يا أهلنا في الخليج: احذروا "البسوس"... 
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 7 سنوات و 4 أشهر و 25 يوماً
الجمعة 09 يونيو-حزيران 2017 05:08 م
 

قبل يومين في لندن كنت في مكان حضر فيه إعلاميان من محور "الممانعة"، سلم أحدهما على الآخر قائلاً، في تعليق شامت على الأزمة بين قطر وشقيقاتها الخليجيات: "اللهم لا شماتة. رد الآخر ببسمة عريضة: بل، اللهم شماتة، اللهم شماتة.

الإيرانيون ووكلاؤهم الدينيون يقولون-هذه الأيام- إن هذه عقوبة الله للعرب الذين يقفون ضد "إيران الإسلامية"، وخط ولي المسلمين علي خامنئي.

كنت أرقب الموقف، وأرى ما هو أبعد من المشهد الإعلامي والديني، وأرقب الثمار السياسية الضخمة التي قدمت لإيران وجماعاتها، ليس بصورة مجانية وحسب، ولكن على طبق من ذهب، نتيجة إشغال الخليج بنفسه.

بدهاء عبرت إيران عن قلها، وبدهاء عرضت إيران إرسال الغذاء إلى القطريين، وبدهاء دعت إلى التعقل، فيما هي تريد قطف الثمار التاريخية لشقاق أبوظبي-الرياض والدوحة.

أما نحن في اليمن فلدينا شعور بالانتماء العربي، والانفعال لما يصيب العرب أكثر مما يصيبنا نحن، ربما لأن العربي القديم خرج من هذه البلدة، ربما للاعتداد التاريخي لدى هذا الشعب، ربما لأن العرب جاؤوا إلى اليمن من مصر والسودان معلمين، ولأن عربيا من الجزائر، وآخر من العراق ثارا مع اليمنيين ضد أكثر أنظمة الحكم تخلفاً وكهنوتاً في ستينيات القرن الماضي. اليمنيون يحسون للعرب أكثر مما يحسون لأنفسهم، ربما لامتدادات اليمن في الخيج ووسط الجزيرة، والعراق وبلاد الشام. ربما لأن اليمنيين لا يزالون على إيمان بما تعلمناه في المدارس من حكايات "الوطن العربي الواحد"، والأبعاد القومية لهذه المنطقة من العالم، وأحلام الانبعاث الحضاري العربي، الذي مهما طال غيابه سيعود بشهادة التاريخ والجغرافيا، لأن هذه الجغرافيا هي مصنع التاريخ، الذي يخرج منها ليعود إليها، رغم تخرصات المنهزمين.

ومن هنا فإن المزاج الشعبي في اليمن حتى على مستوى المناطق التي يسيطر عليها الانقلابيون يشعر بخشية بالغة على العرب، وحساسية زائدة تجاه ما يحدث لهم، رغم تضرر هذه المناطق وغيرها من أخطاء الضربات الجوية.

أصابتنا أزمة الخليج الأخيرة بصدمة لا يمكن إزاءها السكوت. ولابد أن نقول للأشقاء: هذا لا يجوز.

مهما كانت أسباب الشقاق الأخير فإنه لا يصب في صالحكم.

الأنظمة السياسية في الدول الخليجية كغيرها من الأنظمة، لها إيجابياتها وسلبياتها، ولا يمكن أن نتحدث هنا عن فريقين: أحدهما ينتمي إلى الملائكة والآخر إلى الشياطين، وبما أننا نتحدث عن بشر يخطؤون ويصيبون فإن الحديث يكون عن سياسات تخطئ وتصيب، وعندما نتحدث عن أشقاء نزغ بينهم "شيطان"، فإننا نتحدث عن شعوب ربطتها أواصر القربى التي لا يمكن إغفالها مهما تعاظمت الخلافات، ومهما نفثت الشياطين.

رأيت قبل يومين مقطع فيديو يسجل لحظات وداع القوة القطرية التي كانت تعمل ضمن التحالف العربي في الحد الجنوبي في السعودية. كانت لحظات الوداع مؤثرة، وكان الكل يبكي: المودَّع القطري والمودِّع السعودي. كانت لحظات الوداع اختصاراً لعمق العاطفة العربية التي أرادت أياد خبيثة تعكيرها بين أبوظبي والرياض والدوحة والمنامة والقاهرة، كما نجحت في تعكيرها في اليمن والشام.

دعونا نقولها بكل وضوح: لا مصلحة للعرب في هذا الخصام النكد في الخليج، ولا مصلحة للعالم، وقبل ذلك كله لا مصلحة إطلاقاً للخليج فيه.

لقد أغاظ صمود مجلس التعاون الخليجي أمام عواصف وأحداث الزمن الكثير من شياطين العرب والعجم، فأرادوا ضرب ما تبقى من كيانات إقليمية عربية، بتفكيك منظومته بأيدي أبنائه، لو نجحت مخططاتهم لا سمح الله.

