الحديث عن الطائفة اليهودية في اليمن ذو شجون , فما يعرف عن هذه الجماعة من الناس محدود وضئيل بحيث لا يساعد على تكوين معرفة حقيقية بالمجتمع اليهودي الذي يعيش وسط المجتمع اليمني – المسلم ويتعايش معه . لقد كان عدد اليهود في اليمن حتى اربعينيات القرن الماضي لا بأس به , لكن بعد قيام دولة اسرائيل واتجاه اعداد كبيرة منهم نحو الهجرة الى الدولة العبرية اخذ عددهم يتناقص حتى وصل في وقتنا الراهن الى حوالي 400 نسمة فقط .
كان انحسار عدد افراد الطائفة اليهودية في اليمن حتى وصلت الى ما هي عليه اليوم بفعل الهجرات الى اسرائيل في اواخر الاربعينات من القرن الماضي, تلك الهجرات وان كانت قد بدأت قبل قيام دولة اسرائيل إلا انها بلغت ذروتها مابين عم 1949م وعام 1951محيث قدر عدد الذين رحلوا من اليمن خلال تلك الفترة بحوالي ( 45 ) الف نسمة جرى ترحيلهم وفقا لعملية منظمة عرفت بـ " بساط الريح " وتمت تحت غطاء سلطة الاحتلال البريطاني في عدن وبموافقة السلطة الامامية في شمال
اليمن انذاك , فمن خلال الجمعية اليهودية في عدن والوكالة اليهودية العالمية بالاضافة الى
الوسطاء وسماسرة الترحيل من اليمنيين كانت تجري عملية ترحيل اليهود من اليمن الى اسرائيل ( 1 )
تناقص عدد اليهود فياليمن بالاضافة الى ميلهم للعيش في تجمعات منعزلة عن تجمعات المسلمين جعلهم في حكم المجهول , فلا تكاد وسائل الاعلام ان تتحدث عنهم او تسلط الضوء على همومهم ومشاكلهم إلا فيما ندر , وغالبا ما يكون ذلك من باب الترويج السياسي الذي لا يهدف الى التعرف على مجتمعهم والتعاطي معهم كطائفة لها تاريخها وخصوصيتها وعلاقاتها بالمجتمع .
شمسان نيوز من خلال هذا الاستطلاع يحول تقديم صورة عن اليهود في اليمن وتسليط الضوء على جوانب من حياتهم ومشاكلهم والمصاعب التي يواجهونها في معيشتهم اليومية .
مدخل تأريخي:
تجمع العديد من الدراسات التاريخية على ان دخول الديانة اليهودية الى اليمن كان في فترة حكم الملك الحميري أسعد الكامل – حكم مابين اواخر القرن الرابع واوئل القرن الخامس الميلادي – فقد كان أسعد الكامل اول من اعتنق الديانة اليهودية ودعا قومه للدخول فيها . ( 2 )
اما يهود اليمن فان المؤرخين يذهبون الى ان اصولهم ترجع الى قبائل يمنية اصيلة , غير انهم لا يستبعدون اختلاطهم باصول واجناس اخرى غير يمنية . ( 3 )
هذا الرأي لا يتفق معه بعض يهود اليمن إذ يرى فائز الجرادي – مدير مدرسة الشبزي – ان اليهود جزاء من بني إسرائيل يرجعون إلى أبناء ( يهودا) هكذا بدأ ( فائز الجرادي ) حديثه معنا عن تاريخ الطائفة اليهودية في اليمن ، وقال : بعد تدمير الهيكل ومعبد القدس في العام الـ 70 قبل الميلاد ، وصل بعضهم ارض اليمن – بطريقة او بأخرى – واستوطنوها .
والثابت لدى عدد كبير من المؤرخين اليهود ومنهم ( يحيى سعيد الجريدي ) بان غالبية يهود اليمن كانوا وثنيين ، اعتنقوا الديانة اليهودية من عهد ملوك حمير وعلى رأسهم الملك ( ذونواس ) حيث كان اليمن في ذلك العهد ينعم بحرية فكرية تمكنت الديانة اليهودية في ظلها من نشر دعوتها بين ملوك حمير .
وواصل الجرادي : الطائفة اليهودية في اليمن من أقدم الطوائف اليهودية في العالم كما ورد في الكتب والروايات التاريخية وما ورد في ( التلموذ , 950 ) لـ( موسى بن ميمون ) احد علماء التلموذ ورجال الدين والمفكرين والفلاسفة .
