استكمالاً لمقالنا السابق ( روسيا في مواجهة العاصفة ) وقد ذيلته بتساؤلات عن دواعي الصمت الأمريكي حيال ما تفعله روسيا في المنطقة ومدى تأثيره على مصالحها سلبًا أو إيجابًا ، وهل يمكن أن تصل الأمور بينهما الى مواجهات عسكرية فيما إذا أمعنت روسيا في بلطجتها ..
بقراءة سريعة نقول : ان غرور بوتين وعبثه وبلطجته ستقوده يومًا ما لزوال حكمه ، حيث يرى وبتأييد الكنيسة أنه يخوض حربًا مقدسة ، وكذلك ليثبت للعالم أنه يستطيع بعثرة الأوراق في المنطقة وبدهاء مخابراتي ، ولم يفقه من حيث يجهل أنه يقع في نفس المأزق الذي تعرّضت له جمهوريات الإتحاد السوفيتي في أفغانستان سابقًا فتمزقت شر ممزق ، وظلت امريكا تضحك عليها .
امريكا الآن تلعب ما يقارب من لعبتها السابقة في أفغانستان وإن بصورة أخرى ، لكنها تتفق في الأهداف وهو التخلص من شبح روسيا في المنطقة ، واسكات غرورها الى الأبد ، فلم ترفض تدخّلها عسكريًا رفضًا قاطعًا ، وإن عارضته إعلاميًا حتى لا يفهم أنها تستدرجها الى الوحل السوري للقضاء على قواتها وترسانتها العسكرية وإستنزافها ، ما يعني أن الصمت الأمريكي هدفه القضاء على الجماعات الإسلامية الجهادية المعادية لها مثل جبهة النصرة وحلفائها ، فتكون بذلك روسيا قد أراحتها منهم ، ووفّرت عليها جهودها الحربية ، وحققت لها بعض أهدافها العسكرية هناك ..
لكن هل ستصمت امريكا عن تدخلات روسيا واستفزازتها العسكرية لتركيا ؟؟!! يتضح أن امريكا لم تستسغ بعد تركيا ( أردوغان ) لأنه شوكة لإسرائيل ، وسياساته طموحة في استعادة الخلافة العثمانية العملاقة ، ويحسب على الإسلاميين المناهضين لإسرائيل وداعمًا لهم ، ولذلك فلن تدعمه عسكريًا ، ويمكن لضمان بقاء قواعدها العسكرية في تركيا ستسانده سياسيًا وإعلاميًا وستطلب من دول الناتو فرض عقوبات اقتصادية على روسيا ..
وفي اليمن إن حاولت روسيا السيطرة على البحر العربي وخليج عدن والبحر الأحمر وباب المندب – كما تخطط له إيران وحلفائها في اليمن - فأعتقد أن امريكا لن تسمح بذلك مطلقًا ، لأنها ستبقى تحت رحمة روسيا ، وستفقد كل مصالحها العسكرية والسياسية والإقتصادية ، وستخسر كل دول الخليج العربي ، ومقتضى الصراع لن يكون مثلما تتجاهله روسيا أو تحاول تمريره ، لأن امريكا لمصلحتها ستقوم بتحريك الحلف العسكري للناتو ودوله للوقوف إزاء البلطجة الروسية بالقوة العسكرية الباطشة .
ومن زاوية أخرى فأمريكا الآن تراقب مدى تقدّم روسيا أو انتكاستها عسكريًا ، وتقوم بملاعبتها سياسيًا وتخنقها عسكريًا في حرب استنزاف طويلة ، وبالتالي فهي لن تجعلها تصل الى نجاح عسكري خاطف كما يُعتقد ، ولديها من الأوراق الكثيرة الممكنة لتحقيق ذلك مباشرة أو عبر دولة أو دول حليفة لها ، ولذلك فلن تصل روسيا الى تحقيق ما تبتغيه ، وستصل في النهاية الى نتيجة حتمية هي قبولها بالحل السياسي إلاّ في حالة واحدة إن تمكّنت روسيا من تحشيد دول كبيرة مثل الصين وكوريا الشمالية وايران للإشتراك معها ، فهذا يعني دخول المنطقة في حرب كارثية ساحقة بين حلف تقوده امريكا وحلف تقوده روسيا ..
ولذلك ستظل التساؤلات مستمرة عن حقيقة الصراع وأبعاده المستقبلية ، لطالما أن القوى العالمية الكبرى تسير في صراع محموم ، بأطماع توسعية مصبوغًا بمعتقدات دينية .