لا يختلف اثنان على ان الحراك السلمي الجنوبي قد شهد في الآونة الأخيرة تراجعاً ملحوظاً ، على ان البدايات الحقيقة لما يمكن ان نسميه (تراجع) وهو ما قد يغضب البعض كانت عقب اعتقال بعض رموز الحراك والزج بهم في غياهب (الجب) السياسي ومطاردة وملاحقة البعض الآخر.. حتى ان المعتقلين كانوا يعتقدون يومها ان الحراك سيشتعل غضباً ولن تطول فترة بقاءهم في الزنازين.
كنا نعتقد ان الفترة التي هدأ فيها (هدير) الحراك هي مرحلة استعادة أنفاس واستراحة محارب بمجرد انتهاءها سيعود أقوى مما كان عليه في السابق..لكن الأمر ظهر بصورة مغايرة ، فبدلاً من تزايد حدة الاعتصامات والمسيرات والمهرجانات واللقاءات والبيانات ومزيداً من الوحدة الجنوبية- الجنوبية في اطار الحراك ، ظهرت وبشكل مؤسف لغة الإقصاء للأخر..فالتسابق على تشكيل الهيئات وبمسميات مختلفة واحتواء من نريد وإبعاد الآخر لمجرد الاختلاف في الرأي او الاختلاف حول مفهوم القضية الجنوبية – التي لم يوجد لها تعريف موحد حتى اللحظة- بات ظاهرة سائدة في واقع الحراك الجنوبي ..
وللتأكيد على ما نقول أحصوا معي عدد الهيئات المعلنة ومسمياتها، قد يقول احدهم ان هذا يأت في اطار التنوع والاختلاف الذي لا يوصل الى خلاف وقطيعة وشحناء وصدود..لكنه قول مردود على صاحبه فالقطيعة وصلت الى عدم الاقتناع بهيئة يتزعمها فلان لأنه ينتمي الى الحزب الفلاني او القبيلة العلانية..فكل الهيئات المعلنة استبعدت قيادات الاحزاب ، بسبب عدم الاتفاق في الرؤى ومحاولة لإخراج الاحزاب خارج حدود الحراك.
كلامي هذا ليس فيه تجني على احد بقدر ما هي مصارحة قد تبعث الإزعاج والألم للبعض لكنها كلمة حق لا بد من قولها..
ما أجمل الحراك في بداياته حيث ولد عفوي كتعبير صادق عن إرادة شعب وجد نفسه خارج المعادلة السياسية بكل معانيها (ارض- دولة- هوية – تاريخ- وغيرها)، بعيداً عن ثقافة الكراهية لكل ما هو شمالي ولغة الإقصاء للآخر الجنوبي..فأبناء الشمال تعاطفوا مع الحراك ومنهم المثقفين والسياسيين والمواطنين البسطاء ، بل ان منهم من ذهب للمشاركة في اعتصامات الجنوب لإيمانه بعدالة القضية الجنوبية..قد يكون مفهومهم للحل يأت بصورة مغايرة لما يريده البعض في الحراك الجنوبي والذي لم يتفق أطرافه على مفهوم واضح للقضية حتى اللحظة.لذا فثقافة الكراهية بين المواطنين إنما تخدم النظام القائم الذي يسعى لتحويل الحراك عن مساره وجعله يواجه بعضه بعضا ويواجه أبناء الشمال.
طالبنا منذ البدايات الى ضرورة إيجاد رؤية سياسية واحدة وقيادة موحدة للحراك بهدف تنظيمه والسير به الى الأمام نحو تحقيق أهدافه التي جاء من اجلها ، لم نكن ندرك ان حكاية القيادة الموحدة والرؤية السياسية ستتسبب في تأخير عجلة الحراك وفرملتها بحثاً عن زعامة ولو جاءت على حساب القضية.
أصبح أطراف الحراك يتصارعون كحركتي (فتح وحماس) الفلسطينيتين وكل منهم يجتهد لإخراج رفيقه من دائرة النضال الذي هو طوعي ناتج عن إيمان بعدالة القضية ، فالشك والتخوين أصبحتا تملأن سماء الحراك..فكيف لو تحققت أهدافه عندها سيحدث ما حذر منه كثيرين..
الآلاف المؤلفة من أبناء الجنوب لم ينخرطوا في الحراك بعد ، ليس لعدم إيمانهم بالقضية التي يناضل من اجلها إخوانهم وإنما لتخوفهم من مصير مؤلم حيث وهم يشاهدون الإقصاء وعدم القبول بالآخر والتنازعات والقطيعة ،كل ذلك لم يعد خافياً على احد..
ان تنازلك من اجل القضية التي تؤمن بها ليس عيباً بقدر ما هو دليل على صدق نضالك وسلامة توجهك ومقصدك ، لذا فإعادة ترتيب أمور الحراك وتقييم مرحلته السابقة والوقوف على الأخطاء والاعتراف بها والعمل على تصحيحها وإعادة توجيهها التوجيه السليم سيسهم في تصحيح المسار الذي يوشك ان يعوّج..
اللهم ان بلغت اللهم فأشهد.