وأضاف الجرادي : بان مؤرخي الطوائف اليهودية وحاخامات اليهود في العالم – قديماً وحديثاً – يجمعون على ان الطائفة اليهودية في اليمن هي اكثر الطوائف التزاما بأصول الديانة اليهودية وثوابتها والتمسك بطقوسها منذ القدم وحتى يومنا هذا ، كما يشهدوا لها بفصاحتها وصحة نطقها للعبرية , ولذلك يوصون ويرجعون إلى الطائفة اليهودية في اليمن لمعرفة وتعلم أصول الديانة اليهودية .
التجمع الحالي للطائفة اليودية في اليمن
تشير بعض المصادر التاريخية الى ان عدد اليهود في اليمن كان في مطلع القرن العشرين يتراوح بين 75 الف و100 الف نسمة , موزعين على حوالي 1000 تجمع سكاني , وان 80 % من تلك التجمعات كانت في القرى , بينما 20 % منها فقط كان يسكن المدن , وكان اكبر تركز سكاني لليهود في مدينة صنعاء , ام في عدن فقد كان اليهود يشكلون نسبة 50 % من عدد سكانها عندما احتلتها بريطانيا عام 1839م حيث كان عدد السكان يقدر حينذاك بـ 600 نسمة , غير ان هذا العدد تضاعف كثيرا في ظل سلطة الاحتلال حتى وصل في عام 1948م الى نحو 6000 نسمة .
وقد سكن اليهود عددا من المدن والقرى مثل صنعاء , عدن , لحج , تعز , ريدة , حورة , صعدة , خمر , وحبور الى جانب بعض وديان حضرموت , غير ان القسم الاعظم من تلك التجمعات قد اختفى من الخارطة
الجغرافية ولم يتبق منها سوى عدة تجمعات صغيرة في بعض المناطق , حيث تعيش الطائفة اليهودية – حالياً – موزعة بين بلاد المشرق بمحافظة صعدة ، ومنطقة( أرحب) بمحافظة صعده ، وفي مديريتي ريدة وخارف بمحافظة عمران ، ولا يزيد عدد سكانها عن أربعمائة نسمة وبما يقرب من ستين أسرة ..
وان اكبر تجمع سكاني – لها – تشكل في الآونة الأخيرة هو ذلك الواقع في التقارب الجغرافي مابين الحي الغربي من مدينة ريدة و(السوق الجديد ) بمديرية خارف بمحافظة عمران شمال العاصمة صنعاء .
هذا التجمع تكون عبر نزوح جماعات اليهود من عدة مناطق سكنوها سابقاً ومنها : العرقة و ناعط و كانط وبني عبد و عثار وغيرها ، وآخر نزوح او انتقال كان قبل ستة عشر عاما عندما انتقلت أسرة ( سالم الشغدري ) من منطقة ( الشغادرة ) بمحافظة حجة لتنظم الى التجمع اليهودي في منطقة " السوق الجديد " .
بقعة اليهود
في طريق زيارتنا للطائفة اليهودية ، وعند مدخل منطقة ( السوق الجيد ) بمديرية خارف ، ومن أمام احد المباني الذي على ما يبدو ان بناءه لم يكتمل منذ سنوات ركب ( محمد )السيارة وواصلنا طريقنا فيما كان يتحدث إلينا عن المنطقة وما أن علم بقصدنا الحي اليهودي حتى ظن بان مقدمنا لغرض العلاج مما جعله يحاول إقناعنا بعدم جدوى علاجهم – يقصد اليهود – وبان هناك احد الاطباء من المسلمين في ذات المنطقة : (مضمون ) حد تعبيره .. واتضح لنا فيما بعد أن (محمد) وغيره ممن يتخذون من ذلك المبنى عند مدخل السوق الجديد مقرا لهم، للتكسب من زوار المنطقة الذين يفدون اليها لغرض العلاج، فيعملون على اقتيادهم إلى من يدفع لهم عمولة من المعالجين مقابل كل زبون.
