ديكتاتوريو البلاد العربية…
بقلم/ محمد كريشان
نشر منذ: 5 سنوات و 3 أشهر و 23 يوماً
الأربعاء 10 يوليو-تموز 2019 07:46 م
 

«الحلو ما يكمل»… كلنا يعلم ذلك، لكن ما لا نعلمه بعد على وجه اليقين هو لماذا يصر ما ليس حلواً أبداً أن يبقى رغم أنف الجميع!!

مناسبة هذا الكلام أننا نعيش طوال الأشهر الماضية في بلادنا العربية «ملاحق» مختلفة لعهود كنا نظنها بادت، لكن استعجال الاحتفاء باختفائها لم يكن في محله. في السودان حالياً وكذلك مصر وليبيا واليمن وتونس من يعمل على إطالة أنفاس هذه العهود ورموزها، في نوع من «استنساخ الأرواح».

في السودان، لا يمكن وصف العسكريين الذين استولوا على السلطة وأطاحوا براعيهم وولي نعمتهم عمر البشير، سوى أنهم امتداد لحكم هذا الأخير بعد اهترائه. كان لا بد من البحث عن واجهة جديدة تستمر فيها الدائرة الضيقة نفسها في حكم البلاد، بعد تخلصها في الطريق من بعض الوجوه، لكن ليس كلها. ما الذي يجعل مثلاً شخصاً مثل محمد حمدان حميدتي لا يمتلك الحد الأدنى من التعليم والثقافة، ناهيك عن ماضيه الأسود، يصبح رجلاً يتصدر الأخبار ويلقي الخطب في الجماهير؟! وحتى بالهمس في أذنه، لم يكن هذا الرجل، صنيعة البشير وأحد خطاياه الكثيرة، قادراً على إلقاء كلمات لها تسلسلها ومنطقها، حتى إنه تحدث مرة على أنه يريد «شباباً غير مسّيسين وبلا أجندة»، متجاهلاً أنه أمام ثورة وليس روضة أطفال!

في مصر، تكاد لا تصدق نفسك أن هذا الرجل يمكن أن يكون رئيساً لدولة عظيمة كمصر. كلما تحدث في مقابلة صحافية أو في ندوة جماهيرية أو غيرها، لا ترى عبد الفتاح السيسي إلا مدعاة تندر المصريين قبل غيرهم. لا فائدة في ذكر اسم الشهرة الذي أصبح يكنّى به، لكن ليس لحضوره أو كلامه أو مواقفه ما له علاقة من قريب أو بعيد بأي من الرؤساء الذين تعاقبوا على «أرض الكنانة»، ولا حتى مبارك. هنا أيضاً، هذا الرجل هو من أبناء مبارك وعهده، أفلح بدعم من المؤسسة العسكرية أن يكسب ود الرئيس الراحل محمد مرسي، فظنه من «ذهب»، ليكتشف المسكين ونحن من بعده أنه من معدن آخر مختلف تماماً.

في ليبيا، يأتي خليفة حفتر ليذكّرك بالراحل معمر القذافي، ليس فقط بتعطشه المخيف للسلطة وحب النياشين والبهرجة، وإنما أيضاً بنزقه الدائم. لا أحد يستطيع أن يعوّل عليه في الالتزام بشيء، وهو لا يرى نفسه إلا «الحل في ليبيا، وليس جزءاً من الحل»، على حد قول أحدهم. هذا الرجل أيضاً هو رفيق القذافي وصنيعته، صحيح أنه كان يوماً أحد ضحاياه حين رمى به في أتون حرب التشاد العبثية في الثمانينيات ثم تنكر له، ولكنه اليوم يجمع كل بقايا نظام قائده السابق، وفيه يجد أنصاره اليتامى الرمز القادر على إرجاع سنواته الخوالي وقبضته العسكرية والأمنية التي لا ترحم.

في اليمن، لا يمكن أن ترى سلبية عبد ربه منصور وقلة حيلته وغياب مبادراته بدون أن تعترف بأن الراحل علي صالح كان حكيماً حين اختاره نائباً له لسنوات. لقد انتقاه بعناية شديدة وبحدسه الرهيب، حتى لا يفكر ولو للحظة في الخروج عنه أو الإطاحة به. شاءت ظروف الثورة اليمنية، ومساعي دول الخليج إلى احتواء آثارها المخيفة بالنسبة إليهم، أن يتحول هادي إلى رجل المرحلة الانتقالية التي احتار في إدارتها. ومع انقضاض الحوثيين وانقلابهم، زادت الأمور سوءاً ثم تعفنت بـ«عاصفة الحزم»، التي «جاءت لتكحّلها فأعمتها». وانتهى الأمر بالرئيس اليمني، الذي هو صنيعة صالح واكتشافه، إلى رئيس رهين في الرياض، لا هو قادر على إعادة الشرعية، ولا هو قادر أن يقول للسعوديين والإماراتيين: شكر الله سعيكم.

حتى تونس لم تسلم، صحيح أنها ليست السودان ولا مصر ولا ليبيا ولا اليمن، ولم تمر بأي من المراحل الرهيبة المختلفة من اقتتال وعسكرة وانقلابات متنوعة الأشكال، ولكن زين العابدين بن علي لم يذهب هو الآخر دون أن يترك للتونسيين ما يذكّرهم به وبعهده، ولكنها امرأة هذه المرة؛ السيدة عبير موسى، التي كانت أمينة عامة لحزب «التجمع الدستوري» المنحل بقيادة بن علي، وأسست بعد الإطاحة به «الحزب الدستوري الحر»، وصفها مقال لرئيس تحرير جريدة «المغرب» التونسية اليومية بأنها «ضد الثورة، وضد كل مخرجاتها… وهي الزعيمة السياسية الوحيدة التي تقول «خوانجية» عند حديثها عن حركة النهضة، وتدعو إلى حظر هذا الحزب ومحاكمة قياداته، كما تعتبر أن الحقوقيين هم أيضاً كارثة هذه البلاد وعملاء للقوى الأجنبية». إنها امرأة شعبوية تطمح للرئاسة، وتحن لكل مظاهر الاستبداد السابقة، ولا تتحرج من أن يستقبلها أنصارها بالطبل والمزمار كما كان يفعل بورقيبة وبن علي.

مع كل هذه الوجوه تشعر بأن الذين أطيح بهم لم يغادروا الساحة بعد، بل إنهم يستمتعون باستمرار إرثهم عبر هؤلاء، بل ويخرجون لنا ألسنتهم لإغاظتنا، سواء كانوا في دولهم أو المنافي أو حتى في القبور!

 

كاتب وإعلامي تونسي