من البديهي التطرق إلى أنه من إستطاع إختطاف اليمن بكامله لعقود طويلة ، لا يصعب عليه أن يختطف مجرد مؤتمر للحوار الوطني في ظل ظاهرة عامة في اليمن تفيد بأن كل شئ قابل للإختطاف والإغتصاب والنهب وأيضاً للبيع والشراء لاسيما في حالة إختفاء تنظيمات وطنية وأحزاب حقيقية يمكنها تمثيل اليمن وشعبه بكل صدق وأمانة.
نبهنا في بداية بزوغ الثورة الشبابية والشعبية اليمنية بالصوت والصورة وعلى الورق وبكل الوسائل الممكنة بأن الثورة ستختطف مالم يتم ترحيل كل رؤوس الفساد وذكرناهم بالإسم ونادينا أيضاً على روؤس الأشهاد بحضر حزب الإصلاح من مزاولة العمل السياسي بإسم الدين الإسلامي. ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث ، فتم فعلاً إختطاف الثورة مع شبابها وشيوخها وزد على ذلك ما تبقى من بقايا دولة.
وبنفس الروح نحذر وننبه الآن من إختطاف مؤتمر الحوار الوطني الذي كنا نود أن ينعقد بعد إتمام القيام بكل الإجراءات الضرورية التي قمنا بتفصيلها مئات المرات في السابق والتي من شأنها إنهاء الإحتقان لدى أبناء الجنوب وأبناء صعدة وبقية شرائح المجتمع اليمني التي تضررت من (النظام المشترك) ولكن مع الأسف الشديد تم عكس ذلك تماماً ، وكأن هناك تعمد واضح للإستمرار بنفس النهج السابق فضلاً عن أن من سيتحاورون الآن هم أنفسهم من قاموا بعمليات الإختطافات السابقة للوطن.
ينقسم الشعب اليمني الآن فيما يخص إنعقاد مؤتمر الحوار الوطني إلى قسمين واضحين ؛ فثمة من يراهن على نجاح مؤتمر الحوار الوطني ، وثمة من يتطير بحلول الكوارث والحروب. بيد أننا في هذا الظرف الحاسم من تاريخ اليمن نود أن ننبه كما نبهنا في السابق بأنه لن يتم هذا ولا ذاك بل أن مؤتمر الحوار الوطني الناتج عن إختطاف الثورة سيتم إختطافه أيضاً. بمعنى أن مؤتمر الحوار لن يفشل ولن ينجح لكنه سيُختطف وسيقدم نتائج لا تُخطر إلا على بال وأدمغة الراسخين في العلم من أمثال الدكتور ياسين سعيد نعمان وذلك إذا لم تتم معالجة الأسباب التالية :
يتبين من خلال إهمال الخطوات التمهيدية التي كان ينبغي أن تسبق عقد المؤتمر بأن الحوار سيتجنب بالضرورة أسباب وخلفيات وحقائق وجوهرية الأزمة اليمنية التي أوصلت البلاد إلى الحالة الراهنة ، والسبب في ذلك هو أنه أي المؤتمر أو رعاة المؤتمر والمشاركون فيه هم أنفسهم الذين أوصلوا اليمن إلى الحالة الراهنة ويريد بعضهم بينما يعتقد البعض الآخر أنه من خلال المؤتمر سيتم طي صفحات الماضي لتمهيد الطريق لمستقبل جديد مماثل للماضي ولكن بشكل مختلف ، وما سحب قانون العدالة الإنتقالية من مجلس النواب خلال الأسبوع الماضي لتبديله بقانون آخر تحت مسمى جديد وهو "قانون العدالة الإنتقالية والمصالحة الوطنية" ليشمل حقبات زمنية ما قبل تاريخ إعادة الوحدة اليمنية عام 90 إلا دليل على هذا التوجه من أجل ردم الهوة السحيقة والساحقة والماحقة المتمثلة بالفترة الزمنية الماضية التي تولى فيها (النظام المشترك) حكم البلاد. وقد يكون هذا سبب موضوعي ومنطقي وربما وطني لإتخاذ مثل هذا الإجراء لو سلمنا بالموافقة عليه من قبل المتضرر ، ولكنه مع الأسف إجراء من طرف واحد وعلى حساب نفس هذا الطرف الوحيد الذي هو الشعب اليمن شمالاً وجنوباً ، ذلك أن الطرف الآخر المتسبب لكل الكوارث التي عانى منها الشعب اليمني لم يترجل بعد بل أنه يستعد لإعادة إنتاج نفسه لحقبات أخرى قادمة للمزيد من تدمير وتجزئة وبيع اليمن.
