|
إنها مسألة الحدود مجدداً، وضبطها وتحديدها وترسيمها واحترامها والالتزام بخطوطها... والكلام يقال لمناسبة أخبار عديدة ظهرت خلال الأيام الماضية في هذا الشأن، أهمها ما نشر عن ان الحوثيين المشتبكين مع الجيش اليمني اجتازوا الحدود اليمنية – السعودية في منطقة جازان داخل الحدود السعودية حيث قتلوا جندياً وجرحوا 11 آخرين.
وليس الحادث عادياً، بين مجموعات مسلحة يمنية متمردة على السلطة المركزية في صنعاء وبين وحدات عسكرية سعودية، لولا ان للحوثيين اليمنيين هوية سياسية ترسخت أكثر فأكثر في الأشهر الأخيرة، بعد الجولة الجديدة الدموية من القتال التي بدأت في آب (أغسطس) الماضي بينهم وبين الجيش اليمني، وهي الهوية الإيرانية، تسليحاً وسياسة وانتماء، وفق ما أعلنت صنعاء مرات، مستندة الى ما ضبطته من براهين. وهي هوية إيرانية نظراً الى ان طهران نفسها لم تخفِ رغبتها في البناء على هذه الحرب الدائرة التي تهدد بشرذمة اليمن، من اجل لعب دور سياسي والتوسط بين صنعاء والحوثيين.
ولا تترك هذه الهوية الإيرانية لحادث عبور الحوثيين الحدود السعودية مجالاً إلا لتعريف ما حصل بأنه تحرش إيراني بالجانب السعودي، وهو وصف أولي للحادث، الذي قد يأخذ منحى أكبر من هذا التوصيف في انتظار زيارة وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي الرياض الأسبوع المقبل.
«التحرش الحوثي – الإيراني» وراء الحدود مع السعودية، لم يكن الأول وإن كان الأول الذي أعلن عنه. وسبقه تحرش آخر عابر للحدود هو الحملة السياسية – الإعلامية الإيرانية على الرياض لمناسبة اقتراب موسم الحج بإثارة مطالب تتخطى القواعد المعمول بها لأداء الفريضة الدينية، وتمس المتعارف عليه في إدارة قيام المؤمنين من أصقاع الأرض كافة بواجب ديني في الأماكن المقدسة. وهو ما ردت عليه المملكة برفضها السماح لأي جهة بتعكير صفو الحج والعبث بأمن الحجاج. فالتحرش أخذ طابع التخطي السياسي والديني للحدود، لا الجغرافي فقط. وسبق لطهران ان أثارت مطالبها بطريقة أو أخرى في السنوات الماضية، في شكل تسبب في توتر سياسي بين البلدين، جرت معالجته، ثم عادت طهران وأقلعت عن إثارتها في السنوات الثلاث الأخيرة. فما مناسبة التحرش الجديد المتعدد الوجوه؟
وإذ يصعب عزل الحوادث الأخيرة عن الاختلاف الشديد في السياسات الإقليمية لكل من الدولتين خلال السنوات الأخيرة، لن تكون مقاربة الحوادث الأخيرة مجافية للحقيقة إذا قيل انها محاولة من طهران لاستدراج الرياض للبحث في الدور الإقليمي للأولى، من اجل التسليم بحقها في الاحتفاظ بأذرع تتدخل بها في شؤون دول وساحات بعيدة عنها لانتزاع الاعتراف بما تسميه القيادة الإيرانية اشتراكها في إدارة العالم.
إنه تحرش يأتي نتيجة الارتياب الإيراني بمفاعيل التقارب السعودي – السوري الذي تناول قضايا تعتقد طهران أن لها اليد الطولى فيها، من العراق الى اليمن، وصولاً الى فلسطين ولبنان وغيرها من الأزمات.
لم يعد سراً ان طهران تواجه سياسة المملكة القائمة على استعادة العرب شيئاً من المبادرة في معالجة أزماتهم الداخلية وقضاياهم مع الغرب على قاعدة أرض العرب للعرب، بسياسة التحرش تمهيداً للتفاوض مع العرب على قاعدة ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم. وقد يكون الانكفاء الذي وسم سياسة النظام العربي هو الذي أتاح للشعور الإيراني بالقوة، إزاء الوهن العربي، ان يذهب الى هذا القدر في تخطي الحدود. ولكن، ما مصلحة طهران في هذا النوع الجديد من التحرش، في وقت تتمسك الرياض بموقفها الثابت منذ سنوات، الرافض لاستخدام المجتمع الدولي والغرب القوة في التعامل مع ملف ايران النووي؟ وما مغزى التصعيد الإيراني، في وقت ترفض الرياض كل ضغوط التطبيع الذي طالبتها به واشنطن في ايلول (سبتمبر) الماضي مع إسرائيل، عبر فتح التبادل البريدي وخطوط الهاتف والأجواء لرحلات الطيران والمكاتب التجارية... الخ، وهي خطوات رفضتها الرياض في شكل قاطع كشرط لاستئناف مفاوضات السلام حول القضية الفلسطينية. ولماذا يأتي التحرش الإيراني المتزامن مع عملية تفاوض طويلة بين طهران والغرب والولايات المتحدة، في وقت تبدي الأخيرة عدم رضاها عن تقارب الرياض مع دمشق؟
*نقلا عن الحياة اللندنية
في الجمعة 06 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 04:54:36 م