بيده كل شيئ
بقلم/ أحمد الزرقة
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر و 17 يوماً
الأربعاء 18 يونيو-حزيران 2008 08:59 م

1:
بات مؤكدا ان اليمن دخلت النفق المظلم الذي تحدث عنه الشيخ في كلمته امام المؤتمر العام الثالث لتجمع الاصلاح ،حينها قوبل الشيخ الاحمر بهجمة عنيفة من صحافة الحزب الحاكم مثلت شرخا عميقا عصفت بالعلاقة المصيرية التي ربطت لفترات زمنية كبيرة بين الشيخ الاحمر والرئيس صالح بحسب وصف الأول لعلاقته بالثاني،وترتب على ذلك الموقف فتور غير مسبوق بينهما،ودخلا بعدها في مرحلة عض الاصابع التي لم تخف وطأتها حتى بعد مخالفة الشيخ لموقف حزبه المعارض في انتخابات الرئاسة 2006 باعلانه دعم ترشيح الرئيس صالح في تلك الانتخابات، ولم يكن ابناء الشيخ الاحمر ومناطق نفوذه بعيدا عن سياسة قص الاظافر التي طالت في إحدى مراحلها التلويح بإقصاء الشيخ عن موقعه في رئاسة البرلمان ،كما شملت حسين الاحمر الذي ابعد عن موقعه في اللجنة العامة كممثل للحزب الحاكم عن محافظة عمران التي تقع في نطاقها قبيلة حاشد معقل ال الاحمر.
2:
المتأمل للمشهد السياسي اليمني يستطيع بسهوله واضحة اكتشاف بؤر التوتر التي يعاني منها الجسد اليمني ، والتي لم تعد قابلة للاستجابة لسياسة الترقيع والترحيل والاسترضاء التي اعتاد صانع القرار اليمني استخدامها في معالجة المشاكل التي تواجهه، وحققت نجاحات في مراحل سابقة، والتي نجم عنها تراكم زمني لافرازات باتت مقلقة ، وهناك ضريبة غالية بات اليمن ككل يدفعها نتيجة تلك السياسات المؤقته والقائمة على الارتجال في مواجهة الاستحقاقات المتعددة على الساحة اليمنية،والتي ستشهد الفترة القادمة موعد دفعها،وسيكون ثمنها هذه المرة مرتفعا.
وهناك رهان كبير في كل المواقف التي تمر بها اليمن على شخص الرئيس صالح ، باعتباره صاحب جميع المفاتيح لما يدور في الساحة ، وصاحب خبرة سياسية واسعة استطاع تجاوز عدد من المأزق السياسية التي مر بها ومعه اليمن.
وكل اللاعبين السياسيين في اليمن ،يؤكدون انه رقم يصعب تجاوزه وأنه غالبا ما يكون الوجهه التي غالبا ما تنتهي إليها جميع انظار المتخاصمين على الساحة اليمنية.
لكن اللاعب الرئيس لا يبدو أنه دائما يكون في أحسن حالاته، ويمر بفترات يرغب في الانفراد بنفسه ، وممارسة حياته الطبيعية كأي فرد عادي ،غير ان لا يتمكن من ذلك ، ولا أدل على ذلك القرار الذي اتخذه بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية الماضية ،ولم يتمكن في التمسك باختياره بسبب معارضة المحيطين به لقراره ذاك،فالرئيس ذاته لم يعد يستطيع اتخاذ أي قرار دون الرجوع للبطانة ومجموعة المنتفعين ، وكما قال الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل "أن وجود اي حاكم لاكثر من عشر سنوات على سده الحكم يجعله يشعر بالملل والرغبة في الاسترخاء ، وبالتالي يلجأ لتفويض شخصيات من حاشيته بملفات واستحقاقات مختلفة ، ويأمل أن لا يتم ازعاجه بتلك القضايا غلا في الحد الادنى ، ويلجأ من فوضهم الحاكم الى صنع نوع من الفلترة للقنوات ولمعلومات التي يجب ان تصل إليه ، حتى لا ينزعج "، وهذا ما ظهر جليا في قضايا متعددة مرت بها اليمن ، فقد اوكل الرئيس الى امين عام الحزب الحاكم عبد القادر باجمال ملف الحوار مع احزاب المعارضة ، وإعادة ترتيب البيت المؤتمر من الداخل معطيا إياه صلاحيات غير محدودة ، وفوض القائد العسكري على محسن بملف الحرب الدائرة في محافظة صعده شمال اليمن ، وفوض أولا وزير الادارة المحلية عبد القادر هلال بمعالجة الاوضاع في المحافظات الجنوبية ،بعدها تم تفويض مجلس الدفاع الاعلى ونائب الرئيس لاستيفاء الخطوات التي بدأها هلال.
