|
مع قيام الثورات العربية وتحديداً ثورة 25 يناير المصرية التي عشت وقائعها حيث كنت حينها هناك واستمتعت بوجودي مع وقائع الثورة وسعدت بنصرها وبعد عشرة أيام من تنحي مبارك كنت على موعد مع قناة الحدث الفضائية وكان أول سؤال وجهه المذيع لي : كيف ترى واقع اليمن بعد أنتصار ثورة 25 يناير أم أن اليمن تختلف عن مصر وتونس ؟
فرديت : الواقع اليمني ستغير وهناك ثورة شبابية بدأت قبل أيام واراءها ستتوسع وتتمدد بل وقد تتغير مطالبها مع الأيام وهذا لايعني أن النظام اليمني لن يتحرك بل سيتحرك وسيستخدم كل مايملك من أمكانيات والقوة السلطوية للوقوف أمام التيار الثوري الشبابي وأكرر الشبابي ، وأما عن الأختلاف فنعم هناك أختلافات ولكنها ليست جوهرية وهي تتمثل في بنية الدولة فاليمن تكادر تخلوا من مكونات الدولة الحقيقية بعكس مصر وتونس وهناك تشابه لاينكره أحد وهو التشابه في الفساد والأستبداد والديكتاتورية ولا اعتقد أن الرئيس صالح سيفكر في سفك الدماء اليمنية ولو فعل فلن يكون مختلفاً عن مبارك وزين الهاربين بن علي واقول أن على الرئيس صالح أن يفهم جيداً وليس متأخراً وللعلم أنا أحترمت زين الهاربين حينما قال للتوانسة ( أنا فهمتكم .. أنا فهمتكم ) رغم إنه فهم متأخراً وهنا فأننا نتمنى لو أن بقية الحكام العرب يفهمون مبكراً أحسن من المتأخر توخياً للنتائج السلبية والمدمرة . وفي لقاء أخر مع نفس المحطة قبل رمضان بثلاثة أيام قلت وعلى الهواء مباشرةً : لا أعرف لماذا الحاكم العربي لايفهم ولايستوعب الرسائل التي يرسلها أبناء شعوبهم وتطالبهم بالتغيير والرحيل ؟ ولا أعرف لماذا يستخفون بقيمة الدم العربي ولايولون له بالاً مع إنهم يتفنون في الأدعاء إنهم يحكمون بتوصية ورغبة شعوبهم ؟ .
اليوم وبعد سبعة أشهر من انطلاقة الثورة الشبابية اليمنية وماتعرضت له من مناورات سياسية وانتهاكات دموية وأزمات اقتصادية ومالية وخدمية وتعليمية خسرت فيها اليمن بشرياً حتى الأن اكثر من 2500 قتيل وعشرة الأف جريح والأف مؤلفة من المشردين واما الخسائر المادية بالتاكيد ستتجاوز الخمسة عشر مليار دولار امريكي وليس 8 مليار وفق حساب المصادر الحكومية التي تكتفي بالمعلومات التي تبعثها أجهزتها الرسمية ... يعني أن الرئيس صالح لم يتمكن من الفهم وهو كما يبدو لايمسك بكل مفاصل السلطة بالأضافة الى دخول اطراف محلية معارضة تسعى للسيطرة على مقاليد البلاد حال اسقاط النظام نهايئاً بالتعاون مع القوات العسكرية المنشقة عن نظام صالح بينما بقى الشباب الثوار يراوحون في ساحاتهم بعيداً عن الحسم النهائي للفعل الثوري ، وهناك أطراف أقليمية ودولية ( أمريكا وأوربا والسعودية ) دخلت على الخط اليمني الساخن وعبرت في مواقفها عن دعمها لنظام صالح ومن ثم لما تبقى !!! وهذه الأطراف تنطلق في مواقفها من حرصها على أن نظام صالح هو الوحيد المتوفر في اليمن المرغوب والقادر على تمثيل مصالحها الأستراتيجية ، ونجد أن السعودية يخيفها مابعد صالح في الأتجاهات التالية :
أستمرار علاقتها باليمن التي تعود بالمنافع الكبرى للسعودية وتغيير نظام صالح سيغير من المعادلة .
أستمرار علاقات الهيمنة على مكونات المجتمع اليمني السياسية والقبلية وتغيير نظام صالح قد يغربل من هذه العلاقات وربما تتوتر بما يؤثر بالمجمل على العلاقات الثنائية .
أستمرار المعاهدات الحدودية مع اليمن كما هي كونها المستفيدة من تلك المعاهدات وتغيير نظام صالح قد يقود الى تغيير تلك المعاهدات أو تعديلها .
الخوف من أن يقود اسقاط نظام صالح الى بروز وهيمنة القوى الدينية المتشددة المتمثلة في تجمع الأصلاح وأنصار الجماعات الجهادية والتيارات اليسارية والقومية المتطرفة وهنا تتفق السعودية مع الأطراف الدولية .
الخوف من أنتصار الثورة الشبابية اليمنية الذي سيؤثر ومن دون شك في دول الجيران من جهة ومن جهة أخرى سقوط متوالي لقطب الحكام العرب الموالين لأمريكا وقد مثل سقوط زين الهاربين ومبارك ضربة قاسية لأمريكا والسعودية .
