|
يتعرض الاسلام والمسلمون الي حملة استفزازية غير مسبوقة هذه الايام من قبل بعض اجهزة الاعلام الاوروبية تحت ذريعة كاذبة اسمها حرية التعبير، الامر الذي يصب في مصلحة التطرف والمتطرفين في الجانبين.
ويمكن رصد معالم هذه الحملة المتصاعدة التي تعم معظم البلدان الاوروبية في مجموعة من النقاط:
اولا: اصرار 17 صحيفة دنماركية، بينها اربع رئيسية، علي اعادة نشر الرسوم الكارتونية المسيئة للرسول صلي الله عليه وسلم، بحجة التضامن مع صاحبها الذي قيل انه واجه تهديدات بالقتل من قبل ثلاثة من الشبان المسلمين.
ثانيا: شن معظم الصحف البريطانية هجمات شرسة علي الاسلام والشريعة الاسلامية، بعد المحاضرة التي القاها الأسقف روان وليامز رئيس الكنيسة البروتستانتية البريطانية، وقال فيها ان قوانين الاحوال الشخصية المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث الواردة في الشريعة، يجب ان تدرس تمهيدا للاستعانة بها مستقبلا في النظام القضائي البريطاني اسوة ببعض التشريعات اليهودية والمسيحية.
ثالثا: تبني الاحزاب اليمينية المتطرفة في اوروبا استراتيجيات انتخابية تركز علي الهجوم علي الاسلام والمسلمين، والصاق تهمة الارهاب بهم، من اجل استغلال حالة الاسلاموفوبيا المنتشرة حاليا، وحصد اصوات الناخبين، ففي هولندا التي كانت تعتبر الاكثر تسامحا، وتشجيعا للتعايش، واندماج الجالية الاسلامية الصغيرة فيها، يتصاعد نجم النائب اليميني غيرت ويلدرز الذي يطالب بمنع القرآن الكريم، ووقف بناء المساجد، وطرد المسلمين وتجريدهم من جنسياتهم، والاكثر من ذلك انه اعد فيلما يتفاوض حاليا مع اربع محطات تلفزيونية لعرضه، ويقول انه يعرض فيه الوجه الحقيقي للاسلام، ويصوره، اي الاسلام، علي انه مصدر تهديد للحضارة الغربية.
رابعا: في سويسرا فاز حزب الشعب برئاسة البليونير كريستوف بلوشر في الانتخابات العامة قبل بضعة اشهر لانه كان يبني حملته الانتخابية علي اساس العمل من اجل تغيير الدستور السويسري لمنع بناء مآذن في الجوامع في جميع انحاء سويسرا. وفي الشهر الماضي اجتمع قياديون يمثلون 15 حزبا يمينيا اوروبيا في مدينة انتويرب البلجيكية لإصدار ميثاق ضد اسلمة مدن اوروبا الغربية، والمطالبة بوقف بناء المساجد التي يقولون ان عددها بات يزيد عن 600 مسجد اصبحت مراكز للتطرف الاسلامي.
خامسا: تكرار المقالات التي تتطاول علي الرسول (ص) وزوجاته، باستخدام عبارات مشينة يعف القلم عن ذكرها، وكذلك عن تعدد الزوجات، وختان الاناث، والخلط بين العادات الاجتماعية الموروثة والاسلام بطريقة متعمدة.
سادسا: ظهور توجهات قوية للتفريق بين المواطنين الاوروبيين المسلمين ونظرائهم المسيحيين واليهود في معاملة التنقل، والمطالبة بفرض تأشيرات دخول علي هؤلاء بحجة انهم مشاريع ارهابية، وقد بدأت الولايات المتحدة بفرض نظام الفيزا علي الكثير من المسلمين في اوروبا رغم ان قوانينها تعفيهم من هذا الشرط بسبب الاتفاقات الموقعة مع الدول الاوروبية في هذا الصدد.
ومن المؤسف ان بعض الحكومات الاوروبية تلعب دورا كبيرا في التحريض، وان كان بشكل غير مباشر، ضد المسلمين، فالمسلم في بريطانيا معرض للتوقيف 17 مرة اكثر من نظيره غير المسلم. وطالب توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الاسبق، الذي بدأ الحملات في هذا الصدد لاخفاء اخفاقاته في العراق وافغانستان، ابناء الجالية الاسلامية بالتجسس علي بعضهم البعض والتحول الي مخبرين لكشف المتطرفين في اوساطهم، حتي يثبتوا ولاءهم للبلاد التي ينتمون اليها.