كما اسند مهمة الترويج للاستثمار في اليمن لرئيس الحرس الجمهوري وطاقمه الشاب العقيد أحمد علي عبد الله صالح.
كما تم اسناد ملف القاعدة لنائب رئيس الوزراء الدكتور رشاد العليمي، ولا ننسى التفويض المفتوح في قضايا الاعلام والصحافة الممنوح للسكرتير الصحفي عبده بورجي ، وهناك عشرات القضايا التي تنطبق عليها مفاهيم الوكالة والتفويض.
هذا لا يعني أن الرئيس لايمارس اي دور في هذه المربعات فهو غالبا ما يفضل الاشراف على عمل اولئك الاشخاص والجهات ، ويتدخل شخصيا في كثير من المرات اما ليعزز الجهود القائمة أو ليوجهها ، وغالبا ما يكون تدخله حاسما لحكم الجميع يرغبون في وجوده الذي يصنع بالتأكيد اثرا مغايرا بفضل لمساته الذكية على مسار القضايا التي تفشل بقية الاطراف في صنعها.
3:
الازمة القائمة حاليا بين الحاكم واللقاء المشترك حول اللجنة العليا لم تكن طارئة، وهي نتيجة طبيعية لاختفاء الحوار بين تلك الاطراف التي تمر العلاقة بينها بتأزم ساهمت المعارضة والحزب الحاكم في تفاقمها،ورفض مبدأ الحوار المسئول والشفاف ،منذ نهاية 2005م بعد حوار الطرفين برعاية الاتحاد الاوربي والسيدة روبن مدريد مديرة مكتب المعهد الديمقراطي الوطني واسفر عنه التوقيع على اتفاق المبادئ الذي اعتبر كمحدد للقضايا التي سيتم الحوار حولها،وبدا جليا ان توقيع تلك الاطراف كان بسبب رغبة الاطراف السياسية الداخلية على ايجاد ارضية تمكنها من خوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في 20 سبتمبر 2006م ، بالاضافة لالحاح المانحين في الاتحاد الاوربي لتسوية الملعب السياسي في اليمن .
ويبدو ان الاطراف اليمنية بحاجة دوما لتدخل خارجي لحل الاشكالات التي تواجهها ، وهي عادة مترسخة في التاريخ اليمني المعاصر سواء في تجربة الثورة اليمنية والانظمة التي تعاقبت على حكم اليمن بشطرية (مصر – السعودية – الجامعة العربية – سوريا – الجزائر – ليبيا – الاتحاد السوفيتي ) او في قضية الوحدة اليمنية (الكويت – ليبيا – مصر – الاردن – روسيا – عمان – بريطانيا – امريكا) أو في قضايا الحوار السياسي بين الاحزاب (الاتحاد الاوربي – امريكا – المانحين ) قد يكون السبب عدم ثقة الاطراف اليمنية ببعضها ، ورغبة منها في التشكيك في جدية بقية الاطراف.
وما حضور ممثلي الدول المانحة الى البرلمان اليمني لمنع مناقشة واقرار قانون الانتخابات الذي قدمه المؤتمر وسط غياب ومقاطعة ممثلي المعارضة الا دليل واضح على ان الدور الدولي والتاثير على صانع القرار بات من القوة بمكان بحيث يستجيب له اكثر من الاصوات الداخلية ، ويفتح الباب أمام تاثير قادم لدبلوماسية المانحين المالية ، على حساب الحوار كقيمة يجب ان تخضع لها الاطراف اليمنية، وهنا يجب ان يقل حجم الضجيج الرسمي عن قيم الاستقلالية ومفردات السيادة والخصوصية ، وعلى احزاب المعارضة أن تقدم مقترحاتها واعتراضاتها على سياسيات الحكومة عبر وسيط جديد يمتلك شرعية يعتبر الحاكم منزوعة من الاحزاب الوطنية.
