شهد الوطن مؤخرا حفل اشهار الهيئة الوطنية للحفاظ على المؤسستين العسكرية والأمنية , وأكدت فيه القيادات العسكرية والأمنية حياديتهم وعدم انحيازهم لأي طرف , وإنّهم يدعمون الجيش والأمن لاستعادة دورهما .
وهذه الخطوة تضعنا أمام نقاط يصعب تحليلها .! فالمتعارف عليه أن المؤسسة العسكرية والأمنية في كل بلاد العالم تعتبر صمام الأمان للوطن ودرع الحماية للمواطن , وملاذ الناس عند اشتداد الفتن والمحن . ونحن خالفنا هذه البديهية وأصبحت المؤسستان الحافظتان لكرامتنا وعزتنا في حاجة ماسة لمن يحميها ويحافظ على ما تبقى منها !.
والباحث عن تحليل لهذا الوضع المؤسف سيجد أن المؤسسة العسكرية والأمنية قد تفككت منذ زمن بعيد . فقبل الوحدة كان في جنوب اليمن جيش نظامي مؤثر ومنضبط ولديه برنامج تدريبي عالي التأهيل ونظام عسكري محدد وصارم يبين المهام والواجبات وفق مخطط واضح لا عشوائية فيه ولا مزاجية , ويمتلك آلية ناجحة لمهامه وأعماله , واستطاع ان يصنع فارقا ايجابيا في سير وقائع الحياة داخل الوطن وخارجه . وبدلا من الاستفادة من هذا التفوق لسد القصور في الجانب الشمالي , تم وضع مخطط يهدف إلى تفكيك هذه المؤسسة , وفقا لهواجس وتخوفات داخلية وخارجية من تأثير قوتها في تحديد مسار الحكم ومراكز القوى .
وتم فعليا تهميش دورها وإضعاف حس الوطنية لدى افرادها وإهمال الجانب التدريبي اللازم لتطويرهم مع اغفال تام لجانب التوجيه المعنوي والنفسي مما أفقدهم قدسية واجبهم وعظمة دورهم في تحقيق العزة والكرامة لهذه الأمة .
وبعد حرب 94م كان أمام النظام فرصة تاريخية لإعداد قوة عسكرية تحمي الوطن وتبنيه , وبدلا من ذلك ذهبت المؤسستان بكل ما فيها لتخدم أسرا وأفرادا وتساهم في تنفيذ مخطط تدميري لرقي الوطن وارتقاء المواطن .
وأخر الحاصلين على حصته منها كان الحوثي الذي أخذ بكل تيسير ويسر ما لذ له وطاب من مائدة صنعاء المفتوحة . لقد عرف وطننا ما لم يعرفه وطن أخر من تعدد الهيئات التي تدعي خدمة الوطن وحرية المواطن وبذل الجهد والروح من اجلهما , ثم ينكشف للجميع تطفلها وفشلها أمام أول اختبار مع خصومها . ولأننا نفترض دائما حسن الظن , فلعل هذه الهيئة هي نتاج عقل تعطل طويلا أو خفقات قلب توقف كثيرا أو صحوة ضمير نام في كهف المصالح والمنافع الخاصة , ولذا فإننا ندعمها بقوة .! مع بقاء تساؤلات عدة تحتاج إجابات شافية : ـ لماذا الآن هذه الصحوة للحفاظ على ما تبقى من المؤسستين العسكرية والأمنية ؟, ألم تكن الأحداث التي مضت قديما تشكل سببا لمثل هذا التحرك والإيجابية ؟ أم إنها خطوة تكتيكية تشكل أوراق ضغط وترتيب مراكز ؟.
وما هي إستراتيجيتكم وآلية عملكم لتحقيق غايتكم ؟ ـ وما هي نقاط قوتكم أمام خصومكم وطوابير الخيانة والتسلط ؟ ـ ما هو موقف كيانات الوطن السياسية والشعبية منكم ؟ وما مدى صلتكم بدول الجوار والخارج ؟ وكم ؟ وما ؟ وكيف ؟ أسئلة كثيرة تتزاحم على العقل المنهك , والأجابة عليها ستحدد مصداقيتكم . ومالم يكن لديكم اجابات ! فإن هيئتكم هذه مجرد فكرة خطرت على البال ! أو هي مخطط يخدم جهة محددة ! أو لها دوافع خفية غير ما أعلنتموه من ولاء وحياد !. ولكنني ( كغيري ) متأثر بالدموع التي سالت من قلوبكم , وأراها نابعة من صحوة صادقة في ظل التدهور الذي وصل له الحال . وبكل وضوح فالوطن في حاجة شديدة لأكثر من هيئة في عدة جوانب .
وأهمها حاجتة القصوى لهيئة وطنية للحفاظ على ماتبقى من يوم رئيس البلاد , والذي ينقضي ثلثاه وهو في نوم عميق , يبتسم خلاله وهو يحلم بتحقيق الدولة المدنية التي لم يستطع بناء أسوارها في واقعه اليومي الأليم .