( بقعة اليهود ) هكذا يطلق على الحي الذي يسكنه اليهود في منطقة السوق الجديد ، ليس منفصلاً أو معزولاً عن جيرانهم من المسلمين ، إلا أنهم – أي اليهود – يحيطون منازلهم بأسوار عاليه ومتينة ، شيدت مرتفعة بضعف ارتفاع المنازل ، وأرجعت المعلومات التي حصلنا عليها - سبب ذلك- إلى الحماية من اللصوص ومن باب الاحتياط الأمني ، خاصة وقد تعرض العديد من منازلهم لعمليات السطو والسرقة , كان آخر تلك الاعتداءات ما تعرض له منزل ( سليمان يعقوب ) مدير المدرسة العبرية بـ ( خارف ) خلال هذا العام ، حيث هوجم ليلاً بعد أن أغلق الباب الرئيسي للمنزل , فجرت محاولة لفتح وكسر ( المخلفه) أي الباب المؤدي إلى سطح المنزل دون جدوى , وظل اللصوص محاصرين منزل ( سليمان ) طوال الليل ولم يغادروا المكان إلا عند الفجر , بعدها كلف سليمان احد الجنود لحراسة منزله لعدة ليال , ولم يعاود اللصوص محاولتهم , ولم يتم القبض او حتى التعرف عليهم , ومنازله في العادة بسيطة وعادية .
حياة اليهود في تجمعات يفسرها العيلوم يعيش بن يحيى " 82 عاما " بالقول : بان أي أقلية في منطقة ما في بلد ما بما في ذلك الطائفة اليهودية في اليمن ألتي أصبحت في عداد الأقليات مما جعلها تتشكل وتتقارب في ثلاث تجمعات وأكبرها هنا بمحافظة عمران ما بين خارف وريدة ، لحاجتنا لبعضنا ولتكافلنا وللاطمئنان على أحوال بعضنا البعض ، وبالإضافة لإقامة صلواتنا وأعيادنا ( سبوتنا ) إلى جانب بناء المدارس لتعليم أبناءنا وبناتنا التوراة و الزبور و ( لحياة وموت ).
دفعت الاعتداءات المتقطعة التي شنها المتطرّفون المناهضون لليهود في السنوات الأخيرة باليهود المقيمين في اليمن إلى التمركز في مدينة ريده لتوخي مزيداً من الأمن وكذا الحفاظ على مجتمعهم. لقد تراجع عدد السكان اليهود كثيراً خلال السنوات الخمسين الماضية، فمن عشرات الآلاف أصبح عدد اليهود في اليمن لا يتجاوز بضع المئات وذلك بسبب الهجرة الطوعية ( المصدر : التقرير العالمي للحرية الدينية 2006م)
حياتهم الاقتصادية :
محافظ عمران اعفاهم من دفع الجزية
ليس من بين اليهود من يمتلك الأرض الزراعية أو العقارات أو المحلات التجارية ، كما أن ليس من بينهم من يتقاضى راتباً شهرياً كموظف في الجهاز الإداري للدولة عدا شخص واحد هو" فائز الجرادي " مدير مدرسة الشبزي العبرية بـ ( ريدة) , ليسوا أوفر حظاً ولا أحسن حالا في معيشتهم عن باقي الشعب اليمني فالجميع يئن تحت وطأة البؤس والفقر وضيق الحالة المعيشية يقومون بأعمال حرفية عدة كالحدادة والنجارة وإصلاح السيارات ويعمل البعض سائقاً للدرجات النارية وآخرين ( إسكافي ) أي إصلاح الأحذية على الطرقات والأسواق العامة إلى جانب العمل في مواسم الحصاد الزراعي لدى ملاك الأراضي الزراعية من المسلمين .
أن التدهور الاقتصادي وسؤ حالتهم المعيشية وفقرهم المدقع حدا بالعميد/ طــه هاجر محافظ المحافظة , قبل حوالي اربع او خمس سنوات الى إعفائهم من دفع الضرائب ( الجزية ) للدولة والتي كانت مفروضة عليهم إلى عهد قريب ، ولذات الأسباب الاقتصادية والمعيشية فإن غالبيتهم يرجع تزايد نسبة النزوح والهجرة إلى إسرائيل خلال العقد الأخير،حيث وصلت النسبة إلى ما يقرب من 50% من تعدادهم الحالي اي حوالي 200 فرد .
سوء الحالة الاقتصادية لليهود في اليمن يتضح جليا في ما يعانيه فهو مصاب السرطان منذ عدة سنوات، وأربع عمليات جراحية أجريت له في بريطانيا لاستئصاله خلال الأربع السنوات الماضية دون جدوى ، وتزداد حالته الصحية تدهوراً وسواء يوماً بعد يوم إلى جانب سوء الحالة المعيشية , ومع ذلك لم تلتفت اليه ايا من الجهات الرسمية او تتبنى علاجه في الخارج !!
