خفايا تعثر اجتماع البرلمان
بقلم/ ياسين التميمي
نشر منذ: 5 سنوات و 10 أشهر و 23 يوماً
الأحد 03 فبراير-شباط 2019 07:11 م
 

دعوني أخبركم عما يجري في اليمن، فالحرب توقفت في الجبهات الحاسمة تقريباً تنفيذاً لقرار من التحالف العسكري السعودي الإماراتي، لكنها لا تزال تخلق المعاناة في أكثر من محافظة في الجزء الشمالي الغربي من البلاد، حيث لا تزال هناك حاجة لتقليص نفوذ الحوثيين بالقرب من الحدود السعودية.

وعلى صعيد جهود الحل السياسي، فشل المبعوث الأممي مارتن غريفيث في فرض السلام في الحديدة وموانئها الثلاث، الواقعة على ساحل البحر الأحمر، مع استمرار الاشتباكات وتلويح التحالف باستئناف الحرب على الحوثيين وإخراجهم بالقوة من الحديدة، أو حملهم على تنفيذ تفاهمات استوكهولم.

الرئيس هادي الذي يسجل غياباً طال أمده عن الساحة الوطنية؛ ماض في تعطيل انعقاد مجلس النواب ما لم يتأكد بأن النواب سينتخبون مرشحه المنتمي لمحافظة أبين نائب، رئيس المجلس الحالي محمد علي الشدادي، وهيئة رئاسة منسجمة مع رغبته في تكريس نفوذه كمرجعية عليا في البلاد خلال هذه المرحلة المضطربة.

المزاج العام في أوساط النواب يكرس رئيس الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي العام، الشيخ سلطان البركاني، المنحدر من محافظة تعز، مرشحاً مناسباً لشغل منصب رئيس مجلس النواب خلال الفترة المقبلة، لاعتبارات تتصل بموقفه المناهض للحوثيين منذ اللحظة الأولى لدخولهم صنعاء، ولكونه من المتحمسين للدولة الاتحادية.

لا يمكن فهم كيف أن الرياض التي تدفع باتجاه اجتماع مجلس النواب، وتستضيف العشرات منهم في فنادقها، لم تصل بعد إلى تفاهم مع الرئيس هادي لضمان اجتماع مجلس النواب الذي اكتمل نصابه الدستوري، في وقت تتجلى مؤشرات عديدة على أن الإمارات لا ترغب على ما يبدو في إحياء مجلس النواب.

من بين هذه المؤشرات؛ عودة التهديدات الصادرة عن قيادات ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبو ظبي، وآخرها ما صدر عن أحمد سعيد بن بريك، الذي هدد بمنع عقد جلسات مجلس النواب في مدينة عدن، "ولو على جثثنا، وسنغلق المطار والشوارع، ولن نسمح بدخول عضو واحد إلى عدن"، وفقاً لما نقلته عنه وكالة سبوتنيك الروسية.

ويعتقد سياسيون بارزون في السلطة الشرعية، أن التحالف، يضمر نوايا سيئة تجاه مستقبل اليمن، فهولا يزال ماض في مهمة إضعاف البلاد وتفكيك الدولة، رغم أن هذا التحالف لا يتردد في الادعاء بأنه قد ساعد سلطة الرئيس هادي في استعادة أكثر من 85 في المئة من مساحة البلاد، وهو رقم يردده مسؤولون في المنصات الإعلامية التابعة للتحالف، كما لو كانت الشرعية فعلاً هي من يسيطر على الأمور في المناطق التي اندحر منها الحوثيون.

في الواقع لا تزال خطوط الاشتباكات متوغلة في عمق الجغرافيا اليمنية، ولا يزال نفوذ مليشيا الحوثي موجوداً في أكثر مناطق البلاد ازدحاماً بالسكان، ولا تزال النسبة الأهم من الموارد المالية تذهب إلى خزينة الحرب الحوثية.

