شركة بريطانية تكتشف ثروة ضخمة في المغرب تقرير أممي مخيف عن انتشار لمرض خطير في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي في اليمن أول موقف أمريكي من إعلان ميلاد التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية، في اليمن تقرير أممي يحذر من طوفان الجراد القادم باتجاه اليمن ويكشف أماكن الانتشار والتكاثر بعد احتجاجات واسعة.. الحكومة تعلن تحويل مستحقات طلاب اليمن المبتعثين للدراسة في الخارج انخفاض أسعار السلع وسط ارتفاع الدولار والمخاوف التجارية بعد فوز ترمب أحمد حربي يحصد الفضية في بطولة قطر الدولية للتايكواندو مدينة وعاصمة العرب الأمريكية تقلب موازين الانتخابات و تصوت لصالح ترامب المؤتمر الدبلوماسي لقانون التصاميم ينطلق في الرياض بمشاركة 193 دولة أسعار الصرف في صنعاء وعدن في آخر تحديثات سوق العملة
قبل أيام قليلة أعلنا في مركز دراسات الجزيرة والخليج أننا نقوم بالإعداد والتحضير لعقد ندوة علمية بحثية تناقش ماذا كسب اليمنيون من معاهدة جدة الحدودية وماذا خسروا..؟، بعد مرور أكثر من عشر سنوات منذ التوقيع عليها (12 يونيو 2000م) وكيف أُهدرت حقوق الجوار التاريخية التي كانت قائمة من قبل..؟ وذلك في إطار البحث الجاد لمسار العلاقات اليمنية السعودية خلال السنوات الماضية، وما وصلت إليه أوضاع المغتربين اليمنيين من معاناة متعددة الأشكال والأوجه، حيث تتصاعد حدتها وانعكاساتها السلبية بصورة مأساوية، وأصبح غض الطرف أو السكوت عنها، هو في ذاته جريمة أخلاقية، كما هو الحال بالنسبة لنظام الكفيل ومساوئ تطبيقاته، وكذا أوضاع اليمنيين في السجون السعودية، وأساليب التعامل مع المهاجرين في مناطق الحدود،، بالإضافة إلى ما يعانيه الجيل الثاني من المغتربين وحرمانهم من حقوق المواطنة..الخ. وسيتم في هذه الندوة مناقشة مشروع إنشاء تحالف وطني عريض لاستعادة حقوق اليمنيين والدفاع عنها..
وقد أثار هذا الإعلان ردود فعل أولية واسعة عبرت في مجملها عن مدى التفاعل الذي تحظى به هذه القضية، وعن أهمية طرح كل القضايا المتعلقة بحياة اليمنيين وحقوقهم للنقاش العام..
بداية المأساة:
كثيرة هي الاختلالات التي شابت مسار العلاقات اليمنية السعودية، في مراحلها المتعددة..
سواء في مرحلة ماقبل قيام الثورة 1962م، وما بعدها وحتى إجراء المصالحة الوطنية، أو في المراحل اللاحقة لعودة العلاقات بين البلدين (1970م) وحتى الآن..
وما يهمنا هنا هو الإشارة إلى أبرز المتغيرات المرتبطة بأوضاع المغتربين، فمنذ اندلاع حرب الخليج الثانية 1990م، والتي عوقب على إثرها الشعب اليمني، انصب غضب الأشقاء الخليجيين وبالذات السعوديين باتجاه تحميل أفراد المجتمع خطأ السياسات الرسمية، حيث قامت السلطات هناك باتخاذ إجراءات انتقامية سريعة ومربكة أدت إلى طرد مئات الآلاف من المغتربين اليمنيين بصورة قسرية، ففقدوا معها مكاسبهم المالية وحقوقهم القانونية التي كان يفترض أن تجد الحماية من قِبل الجهات المسئولة عن تطبيق نظم وقواعد وتشريعات العمل..
وكان من المؤسف أن رافق هذه الإجراءات حملة إعلامية اتخذت اسلوب الإرهاب النفسي وخلقت حالة من العدائية ضد اليمنيين، فوقعوا تحت طائلة التهديد والعقاب والخوف، إلى درجة جعلت غالبية المغتربين يشعرون أن (سلامة الروح من المشرق صبوح) فلا القوانين تحميهم أو تعطيهم حق البحث عن حقوقهم، ولا السلطات مستعدة لأن تسمح لهم طرق الأبواب الرسمية لتقديم شكاواهم وتوضيح مطالبهم المشروعة،، وحتى الواقع الاجتماعي الذي عاشوا معه وفيه عقوداً من الزمان، بوئام وسلام، استعدي ضدهم من خلال الضغط الإعلامي والتعبئات النفسية والتحريض المتعمد والإشاعات المغرضة..
ولا شك أن كل تلك الإجراءات بما خلفته من آثار ونتائج اقتصادية واجتماعية ونفسية وحزازات نوعية، قد عبرت عن وجود تنكر واضح وصريح لعلاقات الأخوة وحقوق الجوار التاريخية التي أكدت عليها معاهدة الطائف 1934م، والتي سُميت حينها ( معاهدة صداقة إسلامية وأخوة عربية)..
نظام الكفيل..!!