من صنعاء الى اسرائيل مباشرة :
علاقة الطائفة اليهودية في اليمن بالدولة العبرية ( اسرائيل ) لم تقتصر على تلك الهجرات التي حدثت منذ اربعينات القرن الماضي , ولكنها علاقة تتخذ اما طابع الزيارات للاهل او للحج الى بيت المقدس , كما زار ايضا بريطانيا وامريكا , تحدث الينا عن الجالية اليمنية في تلك البلدان مبديا وارتياحه بما شاهدة ولمسة - في تلك البلدان – من تقدم وعلم ورقي في شتى المجالات , وقال : لا يوجد وجه للمقارنة نهائيا بيننا وبينهم , وحتى ما بيننا و إسرائيل.
لكن ما يجعله لا يرغب بحياة تلك البلدان - حد قوله – ( ما فيهم قبيله ) فلا يستقبلون ضيفهم إلا بموعد مسبق ومن الممكن رجوعه من باب البيت ( ولا يخجلوا على أنفسهم )
ويضيف : وهناك شرف الواحد مباح ، ولا يستطيع الواحد أن يفعل شيئاً إذا رأى ابنته أو زوجته تصاحب أو تذهب لتعاشر شخصاً أخر غير زوجها ، وكيهود يمنيين ومتدينين لا يمكن أن نقبل بذلك على أنفسنا .
اما نجله العيلوم( يحيى يعيش) الذي يعمل ميكانيكاً للسيارات حتى الظهر من كل يوم ويمارس علاج مرضاه من أبناء الطائفتين من مختلف الأراضي اليمنيين ودول الجوار بالأشجار ومواد العطارة ( و الله الشافي ) حد قوله امتهن علاج المرضى عن والده الذي أقعده المرض ومنعه منها , اوضح يعيش بان زياراتهم إلى إسرائيل كانت تتم من قبل عن طريق تصاريح من قبل السلطات الأردنية أو المصرية وفي إسرائيل تمنح الإقامة في ورقة خارجية عن جواز السفر اليمني وأحيانا في الجواز , وأما الآن فما عادت هناك أي تصاريح ويتم السفر مباشرة من مطار صنعاء إلى مطارات إسرائيل عبر الخطوط الجوية الأردنية .
ذكر عدد من أبناء الطائفة اليهودية هنا وممن لهم أقارب في إسرائيل أن أول فوج من يهود اليمن وصل (ارض إسرائيل ) وفي أربعينيات القرن الماضي وٌطن في منطقة (روش عين)بالقرب من تل أبيب، حيث وضع ما يقرب من 99 بالمائة منهم في مخيمات حتى يتم تجهيز منازل لهم ، إلا أنهم لم يقبلوا بذلك الواقع فقاموا بتكسير الأحجار وبناء منازلهم ،وبدئوا بناء مجتمعهم اليمني الصغير داخل إسرائيل، ناقلين معهم شجرة القات التي امتدت زراعتها – مؤخراً – إلى عدة مناطق ومنها (تل أبيب) ، واستحدثوا لها أسواقا ًتجارية يتناولون (القات) طرياً ويبيعونه للصهاينة الشرقيين والغربيين ويصدرونه إلى أمريكا ودول أوربا – طرياً- أيضاً،بعد أن رفضه (الموالعة ) أي القات - مصنعاً وجافاً على هيئة أقراص ومستحضرات أخرى .
وعلمنا أيضا بأن اليهود اليمنيين في إسرائيل إلى جانب زراعة وتجارة القات ، فقد تعلموا مؤخراً هناك وحصلوا على مؤهلات علمية وعملية وفرت لهم فرص عمل في عدة مجالات داخل إسرائيل.
أعيادهم ومناسباتهم الدينية :
العيلوم( يحيى يعيش) تحدث عن عدد من الأعياد والمناسبات الدينية والتي من أهمها ( عيد الفصح ) لدى أبناء الطائفة اليهودية في اليمن والطوائف اليهودية في العالم ، حيث ذكر أن أل 15 من نيسان ( ابريل ) هو أول أيام الثمان للعيد الذي يحتفون بها من كل عام بمناسبة خلاص بني إسرائيل من العبودية لفرعون مصر والانتصار عليه بقيادة موسى وهارون ويوشع .