اندحر الحوثيون من نحو 70 في المئة تقريباً من مساحة البلاد، لكن هذه المساحة تحولت إلى ساحة حروب عديدة ومشاريع سياسية ومجالاً للصراعات التي يغذيها التحالف، بقصد تفكيك الكتلة الاجتماعية وتمزيق الجغرافيا، عبر استغلال التناقضات الجهوية ومطالب الانفصال التي عمل التحالف على تحويلها إلى عهدة حصرية لدى التكتل الانفصالي الجديد؛ الذي نشأ بدعم من الامارات في أيار/ مايو 2017 تحت مسمى المجلس الانتقالي الجنوبي.

 

أسوأ ما يدور في المناطق التي تهيمن عليها الإمارات بعد عمليات تجريف ممنهجة لنفوذ السلطة الشرعية، هي أن أبو ظبي حصلت على منطقة رخوة لممارسة غوايتها في تصفيتة حساباتها مع من تصفهم بالإسلاميين المتشددين، وهي تسمية مراوغة اتخذت عنواناً لاستهداف سياسي واضح وصريح للمكونات السياسية وقوى المقاومة والطيف الواسع من الشعب اليمني المناهض للحوثيين؛ والمساند للسلطة الشرعية ولعودة الدولة اليمنية الاتحادية متعددة الأقاليم وفق الصيغة التي اقرها مؤتمر الحوار الوطني.

هناك قرائن عديدة أثبتت أن أبو ظبي، ارتكبت أسوأ الجرائم ضد الإنسانية، تحت إشراف محققين أمريكيين، وعبر سلسلة من السجون السرية، وقوات منفلتة أنشئت بأجندات انفصالية موتورة وخارج سيطرة السلطة الشرعية، هي التي تقوم بعمليات المداهمة والاعتقالات والتعذيب مستفيدة من رصيد الخبرة الإماراتية السوداء في مجال التعذيب وإهانة الكرامة الإنسانية.

   يمكن للمراقب أن يلحظ أن القبضة الإماراتية باتت مكشوفة ومعزولة، وأصبح أهالي الضحايا أكثر شجاعة في مواجهة السجان ومحاججته وفضحه

وخلال العامين 2017 و2018، كانت هذه الممارسات والانتهاكات موضوعاً للاستقصاء والتحقيق المهني والنزيه، من أكبر المؤسسات الصحفية العالمية، والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، والتي كان لتقاريرها فيما بعد الأثر البالغ في تبديد الطوق السري الذي فرضته الإمارات على السجون وأعمال القمع والتعذيب التي تجري داخلها بعيدا عن الأنظار.

هذا الضوء الذي بدد عتمة السجون شجع السجناء أنفسهم، خصوصاً في الآونة الأخيرة على خوض المواجهة الحاسمة مع السجان الإماراتي وأدواته، ومع هذه المواجهة تبين أن الإمارات ما تزال ماضية في مسلسل الاعتقالات التعذيب والقتل دون اكتراث، مستهدفة حتى الشخصيات البارزة التي أعلنت موقفها المؤيد للرئيس هادي والمناهض لإرهاب الميلشيات المدعومة من الإمارات في عدن على وجه الخصوص، ومن بين هذه الشخصيات الداعية إبراهيم العدني؛ الذي غيب قبل نحو أسبوع وأكثر ولم يعرف له مصير حتى الآن.

ومع ذلك يمكن للمراقب أن يلحظ أن القبضة الإماراتية باتت مكشوفة ومعزولة، وأصبح أهالي الضحايا أكثر شجاعة في مواجهة السجان ومحاججته وفضحه، وقد تطور موقف أهالي وذوي المعتقلين والمغيبين إلى دعوة سياسية صريحة للتحالف السعودي الإماراتي إلى الرحيل، وهو حصاد مر يؤشر إلى الهزيمة لو كانوا يعقلون.