الأعراف القبلية ترسم مسار الحياة في اليمن
بقلم/ لوس انجلوس تايمز
نشر منذ: 17 سنة و شهرين و 5 أيام
الأحد 26 أغسطس-آب 2007 07:37 ص

 فؤاد حسين شاب يمني في الثامنة عشرة ذو قامة رشيقة ووجه متجهم يحمل رمزين تحت حزامة المطرز. هاتف جوال يربطه بالعالم الحديث وخنجر مقوس قصير يشده إلى النظام القديم الذي يقول بأنه الشيء الوحيد الذي يمكن أن يموت من أجله - قبيلته.

فؤاد حسين واحد من أفراد جيل جديد من الشباب العرب يشكلون طليعة طفرة المواليد في المنطقة. يستمتع فؤاد باستخدام تقنية لم يكن يتخيلها أبواه. ولكن منذ انبلاج الصبح فوق التلال المتربة وحتى خفوت آخر ضوء للنهار فوق المنازل المشيدة من الجص والطوب، حياة فؤاد محكومة بالتقاليد والأعراف التي سنها أسلافه.

وقال فؤاد وهو يرمش بجدية في ضوء شمس الصباح لصحيفة لوس انجلوس تايمز "أنا رهن إشارة قبيلتي في كل شيء.. إذا اخترت الاستقلال عنها يعني ذلك ضعفي وهواني ولكني إذا تمسكت بها ففي ذلك قوة وعزوة لي".

الارتباطات العشائرية تقرر فرص فؤاد في الحصول على عمل وتقرر زواجه وكم مهراً سيدفع لأهل عروسه وتقرر كل شيء في حياته.

ويبقى النسيج القبلي واحداً من أكثر القوى فعالية في المنطقة. فهذه القبائل أقدم من الدول والحدود التي تقوم بينها. وأقدم من الحكومات في أوروبا والولايات المتحدة.

وبدلاً عن أفولها في الوقت الذي يستسلم فيه العالم العربي للحداثة، أصبحت القبائل أكثر قوة مما كانت عليه من قبل. الحكومات المركزية الضعيفة والحرب الأهلية في العراق وأزمة الهوية التي ولدت من الصراع بين الحداثة والتقليد - كل هذه العوامل حصنت دور القبائل.

لكن في شوارع العاصمة صنعاء، هناك جدال متزايد حول دور قبائل اليمن. في بعض المناطق يلقى باللوم على القبلية في تخلف البلاد وشل التنمية وعرقلة قدرات الأمة. بالنسبة إلى العديد من اليمنيين الذين يودون رؤية بلادهم وهي تتطور إلى مجتمع مدني قوي بمؤسسات قوية فإن نفوذ القبائل ثقيل للغاية يكبل الخطى نحو إقامة هذا المجتمع.

وحتى بين قادة القبائل، يبدي بعض الشيوخ تحفظاتهم على دور القبيلة. لكنهم يقولون بأنهم لا يرون بديلاً للنظام القبلي المتأصل.

وقال علي العمراني وهو زعيم قبلي ونائب برلماني "ثقافة النخبة والناس الذين في القمة ثقافة قبلية بحتة". "تحتاج للسلاح وتحتاج للمناورات لإظهار القوة.. حتى هنا في أروقة الحكومة الناس يحبون إظهار مدى قوتهم".

وتلك الثقافة كما يقول العمراني صارت أقوى.

في أواخر السبعينات، لم أكن أخرج من البيت في صنعاء وأنا أحمل خنجراً أو أرتدي ملابس تقليدية.. في ذلك الوقت كان لنا حلم في عصرنة البلاد. ولكن الآن اختار أطفالي ارتداء الزي التقليدي وحمل السلاح".

الحديث مع الشاب فؤاد حول القبلية مثل الحديث معه عن الهواء.. القبيلة مترسخة في حياته. ولن يضيع وقتاً في تأمل خطوط تأثيرها.

هنا في شيبام كوكبان حركة السير على الشوارع بطيئة وللهواء رائحة الصابون والتوابل.. في السوق دجاج حي يحاول الهرب من الأيدي القاسية والنساء يسرن بسرعة ولا يرى منهن سوى عيون تحت طبقات النسيج الثقيل.

فؤاد يتكئ على شاحنة عائلته وقد التفت أصابعه حول مقبض خنجره.. اليوم دراسي ولكن لا بأس في أن يتغيب فؤاد عن المدرسة في غالب الأحيان من أجل كسب بعض المال الإضافي من نقل القرويين من قراهم البعيدة إلى سوق شبام.

عقل فؤاد يفيض هذا الصباح بالأفكار حول زواجه القادم. يحاول أن يقرر أي بنت سيطلب من أبويه أن يطلبا يدها له. ثم يذهب أبواه إلى بيتها للتفاوض مع أبويها وإغرائهما بشيء من الحلي والمجوهرات.. وربما تتمكن شقيقاته من إلقاء نظرة على وجهها ويخبرنه ما إذا كانت جميلة.

يحتاج فؤاد لكل ريال يجمعه حتى يحقق حلمه بالانتقال من بيت أبويه عندما يتزوج بالرغم من أن ذلك لن يكون بالأمر السهل. ويحلم فؤاد بالعثور على وظيفة في المدينة الكبيرة صنعاء ذات يوم.

قبل شهور قليلة دعته قبيلته للقتال لأول مرة.. كان ذلك بعد أن قامت قبيلة مجاورة بحفر بئر ماء في مكان قريب مما شكل تهديداً لإمدادات مياه قبيلته.. فشلت المفاوضات.. وتناول فؤاد بندقيته وانضم إلى الرجال الآخرين الذين اتخذوا موقعهم على طول الخط الفاصل بين القبيلتين.. إذا رأوا أي حركة في اتجاه الآبار المتنازع عليها عليهم إطلاق النار.. وبعد يومين من القتال توصلت القبيلتان إلى اتفاق.

ولشيوخ القبائل التي تقع أراضيهم خارج نطاق سيطرة الحكومة اليمنية سجونهم الخاصة حيث يقومون بمعاقبة وسجن وإبعاد من يعارضهم. وفي إحدى المناطق أمر شيخ قبيلة بإزالة الستائر من على نوافذ مراكز الاقتراع لإخافة الناخبين وحملهم على إعادة انتخابه.

وفي إطار جهود الشرطة غير المثمرة لمنع الناس من حمل السلاح في شوارع العاصمة قامت بإيقاف شيخ وحراسه لحملهم السلاح.. ودارت معركة بين الجانبين أسفرت عن مقتل أحد الحراس. وغضب الشيخ وهدد بقتل كل شرطي في المدينة. وفي النهاية، وافقت وزارة الداخلية على تسليم قاتل الحارس إلى القبيلة لتعاقبه وفقاً لقانونها.

وقال شوقي قاضي النائب البرلماني عن دائرة تعز "الكثير من الشباب قد يستعمل الانترنت أو الهواتف النقالة ولكن عند مواجهة أي نزاع أو مشكلة يلجأون مباشرة إلى القبيلة طالبين منها الحماية" ويقومون بنزع ربطات عنقهم وحمل الخناجر.