وتدخل الأطراف الأقليمية والدولية في مسار الفعل الثوري أثر على مسار الثورة وأجل من مسألة الحسم الثوري على الرغم من تشظي مكونات النظام ووجود صالح خارج أراضي اليمن للتشافي عقب محاولة أغتيالة في 3 يونيو 2011م وهو يؤدي الصلاة في جامع النهدين الرئاسي مع مجموعة كبيرة من رموز النظام لم نكن نريدها لا له ولا لغيره حتى لو كان مواطن بسيط ... واصبحت السعودية هي القابضة على مقاليد الوضع اليمني السياسي والاقتصادي مع أن الحلول المتوفرة امامها وواضحة ولكنها لاتجرؤ على تحقيقه خوفاً كما قلنا على مصالحها بدرجة اساسية وليس على مصالح العلاقت اليمنية السعودية وعلاقات اللغة والتاريخ والدم والأهم وحدة العقيدة ... اليمن اليوم أصبح أكثر شحتاً للكهرباء والغاز والبترول والأمن والغذاء والتطبيب والتعليم وهناك من يتفرج ويتلذذ بفرجته على تردي الوضع .
نحن من أكثر الناس تفاؤلاً برؤية التغييرات والأصلاحات تتحقق في كل البلدان العربية من دون سفك قطرة دم واحدة ، ونتطلع الى رؤية بلادنا وهي تتداول السلطة من دون تشدد ولا عناد ولا ثورات ولا أنقلابات دموية ... تداول محترم وراقي للسلطة وفي ظل دولة نظام وقانون فيها احترام لادمية المواطن وكرامته ... ولا نتمنى ولا نريد ان يتم تغيير النظام بالقوة وانهار من الدماء والجماجم ... ولانريد ان تتحول السلطة الى كابوس مخيف ومدمر على مقدرات وثروات بلادنا المادية والبشرية لإننا شعوب نستحق ان نعيش بحرية وكرامة وكبرياء ... نريد رؤية الحاكم العربي مجرد موظفاً عمومياً مع الشعب والوطن وليس العكس ... نريد رؤية حكامنا يغادرون القصور الرئاسية وسط زغاريد ودموع الحب وليس هارباً أو مقتولاً أو منفياً ... نريد رؤية حكامنا أن يغادروا كراسيهم وهم يشكون من تراكم الديون عليهم وليس ملياديرات على حساب مصالح شعوبهم ومواطنيهم .
والذي يجري حالياً في اليمن لايبشر بخروج سلس وأمن وبما يجنب البلاد المزيد من التكاليف البشرية والمادية والأجتماعية والنفسية وما حدث مساء يوم الأحد الموافق 18 سبتمبر 2011م من تعديات دامية على الشباب وبغض النظر عن السبب الذي لم يعد يقنع أحد ( أدعاءات نائب وزير الأعلام عبده الجندي ) وأتهام الشباب باللجوء الى السلاح بعد سبعة أشهر من الفعل الثوري السلمي فأن الأرواح التي أزهقت والدماء التي سفكت هي يمنية ومما يؤسف أن القتلة يمنيين والسلاح المستخدم مبتاع من الضرائب التي يدفعها اليمنيين بأشكال وصور مختلفة ...فالذي تم وما قد تم سابقاً مرفوض ومدان وينبغي أيقافه وأحالة مرتكبي تلك الأعمال الى القضاء ولا حرج من طلب تدخل دولي ( الأمم المتحدة ) لضبط الوضع وتوفير الحلول المناسبة لإستتباب الوضع واجراء تحقيق دولي شفاف لكل الجرائم التي أرتكبت بما فيها عملية الهجوم على جامع النهدين التي ستكشف عن معلومات فضائحية وكارثية لابد للمواطن أن يعرفها واذا تطلب الأمر الى محكمة دولية فلا مانع من وجودها فاليمن تستحق هذا والدم اليمني ليس رخيصاً ، وأما إذا كان فقر اليمن نفطاً لايستدعي التدخل السياسي والاقتصادي وليس العسكري ( كون اليمن لايحتمل التدخل العسكري الخارجي بل ولانريده لليمن ولا لغير اليمن ) فلا داع ولا مبرر لوجود الأمم المتحدة ولا للجامعة العربية وغيرها فياليتكم تكفون اليمن من التدخل بشؤونها الداخلية ونعترف ان عيون اليمنيين لاتنقط ولاتقطر نفطاً وعفواً للذين عيونهم تنقط وتقطر دماً .
وشخصياً أعتقد أن رحيل شخوص النظام وتغييره نهائياً والمؤسس من ستينات القرن الماضي الى اليوم هو الحل الأسلم بالأضافة الى تأسيس دولة النظام والقانون وعلى تلك الشخوص وكل من شارك في تلك الفترة الترجل من الحياة السياسية والحزبية وصدقوني أن اليمن ستكون بخير وأفضل وأجمل ... وأختم سطوري بمناشدة تلك الشخوص وعلى رأسهم صالح ومن معه أن يتنحوا عن عنادهم وشططهم الفكري السياسي والعملي حباً ورفقاً باليمن أرضاً وشعباً .
*كاتب وباحثفي الأربعاء 05 أكتوبر-تشرين الأول 2011 06:19:16 م