وأوضح أن هذه الذكرى يحتفل بها اليهود في العالم بمناسبة خروج نبي الله موسى منتصراً من ارض مصر على فرعون , وهي أيضا ذكرى للدين ولله .
وتحدث ( يحيى يعيش ) عيلوم الطائفة اليهودية بمديرية خارف عن الطقوس الدينية والاحتفالية بهذا العيد حيث قال : نستعد لهذا العيد قبل تاريخ الـ 15 من نيسان بأسبوع , فنقوم بتنظيف الكنائس وتقوم النساء بتنظيف المنازل ونذهب للتسوق وشراء الملابس الجديدة للعيد وتتزين النساء بالحناء والنقش والخضاب.
وأضاف خلال أيام العيد الثمان هنالك يومان في البداية ويومان في النهاية غالباً ما تكون طقوس العبادة فيها , حيث يُحرَم فيه العمل – أي عمل كان – حتى قيادة السيارة أو الرد على التلفون .. (احتراماً وحباً للدين ولله )
ويواصل نأكل ( الفطير ) أي الخبز الخالي من الخميرة , ويُرجع ذلك : أن بني إسرائيل عند خروجهم من مصر , خرجوا بمعاجنهم ولم يكن عجينهم قد اختمر بعد - حد قوله،
عيد الفصح من أهم الأعياد لدى اليهود , موضحاً أن أربعة أيام من فترة عيد الفسح ( الفصح ) يقوم اليهود خلالها بالزيارات الأسرية وبالذات للنساء من الأقارب وزيارة والأصدقاء والابتهاج , وفي بقية الأيام يحتفلون بهذا العيد.
تقوم النساء بإعداد طعام الأسرة تحت ظلة من القش بجانبها غرفة متوسطة المساحة وهو ما يعتبر المطبخ الذي يقع داخل السور وبمقابلة المنزل .
ولا يوجد ما يميز ملابس نساء الطائفة اليهودية عن ملابس الطائفة المسلمة في المنطقة. فذات الألوان المتعددة والمحتشمة ، ومن العيب أن تخرج المرأة من اليهود أو الظهور لمقابلة غرباء الرجال عن الأسرة دون أن تضع على وجهها ما يعرف بـ ( اللثمة )
أما بالنسبة لملابس الرجل من اليهود فتتميز بـ ( الكوفية ) التي تتوسط الرأس بلونها الأسود بالإضافة إلى ( الزنار ) أي خصال الشعر الملفوفة حلزونياً على جانبي الرأس ، ونفي العيلوم يحيى يعيش أن يكون الزنار أمرا سياسياً أصدره الإمام يحيى بن حميد الدين إبان حكمة لتمييز أبناء الطائفة اليهودية عن أبناء الطائفة المسلمة ، وأكد يحيى يعيش بأن ذلك أمر ديني نلتزم به ، أم أن أمر الإمام يحيى وصل لليهود المتدينين في مختلف أنحاء العالم والذين يطلقون زنانيرهم منذ أقدم العصور .
ويتميز رجال الطائفة اليهودية بعدم حمل السلاح أو تقلد ( الجنبية ) كغيرهم في المنطقة .
ويرجع العيلوم يحيى يعيش إلى عدم الحاجة لذالك وكونهم أقلية وأصحاب كتاب معاهدين
( أهل ذمة ) يعيشون في حماية المسلمين، وعهدة توارثوها جيل بعد جيل ، وتجنباً لوقوع الجريمة.
وافقه – ذلك – فائز الجرادي الذي أوضح تناقلهم عن أبائهم قصة سقوط أربعون قتيلاً – قديماً – وحرباً بين قبيلتين مسلمتين عندما قام احدهم بقص زنار يهودي في السوق .. الخ , مشيدين بمواقف وحماية المرحوم / مجاهد أبو شوارب والشيخ / عيد الوهاب سنان لأبناء الطائفة اليهودية في محافظتي عمران وصنعاء.
التعليم: الطلاب المسلمون يقومون بضربنا في المدارس
في زيارتنا الأولى في بداية العام الدراسي كنا سجلنا المحطات التالية :
( صامح ) أحد الطلاب نقوم ببناء مدرستنا ونحن الآن في إجازة عيد الفصح وما نقوم به من أعمال لا يحتاج إلى عمال يقومون به ولكن العمال يكونون للأعمال الكبيرة الأخرى مثل البناء والصب والتلييس , وأضاف نتعلم العربية والعبرية والرياضيات والعلوم .. الخ ماعدا التربية الإسلامية .