يعود السبب الرئيس لغياب الحوار حول قضية لجنة الانتخابات لحالة الارباك التي تركها غياب امين عام الحزب الحاكم القسري بسبب المرض ، كونه كان الوحيد الذي يمتلك مفاتيح الحوار مع احزاب اللقاء المشترك نظرا لعدم مشاركة غالبية قيادات المؤتمر في جلسات الحوار السابقة ، إضافة للاستقواء الخاطئ بالكتلة الكبيرة للحزب الحاكم البرلمانية ، معتقدا أنه بامتلاك تلك الكتلة يستطيع تمرير ما يريد ، وذلك قد ينجح في قضايا معينة ، لكنه يفشل اذا ما تعلق الموضوع بمستقبل العمل السياسي وركيزته الاولى المتمثلة بسلامة الاجراءات الانتخابية.
ولأن المعارضة لم تجد أذنا صاغية لمطالبها باهمية اجراء حوار حول القضية السابقة فقد طالب عدد من قياديي المعارضة الرئيس صالح بالتدخل لاقناع حزبه بالعودة لطاولة المفاوضات ، والعجيب أن هناك فعلا لقاءات تتم بين الرئيس صالح وقيادات الاحزاب المعارضة ، حيث لا يقطع الرئيس قنوات تواصله مع الاحزاب ، فلا احد يملك القرار المسئول داخل الحزب الحاكم ويستطيع اقناع المعارضة بالعودة للطاولة سوى الرئيس صالح ، الذي يعرف بالضبط كيف ومتى يتحرك لحلحة الامور.
4:

عندما استشعر الرئيس صالح بخطورة الوضع في المحافظات الجنوبية قرر التحرك بنفسه ، ومكث في محافظة عدن حوالي خمسين يوما ، لاستطلاع الموقف وامتصاص السخط الناجم عن سنوات من التجاهل ، ولاول مرة اعترف الرئيس صالح بوجود مشكلة نجمت عن حرب صيف 1994م وباهمية معالجة اثار تلك الحرب ، وكأنه كان لابد من ما حدث للاعتراف بمشكلة امتدت لنحو اربعة عشر عاما من المعاناه، وعلى الرغم من أن بوادر تلك الازمة كانت واضحة للعيان منذ ما بعد صيف 1994م إلا ان لا أحد ممن هم حول الرئيس كانت لديه الشجاعة لابلاغه بما يحدث في المحافظات الجنوبية.
5:
في محافظة صعده لا احد يعرف ما يدور هناك فلا صحافة ولا قنوات ولا حتى إعلام رسمي أو حزبي قادر على اختراق التعتيم ، وتجاوز المنع باستثناء بعض التسريبات الموجهه لخدمة غرض ما في نفس يعقوب.
مع بداية الازمة الاولى في صعده 2004م وقبلها بسنوات كان الرئيس يعلم تماما بوجود تنظيم الشباب المؤمن الذي استطاع نافذون مقربون من الرئيس صالح اقناعه بأهمية دعم هؤلاء الشباب لمواجهة الوجود السلفي والاصلاحي في محافظة صعدة ، وعندما بدأ نفوذهم يزيد وبدأوا في ترديد الشعار في صنعاء وصعده في نفس الوقت لم يقل أحد للرئيس أن هناك مشكلة ، وكان عليه أن يذهب للصلاة في الجامع الكبير لصعده بعد عودته من أداء العمره ليفاجأ باعضاء التنظيم يهتفون عقب صلاة الجمعة بشعارهم ، ما جعله يخرج غاضبا ، لكن الدعم المالي لم يتوقف وأكتفى الرئيس بعتاب عدد ممن نصحوه بدعمهم .
وعندما تعرض جنود لاطلاق نار قبل الحرب الاولى من قبل انصار حسين الحوثي ، ترك موضوع مواجهتهم لمحافظ صعده يحيى العمري الذي خانته تقديراته ، وعندما سالت أول قطرة دم كانت أولى فصول الماساة تكتب بالدم ويقال ان الدماء عندما تسيل يصعب ايقافها بسهولة، في صعده تم تكليف علي نحسن بحل المشكلة بحكم الاختصتص المكاني ربما للفرقة الاولى مدرع التي تقع صعده تحت نطاق سيطرة المنطقة العسكرية التي يراسها علي محسن ، لحد اليوم لا توجد احصائية دقيقة لما خلفته تلك الحرب من خسائر بشرية ومادية ، وعلى الرغم من الوساطة القطرية التي اعلن عن موتها رسميا الاحد الماضي ، الا ان اصوات البنادق اشد ارتفاعا من صوت العقل.