يتشكل قوام المؤتمر من (النظام المشترك) أي من المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك بقيادة حزب الإصلاح بإستثناء جماعة الحوثيين ، وحتى العدد الصغير الذي يمثل الشباب المشارك في المؤتمر أغلبه مُستقطب لصالح (النظام المشترك) والعمل مايزال جارياً لإستقطاب البقية الباقية منهم.
الجنوبيون الذين يشكلون حجر الزاوية في إنجاح هذا المؤتمر بل أنهم السبب في إنعقاد المؤتمر من باب أولى بإعتبار أن القضية الجنوبية تشكل أساس الأزمة والثورة اليمنية رفضوا حضور الحوار لإسباب عدم الإستجابة لمطالبهم الأسياسية الممهدة لعقد مثل هذا المؤتمر ، وبالمقابل فإن فرض من يمثلهم بأسلوب إلتوائي وإستفزازي سيفاقم من مشكلة القضية الجنوبية أكثر مما يمهد لحلها طالما أن أبناء الجنوب يرفضون الحوار لأسباب جوهرية ومنطقية يعرفها الجميع وقد تم مع الأسف تجاهلها. ـ تم تجاهل وإقصاء الشخصيات الوطنية وقوى المعارضة الحقيقية المستقلة في الداخل والخارج التي إكتوت من ظلم وقهر وإستبداد "النظام المشترك" والتي تمثل بصدق أمنيات وطموحات الشعب اليمني من المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني.
بالمقابل تم الإقصاء الشكلي للعديد من الشخصيات التي كانت جزء لا يتجزأ من (النظام المشترك) لإعتبارات مختلفة بينما تم إلحاق المنتمين لهم ولفكرهم للمؤتمر مما سيشكل إمتداد طبيعي لهم في جلسات وأروقة الحوار مما سيؤثر سلبيا على إدارة ومعطيات ومخرجات المؤتمر الذي سيتم إدارته من خارج المؤتمر.
لا توجد حتى الآن أي معلومات تفيد بوجود ضمانات دولية أو إقليمية أو محلية أو جهات بعينها ستلتزم بتنفيذ وتطبيق مخرجات مؤتمر الحوار من توصيات وقرارات ووثائق قانونية ودستورية. وهذا بحد ذاته يترك الباب مفتوح على الغارب لكل التوقعات والإستنتاجات التي قد تنحرف بمؤتمر الحوار إلى نهايات غير مرضية خاصة وأنه غير ملتزم بأجندة معروفة وسقف محدد.
مما سبق يظهر بأن مؤتمر الحوار الوطني في اليمن سيركز على السياقات الإجرائية والتنظيمية والشكلية الغير معنية بحقائق وبواطن الأمور وتحقيق العدالة وإنصاف المتضررين ومعاقبة الأيادي التي وضعت اليمن في هذا المنعطف الكارثي الخطير ، بل أن مهمة المؤتمر هي العمل على فتح صفحة جديدة وردم الماضي بكل سوآته لتتحمل الأجيال ثمن هذا الماضي حتى وإن كان هذا الماضي قابل للتجديد وإعادة إنتاج نفسه مرات أخرى أو الإنفتاح على مستقبل مجهول كتبت سناريوهاته في غرف مغلقة.
المهم في النهاية هو أن يحقق المؤتمر ما يراد له من قبل رعاته الدوليين ، النجاح الإجرائي والشكلي ولو مؤقتاً لكي يكون النموذج الأفضل لإستنساخه وتصديره وتعميمه على بقية الدول العربية كمقدمة للقيام بإجراءات أخرى مستقبيلة يتم فيها إحتواء المنطقة برمتها إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.
bassethubaishi@yahoo.com