و أوضح ( صامح ) : كلمة عبرية تعني بالعربية سامح – حد قوله – وهو نجل مدير المدرسة العبرية .
( سليمان يعقوب ) مدير المدرسة العبرية بمنطقة السوق الجديد بخارف أوضح بان هذه المدرسة التي يتم بناؤها هي مدرسة للبنين وهناك مدرسة أخرى قد بنيت سابقاً للبنات وتدرس فيها 28 طالبة بُنيت بمساهمة محلية من المواطنين اليهود في المنطقة كما أن هناك مدرسة أخرى في مركز مديرية ريده هي مدرسة الشبزي العبرية .
وأضاف الأمية منتشرة بين المواطنين اليهود ويرجع ذلك لإحجام الطلاب اليهود عن الذهاب إلى المدارس الحكومية الأمر الذي كان يضطرنا إلى تعليمهم علوم الديانة اليهودية واللغة العبرية , إما في المنازل أو في الكنيس أو الابتعاث إلى أميركا أو إسرائيل لمواصلة التعليم والدراسات العليا , ولا يزال عدد من أولئك الطلاب يواصلون تعليمهم حتى اليوم وعند تخرجهم سيعودون إلى هنا .. إلى اليمن بلادهم ووطنهم
( باروخ سعيد ) في التاسعة من العمر تقريباً , يجذبك بحدة ذكائه وسرعة بديهته ولباقة لسانه ودبلوماسيته في الحديث استغربنا اسمه بداية الأمر فأدرك ذلك وأوضح : باروخ اسمي وهي كلمة عبرية تعني بالعربية مبروك أو مبارك , وأضاف انه طالب في المدرسة العبرية في الصف الثاني – حد قوله – وكشف سبب إحجام أبناء الطائفة اليهودية عن الدراسة في المدارس الحكومية, حيث قال الطلاب المسلمون يقومون بضربه في المدارس الحكومية ومضايقتهم, وأضاف : ان أحد أبناء اليهود قد ضرب في ريده – في الآونة الأخيرة من الطلاب المسلمين ضرباً مبرحاً حتى أسالوا دمه , وعندما اشتكى الأمر لوالده لم يستطع عمل أي شيء له سوى منعه من الذهاب إلى المدرسة والآن يدرس في المدرسة العبرية .
وذكر قائلاً : نخاف من أولادكم .. يضربوننا ولا يقبلونا في المدارس حقكم .. لكن الآن معنا مدارس حقنا وندرس فيها.
و يواصل عندما أسافر إلى إسرائيل سيكون ذلك للحج وللزيارة ولا يمكنني أن أعيش هناك لأني يمني ولان اليمن بلادي ووطني وليست إسرائيل.
(الموري أي الحاخام يحيى يعيش ) تحدث أيضا عن التعليم بالنسبة لأبناء الطائفة اليهودية في المدارس الحكومية لايوجد طلاب يهود يدرسون في المدارس الحكومية(ولم يوضح أسباب ذلك ) إلا انه قال
تلقيت تعليمي شخصيا –حتى منتصف العام الدراسي للصف الثالث الثانوي ونظرا لظروف خاصة وعائلية لم أتمكن من مواصلة التعليم وكان ذلك في مدارس حكومية وكان لي زملاء وأصدقاء في المدرسة من أبناء الطائفة المسلمة وكنا نذهب المدرسة سويا ونذاكر دروسنا مع بعض ولم تكن لدينا أي مشكله حول ذلك (الدين لله والوطن للجميع)
وفي( ريده) تحدث إلينا الأستاذ فائز الجرادي مدير مدرسة (الشبزي) العبرية التي تتكون من فصلين افتتحت في العام 9991م ، موضحا ان المدرسة يتلقى فيها الطلاب تعليمهم الأساسي في مختلف المواد عدا التربية الإسلامية التي يحل عوضاً عنها التربية اليهودية الى جانب اللغة العبرية .
ويواصل الجرادي : بعد التعليم حتى الصف السادس يتم ابتعاث الطلاب إلى أمريكا لاستكمال دراستهم وتأهيلهم في عدة مجالات , إلا أن تلك المدارس التابعة لأبنا الطائفة اليهودية غير مدرجة ضمن مدارس التربية والتعليم الرسمية ولم نتعرف على أسباب ذلك.