وبلغت حالة الاستفزاز ذروتها قبل ثلاثة اسابيع عندما كشفت احدي الصحف البريطانية وثيقة تؤكد اقدام اجهزة الامن علي زرع اجهزة تنصت تحت طاولة اجتماع عقده النائب البريطاني المسلم صديق خان الذي يمثل حزب العمال الحاكم في مجلس العموم (البرلمان)، مع احد المعتقلين المسلمين التابع لدائرته الانتخابية.
نحن نؤمن بحرية التعبير، ونكافح من اجل ترسيخها في بلداننا العربية المحكومة من قبل انظمة ديكتاتورية، ولكن هناك فرقا كبيرا بين حرية التعبير، وحرية التطاول علي ديانة سماوية بطرق مقززة، ودون اي سبب في دول بنت حضارتها علي اساس المساواة والتعددية الثقافية والتسامح الديني.
فإذا كان من حق الصحيفة الدنماركية ان تنشر الرسوم المسيئة في اول الامر تحت ذريعة الحريات التعبيرية، فلماذا تصر 17 صحيفة، وبعد ما يقرب من العام علي الأزمة، التي تسببت بها تلك الاساءة في حينها، علي اعادة النشر، وهي تعلم طبيعة ردود الفعل الغاضبة التي عمت العالم الاسلامي علي شكل مظاهرات واحتجاجات صاخبة اسفرت عن مقتل العشرات؟
ان هذه الاستفزازات المتعمدة التي تعكس حالة من العصاب العنصري ضد الاسلام والمسلمين، هي التي تؤدي الي انتشار التطرف في اوساط ابناء الجاليات الاسلامية في اوروبا، وتجعلهم فريسة سهلة للجماعات التي تتبني العنف والتفجيرات الدموية مثل تنظيم القاعدة . وهي التي تهدد السلم الاجتماعي واندماج المهاجرين، وترسيخ ولائهم في البلدان الاوروبية.
انها ليست حرية التعبير، والا لماذا صادرت معظم الصحف ومحطات التلفزة البريطانية حق الاسقف وليامز، وهو المرجعية المسيحية الاعلي، والعالم في الاديان، في التعبير عن رأيه، وشنت عليه هجمات جارحة طالبت في معظمها باستقالته والاعتذار عن خطيئته، لانه تحدث في محاضرة اكاديمية موضوعية، عن القوانين البريطانية، وضرورة تطعيمها ببعض الجوانب التي يراها ايجابية في الشريعة الاسلامية؟
فاستخدامه كلمة الشريعة كان بمثابة كلمة السر ( Pasword ) لمهاجمة الاسلام بأقذع الالفاظ، والتركيز علي قطع الايدي والاطراف، وكأن معظم ابناء العالم الاسلامي يسيرون وأيديهم مقطوعة، وكأن الساحات الرئيسية في المدن الاسلامية باتت مسرحا يوميا لرجم الزانيات حتي الموت.
المؤسف ان الحكومات العربية لم تتصرف بمسؤولية في مواجهة مثل هذه الاساءات والتطاولات عندما بدأت، الأمر الذي ادي الي اتساع نطاقها مثلما نري حاليا، وباستثناء استدعاء بعض السفراء الدنماركيين للاحتجاج علي الرسومات المسيئة، لم نر اي اجراء عملي حقيقي لفتح اعين الحكومات والمجتمعات الغربية بأسرها علي خطورة مثل هذه الاساءات.
الجاليات المسلمة باتت تواجه خطرا يتصاعد في حدته، بحيث اصبح وجودها وسلامها مهددين في ظل حالة الاسلاموفوبيا التي تنتشر مثل النار في الهشيم في اكثر من بلد اوروبي. فهناك بلدان اسلامية عديدة تستفيد من وجود هؤلاء وتحويلاتهم المالية التي تشكل عصبا اساسيا في اقتصادياتها، الأمر الذي يتطلب التحرك لإيجاد حلول علي المديين القريب والبعيد لها، قبل ان تستعصي علي الحل.
اوروبا شهدت علي مدي السنوات الخمسين الماضية العديد من الاعمال الارهابية التي نفذها اوروبيون مسيحيون مثل الألوية الحمراء في ايطاليا، والجيش الجمهوري في ايرلندا، وجماعة بادر ماينهوف في المانيا، وتنظيم الباسك في اسبانيا وغيرها، ولكننا لم نشاهد افلاما ومقالات تتهم المسيحية بالارهاب، والانجيل يتضمن فقرات تحرض عليه، مثلما نشاهد مثيلاتها حاليا التي تربط الاسلام بالارهاب.
* نقلاً عن القدس العربي
في الأربعاء 20 فبراير-شباط 2008 04:02:45 م