحالهم عدم سماعهم للحق - أو الانحياز للأمة ، فالمأمّل في علمائنا الانحياز إلى مطالب الأمة والسهر على رعاية حقوقها.
- طالب علماؤنا منح الأمة حقها في اختيار حكامها من غير تزوير ولا التفاف .
- حرية التعبير عن الرأي وبالطرق السلمية .
- إصلاح القضاء ؛ للبت في القضايا المنظورة في القضاء ، ولا يتدخل أحد من المسؤولين في الأحكام القضائية.
- حق الكرامة لأبناء الأمة ، فلا يعتقل الإنسان تعسفياً ، فضلاً عن تعذيبه أو إيداعه السجن دون سبب شرعي صحيح.
- ضمان جميع الحقوق للرجال والنساء على وفق الشريعة .
- إزالة كل أسباب الفرقة والاختلاف والمعاملة للجميع بالسوية دون تمييز .
- رفع المعاناة عن كاهل الشعب ، بتوفير فرص العمل ، وإزالة الغلاء ، وإرجاع الدعم للسلع الأساسية من الغذاء والدواء والمشتقات البترولية .
4) (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلهِ)(ي ).
بيان العلماء يؤكد ويبين لزوم التحاكم للشريعة في كل أحوالنا ، والاسترشاد بها في إصلاح أوضاعنا ، وخاصة في حال الاختلاف والتنازع ؛ عملاً بقوله تعالى (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)( ).
وقد تكرر الحديث عن الشريعة وضرورة التحاكم إليها ، وعلى أن هذا هو الحل الوحيد والكفيل في إصلاح أحوالنا إذا صدقت النوايا ، والتزمنا التزاماً مطلقاً بنصوص الشريعة مع تمام التسليم من غير حرج ولا تبرم ، ولا أي مسوغات يترك فيها حكم الله تعالى .
- فالسبب الرئيس في أزمتنا هو تنحية شرع الله .
- أول طريق للمعالجة الالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة .
- الرجوع وجوباً في حال التنازع إلى الشريعة ، وإلا فإن المشكلات ستبقى قائمة والأزمات ستبقى جاثمة على صدورنا ، قال صلى الله عليه وسلم : «ومن لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم».
- قال العلماء : إصلاح القضاء وفق أحكام الشريعة .
- وقالوا : إقالة الفاسدين وفق أحكام الشريعة .
5) «جمع كلمة أبناء اليمن والحفاظ على أمن البلاد».
لا أحد يحب أن يعيش في ظل الفرقة ، ولا أحد يأمل وجود الاختلالات الأمنية ، فبقاء اليمن موحداً وأن يحافظ على أمنه مطلب للجميع ، ولكن علماءنا يبينون لنا كيفية الحفاظ على هذا الحق لأبناء شعبنا ، وذلك بما يلي :
- ترك أحداث الفُرقة والنزاع وإثارة الفتنة .
- ترك النعرات الجاهلية والعصبيات الطائفية و المناطقية .
- التذكير بأننا من أمة التوحيد وعلينا توحيد الكلمة.
- تعظيم حرمات المسلمين وعدم المساس بها أو التعرض لها بالاعتداء والإيذاء .
6) (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ)( ).
لا يوجد أي ضمانات في يد أي مصلح لإصلاح حال أمته ، فالعلماء دورهم يقوم على البيان للأزمة من حيث المظاهر والأسباب والعلاج ، مع عرض بعض الجوانب العملية في الحلول للأزمة .
- وقدموا لأزمتنا :
- عقد مؤتمر وطني جامع لتدارس أوضاع اليمن والاتفاق على حلول لمشاكلنا .
- تشكيل حكومة وحدة وطنية من أهل الكفاءة ومن أبناء الشعب .
- إقامة انتخابات حرة ونزيهة وآمنة .
لكن العلماء لا يملكون أي ضمانات لتحقيق ذلك ، ولكن طالبوا بعدة جوانب ، يمكن أن تكون كالضمانات ، ومنها :
- سحب وإلغاء جميع الإجراءات الانفرادية التي أدت إلى تأزيم الأوضاع .
