الصحافة كمهنة متاعب ومصائب
بقلم/ رشاد الشرعبي
نشر منذ: 15 سنة و 7 أشهر و 9 أيام
الثلاثاء 24 مارس - آذار 2009 03:48 م

المتاعب صفة أُلصقت بمهنة الصحافة ويتعرض لها الصحافي اليمني, بصورة تختلف أضعاف مضاعفة عما يتعرض له زملائه في بقية دول العالم.

 يمنياً لا تقف المتاعب فقط عند القائمة المعتادة: البيئة غير المناسبة (مادياً وسياسياً وأمنياً وحقوقياً), بل يتجاوز الأمر ذلك إلى النظرة السيئة للمهنة ومنتسبيها كعملاء ومرتزقة ومبتزين و(دواشن) أو مجرد أبواق للحاكم أو الأحزاب, وأيضاً التحريض الرسمي على أعلى مستوى, والاعتداءات والانتهاكات التي تترتب على ممارسة المهنة وفق أخلاقياتها وقيمها والوقوف في صف الحقيقة ومواجهة الاستبداد والفساد ومنتهكي حقوق المواطنين وحرياتهم.

ففي بلادنا الصحافة كمهنة ومصدر رزق لها متاعب تتعدى كذلك لتلحق أضرارها بأسرة الصحفي وحياته الخاصة.

 وكمثال شخصي, فإن طفلتيَ (سارة وإيمان) اضطررت لإلحاقهما بمدرسة خاصة, لإيماني بحاجتهما للتعليم الذي أنشده وتستحقانه, وهو للأسف غير متوفر في المدارس الحكومية.

 ومابين فترة وأخرى تعودان برسائل المدرسة لطلب التسديد, أحاول أن أقنعهما بعجزي عن التسديد بمجرد وصول الرسائل بين يديهما أو قبل إحراجهما بمطالبات المعلمات المتكررة, أسوق لهما مبررات إفتقادي للمال جراء بطالة اختيارية, لكن دون جدوى.

 فببراءة الأطفال سرعان ما تواجهاني بالقول: يا بابا أنت تكتب في الصحف, وكل يوم تجلس في البيت تقرأ وتكتب ولا حتى (ُتذاكر لنا).

مؤخراً أكتشفت أن معاناتهما أشد في المدرسة, فكلما تأخرتُ في تسديد الأقساط ترفض المعلمات والاداريات تصديق إفلاس والديهما, بل ويواجهن بإستمرار بحقيقة أن أبوهما لا تتوقف كتاباته في الصحف, فكيف يكون مفلساً وعاجزاً عن السداد؟. أنت صحفي, الجميع من حولك يعتقدون فيك الثراء مادام إسمك أو صورتك المرفقة بكتاباتك وموادك الصحفية تصفع أبصارهم كل أسبوع, بل الأمر يتعدى ذلك إلى الإعتقاد أنه كون مهنتك صحفي فأنت تنام على بحر من الأموال, لكنهم في الغالب يرفضون الإقتناع بأن أفضل صحيفة يمنية محترمة تدفع إنتاج فكري لِكُتابها, وهن قليلات ونادرات, لا يزيد قيمة المقال لديها عن 3000 ريال, والأسوأ أن كثير من الصحف لا تعطيك أي مقابل مادي لكتاباتك, وفي أفضل الأحوال تحصد منها عبارات الشكر والثناء والإشادة من إدارة التحرير.

وكمثال آخر, فإن 11عاماً مضت منذ أنخرطتُ في مهنة الصحافة, منها 9 سنوات تقريباً منذ تزوجتُ, لكن شريكة حياتي مُذاك تجلدني إضطهاداً وسخرية كلما سمعت أو تحادثنا عن فلان وزوجته الذي يقضي شهر العسل في مدينة ما أو آخر يصطحبها وأطفاله لجولة ما.

 والسبب في إضطهاد زوجتي المستمر يعود لسبب موضوعي, فحينما تزوجنا ولم يكتمل بعد الأسبوع الأول مما يقال أنه شهر العسل, أُفاجيء بإتصال عاجل يقتادني بقوة الحاجة للمرتب الزهيد من مدينة تعز حيث يقطن أهلي إلى العاصمة حيث ستبدأ مرحلة جديدة من جلسات المحاكمة في قضية (السفاح محمد آدم), فلا أحد من الصحيفة ممكن أن يقوم بمهمتي.

 وفوق ذلك وهو مالم أكشفه لزوجتي حتى اليوم أنه رغم سهري ليلة الدخلة منشغلاً بإعداد مادة للصحوة كخلاصة للمرحلة الماضية من المحاكمة ذاتها, فقد كان جيبي يشكو إفلاساً محزناً ومافيه لن تغطي تكاليف أسبوع (عسل) آخر.

ورغم إيماني بأن المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين, لكنني أستسلمت لعشرات اللدغات في سوق الصحافة ومشاريع الزملاء وأعدادها لا تحصى بأصابع اليدين, وبسبب ذلك وفراراً من إضطهاد شريكة الحياة والوخزات البريئة لحبيبتيَ (سارة وإيمان), فكثيرا ما وصلت إلى قناعة تامة بأن "الصحافة في اليمن لا تُؤكل عيش", وأنها ليست فقط مهنة للمتاعب, ولكنها وهَم إجتماعي وتهمة دائمة وسبب رئيسي لإضطهاد الزوجات ووخزات فلذات الأكباد.

بل الصحافة في بلادنا تعد أيضاً سبباً مهماً تترتب عليه معاناة متنوعة وفجائع متلاحقة, ومن لا يصدق فليسأل فلذات كبد صديقي عبدالكريم الخيواني.

•واجب ديمقراطي

ضمن 85 مرشحاً الذين خاضوا إنتخابات نقابة الصحافيين, حصدتُ 217 صوتاً ليكون ترتيبي الخامس في خانة الإحتياط, ما يوجب علي أن أقدم شكري وتقديري لكل من صوتوا لي, وكذلك لكل الزملاء الذين شاركوا في العملية الإنتخابية, مرشحين وناخبين للروح الديمقراطية التي تحلى بها الجميع والتنافس الشريف الذي ساد الأجواء.

 لقد أثمر وعي الزملاء الصحفيين الراقي وروحهم الديمقراطية الخروج من المؤتمر العام بنقابة موحدة ومتماسكة وقيادة مهنية نعتقد أنها ستبدأ مما أنتهت إليه القيادة السابقة للإرتقاء بالأداء النقابي والدفاع عن الحريات الصحفية وحقوق الصحفيين في الاعلام العام والحزبي والاهلي والخارجي.

فهنيئاً للفائزين وشكراً لمن لم يحالفهم الحظ مثلي, والشكر أكثر لمن رسموا تلك الروحة الرائعة أكثر من1000 صحفي وصحفية.

Rashadali888@gmail.com