جثة ميتة وغبار منفوض -شيء من الواقع
بقلم/ كاتب/رداد السلامي
نشر منذ: 17 سنة و 8 أشهر و 11 يوماً
السبت 17 فبراير-شباط 2007 05:03 م

مأرب برس – خاص

غادر ... خائن هكذا يحق لي ان اسميه..

إنه مخاتل يتشح من ألوان الطيف ما كان رماديا..ويلف اللون الأسود في قلبه يتقن فن الحديث معك بصورة جدية..ويقدم لك النصائح مجانا دون ثمن،لأنه يرى أن الدين هو: (النصيحة)!!ناصح أمين..هكذا يقدم نفسه دائما..ومرشد حكيم فاق الحزين (مالك) حكمة ..يدق عنك بأساليب ذكية ..ويمارس فن الكذب بملامح صادق واضح..

لكن ثمة ما يعريه أمامك ..ويجعله عاريا في سلوكه وتصرفاته..هو أن تجيد فن الغباء ببلاهة عالية وتغريه في التمادي بألاعيبه وحيلة حتى تستطيع أن ترسم خارطة طريق إلى مكمن ضعفه ومن ثم تثقب هذا الانتفاخ البالوني المليء بالهواء والفراغ..

لا مبادئ ولا قيم ..

إنها الذات حاضرة في كل تفاصيل خارطة التفكير لديه..إن المبادئ بالنسبة له( رداء) أنيق يلبسه كي يخفي أحافير أناه المتورمة.. ويبدو أمام البلهاء لائقا لأن يكون في (أنف البعير ) خطاما يقود الركب حيث شاء.

هكذا تعودت دائما ..أن لا أقدم أحكاما مسبقة على أحد حتى أكتشفه ..فالبحث عن الحقيقة هواية وفن لا يجيده إلا سلمان وأمثاله..

كما أن لي عادة أمارسها بتلقائية رفيعة وهي الوضوح والانطلاق الذي يغري مستمعي ويجعله يتخيل أن ثمة بلادة تسكنني وحماقة نفسية متأبدة فيًّ فتتسرب دخائل ذاته رويدا رويدا ليلتقطها جهاز الاستقطاب المبطن دون وعي مني فإذا بي أخرج بجملة مفيدة تقطع الشك وتعزز اليقين.

أحيانا أتحول إلى مخبر أبله .. لا يكتشف قدراته إلا ليلا حين يأوي إلى الفراش وبعد أن يقرأ آيات الطرد وكلمات السفع بناصية الشيطان كي لا يلقي إيحاءات نازغة تعكر صفاء المراجعة الحقيقية وتتسلل في أحاديث الذات ..

هذا الذي اتحدث عنه إنسان وضعت فيه النخبة ثقتها ومنحته صك برائة وغفران ..

قد يقول قائل هو بشر ..وأقول نعم هو بشر وكلنا خطاءون ..لكنه لا يخطئ بل يتعمد الخطأ ويمارسه كهواية يجد فيها متعة توحي له بالذكاء والقدرة وتعزز في ذاته شعورا أنيقا مفاده أنك ماكر إلى حد لا يستطيع فيه أحد اكتشافك ’إتك نجيد فن الكذب واستغباء العقول بجدارة..

والعقل لا يفسده إلا مثل هذا الايحاء ..إنه يدمر أعز ما فيك ..يدمر ذاتك .. ينحت من احترامك لنفسك ..إنك تصنع مطارق فنائك بيديك لتدمر كيانك الإنساني النبيل وتلف حول عنقك أسياخ الموت وتزهق روحك منتحرا..

اكتشفته ولم أظلمه منذ البداية .. فقد كنت افترض فيه مسبقا إنسانا جيدا يرتدي معطفا أنيقا (من رأيتموه يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان) وكنت لا أعطيه الثقة التامة ..والتعظيم المبالغ فيه كعوام الشيعة التي تقدس مراجعها حد اليقين .

فأنا لا أعطي أحد ثقتي الكاملة ..حتى ذاتي ..

وحين اكتشفت عريه النفسي والقيمي حمدت الله وقلت في نفسي (الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه ) ولأنه كان عزيزا عليًّ فقد شيعته حين مات في "داخلي" إلى مقبرة النسيان..

ونفضته من الذاكرة تماما كما أنفض بطانيتي من بقايا غبار عالق فيها صباحا ورفعت يداي إلى السماء وقلت"اللهم اغفر له وارحمه"