|
إن من يسعى لتدمير العالم فإنه لا يدمر إلا نفسه، وعندما جزم مؤسس الحوثية بأنه هو وحده على الحق فقد أعلن الحب على العالم أجمع بما فيه الحوثي نفسه، لكنه في الحقيقة قد حفر قبره بنفسه فإذا كانت هذه رغبته فعلى الآخرين المنخدعين أن يفيقوا من غفلتهم قبل فوات الأوان.
فبعد أن ظهرت مؤشرات كثيرة ذلك فلا عذر لأحد بأن يقف موقفا مؤيدا أو مراوغا من هذه الفتنة ان هذه الحركة لا يمكن أن تنتصر لأنها تمثل قطيعة مع الماضي والحاضر والمستقبل، وبذلك فإنها تمثل قطيعة مع العالم، وفي ظل رفض العالم لها فإنها سوف لن تجد مكاناً يمكن أن تعيش وتستقر فيه على الإطلاق.
فقطيعتها مع الماضي تعني عدم وجود أي شرعية لها، فباعتقادها ان كل من سبقها من الأفكار والقيم باطلة فانها تدين نفسها بنفسها أي انها تقرر ولو بشكل غير مباشر بأنها حركة باطلة.
والأكثر من ذلك انها توحي باعتقادها هذا بأن الله قد خلق هذا العالم باطلا.
ذلك ان الحوثي نفسه ليس خلقا جديدا وإنماهو بشر من خلق الله.
وبالتالي فإن بعض تصرفاته ستكون على الأقل مشابهة لتصرفات من سبقه من البشر وبذلك فإنه قد يكون امتداداً للباطل الذي سبقه.
ويتأكد ذلك لأن الله لم يوحي اليه ان ادعائه هذا يتناقض مع ادعائه بأنه يتبنى مشروعا قرآنيا، فإذا سفه كل من سبقه فإنه في هذه الحالة سيسفه القرآن نفسه فقد تلقاه ممن يسفههم من أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ان رفضها للحاضر يعني رفضها حتى لنفسها فهي لا تعيش على كوكب خال من البشر، فإذا رفضتهم فإنهم سيرفضونها، فإن لم تعترف لهم بحقوق فلن يعترفوا لها بأي حق.
وعندما تسعى لمحاربة فإن العالم كله سيحاربها.
ولذلك فإن محاربتها للعالم يتناقض مع الفطرة الإنسانية أو القيم الدينية أو الاتجاهات إصلاحية فقط قد ينسجم ذلك فكرها مع الفكر الشيطاني، فالشيطان وحده هو الذي يحارب العالم لأنه لم يقبل بوجهة نظر غيره، وذلك فإن تصرفاته هي شر محض، وفي نهاية المطاف فإن الشيطان وأتباعه هم الخاسرون، وكذلك سيكون مصير الحوثية وأتباعها.
الفكر السليم هو الذي يسعى لتحقيق الخير للبشر أجمعين، ولا شك ان تحريض الفكر الحوثي على الحرب المطلقة يدل على أنه شر محض.
فالحرب الذي حرض عليها مؤسس الحوثية ويمارسها أتباعه في الوقت الحاضر هدفها الوحيد هو إخضاع الآخرين لوجهة نظرهم، ولا شك ان ذلك يتناقض مع حب الخير للآخرين فالهلاك شر محض مهما كانت مبرراته.
فالتاريخ يوضح ان الحرب قد تكون مبررة فقط لمواجهة مثل هذه الأفكار لأنها لا تقبل بالإقناع وتعتمد على الإكراه، لأنها لو قبلت به فهي أهلكت الى العنف، فإن كان فيها خير فالناس أو على الأقل اغلبيتهم سيقبلون بها عندما يكتشفون فوائدها الكثيرة.
وان لم تكن كذلك فإنها ستموت بسلام، فالأفكار الشريرة لا تبقى الا من خلال العنف لان الإنسان لا يمكن ان يقدم على ما يضره الا اذا أكره على ذلك.
فالقرآن والإسلام يقدم أبرز مثال على ذلك، فالقرآن يحدد مهام الإنسان في هذه الأرض بتعميرها وبنائها لأنه خليفة فيها. ولا شك ان هناك تضاداً كاملاً بين البناء والتعمير والحرب، فما الحرب الا هدم وتدمير.
ولذلك فإن هناك اختلافا جذريا بين مناخ ووسائل البناء والهدم فمناخ البناء هو التعايش والتسامح في حين ان مناخ الهدم هو التضاد والتصادم، التعايش يتطلب البحث عن القواسم المشتركة وتقليص مجالات الاختلاف. ولا يمكن ان يكون هناك قواسم مشتركة إلاّ إذا تم الاعتراف بالحقوق المشتركة والمتبادلة.
