هل تستغل واشنطن ضعف طهران سياسيا وتهاجمها عسكريا ؟
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 4 سنوات و 10 أشهر و 24 يوماً
الأحد 08 ديسمبر-كانون الأول 2019 06:14 م
 

في إطار التصعيد الأمريكي ضد إيران رصدت إدارة الرئيس الأمريكي ترمب خلال السنوات الماضية مبالغ مالية كبيرة لمن يدلي بمعلومات عن قيادات بالحرس الثوري الإيراني وعن النظام المالي للحرس الثوري الإيراني ولحزب الله اللبناني حيث أعلنت في 4 سبتمبر أيلول الماضي عن رصد مكافأة مالية قدرها 15 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات من شأنها تعطيل النظام المالي للحرس الثوري الإيراني .

كما أعلنت الإدارة الأمريكية في 23 أبريل نيسان الماضي عن مكافأة مالية قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تساعد في تفكيك شبكة تمويل "حزب الله" اللبناني.

وفي 19 أغسطس آب الماضي عرضت الخارجية الأميركية مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عمن وصفته بالعضو البارز بحزب الله سلمان رؤوف سلمان والذي اتهمته بالتخطيط لتفجير مركز الجالية اليهودية في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس عام 1994م .

وبالأمس عرضت الخارجية الأمريكية مكافأة تصل إلى 15 مليون دولار للحصول على معلومات تؤدي إلى الوصول لعبد الرضا شهلائي رجل الحرس الثوري في صنعاء أو تؤدي إلى تعطيل الآليات المالية للحرس الثوري الإيراني في اليمن والمنطقة .

وتتهم واشنطن شهلائي بارتكاب جرائم إرهابية ، منها تهريب أسلحة متطورة إلى الحوثيين في اليمن.

ويأتي هذا الإعلان بعد يومين من كشف مسؤولين أمريكيين عن قيام سفينة تابعة للبحرية الأميركية بمصادرة كمية كبيرة من أجزاء صواريخ إيرانية كانت على قارب في بحر العرب وكانت موجهة كانت مرسلة إلى ميليشيات الحوثي في اليمن وفق أسوشيتد برس.

إعلان واشنطن عن مكافأة لمن يدلي بمعلومات عن القيادي بالحرس الثوري الإيراني وتأكيدها على تواجده في صنعاء هو الأول من نوعه فالأمريكان يتهمون إيران دوما بدعم الحوثيين وتهريب الأسلحة بشكل غير قانوني إلى الحوثيين مما يؤدي إلى إطالة أمد الحرب في اليمن لكن الأمر لم يصل الأمر إلى إعلان مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات عنه وتحديد اسم قيادي بالحرس الثوري الإيراني ونشر صورته إذ كانت واشنطن خلال السنوات الماضية تكتفي بنشر بعض مبالغ مالية لمن يدلي بمعلومات عن قيادات في تنظيم القاعدة في اليمن .

إعلان واشنطن عن هذه المكافأة لمن يدلي بمعلومات عن هذا القيادي في الحرس الثوري تزامن مع نشره موقع «The Washington Free Beacon" بأنه " تم القبض على اسلحة إيرانية وصواريخ باليستية وغيرها من الأسلحة قصيرة المدى لدى ارسالها من قبل طهران إلى العراق في محاولة لتوسيع نفوذها العسكري الإقليمي ".

كما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عن مسؤولين في الاستخبارات والجيش الأمريكيَّين، الخميس الماضي قولهم إنّ إيران استغلّت “الفوضى” المستمرّة في العراق من أجل بناء ترسانة خفية من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى، كجزء من جهد متزايد لمحاولة تهديد المنطقة وفرض قوتها.

وأضافت “نيويورك تايمز” إنّ المعلومات الاستخبارية الجديدة بشأن تخزين إيران صواريخ في العراق “هي آخر مؤشر على أنّ جهود إدارة ترامب لردع طهران بزيادة الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط قد فشلت إلى حدّ كبير”.

كما يأتي هذا الإعلان بعد أيام من نشر صحيفة “وول ستريت جورنال” خبرا عن احتمال إرسال واشنطن 14 ألف جندي إضافي إلى الخليج وإن كانت المتحدثة باسم البنتاجون أليسا فرح قد أكدت في تغريدة عبر حسابها على تويتر بأن ”هذا التقرير خاطئ.. الولايات المتحدة لا ترسل 14000 جندي إلى الشرق الأوسط لمواجهة إيران”.

