حشود هادرة بمحافظة تعز تنديدا بجرائم الابادة والتهجير بقطاع غزة الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي رابطة اللاعبين المحترفين تكشف عن المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لشهر أكتوبر دولة خليجية تبدأ بسحب الجنسية من المئات من مطلقات مواطنيها الإنذار المبكر ينشر توقعات الطقس خلال الساعات الـ24 القادمة في 11 محافظة يمنية قراءة تركية: من سيحسم المعركة الانتخابية في أمريكا ويفوز بكرسي الرئاسة؟ أول تعليق من أردوغان على تعيين نعيم قاسم خلفاً لـ نصر الله تحذير خطير في أحدث تقرير للبنك الدولي عن الوضع الاقتصادي والإنساني في اليمن اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين تترأسه اليمن
عندما تصير وطنية المعارضة رصيداً لصالح!!
أبدى عدد كبير من المحللين والسياسيين والإعلاميين استغرابهم الشديد ولاسيما في الأسبوعين الأخيرين من مكابرة علي عبدالله صالح ، وتساءلوا عن سر رفضه الرحيل رغم أن (المبادرة الخليجية) كانت (طوق نجاة) مثالياً ، مقارنة بالمصير الذي واجهه حسني مبارك مثلاً ، رغم أن مبارك كان أقل إجراماً وفساداً من صالح ، وأقل مدة في السلطة ، واقل مدة في مقاومة الثورة ، ولم يوصل بلده إلى شفير الصوملة ، ولم يخلق (القنابل الموقوتة) من حركات تطرف عنيفة ، وحروب قبلية ، وحروب طائفية ، وفتن شطرية جهوية ، ولم يطلق يد أسرته وعصابته في الجيش والأمن كما فعل صالح!.
وفي المقابل فإن الثورة اليمنية أقوى من المصرية ، بامتلاكها عدداً من الأوراق: ورقة الأحزاب القوية والمتحدة تحت راية (المشترك) رغم اختلاف مشاربها ، وورقة القبائل القوية وخاصة حاشد وبكيل ، وورقة الشعب المسلح والجغرافيا المعقدة إذا أرادت الحرب ، وأخيراً الورقة الخارجية بعد إجماع العالم كله على وجوب رحيل صالح ، ووصول المبادرة الخليجية إلى ذات النتيجة رغم أن معظم دول مجلس الخليج كانت مع مبارك إلى اللحظات الأخيرة .
لقد احترقت كل أوراق صالح ، وتبعثرت نقاط قوته ، وانكشفت ألاعيبه وأكاذيبه ، ودفعت جرائمه بأعداد كبيرة من رموز سلطاته الأمنية والبرلمانية والسياسية والحزبية والإعلامية والديبلوماسية والقضائية إلى الاستقالة أو الانضمام إلى الثورة ، بما في ذلك عدد كبير من قيادات جيشه ، وعلى رأسهم قادة أربع مناطق من المناطق الخمس التي يتوزع فيها الجيش اليمني!
ومع ذلك كله مازال صالح يحاور ويناور ، بل صار يهاجم ويحارب ، فما هي الورقة التي تمنحه كل هذه القوة وهذا التهور المجنون؟
تقوِّي صالح بوطنية المعارضة:
ورد في كتب التاريخ والتراث أن نبي الله سليمان (ص) جاءته امرأتان ومعهما طفل ، كل واحدة منهما تدعي أنه ابنها ، وعندما لم يجد سليمان عند أي منهما دليلاً على أن الطفل ولدها ، اهتدى إلى حيلة ستجعله يعرف الأم الحقيقية منهما ، حيث قال لهما: مادامت كل واحدة منكما لا تملك برهاناً على أن هذا الطفل ولدها ، فأنتما شريكتان فيه ، ولذلك سأذبحه نصفين وأعطي كل واحدة نصيبها منه. عندها صاحت إحداهما: لا تذبحه فأنا متنازلة لها ، بينما وافقت الأخرى على هذه القسمة الضيزى ، وعلى الفور أعطى نبي الله سليمان الطفل للمرأة الأولى لأنها أمه الخائفة عليه ، الحريصة على حياته ولو صار بعيداً عنها!
وهذا ما يحدث الآن في اليمن ، فإن السلطة والمعارضة تتنازعان اليوم على الشرعية ، صالح ينتسب زوراً وبهتانا إلى الشرعية الدستورية ، والمعارضة ومعها الشباب وبقية الشركاء ينتسبون إلى الشرعية الثورية التي صنعها الشعب بعد أن فاض الكيل وعجز الصبرُ عن الصبر ، بسبب استبداد وفساد ثلاثة عقود من الزمان .
وبعد امتلاك المشترك لكل ذلك الدعم من الشعب ، وذلك الانضباط والصمود الأسطوري بين الشباب في الساحات ، كان مجرد قبوله بالحوار مع السلطة ، وتفاوضه على مبادرات: علماء اليمن ومشائخها ، والسفير الأمريكي ، ثم المبادرة الخليجية بنسخها الخمس ، كان تنازلاً كبيراً ، عرَّضه للانتقاد حتى من قواعده فضلاً عن الشباب المستقل ، ووصل الأمر إلى الهتاف في بعض الساحات للمطالبة برحيل المشترك مع السلطة!
وإذا كان صالح قد تعلم شيئاً واكتسب خبرة خلال فترة حكمه الطويلة ، فهي كيفية تعامله مع أحزاب المشترك ، وإدراكه لطبائع قادته ، إضافة إلى معرفة طبيعة البلد ونقاط ضعفه وثغراته الاجتماعية .
من كل ذلك توصل صالح إلى إدراك وطنية المعارضة ومخاوف قادتها الحقيقية والمتوهمة أو المضخمة ، نتيجة عوامل عديدة ، ليس مجالها هنا ،على اليمن ومن ثم حولها إلى رصيد ينفق منه ،وورقة يتحكم بها، حيث ظل يضغط ويطالب بالمزيد من التنازلات ، وإلا فإن الحرب الأهلية قادمة بسبب أدواته الحقيرة التي تعمل في الميدان ، وزاد الطين بلة سوء ظن المعارضة بهذا الشعب الذي يعاني شطره من الأمية ويقبع وسط عصبيات شتى ويمتلك 60 مليون قطعة سلاح وزاد من تعيُّش صالح على وطنية المعارضة ، وخوفها على هذا البلد ، وشعورها بالمسؤولية الكبيرة نحو هذا الشعب ، مما دفعه إلى ابتزاز المشترك .
شعرة المشترك هل تخنق الثورة:
لقد عرف صالح من أين تؤكل كتف المشترك ، ولهذا شن عليه الغارة ، ودفع بالبلد نحو الهاوية . إن مخاوف المشترك ومشاعره الوطنية قد دفعته لخلق شعرة يمكننا تسميتها (شعرة المشترك) لأنه الذي أوجدها ، إذ أبقى قادة المشترك خيطاً رفيعاً مع هذا النظام حتى لا يهدم المعبد على من فيه ، ولذلك ظل صالح يمارس ابتزازهم بدهاء المحاربين وخبث الشياطين ومكر الثعالب وكيد النساء ، حيث ظلوا يُرخون هذه الشعرة كلما شد صالح ، لظنهم أن انقطاع هذه الشعرة قد يودي بالوطن إلى هاوية الاقتتال الأهلي .
ولعوامل عديدة أرى أن هذا الأمر كان ممتازاً حتى اليوم الذي رفض فيه صالح التوقيع على النسخة الخامسة من المبادرة الخليجية ، حيث سقطت آخر أوراق التوت عن عورات صالح ـ وكله عورة في السنوات الأخيرة ـ ولاسيما أنها مبادرة حظيت بتأييد دول العالم كله بما فيها الدول الخمس صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي وتمتلك حق النقض (الفيتو)!.
كان يجب أن تتجه المعارضة الممثلة بائتلافات الشباب والمشترك والحراك والحوثيين ، لدراسة الوضع ، وتعبئة كل طاقاتها لتحقيق الخطوة الأخيرة في حياة هذه الثورة مع اتخاذ الاحتياطات لأسوأ الاحتمالات والظروف ، بحيث تظل الثورة سلمية ، وفي ذات الوقت يتكفل الجيش المنضم للثورة والقبائل بتوفير الحماية ، والمساهمة في الحسم بأقل الخسائر ، فإن صالح من اللؤم بمكان ، بحيث إن التنازلات ستدفعه إلى المزيد ، ليس من خلال الشعارات فقط، ولكن من خلال العمل الجاري على الأرض، بحيث صار حربة في خاصرة الوطن بل سرطانا ينخر في جسم هذا الوطن العليل .
السرطان (الأحمر):
لقد استفزت الثورة صالح من أول أسبوع بمطالبتها برحيله ، بجانب الشعارات المستفزة له ، وكذا القصائد والأناشيد والهتافات التي كانت لاذعة منذ البداية. بمعنى أن الثورة صرحت بأنها جاءت من أجل استئصاله بسبب العاهات والندوب التي أحدثها في الجسم اليمني .
ولأن صالح أصبح رأساً لمجموعة كبيرة من الفاسدين ، ولأنه صار مرضاً مزمناً استمر ثلاثة عقود ، ولأنه جمع بين الاستبداد والفساد ، فقد تظافر ذلك كله في صناعة سرطان استوطن الوطن اليمني بأسره.
ولشعوره بأنه أصبح سرطاناً في هذا البلد ، ومعرفته بأن المريض لابد يوماً أن يحاول التخلص من هذا السرطان ، فقد وضع لنفسه احتياطات كبرى وحمايات عديدة .
فمع أن النظام عائلي منذ تأسيسه لم يعرف شكل المؤسسية إلا أن عبثه بالجسم اليمني عبر سنوات طويلة أيقظ الكثير من المخاوف من أن يستيقظ ذات يوم هذا الشعب ويعمل للخلاص من هذا السرطان ، ولهذا ابتكر المزيد من الحمايات والحوائط والأسوار .
في هذا السياق لم يعد الجيش يكفي السرطان الاحمر فأوجد جيشاً عائلياً موازياً سماه، كعادته في المخاتلة: الحرس الجمهوري ، فهو حرس بالفعل ولكنه أسري وليس جمهورياً ، وأضاف حائطاً آخر هو القوات الخاصة .
وفي الجانب الأمني والاستخباراتي لم يعد يثق بالأمن السياسي ، ولهذا أوجد الأمن القومي ، والعجيب انه كلما ضاقت اهتمامات أي جهاز أنشأه صالح لحمايته وحماية أسرته وعصابته فقط، فإنه يطلق عليه عنواناً أكبر ، فهو الأمن (القومي) ، وما الغاية من إنشاء هذا الجهاز إلا توفير الحماية لقوم صالح! وقومه هنا أسرته! ولهذا فإنه اليوم يذبح الشعب من أجل هذه الأسرة الملكية!
ومثل ذلك يقال في الأمن العام الذي صار محل مخاوف صالح رغم أن زعماءه هم من المافيا التابعة له ، ومع ذلك فقد احتاط وأنشأ جهازاً موازياً سماه: الأمن المركزي!!.
إذاً ، صالح يدرك تماماً أنه (سرطان) في جسم هذا الوطن ، ولهذا أنجز كل هذه الأجهزة والمؤسسات لحمايته ، وما يهمنا في هذا المقام هو الإشارة إلى أن السرطان عندما يُستفز بمحاولة استئصال دون أن يُستأصل فإن الوقت ليس في صالح المريض ، لانه ينتشر في كل أعضاء الجسم وصولاً إلى مرحلة الاستعصاء ، بحيث يصبح الاستئصال للسرطان مرادفاً لموت المريض!.
ومع بعض الفوارق في المثالين ، فإن أناة الثوار وطول عمر الثورة ، كان عامل قوة حتى انكشاف صالح الكامل للقوى الخارجية بعد رفضه المبادرة الخليجية وبروز طباع رجل المافيا في تعامله مع السفراء والزياني في السفارة الإماراتية ، لكن كل وقت مرَّ وسيمر بعد ذلك ، وما نتج وما سينتج عنه من مفاسد إنما تتحملها المعارضة ، وعقلانيتها الزائدة ، وكما يقولون: إن الشيء إذا زاد عن حده فإنه ينقلب إلى ضده!! وأتوجه في هذا المقام بسؤال لقادة المشترك: هل سمعتم في حياتكم عن سرطان خرج من جسم مريض بسبب المفاوضات مع الطبيب؟
أعرف أنكم كنتم تريدون إخراج السرطان (الأحمر) عبر العلاج الكيماوي ، لكنه الآن قد تفشى ، ولم يعد يجدي معه إلا الإستئصال ، وكل تأخير ستتحملون أنتم مسؤوليته أمام الله وأمام الشعب ، وستدفعون مقابله ضريبة أفدح!.
السرطان يصاب بالسُّعار:
في المؤتمر الصحفي الذي عقده السرطان (الأحمر) في قصره الجمهوري ، وحضره أربعة صحفيين من كل أنحاء العالم ذكر أنه عندما طلب من الخليجيين التوسط ، إنما أراد أن يقوموا بإقناع المشترك ، ولم يتوقع أن يقتنع الخليجيون بمقولات المشترك ، وهذا يؤكد لمن يتشكك أن صالح أكذب الخلق طراً ، وأنه أطمع الزعماء في السلطة لأنها مغنم في اليمن بدون مغرم ، فقد كانت صورة صالح عشية وصوله إلى الكرسي أشبه بضحايا المجاعات في إفريقيا ، واليوم أصبح أكثر الزعماء وسامة وأحد الأوائل في قمة أثرياء العالم!
ما فعلته الاعتصامات والمبادرة الخليجية ، وما فعلته المطاردات المستمرة لحسني مبارك في مصر من قبل الثوار ، هي ما دفع السرطان للتشبث بالسلطة ولو كان الثمن إدخال البلد في حرب أهلية وقتل الملايين .
لقد أصيب السرطان الأحمر بالسُعار ، إذ وزع الأسلحة على البلاطجة والمرتزقة وملأ بهم شوارع صنعاء ، وحاصر سفراء العالم ، وأهان الزياني ، ولعب دور الطفل المدلل الذي يطلب الشيء ونقيضه ، حيث اشترط أن يوقع المشترك في اليوم الأول ، ثم عاد عندما وصل الزياني إليه للتوقيع ، بطلب المشترك للتوقيع معه ، وأنذرهم بالحرب الأهلية بعد انصراف الزياني ، وفي اليوم التالي أعلن الحرب على الشعب واتهم الزياني بأنه أمره بالتوقيع متجاهلاً موقعه كرئيس دولة!
لقد كان عدم التوقيع هو الإشارة لميليشياته لبدء الإيقاع الكبير بالشعب ، وبدأ الأمر بأقوى حلقاته في الظاهر حتى يكون عبرة لمن بعده ، وهي حلقة آل الأحمر ومن خلفهم حاشد ، وفي ذات الوقت هي أضعف الحلقات من ناحية علم صالح بأنهم لن يصبروا على اعتداءاته وسيردون بقوة ، مما يمكنه دوماً من اختيار مكان وزمان المعركة العسكرية التي يظن أنها ستئد ثورة الشباب ، وتغيِّب طابعها السلمي ، وتظهر الأمر للعالم كانه تنافس بين طرفين على السلطة ، وإذا اتسعت دائرة المواجهات فستظهر كأنها حرب أهلية ، وهو بحكم ميراثه لتركة محمد زياد بري ، وخبرته المتراكمة طيلة ثلاثة عقود من الجرائم المتنوعة بين الاغتيالات وإثارة الحروب وإيقاد الفتن بين القبائل والأحزاب والجهات ، رأى أن ذلك سيكفل له البقاء مدة أطول على جماجم اليمنيين ، بعد أن لم يكن بينه وبين المغادرة إلا ثلاثين يوماً ، وسيثبت حينها أنه أذكى من مبارك وابن علي!!
السرطان يصاب بالجنون في تعز:
ولما كانت تعز أقوى خلية في جسم المدنية النامية بقوة في اليمن ، وهي أول من فجر أوار هذه الثورة ، وفي ذات الوقت هي أضعف حلقة عسكرية ، بسبب ضعف القبلية التقليدية ، وعدم امتلاك الناس لأسلحة وعدم ميل من يملكها إلى استخدامها ، لهذا رأى السرطان أنها الحلقة الأولى والأضعف لمحاولة كسر إرادة الشباب الفولاذية .
وبالفعل فقد اتجهت قوات عسكرية (يوم 29/5) مدججة بكل الأسلحة الثقيلة ، وأطلقت في البدء خراطيم المياه الساخنة والمخلوطة بمادة (الأسيد) و(الفلاش) الحارق للجسم والقنابل السامة وأمطاراً من الرصاص الحي على الشباب فحدثت المواجهة الأسطورية ، وقدم الشباب نماذج من الشجاعة الفائقة والثبات المنقطع النظير ، حتى أن شاباً عارياً كان يتقدم باتجاه آلة الحرب ، وكان عديدون يطلقون الرصاص أمام قدميه وهو يتقدم ويشير لهم بأصبعه السبابة إلى قلبه ، ولما اقترب منهم شعروا بالذعر ، فرموه بالرصاص في قدميه وفخذيه ، واستمر بالتقدم وأصبعه تشير إلى قلبه فأمطروه بالرصاص حتى سقط مضرجاً بدمائه ، وآخر اندلعت في جسمه النيران ، واستمر يتقدم نحوهم وهو يرفع يديه ، وفي كل يد يرفع أصبعيه علامة على التحدي ، والنار تشتعل في جسمه كأننا في مشهد من مشاهد هوليود الأسطورية!
إنها الإرادة التي تصنع أروع البطولات ، وتطوي أفدح الخطوب ، وهذا مازاد من غيظ وجنون السرطان القابع في النهدين ، فأرسل بأوامره بأن تستخدم كل الأسلحة التي لم تطلق طلقة واحدة عندما احتلت إريتيريا جزيرة يمنية بدون مقاومة إلا في جزيرة واحدة أصر أحد الجنود على المقاومة وقتل 6 جنود إريتيريين ثم استشهد وكوفئ أولاده بعد ذلك بقطع مرتبه ، لانه كشف تآمر صالح على شعبه ، عندما رفض الأوامر وقاوم الغزاة!. ولا يدري ذلك الجندي الشهيد أن صالح يريد توفير الرصاص وطاقة القتل لمواجهة شعبه!.
وخلال بضع ساعات اشتركت المصفحات والمدافع والرشاشات والبنادق الآلية والقنابل الغازية وما لا نعلمه من أسلحة في إحراق ساحة الحرية بكل ما فيها ومن فيها ، وديس القرآن الكريم وأحرق عمداً ، وضُرب الأطباء ، وسُحل المرضى والجرحى ، وجُرف بعضهم بالجرافات وهم ينزفون ، وضُرب الصحفيون ، وصودر كل شيء ذي قيمة ، ونجح صالح في التفوق على شارون في جريمته التي صنعها في صبرا وشاتيلا عندما كان وزيراً للدفاع الصهيوني ، ومنذ سنوات وأنا أقول للناس: والله ما يهودية إلا التي في البيت!!.
لقد كانت هذه النيران بعض ما يعتمل في صدر صالح ضد هذا الشعب عموماً واهل تعز خصوصاً ، وكانت النتيجة قرابة مائة شهيد قتلوا بكل أنواع القتل: الرصاص والحرق والجرف بالجرافات والاختناق ، إضافة إلى أكثر من ألف جريح بالرصاص الحي وآلاف المختنقين بالغازات السامة!.
انتهاك الأعراض في تعز:
وفي اليوم التالي حاولت تعز أن تلملم جراحها وانبعثت بالفعل كالعنقاء ، لكن قتلة صالح كانوا يترصدون الشباب في كل شارع وحي وزاوية ، حيث أطلقوا نيران مدافعهم على أي تجمع يزيد عن ثلاثة أشخاص ، وقد رأيت بأم عيني خمسة أطفال يمرون في الجولة التي تقع تحت مستشفى الثورة وبالقرب من ساحة الحرية ، وبدون مقدمات وجَّه الجنود البواسل رشاش 12/7 وأطلقوا النيران باتجاه هذا النفر من الأطفال ، لقد صار الواقع في تعز أغرب من الخيال!!
وفي اليوم التالي تكرر نفس المشهد واستُشهد خلال بضع دقائق حوالي عشرة وسقط أربعون جريحاً بنيران الرشاشات لأنهم كانوا يحاولون التجمع ، وانهمرت النيران بشكل مسعور وجاءهم الموت من كل مكان .
وفي ناحية أخرى انطلقت المرأة لتنصر شقيقها الرجل ، لكن عصابة صالح أطلقت كلابها المسعورة على هؤلاء النسوة بالرجم والضرب ونزع الحجاب ، وأسوأ من ذلك كله بالسباب الذي لم يترك لفظاً من ألفاظ البذاءة في قاموس السفاهة إلا وأطلقوه في حق حرائر تعز!
لقد أنزلت عصابة صالح بعض هذه الكلاب المسعورة متخفية في ثياب النساء ، وبعد تمكنهم من هؤلاء النسوة ، كشفوا اللثام عن أنياب الكلاب وطباع الخنازير!.
والغريب أن عدداً لا بأس به من هؤلاء الخنازير جاؤوا من مناطق أخرى ليقوموا بهذه المهمة القذرة ، ويبدو أنهم استهانوا بتعز إلى هذه الدرجة لما تعودوا عليه من انبطاح الثلاثي: عبده الجندي وعبده مرحبا ورشاد العليمي ورابعهم (كلبهم) سلطان البركاني ، فظن البلاطجة أن أهل تعز رخيصون مثل هؤلاء ، لكنهم أخطؤوا القياس وسيدفعون الثمن غالياً لتلطيخهم شرف نساء تعز ، إنهم لا يدرون أن أحذية هؤلاء النسوة أشرف وأطهر من وجوههم القميئة!.
إن صالح يستميت في قتل مدنية تعز ليجرها ـ ومن خلالها كل ساحات الحرية والتغيير ـ إلى منطق حرب العصابات التي يتقنها بسبب خبراته المتراكمة ، لكنه لا يعلم أن الثورة قد استكملت كل متطلباتها ، وتبين للعالم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، وأن النار التي يشعلها في تلك الأثناء سيكون أول من يحترق بها ، وأن الحفرة التي يحفرها لهذا الشعب ستكون قبره البئيس!!
إن إشعال الحرائق في أبين بزعم انفجار القنبلة القاعدية ، وإشعال الحرائق في بعض مناطق محافظة صنعاء بدعوى انفجار القنبلة القبلية التي حذر منها الأفَّاك لن تزيد العالم إلا يقيناً بوجوب رحيل صالح الآن ، وستجتمع هذه النيران جميعاً لتحرق أشلاء عصابة صالح ، ولن تكون لهذا الشعب إلا برداً وسلاماً ، لأنه أراد ، والله بإرادته يحقق إرادة الشعوب!.
ادخلوا عليهم الباب:
لقد استكمل الثوار الأسباب التي توصل ثورتهم إلى غايتها بأقل التكاليف ، وراعوا الظروف والخصوصيات اليمنية ، وتحققت كثير من أهداف الثورة بالفعل ، لكن اللمسة الأخيرة بحاجة إلى مغامرة وليس إلى مبادرة ، لكنها المغامرة المحسوبة بدقة ، دون الوقوع في فخ التهويل أو التهوين .
لقد نضجت الثمرة فإن لم تقطفها (حمامة) الثورة اختطفتها (غربان) صالح ، وأرجو أن تتحرر المعارضة من مخاوفها المرتبطة بأثقال التراث والتجارب العربية المعاصرة ، كتجربتي الإخوان في مصر وسوريا ، وأن تتحرر من أغلال (العقدة اليزنية) المراهنة على الخارج فهي سبب سقوط الثورة الدستورية سنة 1948 .
وأرجو أن تتم المزاوجة بين حماس الشباب وعقلانية المشترك ، فإن العقل الزائد يحيل الشجاع إلى جبان ، والكريم إلى بخيل ، وأرجو من الشباب أن يعودوا للضغط الآن وبسرعة ، وأن يكفوا عن الانشغال بائتلافاتهم الثورية وهي إحدى مصائد صالح في مواجهة الثورة ، فقد بدا لي بأنها تحولت ـ أي الائتلافات ـ عند كثيرين من وسيلة لخدمة الثورة إلى غاية ، وكنتُ لاحظت هذا الأمر من فترة مبكرة ، لكنه تبدا لي واضحاً عندما هاجمت عصابات صالح ساحة الحرية بتعز فنجحت في طرد الشباب وإحراق الخيام!
إن صالح جبار ، لكنه ليس من قوم الجبارين ، وهو مثل كل الطغاة ، سيصغر بقدر ما تكبر واستصغر الآخرين عندما تحين الحقيقة ، أما عصابته فأكثر أفرادها من المأجورين ، ولا يمكن للمأجور أن يضاهي صاحب القضية ، لأن النائحة الثكلى غير النائحة المستأجرة!
ومادام الثوار قد استنفدوا الأسبا ب ، فلم يبق إلا أن تدخلوا عليهم الباب ، ولا تخافوا من قوتهم ، فإن ضريبة التأخر الآن أكثر فداحة من ضريبة الاستعجال ، فإن دخلتم عليهم الباب ، مع توكلكم على الله ، وعلمكم بأن إمكانات الحرب الأهلية بمعناها الواضح قد انعدمت ، فإنكم غالبون .
إن لم تستفد من الآيات فستصبح آية:
لم يستفد صالح من آية ابن علي ولا آية مبارك ، لأنه أمي لا يقرأ الآيات ، حيث أطاحت به خطاياه ، وسيصبح بذلك لمن خلفه آية أخرى .
ولأن السنن الربانية لا تحابي أحداً ، فإن المعارضة وعلى رأسها المشترك ، إن لم تستفد من آيتي تونس ومصر القريبتين ، ستصبح هي لمن خلفها آية!
لقد كانت أجهزتهم الأمنية ضخمة حتى ظنوا أنها مانعتهم من الله ، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ، وقذف في قلوبهم رعب الشعوب ، بعد أن كسرت خوفها ، وهي أهون من شعب اليمن ، فانطلقت أصواتها تواجه أسواط الطغاة ، ونجحت تكبيراتهم في إذلال وتذليل كبريائهم ، لكن ذلك احتاج إلى الوثبة الأخيرة ، إلى دخول الباب ، فهل أنتم داخلون ، وهل أنتم فاعلون ؟!
*رئيس منتدى الفكر الإسلامي
وأستاذ الفكر الإسلامي السياسي بجامعة تعز