ولعل من أهم ذلك حق الاختلاف في القضايا والموضوعات التي تخص كل فرد أو جماعة دون غيرها.
ومن ذلك أيضا الاستعداد لتقديم التنازلات المتبادلة.
أما وسائل البناء فتعتمد على المبادرة إلى فعل الخير أي فعل المفيد للناس أجمعين.
أما وسائل الهدم فهي إهلاك الحرث والنسل، فالتعاون على البر ذلك تحكيم عمل على تفعيل التسابق على فعل الخيرات.
اما السعي لإجبار الآخرين على التصرف خلاف ما يريدون فهو إشعال للفتن التي تأكل الأخضر واليابس.
فالحوار والمجادلة بالتي هي أحسن والدعوة تؤدي إلى التعاون على البر والتقوى.
ذلك انه يترتب على ذلك تحكيم العدل وتحقيق المصالح المشروعة للجميع.
ويترتب على القول الحسن معرفة الحق والباطل، ويترتب عليه اللين والرحمة وتقديم التنازلات المتبادلة.
قل تعالوا إلى كلمة سواء، بحيث نتعاون على ما نتفق عليه ولا يبغي بعضنا على بعض، يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة وتجنبوا الحروب والفتن.
وان جنحوا للسلم فاجنحوا لها ودع الحرب ومآسيها.
كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله.
وكلما عملوا على توطيد السلم اعانهم الله لأنه يحب المحسنين.
أما التعالي على الآخرين، والاستكبار عليهم فيؤدي الى الاعتداء و الظلم والبغي والإثم والفواحش، ولا شك ان إذلال المخالفين في العرق أو الدين أو الثقافة من أسوأ أنواع الظلم والبغي والإثم انه لا يترتب على ذلك الحاق الضرر بالمظلومين فقط بل ان ضرره يصيب الظالمين قبل غيرهم. ذلك انه ينتشر الخوف والفزع ويبرر انتهاك الحرمات والمحرمات وينتشر الفساد.
ولاشك ان الحروب من أشد أنواع الفساد والأشد من الحرب هي الفتنة.
فقط يمكن ان تكون الحرب شرا لابد منه عندما تكون لدفع الظلم. كتب عليكم القتال وهو كره لكم لأن المسلم لايحب ايذاء الآخرين قاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير.
فالحرب التي أشعلها الحوثي في اليمن لامبرر لها، ذلك أنها قامت لأن الآخرين والدولة لن يقبلوا بوجهة نظره وعلى الرغم من المحاولات العديدة لتلبية مطالبه المشروعة فانه كان دائما يصر على مطلبه بمحاربة العالم، إذ ظل وباستمرار يرفض السماح له بإقامة حزب أو جمعية أو أي مؤسسة تمكنه من ممارسة حقوقه دون الإضرار بالآخرين مصرا على ترديد شعاره المستفز الذي يعني إعلان الحرب على العالم.
وكما هو مسلم به فإن إعلان الحرب هو من حق المجتمع والمؤسسات الشرعية، ولذلك فإنه لا يحق لأي فرد أو جماعة ان تعلن الحرب، فإذا ما سمح لأي جهة كانت ان تمارس العنف على الآخرين فإن ذلك سيؤدي لا محالة الى هلاك المجتمع كله.
إن محاربة أمريكا أو الكفار أو عداء الله أو أي جهة أخرى أمر يقرره اليمنيون جميعا لان له تبعات كبيرة عليهم، فإذا ما سمح لأي فرد ان يعلن الحرب على أي دولة في العالم فإن هذه الدولة ستهاجم اليمن وستقتل اليمنيين وستدمر ممتلكاتهم وستفرض عليهم الحصار، ولذلك فإن علىهم أن يتحملوا تبعات ذلك، ويقبلوا ذلك بمحض إرادتهم.
وعلى الرغم من تبرير مؤسس الحوثية تصرفه هذا بالدين فإنه لا يوجد في القران من يؤدي ما ذهب إليه.
فإذا كان لا إكراه في الدين فإنه من الأولى لا إكراه في ترديد الشعار، فإن كانت الغاية غير مشروعة فإن الوسيلة غير مشروعة تبعا لذلك، فإجبار الناس على اعتناق الدين الاسلامي بدون الاقتناع ظلم وكذلك إجبار الناس على ترديد الشعار بهدف نشر الإسلام ظلم أيضاً فالإسلام هو طريق السلام والمجتمع الإسلامي هو دار السلم لمن فيه ولغيره.
إن إصرار اتباع مؤسس الحوثية على مواصلة الحرب ضد العالم يعني أن على الدولة منعهم من ذلك حماية لهم وللمجتمع وللقيم الإسلامية وللسلم الإقليمي والدولي، وعلى المجتمع اليمني والإقليمي والدولي المبادرة لدعم جهود الدول في هذ التوجه.
في السبت 28 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 04:33:22 م