فما هي أهداف واشنطن من هذا التصعيد الإعلامي ضد إيران ؟

وهل تسعى واشنطن من وراء نشر مثل هذه التقارير إلى زيادة الضغوط على إيران وتبرير حربها الاقتصادية ضد طهران ؟

أم أن الأمر سيصل هذه المرة إلى توجيه واشنطن ضربة عسكرية لإيران خاصة في ظل هذا التنسيق الأمريكي الإسرائيلي عالي المستوى لاستهداف النفوذ الإيراني في المنطقة ؟ هذا التحليل يسعى لتقديم إجابات عن التساؤلات الماضية .

من المؤكد بأن التوتر الأمريكي الإيراني في المنطقة قد تزايد مؤخرا مع تزايد وصول قوات أمريكية إلى المنطقة آخرها 1500 جندي أمريكي تم الإعلان عن إرسالهم إلى الخليج في 25 أيار مايو الماضي حيث وصفت واشنطن قرارها بإرسال جنودها إلى المنطقة بأنه " يهدف لتعزيز الدفاعات في وجه إيران " .

وفي 20 نوفمبر تشرين الثاني أي قبل حوالي أسبوعين عبرت حاملة الطّائرات الأمريكيّة الأضخم أبراهام لينكولن إلى مِياه الخليج عبر مضيق هرمز لأوّل مرّة مُنذ حزيران (يونيو) لتُرابِط في مُواجهةِ إيران مما زاد في التوتر بين واشنطن وطهران كما أن هناك تيار في الإدارة الأمريكية على صلة وثيقة بقيادات إسرائيل ودول خليجية يدفع واشنطن باتجاه شن ضربة عسكرية ضد إيران واستغلال انشغال طهران بأحداث التظاهرات الحقوقية الإيرانية احتجاجا على رفع أسعار المشتقات النفطية ومعالجة آثارها وتداعياتها وكذلك انشغال طهران بمواجهة الانتفاضة المتواصلة ضد حلفاء إيران في العراق ولبنان فقيادات هذا التيار ترى بأن إيران في الوقت الحالي تمر بحالة من الإرباك والضعف وتشتت الجهود في ظل الغليان الداخلي والإقليمي وأن هذا هو الوقت المناسب لشن حرب ضد طهران وتدمير قدراتها العسكرية ومفاعلاتها النووية خاصة مع انشغال حلفاء إيران في العراق ولبنان بالشأن الداخلي في هذه الدول .

* إيران في حالة ضعف سياسي وليس عسكري

مع يطرحه قيادات هذا التيار صحيح من حيث أن القيادة الإيرانية تمر بحالة من الإرباك والضعف وتسعى للصراع على عدة جبهات داخلية وإقليمية وخارجية ولكن هذا لا يعني ان إيران قد ضعفت عسكريا وباتت غير قادرة على الرد ومواجهة أي حرب عسكرية موجهة ضدها .

بالعكس هذا التصعيد الأمريكي يؤكد لقيادات النظام الإيراني أنها كانت على حق حين سارعت إلى إخماد التظاهرات الإيرانية والتعامل الأمني معها إذ أن هذه التظاهرات الحقوقية والتي تخللتها أعمال عنف وتخريب كانت لو استمرت وتواصلت ستشغل ايران عن مواجهة تصعيد عسكري أمريكي يتجه إلى استهداف إيران عسكريا وكانت ستؤثر على قدرتها على الرد والدفاع عن سيادة البلد في حالة شن حرب ضدها وأن اية انتهاكات حقوقية ارتكبتها قوات الأمن بحق المتظاهرين كانت مبررة إذ انها تواجه تصعيد عسكري أمريكي يكاد يصل إلى مستوى الحرب العسكرية .

  • الحرب ستقوي إيران وحلفاءها

الحرب العسكرية ضد إيران ستوحد الجبهة الداخلية الإيرانية في مواجهة الاستهداف الأمريكي لإيران وستقوي من خطاب النظام الإيراني وموقفه وهي خدمة كبيرة ستقدمها واشنطن لطهران في حال أقدمت على شن حرب عسكرية ضدها .

كما ان الحرب العسكرية ضد إيران ستقوي من موقف حلفاء إيران في العراق ولبنان وتخلط الأوراق وتعيد الاولوية للتحركات العسكرية ضد المصالح الأمريكية في العراق ولبنان فإضافة إلى الصواريخ الإيرانية التي ستطال القواعد والمصالح الأمريكية في المنطقة من المؤكد أن حلفاء إيران في هاتين الدولتين لن يقفوا موقف المتفرج وواشنطن تهاجم طهران بل ستقوم المليشيا العراقية الموالية لإيران بمهاجمة المعسكرات الأمريكية في العراق وسيكون الآف الجنود الأمريكيين في العراق تحت رحمة صواريخ المليشيا العراقية الموالية لإيران هذا إذا لم يتحول هؤلاء الجنود إلى أسرى لدى المليشيا العراقية .