نظرة عجلى إلى فرحة الإيرانيين بما جرى، نظرة عجلى على تهكمات الإسرائيليين، نظرة سريعة لسخريات الأوروبيين، نظرة في انتهازية دونالد ترامب تحتم على أهلنا في الخليج رأب الصدع قبل أن يستفحل، في أزمة لن تضر إلا الخليج والعرب، ولن تنفع إلا الأعداء.

وأقول لكل الأقلام والألسن التي هاجمت هذه الدولة الخليجية أو تلك، لكم أن تفرحوا بما يجري، لكم أن تسترزقوا مما حدث، لكم أن تعودوا إلى الأضواء بسبب ما طرأ، لكن إياكم أن تزيلوا كتاباتكم من على مواقع التواصل الاجتماعي، أو تسجيلاتكم من على يوتيوب. سيصطلح الإخوة في الخليج، وسيبقى عليكم-يا "بسوس" هذا الزمان-عيب ما حاولتموه من إذكاء النار بين الأشقاء.

هناك كتاب وإعلاميون كانوا قبل فترة يتهمون السعودية بدعم الإرهاب في سوريا والعراق، واحتضان الإخوان المسلمين، ونشر الفكر "الوهابي الإرهابي"، حولوا اليوم وجهتهم للدفاع عن السعودية والإمارات، ليقولوا إن قطر تدعم الإرهاب، وتحتضن الجماعات الإرهابية مثل الإخوان وحماس.

وهناك كاتب "ممانع" كبير أصبحت السعودية بالنسبة له تحتل المرتبة الأولى في العداوة بدلاً من "العدو الإسرائيلي"، هذا الكاتب الكبير جداً أشار –متمنياً- إلى احتمال غزو عسكري لقطر من طرف أشقائها. يؤسفني أن أقوله إنه يكتب أوهاماً وأماني لا منطقاً وتحليلات.

هذه منطقة التقاء مصالح العالم، ولن يسمح فيها بتطورات عسكرية أو حرب جديدة، ولن يكون في مقدور أهلها تحمل كارثة خليجية أخرى.

وهمسة لأشقائنا: ترامب يغرد الصباح ملمحاً إلى أن قطر تدعم الإرهاب، وفي المساء يتصل بأميرها يدعوه لاجتماع في البيت الأبيض لحل المشكلة. 

ترامب يتصل لسلمان البارحة ويشكر الممكلة على مواقفها في الحرب ضد الإرهاب، ويوعز لـ"كتيبة الأقلام" الجاهزة لتكتب عن "الخط الوهابي المتشدد"، وترامب الذي أنفذ صفقة أسلحة مع الرياض بمليارات الدولارات قبل أسبوعين يستعد اليوم لبيع طائرات مقاتلة للدوحة بمليارات أخرى.

ترامب رجل لا يعول عليه، ومن المحتمل أن يواجه تهم عرقلة سير العدالة، وإساءة استعمال السلطات، بعد أن شهد جيمس كومي بأن ترامب طلب منه وقف التحقيق في قضية تدخل الروس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

يا أهلنا في الخليج: احذروا "ناقة البسوس" التي تطل علينا هذه الأيام من شاشات التلفزيون والمواقع الإخبارية.

أما أنا ومثلي الكثير من العرب فنحن لا نملك القدرة على الانحياز لجرح عربي ضد آخر، ولا يمكن لنا الرقص على آلام الخليج، ولا يمكن أن ننفخ في نار الفتنة، ولا يمكن إلا أن نقول إن المشكلة مهما كانت أسبابها، فإنها لا بد أن تجد طريقها للحل بعيداً عن وسائل الإعلام، وتربصات الشامتين.

أنا رجل تحتشد في قلبه آلام أهله وعشيرته، فيما روحه تضج بـ"الشعور القومي" الذي يتصدع على صخور المعاناة الطويلة لهذه الأمة الخارجة من غبار داحس والغبراء.

أنا رجل يمني، واليمني "أرق قلباً"، ولا يمكنه إلا أن يتعاطف مع الإمارات والسعودية وقطر والبحرين ومصر وكل العرب الذين لم تكفهم الجراح المدماة في الشام واليمن والعراق وليبيا ليفتحوا لنا جرحاً آخر نازفاً في خليجنا الحبيب.

قد يرى الأخ في تنازله لأخيه شراً، لكن القرآن يقول: "والصلح خير".

تحية هنا لـ"شيخ الخليج"، أمير الكويت، رجل السلام والخير صباح الأحمد الجابر الصباح، ولكل العرب الخيرين الذين يسعون لوأد فتنة "البسوس"، ولا عزاء للنائحات المستأجرات، وراقصات "حفلات الزار".