وإذا كان المسئولون السعوديون قد حاولوا بعد ذلك التبرير بأنهم يريدون إعادة ترتيب وضع المغتربين بصورة قانونية، فقد جاء نظام الكفيل ليواصل مشوار التعسفات، ابتداءً من استخدام فِيَزْ الكفالات كتجارة رابحة، حيث يتم بيعها بمبالغ خيالية على هؤلاء العمال المساكين، مروراً بأساليب الابتزاز التي يستخدمها الكُفلاء في استصدار تصاريح الإقامة وفي فرض الأتاوات الباهضة والدائمة مقابل السماح للمكفولين بالعمل في جهات أخرى، لأن معظم هؤلاء الكُفلاء ليسوا رجال أعمال ولا يملكون مؤسسات تشغيلية وإنما يقومون باستقدام أولئك العاملين للمتاجرة بهم، وهذه المخالفة يتحمل نتائجها دائماً العمال أنفسهم، إذ بمجرد أن يتم القبض على العامل اليمني وهو يعمل في مكان آخر يتم ترحيله ويخسر ثمن فيزا الاستقدام بكل برود، وبدل أن يعاقب الكفيل السعودي يتم التغطية عليه من خلال تقديم بلاغ مفاده أن هذا العامل كان في حالة هروب عن عمله، وبالطبع فإن الجهات التي تقوم بترحيل هؤلاء العمال، لا يهمها في الأحوال العادية أن تنصفهم مما يمارسه أرباب العمل ضدهم، في جانب استخدام أسلوب الاستعباد التشغيلي وهضم الحقوق وعدم توفير السكن المناسب...الخ، لأن ما يفعله الكفيل هو الصواب دائماً من وجهة نظر هذه الجهات وليس للعامل أي حق في الاعتراض أو المطالبة أو الشكوى..
أما بالنسبة لأولئك الذين يملكون محلات تجارية مسجلة بأسماء كُفلاء سعوديين، فلهم قصة أخرى، عبر عنها أحدهم في تعليقه على خبر الندوة بقوله: (والله إني أملك ثروة ومحلات ولكني لا أملكها، وكأنها ليست لي، والله إذا الكفيل أخذ المال مني يقدر يزفرني اليوم الثاني، بدون أي حق......الخ) ..
السجناء اليمنيون:
ويُعد موضوع السجناء اليمنيون في السجون السعودية، أحد القضايا التي تحتاج إلى بحث جدي ومعالجة إنسانية وقانونية، ففي الوقت الذي يزداد فيه أعداد هؤلاء بصورة كبيرة فإن معاناتهم تزداد تفاقماً، وسواء كان هؤلاء من فئة السجناء المؤقتين الذين يتم احتجازهم وترحيلهم خلال أيام أو كانوا من فئة السجناء المحكوم عليهم بفترة طويلة، فإن هناك الكثير من المعلومات التي تؤكد تعرضهم لتعسفات متنوعة، ولا يعطون فرصة الدفاع القانوني عن أنفسهم، كما لا يوجد منظمات حقوقية تتابع قضاياهم، وتتولى مهمة كشف معاناتهم وطبيعة الممارسات اللاإنسانية التي توجه ضدهم..
الجيل الثاني من المغتربين:
هناك مئات الآلاف من الشباب (من أبناء المغتربين) الذين وُلدوا في المملكة، والذين يمكن تسميتهم بالجيل الثاني، أصبح وضعهم يمثل مشكلة في حد ذاته، فقد حرموا من الحصول على الجنسية السعودية رغم أنهم يحملون شهادات الميلاد الرسمية، وتبعاً لذلك حرموا من مواصلة التعليم الجامعي، وحرموا كذلك من فرص العمل التي يحصل عليها أقرانهم من المولدين الآخرين، لأنهم يعاملوا كأجانب مع أنهم لا يعرفون اليمن ولم يعيشوا فيه وأصبحوا معلقين في إطار واقع هم أصلاً جزء منه نفسياً وثقافياً وقانونياً، ولكنه يرفضهم تعسفاً واستكباراً..
أخيراً: لماذا معاهدة جدة..؟
وإذا كان ما أشرت إليه في هذا المقال، هو غيض من فيض ، مما يعانيه المغتربون اليمنيون، فإن الحديث عن معاهدة جدة بعد عشر سنوات من التوقيع عليها، أصبح أمراً ضرورياً، وذلك بالنظر إلى ما كان يُطرح من قبل..
فالأشقاء السعوديون كانوا يقولون أن بقاء الحدود معلقة هو سبب رئيس لما يحدث من مشاكل بين البلدين، وأن حسمها سيفتح آفاقاً جديدةً لتطوير العلاقات الثنائية، الشعبية والرسمية، وأن اليمنيين سيعطون مميزات وفرص أكثر، تتلاحم من خلالها وشائج القربى والجوار، وتتكامل المصالح، وهو ما سيؤدي إلى تعزيز عملية الاستقرار الشامل في ربوع منطقة الجزيرة العربية.
وفي مقابل هذه الوعود تطلع اليمنيون بشوق عارم إلى انقشاع الغمة التي نزلت على الجميع عام 1990م، متمنين أن تتحقق كل تلك الأحلام والآمال، وأن يصلوا مع أشقائهم إلى حالة متقدمة من التعاون والوئام والسلام..
ومع ذلك مرت السنين ووجد الناس أنفسهم أمام واقع أكثر تعقيداً وأكثر إيلاماً، حيث تبخرت الأحلام بسبب ارتفاع حرارة المعاناة وتصاعدها، وضاعت الآمال وسط دهاليز أنانية السياسة ومكرها وخداعها..
*رئيس مركز دراسات الجزيرة والخليج.
Ahmdm75@yahoo.com