ربما سنحت فرص متعددة لانهاء الحرب في وقت مبكر إلا ان التراخي والتسويف جددا اشعالها أكثر من مرة ، بعد الحرب الاولى مثلا مكث بدر الدين الحوثي والقائد العسكري عبدالله عيضة الرزامي في صنعاء نحو ثلاثة اشهر بانتظار مقابلة الرئيس صالح لحل القضية وانهاء التوتر ،لكن لم يكتب لمشروع المقابلة مع الرئيس أن تتم " بحسب ما قاله بدر الدين الحوثي لصحيفة الوسط وقتها".
بعد الحرب الثالثة قال الحوثيون انهم صوتوا للرئيس صالح في الانتخابات الرئاسية التي اجريت في 2006م والتي حصل الرئيس على اعلى الاصوات في محافظات صعدة بشكل لافت للنظر، وتم ذلك بعد تغيير العمري وتعيين يحيى الشامي محافظا لصعده ، وتشكيل لجنة لتقييم الاضرار ودفع التعويضات ، ودون مقدمة انهارت الهدنه وتجددت الحرب بشكل اكثر ضراوة ، وهاهي الحرب في نسختها الخامسة وقد اخذت ابعادا جديدة ويحمل كل يوم تصريح لمسئول امني أو عسكري باقتراب يوم الحسم العسكري والقضاء على المتمردين ، دون ان يتمكن احد من معرفة حقيقة ما يدور في الميدان.
6:
ذات لقاء بمستثمرين أجانب قال الرئيس صالح بنية حسنة " لدينا في اليمن قوانين في الاستثمار وإذا لم تناسبكم أو تعجبكم سنغيرها "، بعدها لم ياتي أحد منهم للاستثمار في اليمن ، لأن القانون لديهم يعني قوة لا يستطيع احد تجاوزها أما القانون لدينا فهو مفصل بحسب المقاس، لا توجد دولة لديها الكم الهائل من القوانين كما اليمن ، والتي تتعارض فيما بينها ، واحيانا تعدل أو تستبدل دون أن تنفذ.
7:

قبل اكثر من اربع سنوات وخلال زيارته لوزارة الاعلام طلب الرئيس من الحكومة تعديل قانون الصحافة وشطب المادة الخاصة بحبس الصحفي بسبب التعبير عن رأييه ، لكن ذلك التوجيه والمكرمة الرئاسية لم ترى النور وعلى الرغم من تتابع ثلاث حكومات منذ ذلك الوقت الا ان توجيه الرئيس لم يطبق ، وبدلا من التعامل المباشر وحذف تلك المادة قدمت الحكومة اكثر من خمسة مشاريع للصحافة كلها تحتوي على قيود ومعوقات لحرية الصحافة وتعتبر تكريسا للفكر الشمولي الذي كان سائدا قبل الوحدة ، بل والمثير للاستغراب انه منذ صدور ذلك التوجيه حبس الزميل عبد الكريم الخيواني ثلاث مرات بسبب التعبير عن أرائه ، ولم تسجل أي حاله حبس للصحفي قبلها، هل يعني هذا ان الحكومة ترفض توجيهات الرئيس ، وتصر على إحراجه امام الرأي العام المحلي والخارجي ، ولاننا ندرك ان لا أحد يستطيع حل قضية الصحفي الخيواني سوى الرئيس الذي عفى في 2005 عن الزميل الخيواني وامر بإخراجه من السجن ، نأمل ان يصدر أمرا بالعفو عنه وتصحيح مسار قضيته ، فالرئيس وحده كان صاحب فكرة عدم حبس الصحفي بسبب ممارسته لمهنته.
8:
أعتقد ان السياسي والصحفي محمد المقالح دفع أكبر ثمن يمكن ان تدفعه بسبب ضحكتك ،فبسبب ضحكته يقبع المقالح منذ اكثر من شهرين في زنزانه ، وتم تأجيل النطق في قضيته بسبب سفر القاضي الذي ينظر في قضيته الى القاهرة،وتم التعامل معه بكثير من التشنج والتعصب ، واستغلت النيابة العامة صلاحياتها بشكل مبالغ فيه عندما منعت عنه الزيارة ، ورفضت اطلاق سراحه بضمانة حضورية ،وهناك توجه لابقاءه فترة طويلة في الحجز ، يا رئيس امانة يكفي المقالح ،وهو قال عيبطل يضحك ، ومستعد ما يدخلش اي محكمة ، وإذا شاف أي قاضي مستعد يبكي، بس خارجوه.