كما لن يقف حزب الله اللبناني موقف المتفرج فالحزب الذي يمتلك ترسانة ضخمة من الصواريخ سيهاجم تل أبيب ومدن اسرائيل بألاف الصواريخ وهذا بدوره سيغير موازين القوى ، صحيح ان اسرائيل تتفوق على حزب الله عسكريا وتقنيا لكنها لن تكون قادرة على تحمل سقوط الاف الصواريخ دفعة واحدة على المدن الاسرائيلية خاصة وأن أمن اسرائيل يمثل أولوية قصوى لواشنطن ومن المؤكد لن تضخي واشنطن بأمن اسرائيل من أجل استهداف إيران.

  • أهداف التصعيد الأمريكي الجديد

مؤكد أن كل هذه الحقائق هي في حسابات صانع القرار الأمريكي الذي لن يغامر بشن حرب ضد إيران هو يعلم بتداعياتها ونتائجها الكارثية على جنوده ومصالحه ومصالح حلفاءه في المنطقة ولكن الإدارة الأمريكية تسعى لاستغلال وضع إيران الداخلي وحالة الضعف والارتباك التي تمر بها القيادة الإيرانية والوضع الاستثنائي الذي يعيشه حلفاء إيران في العراق ولبنان وممارسة حزمة جديدة من الضغوط السياسية والعسكرية على إيران لعل هذه الضغوطات والمستجدات تدفع طهران للجلوس مع واشنطن لإنجاز اتفاق نووي جديد وتقديم تنازلات في ملفات المنطقة بدء من العراق إلى لبنان إلى سوريا واليمن فبوسع طهران الضغط على حلفاءها الحوثيين لتليين موقفهم في المفاوضات الجارية بينهم وبين السعودية وتقديم تنازلات للسعودية وانجاز صفقة سياسية تحفظ ماء الوجه للسعودية وتفضي لتسوية سياسية باليمن وتحول السعودية إلى راعية للسلام لدى كل الأطراف في اليمن .

وأما في العراق ولبنان فطهران تستطيع الضغط على حلفاءها في هاتين الدولتين لإنجاز تسوية سياسية تحقق الحد الأدنى من مطالب الشارع وتعطي لواشنطن وحلفاءها في المنطقة ولو الحد الادنى من النفوذ الذي يسعون لتحقيقه على حساب النفوذ الإيراني الذي ينبغي أن يتراجع ولو بشكل تكتيكي ومؤقت حتى تمضي الأمور في الاتجاه الصحيح .

وفي سوريا تأمل واشنطن بأن تضغط على إيران لسحب قواتها أو تقليصها وتقليص نفوذها في سوريا حتى تجد واشنطن النفوذ الذي تستحقه بسوريا بعد تقلص دورها لصالح روسيا وإيران وكذلك تسعى لأن يكون لها الدور المطلوب في صياغة مستقبل البلد ونصيبها في ثرواته ولو على حساب النفوذ الإيراني ولذا تمارس واشنطن كل هذه الضغوط على طهران لتحاول إجبارها على الجلوس على طاولة مفاوضات تفضي لصفقة جديدة حول برنامج طهران النووي والصاروخي ترفع أسهم ترمب في الانتخابات الأمريكية القادمة وهي محاولات لإرغام طهران وحلفاءها على تقديم تنازلات لصالح واشنطن وحلفاءها في المنطقة .

  • الحرب ضد إيران تظل احتمال وارد

أما إذا نجح تيار الأمريكي المتشدد ضد إيران في جر واشنطن إلى حرب عسكرية على إيران تحت ضغوط إسرائيلية وخليجية وهو أمر مستبعد ولكنه يظل احتمال وارد فستكون هذه الحرب مغامرة غير محسوبة المخاطر بالنسبة لواشنطن وحلفاءها في المنطقة أما النظام الإيراني الذي لم يعد لديه ما يخسره فسوف تخدمه هذه الحرب كثيرا وتوحد جبهته الداخلية وتقوي مواقف حلفاءه وتفضي به إلى واقع جديد سيحرص خلاله على أن ينهي الحرب بكسر الحصار الأمريكي المفروض على الاقتصاد الإيراني ورفع العقوبات الامريكية المفروضة على إيران على الأقل إذ أن الحرب ستفرض واقع جديد فالواقع قبل الدخول في الحرب ليس كالواقع بعد الخروج منها ، صحيح أن النظام الإيراني سيتعرض لخسائر عديدة وضربات موجعة ولكن خسارة واشنطن وحلفائها ستكون أكبر بكثير .

* باحث في الشأن الإيراني