عادات وتقاليد : الزواج :
الأصل في الزواج ( الملكه) أي عقد الزواج ، حيث يتقدم ما يعرف بـ( العشرة ) من قبل ( طالب الزواج ) إلى ولي أمر وأسرة ( المطلوب الزواج بها ) , ويقصد بـ(العشرة ) عشرة أشخاص من بينهم طالب الزواج والعيلوم أي الحاخام وبعض الأقارب وآخرين .. يشهدون لطالب الزواج ويوقع الزوجين على عقد الزواج المكتوب لـ ( تيمنا ) بحبر التلموذ والمبين فيه تفصيلاً حقوق وواجبات كل من الزوجين ..
وتجري العادة في حفل الزفاف تواصله سبعة أيام تبدأ بالخميس والجمعة الذي يعرف
بـ( المشاجب ) أي تجهيز العروسة ونقشها بالخضاب والحناء وتزيينها والاحتفال في بيتها لدى أسرتها .. حيث تتجمع لديها النساء ولا مانع من مشاركة نساء المسلمين في الاحتفال بزفافها من خلال الغناء والرقص التقليدي للمنطقة .. الإنشاد والدعاء بحياة زوجيه سعيدة. وجبة الغداء التي لا يحضرها المسلمون لحرمة الذبيحة عليهم والعكس ، ويلي الغداء المقيل وتناول القات والاستماع للإنشاد اليمني والى جانب العبري يتخلل ذلك تقديم لما يسمى بالرفد وهي مبالغ نقدية تتراوح مابين الألف وحتى العشرة آلاف ريال.. تعتبر مباركة للعريس وتعبر عن التكافل الاجتماعي بين أبناء الطائفة اليهودية كما هو الحال لدى الطائفة المسلمة في المنطقة، وتستمر تلك الطقوس الاجتماعية حتى ليل الثلاثاء ، وصباح اليوم التالي ( الحراوة ) أي أقارب العريس من النساء والرجال وآخرين ، تستقبلهم أسرة العروسة وتقدم وجبة الإفطار التي يطلق عليها ( صبوح الحراوة ) وتبدأ النساء القادمات بالاحتفال بالعروس موعد مناولهم لوجبة الغداء ويأتي بعد ذلك دور النساء في إعداد وتجهيز العروسة حيث ترتدي ثوب الزفاف الأبيض، وبقطعة قماش كبير غير محدد لونها تغطي من أعلى رأسها حتى أخمص قدمها وبرفقة والدها وعدد من أقاربها ( رجال ونساء ) والحراوة تزف إلى عريسها الذي ينتظرها في منزله ..
الختان :
عيلوم الختان أي الحاخام والمختص بختان ذكور المواليد الذي تعلم وتخصص في هذا الجانب دينيا وطبياً وعلاجياً .. يقوم بالكشف الطبي والصحي على ( المولود الذكور ثامن ايام ولادته وفي حال ايجابية وذلك يجري عملية الختان صباحاً ..
وتذبح ذبيحة الختان وتعد أسرة المولود الطعام ابتهاجا بسلامته – ويدعي الأهل والأقارب وآخرين لغداء ذلك اليوم.
آما في شهر رمضان فإنهم وخلال النهار لا يأكلون ولا يشربون خارج منازلهم احتراماً للمسلمين ومراعاة لمشاعرهم الدينية , كما أنهم لا يتناولون القات إلا ليلاً ويتسامرون حتى يأتي موعد السحور.
الموت :
عند موت احد افراد الطائفة اليهودية يتولى ( الموري ) أي الحاخام المختص بتجهيز الميت ودفنه ، حيث يقوم واقرب المقربين للمتوفى بغسله ورشه بمادة تسمى ( الكافور ) ومن ثم تكفينه بالأبيض الذي يقص بعضه ويخيط منه بمشرط أن يأخذ خصال الخياطة من قماش الكفن – الذي يتكون من ثوب مجتزاء من قماش الكفن و مخيط بخصال منه يلبس به الميت ويلف بعد ذلك بباقي الكفن وترش الروائح الطيبة والعطور والعودة والزعفران عليه .
فيما يكون عددا من الرجال قد انتهوا من حفر وتجهيز القبر الذي يواري الجثمان الميت بعد (تصديقه) والدعاء له بالرحمة والمغفرة وقراءة التوراة والزبور، ويوسد متقبلا بيت المقدس , قبل ذلك ينقل
الجثمان إلى (الكنيس ) بعد غسله وتكفينه ،وتقام له الطقوس الدينية من دعاء وصلاه وتلاوة من التوراة ، ومن ثم ينقل ليوارى القبر.