- إقالة كل الفاسدين والعابثين بمقدرات الأمة وفق أحكام الشريعة الإسلامية .
- التفاف جميع أبناء الشعب مع بيان العلماء ورفع العرائض في المطالبة فيما جاء به.
- تأييد مشايخ القبائل ووجهاء البلاد للبيان .
- تشكيل لجنة من العلماء والقضاة للبت في قضايا النزاع بين جميع الأطراف .
7) «ومن رأى منكم منكراً فليغيره ...».
دل هذا الحديث أن التغيير يبنى على العلم والقدرة ، والشعب اليمني يملك قدرة عظيمة على تغيير أوضاعه المزرية من خلال الحسبة ، والتي منها المظاهرات والمسيرات و الاعتصامات . والعلماء أكدوا على استخدام هذا الحق المشروع في شريعتنا ، ونبهوا إلى التزام الضوابط ، من حيث كونها سلمية ولا تعرض فيها على أحد في عرضه أو نفسه أو ماله من أي طرف ، من الحكومة على المتظاهرين ، أو من المتظاهرين على قوات الأمن ، وهذه الممارسة أثبتت قوة الشعوب في التغيير ، فاستخدامها بهذه الضوابط طريق مشروع للتغيير والعيش الكريم .
8) «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
هذا الحديث يبقى على عمومه ، فلا يجوز لأحد أن يطيع قائداً أو رئيساً أو مسؤولاً عليه ، في أمر فيه معصية لله تعالى ، فطاعة هؤلاء وأمثالهم مقيدة إذا ما أمروا بالمعروف ، فإذا أمروا بمعصية فلا سمع ولا طاعة ، فالأجهزة الأمنية والجيوش إنما دورها منحصر في حماية الشعوب والسهر على أمن البلاد والعباد .
فلا يصح ولا يجوز استخدامها في قمع الشعوب ، أو تكريس الاستبداد أو القتل أو الظلم ، فالعلماء أوضحوا هذا الأمر بغاية الإيضاح .
وفي المقابل لا يصح لأحد من أفراد الشعب أن يطيع أي قائد له في معصية الله تعالى .
والعلماء أكدوا على أن من اقترف إثماً أو اعتداءً وأطاع أحداً ، فقتل أو اعتدى على أحد ، فللمظلوم الحق في محاسبته ولو بعد حين ، فإن الحق لا يسقط بالتقادم ، ولنا عبرة فيما يحدث في مصر وتونس ، ولا نريد أن تتكرر المأساة ، فقوتنا ينبغي أن تحفظ للقاء أعدائنا ولا يوجه السلاح إلى صدور إخواننا .
9) (لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً)( ).
أعداؤنا يودون ، من صميم قلوبهم ، وقوعنا في العنت والمشقة والشتات والفرقة ، وجعْلَنا مختلفين ويكرسون فينا الاستبداد ، فأكد العلماء في بيانهم أن أبناء شعبنا يرفضون كافة التدخلات الأجنبية في بلادنا ، وعلى الآخرين احترام سيادة البلاد ؛ لأن هذا حق لكل الشعوب والأمم ، والقوانين والمواثيق الدولية تحترم هذه السيادة.
أخيراً : لعلي من خلال هذا المقال قدمت لإخواني بعض التأملات في بيان علمائنا ، وحسبي أن هذا جهد المقل وللقارئ الكريم العودة للبيان والتأمل بما جاء فيه ، وسيجد المزيد مما لم أذكره .
وأسأل الله تعالى أن يحفظ لنا علماءنا ، وأن يطيل في أعمارهم ، وأن يعيننا على اقتفاء آثارهم ، وأن يجنب اليمن وسائر البلاد المسلمة الفتن ما ظهر وما بطن ، وأن يولي علينا خيارنا ولا يولي علينا شرارنا .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .