شلالات نياغارا عالم من نوع آخر
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 16 سنة و 5 أشهر و 19 يوماً
الإثنين 07 يوليو-تموز 2008 05:20 م

شلالات نياغارا.. أعجوبة الطبيعة الساحرة في القارة الأميركية.. ومنبع الإلهام للمكتشفين الأوائل والرحالة والفنانين والسياسيين على اختلاف توجهاتهم.. وللعشرين مليون سائح الذين يزورون الشلالات سنوياً، وبينهم خمسون ألف عريس وعروس يقصدونها سنوياً لقضاء شهر العسل ويحلمون بالعودة لزيارتها مع الأبناء والأحفاد..

تقع الشلالات على بعد 27 كيلومتراً الى الشمال الغربي من بافالو ــ نيويورك، و120 كيلومتراً الى الجنوب الشرقي من تورونتو ــ أونتاريو، وبالتحديد بين المدينتين التوأمين نياغارا الأميركية ونياغارا الكندية..

وتتكون الشلالات من قسمين رئيسيين تفصل بينهما جزيرة «غوت».. والقسمان هما: الجانب الأميركي والجانب الكندي.. ويقع في الجانب الأميركي أيضاً شلال أصغر يدعى «برايدال فيل» ويعني: ثوب الزفاف، وتفصله عن الشلالات جزيرة «لونا»..

ويقول الجيولوجيون ان الشلالات تكونت في نهاية العصر الجليدي الأخير أي قبل نحو 12 ألف سـنة حين تدفقت الميـاه بقوة هائلة جارفة التربة أمامها مكونة البحيرات الكبرى، ومن ثم نهر نياغارا (56 كيلومتراً ــ 35 ميلاً ) في طريقها الى المحيط الأطلسي..

بين كندا وأميركا

وتتهادى الشلالات على جانبي الحدود الأميركية – الكندية حيث تعتبر أكثر شلالات العالم اتساعاً.. وقد أخذت اسمها من نهر نياغارا الذي يفصل بين اقليم أونتاريو الكندي وولاية نيويورك الأميركية.. والاسم نياغارا في الأصل مأخوذ ببعض التحريف من كلمة كان الهنود الحمر من سكان البلاد الأصليين يطلقونها على الشلالات وهي تعني: المضيق.. أو: رعد الماء.. والطريف أن سكان البلاد الأصليين كانوا يمنعون أي شخص أبيض من الوصول الى منطقة الشلالات لكن الحروب التي شنها المغامرون الأوروبيون الأوائل بلا هوادة على السكان الأصليين قلبت الموازين رأساً على عقب..

والجدير بالذكر، أن شلالات نياغارا حيث تتساقط المياه منذ أكثر من 12 ألف سنة من ارتفاعات شاهقة محدثة دوياً كالرعد بمعدل 170 مليون متر مكعب في الدقيقة، كانت حتى عام 1870 محجوبـة تقريباً عن الأنظار، وعلى من يرغب في مشاهدتها عن بُعد أن يدفع رسماً يعادل الدولار للجشعين من رجال الصنـاعة الذين أحاطوا الشلالات بالمعامل والأسوار العالية من كل جانب..

لكن حملة شعبية كبيرة نجحت في عام 1885 في اقناع كونغرس ولاية نيويورك في استصدار قانون يعتبر منطقة الشلالات منطقة نفع عام ممنوع احتكارها، مما أجبر رجال الصناعة على نقل مصانعهم بعيداً عن الشلالات التي صارت زيارتها متاحة مجاناً لمن يشاء، مما شجع على اقامة آلاف الفنادق والمطاعم والمتنزهات والمسارح ودور السينما وملاعب الغولف ومراكز التسوق على اختلاف أنواعها، بالاضافة إلى عشرات المتاحف المتخصصة، ومطارين أحدهما دولي..

مشاريع سياحية

وتسبب تدفق السياح من جميع أنحاء العالم في اقامة مشروعات ضخمة في المنطقة لتسهيل الزيارة والتنقل لمن يشاء.. فهناك كل أنواع الرحلات السياحية بالباصات والقطارات والطائرات والزوارق، بالاضافة الى الرحلات بالهليكوبتر والمنطاد فوق الشلالات ومنطقتها وصولاً الى أونتاريو في كندا، وبافالو ونيويورك في الولايات المتحدة..

وتتساقط المياه في الجانب الأميركي من ارتفاع 56 متراً ( 180 قدماً ) في حين يبلغ عرض الشلالات في هذا الجانب 328 متراً ( 1075 قدماً ).. أما كميات المياه المتساقطة، فتبلغ 75 ألف غالون كل ثانية.. وهذه الكمية تعادل عشرة في المئة من المياه المتواجدة في المنطقة، لكن يتم تحويل معظمها الى محطات توليد الكهرباء المتواجدة على الجانبين الأميركي والكندي، حيث يتم توليد خمسة ملايين كيلووات سنوياً..

وتبدو المياه الهادرة في أجمل ما تكون أثناء الليل بتسليط الأضواء الساطعة والملونة عليها من كل جانب.. وقد شهد الجانب الأميركي خلال القرن العشرين عمليات تجميل وصيانة رئيسية للتقليل من مخاطر عوامل التآكل التي تعمل على تجريف مجرى النهر ونقل صخوره باتجاه مسقط المياه حيث تستقر في القاع. وكانت هذه العملية تؤدي الى تحريك الشلالات الى الخلف بمعدل متر واحد سنوياً لكن في منتصف الستينات من القرن الماضي تم تغيير مسار المياه مؤقتاً واستحداث سد مائي لتمكين العمال من اجراء اللازم وقد نجحت عمليات الترميم هذه في تقليل التراجع ليصبح أقل من متر واحد كل عشر سنوات وبعد الانتهاء من عمليات الصيانة تمت ازالة السد وأعيدت المياه الى مجراها الطبيعي وكان ذلك في عام 1969..

لمن يجرؤون

وتجدر الاشارة الى أن أحداً لم يجرؤ حتى اليوم من القفز بالبرميل من قمة الشلالات على الجانب الأميركي، في حين أقدم على هذه المغامرة العشرات من الجانب الكندي، والسبب أن مسقط المياه في الجانب الأميركي تملأه الصخور في حين أن الجانب الكندي أكثر اتساعاً وصخوره أقل. ويبلغ عرض الشلالات في الجانب الكندي 675 متراً (2200 قدم) وهي على شكل حدوة الفرس، وتسقط المياه من ارتفاع 52 متراً (170 قدماً) في حين أن عمق المياه في النهر بعد الشلالات يبلغ 56 متراً ( 184 قدماً )، أما كميات المياه المتساقطة فتبلغ أكثر من 168 ألف متر مكعب كل ثانية..

ويقول علماء الجيولوجيا أن الشلالات كانت على بعد أحد عشر كيلومتراً (7 أميال) من موقعها الحالي وأن عوامل التآكل وراء تراجع الموقع..

خلف الشلالات

بإمكان السياح والزوار الاستمتاع بسماع هدير المياه من مسافة قصيرة جداً من مسقطها وذلك حين القيام بهذه الرحلة التي تسلب الألباب، وهي تجربة لا يمكن لزائر أن ينساها، بل أن زيارة الشلالات لا تكتمل دون القيام بهذه الرحلة.

ويمكن الوصول الى خلف الشلالات عبر أنفاق ومصاعد كهربائية يتسع الواحد منها لعشرة أشخاص لتنتهي في ساحة مكشوفة لكن ضيقة ومحاطة بسياج واقٍ لا يبعد سوى 46 متراً ( 150 قدماً ) عن المياه.. وبالطبع يتم تزويد الزوار بمعاطف واقية من الرذاذ المتساقط كالمطر الكثيف على الساحة التي يطلقون عليها اسم الصخرة – الطاولة.

مملكة الطيور

وتعتبر مملكة الطيور الملحقة بالمرافق السياحية التـابعة لشلالات نياغارا الأكبر من نوعها في العالم، ففي هذه الحديقة ذات الطوابق المتعددة والمغطاة بالكامل أكثر من 400 طير من كل أنحاء العالم تطير بكامل حريتها في الحديقة الممتدة الأرجاء..

وفي هذه الحديقة، يستطيع السائح أن يلهو مع الطيور.. يطعمها.. يلتقط الصور التذكارية معها.. ويمكنه أيضاً التنزه بين أشجار النخيل التي يزيد ارتفاع الواحدة منها على 35 متراً.. وهناك أيضاً شلال اصطناعي يبلغ ارتفاع مسقط مياهه 35 متراً داخل مملكة الطيور التي حصلت على المركز الأول لثلاث سنوات على التوالي ( 2003 ــ 2004 ــ 2005 ) باعتبارها أفضل مكان لجذب السياح في منطقة الشلالات..

حدائق النبات

تقع هذه الحدائق التي أقيمت في عام 1936 على بعد تسعة كيلومترات الى الشمال من الشلالات وتبلغ مساحتها أكثر من 100 هكتار وتعتبر مركزاً لأرقى المعاهد المتخصصة بالعلوم الزراعية في العالم..

وتنقسم الحدائق الى عدد كبير من المناطق المتخصصة، فهذه منطقة الزهور وتلك مخصصة للفواكه وثالثة للخضراوات ورابعة للأشجار ذات الألوان الخلابة والمتغيرة حسب الفصول، وهكذا.. ويزور هذه الحدائق أكثر من ثلاثة أرباع المليون شخص سنوياً للاستمتاع بمشاهدة عدة آلاف من أنواع النباتات المختلفة والتي تفتخر كندا بوجودها على أرضها..

حديقة الحيوان

هل سبق لك أن التقيت وجهاً لوجه مع فرس النهر.. أو هل لاعبت أنف زرافة.. أو ربما حلمت بمداعبة حيوان الكسلان علّه يتحرك ؟؟

الأسئلة كثيرة والاجابة باختصار: نعم.. فكل شيء ممكن في حديقة الحيوان التابعة لشلالات نياغارا التي تحوي أكثر من 400 حيوان مختلف جيء بها من مختلف أنحاء العالم الى هذه الحديقة التي تبلغ مساحتها اكثر من 44 هكتاراً ولا تبعد عن الشلالات سوى عشر دقائق بالسيارة.. وتعتبر هذه الحديقة مركزاً تعليمياً للصغار والكبار على حد سواء.. فالمرشدون يقومون بشرح كل ما يتعلق بالحيوانات المختلفة.. حياتها وعاداتها في الأكل والشرب والنوم والتكاثر.. ويمكن للسائح أيضاً الاستمتاع بالموسيقى التي تعزفها فرق جوالة في أرجاء الحديقة التي تكثر فيها المطاعم ومحلات بيع الهدايا التذكارية..

القفز بالبرميل

البداية كانت في أكتوبر ــ تشرين أول 1829 حين قفز الأميركي سام باتش، دون برميل، من قمة الجانب الكندي وخرج سالماً على الرغم من أنه أطلق على نفسه اسم «الغبي الكامل».. وقد فتحت مغامرته الباب على مصراعيه للكثيرين لكن الأكثر شهرة بين القدامى كانت مدرسة في الثالثة والستين من عمرها تدعى آني ادسون تايلور وكانت أول من ألقى بنفسه في مسقط الشلالات مستخدمة البرميل وخرجت سالمة الا من رضوض بسيطة..

وكانت هذه السيدة قد ألقت قطة داخل برميل من قمة الشلالات قبل أن تقوم بمغامرتها، فقتلت القطة ونجت هي.. لكن السيدة التي كانت تحلم بجمع ثروة من خلال جولة دعائية تقوم بها في الولايات المتحدة باعتبارها أول من قام بهذه المغامرة لم تحقق أياً من أحلامها لأن مدير أعمالها سرق كل ما جمعته وهرب.

ومن يومها قام العشرات بالمغامرة ذاتها.. بعضهم لقي حتفه، أما الناجون فقد واجهوا عقوبات السجن مع الغرامة لمخالفتهم القوانين التي تمنع القيام بمثل هذه الأعمال.. وبالطبع لا يمكن أن ننسى المغامر الأكثر شهرة في ذلك الوقت «بولندين» الذي سار في عام 1859 على شريط معدني ممدود فوق منطقة «الرينبو» شمالي مسقط المياه وليس فوق الشلالات نفسها، وقطع المسافة كلها فيماحبس آلاف المتفرجين أنفاسهم حتى وصل بسلام الى نقطة النهاية..

جولة بالهليكوبتر

تتاح للسياح فرصة لا تعوض للقيام بجولة في الهليكوبتر فوق أطراف الشلالات تأخذهم بعد ذلك الى أجواء منطقة أونتاريو الكندية حيث توجد أكبر مزارع للعنب في كندا والتي تبلغ مساحتها أكثر من 14 ألف فدان وهي تزود 48 مصنعاً للنبيذ في المنطقة بالعنب الفاخر.. وتشمل الرحلة الجوية أيضاً دورة فوق موقع واحدة من أشهر المعارك التي شهدتها المنطقة أثناء الحرب التي شنتها الولايات المتحدة ضد كندا في أوائل القرن التاسع عشر، بالاضافة لبعض البحيرات الاصطناعية التي أقيمت في السنوات الأولى من القرن العشرين من أجل تخزين مياه نهر نياغارا ومن ثمتمريرها في قنوات خاصة تحت الأرض وايصالها الى محطات توليد الكهرباء.

القصة مع السينما والتلفزيون

على الرغم من أن شلالات نياغارا تعتبر موقعاً سياحياً متميزاً على مستوى العالم كله، والمكان المفضل لقضاء شهر العسل بالنسبة لمئات الآلاف من الأميركيين والكنديين وغيرهم حيث تشير الأرقام الرسمية الى أن خمسين ألف شخص يزورون الشلالات سنوياً كجزء من شهر العسل، فقد شهدت الشلالات تدفقاً للسياح فاق كل التوقعات بعد عرض الفيلم الشهير «نياغارا» للراحلة مارلين مونرو في عام 1953.. وفي عام 1980، تم في منطقة الشلالات تصوير فيلم «سوبرمان 2»، كما أن الشلالات نفسها كانت موضوعاً لفيلم تم تصويره على طريقة «آيماكس» ذي الأبعاد الثلاثة وسجل اقبالاً كبيراً … كما تم تصوير عشرات الأفلام السينمائية والحلقات التلفزيونية في رحاب الشلالات..

وفي عام 1990 قدّم الساحر الشهير ديفيد كوبرفيلد عرضاً متميزاً أمام الشلالات قام خلاله بايهام ملايين المتفرجين ومشاهدي التلفزيون في شتى أنحاء العالم بأنه يسير فوق الجانب الكندي من الشلالات والمسمى حدوة الحصان..

ومن المؤكد أن السينما والتلفزيون ساهما في تشجيع السياح وزيادة أعدادهم، وتشير الأرقام الرسمية الى أن عدد زوار الشلالات في عام 2003 فاق الأربعة عشر مليوناً، كما أن التقديرات الرسمية تشير الى أن عدد الزوار للعام الجاري سوفيتجاوز العشرين مليوناً، أما في العام المقبل فسيكون الرقم في حدود ثمانية وعشرين مليون زائر..