يستمر استقبال العزاء سبعة أيام في بيت المتوفى، تبدأ من اليوم الأول للوفاة ،حيث يعد الطعام من قبل اسر الطائفة اليهودية، ويسدد دينه من خلال تبرع جميع القادرين من ابنا الطائفة اليهودية وتقضى حوائج أسرته ولا تنقطع عنها الزيارة طوال أيام العزاء للتخفيف من حزنها في مصابها .
مقابر اليهود تنتهك :
عثار إحدى المناطق التابعة لمديرية خارف ، تبعد عشرات الكيلو مترات عن مركزها ، و تقطعها السيارة بما يقرب الساعة عبر طريق شاق ووعر.
وهنا في عثار لا تزال بعض منازل اليهود قائمة- حتى اليوم- جنبا إلى جنب مع منازل المسلمين على الرغم من هجرها وانتقالهم إلى منطقتي ( ريده والسوق الجديد ) .
ذات الحال بالنسبة لمقبرتي الطائفتين الذي لا يفصل بينهما سوى طريق لا يتجاوز عرضه المترين إلا أن قبور اليهود تتعرض للتخريب والطمس لمعالمها من قبل مجهولين إلى جانب قيام السيارات بشق طريقها فوق ووسط القبور ، بررها بألم شديد (يحيى – 13 عاما ) الذي وقف على قبر جده قائلا( للوايتات يٌسقوون القات ) ويقصد السيارات الكبيرة التي يتم بواسطتها نقل المياه لري مزارع القات المجاورة.
وبالنسبة لـ ( ماشا يحيى يهودا ) تحدث قائلا : حاولنا 10 مرات بناء سور حول المقبرة لحماية قبور موتانا من التخريب والعبث بها وتجنيبها المرور بالسيارات من وسطها وعلى القبور ، وفي كل مرة ننهي بناء السور ، نفاجئ – في صباح اليوم التالي – بزواله واختفاء أحجاره ومن قبل مجهولين ، وأما بالنسبة للقبور ومنها قبر والدي الذي تعرض للاعتداء أكثر من مرة أحداها عندما قمت بنقش اسمه عليها وتاريخ وفاته من باب التعريف وبقاء الذكرى – كبقية قبور خلق الله المجاورة – وبعد أن وضعتها على القبر مثبتتا بالاسمنت إلا أنها وفي صباح اليوم كانت قد اختفت وبقية الأحجار من على القبر ومن قبل مجهولين .
مقبرة اليهود بـ ( عثار ) هي ما تبقى لدفن موتاهم فيها حتى اليوم ، في حين يبحثون عن أرضية أخرى تكون قريبة من منطقة تواجدهم لإقامة مقبرةًََ لموتاهم .
يذكر أن اعتقاداَ كان يسود لدى البعض في المنطقة بان اليهود يدفنون موتاهم والى جانبهم أموالهم من ذهب وفضة وقد يكون ذلك المعتقد سبباً فيما يحدث من نبش لقبور موتى اليهود في العديد من المناطق التي كانوا يسكنوها مثل مقبرة (قينه) بمديرية جبل عيال يزيد و مقبرة( بني عبد) بمديرة ريده ... الخ
الخطر الذي يهدد حياة الطائفة اليهودية :
كانت قد تعرضت الطائفة اليهودية لأكثر من محاولة للقضاء عليها في منطقة السوق الجديد بمديرية خارف أثناء تجمعهم في ( الكنيس ) أي المعبد لممارسة إحدى طقوسهم الدينية – إلقاء قنبلة يدوية عليهم في داخل المعبد من قبل احدهم والمختل عقلياً، إلا أنهم افشلوا محاولته تلك عند ما تنبه احدهم إليه فامسك به ليرمي من يده بالقنبلة ولتتفجر بعيداً عنهم وعن المعبد ، ومرات أخرى تكرر الحادث وأفشلت في إحدى احتفالات الزفاف للطائفة ،
ولا تزال تهديدات هذا الشخص لحياة الطائفة اليهودية قائمة حتى الآن، وفيما يسرح ويمرح هنا وهناك دونما أي حل يوقفه عن ما يمكنه القيام به ولا تحمد عواقبه ..
في الخميس 04 يناير-كانون الثاني 2007 08:40:48 ص