إسرائيل تكشف عن 13 قياديا حوثيا وتنشر صورهم ضمن بنك أهدافها.. والمختبئون في الجبال من مقربي عبدالملك الحوثي تحت المراقبة دبلوماسية أمريكية تتحدث عن عملية اغتيالات لقيادات جماعة الحوثي وتكشف عن نقطة ضعف إسرائيل تجاه حوثة اليمن رئيس الأركان يدشن المرحلة النهائية من اختبارات القبول للدفعة 35 بكلية الطيران والدفاع الجوي هكذا تم إحياء الذكرى السنوية ال 17 لرحيل الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر بالعاصمة صنعاء مسيرات الجيش تفتك بقوات الدعم السريع والجيش السوداني يحقق تقدما في أم درمان محمد صلاح في طليعتها.. صفقات مجانية تلوح في أفق الميركاتو الشتوي حلف قبائل حضرموت يتحدى وزارة الدفاع والسلطة المحلية ويقر التجنيد لمليشيا حضرمية خارج سلطة الدولة مصابيح خلف القضبان.... تقرير حقوقي يوثق استهداف الأكاديميين والمعلمين في اليمن الإمارات تعلن تحطم طائرة قرب سواحل رأس الخيمة ومصرع قائدها ومرافقه بينهم صحفي.. أسماء 11 يمنيًا أعلن تنظيم القاعدة الإرهـ.ابي إعدامهم
الشعر والشعور
قبل أن نخوض غمار البحث والتقصي في شعر الإمامة الهادوية من وجهة نظر نفسية، نتوقف أولا عند العلاقة بين الشعر والشعور.. الإبداع والنفس بشكل عام، كما تقررها مدارس التحليل النفسي.
الشِّعرُ اتجاهٌ سيكولوجي وجداني، يتشارك في مفرداته العقل الواعي مع العقل الباطن على حد سواء. يعيش الشاعر لحظات الخيال والتخييل مشاهد مرسومة في الذهن، بناء على معطيات ثقافية مسبقة لديه، مستقاة من محيطه البيئي وموروثه الخاص. الشاعر ينظم ما يعتمل في وجدانه من أحاسيس وتصورات وانفعالات تنعكس بصورة جلية على عمله الإبداعي، وإن حاول التملص من ذلك.
أيضًا الشعرُ تفجيرٌ للعُقد المكبوتةِ داخل النفس؛ لذا فإنّ الشعراءَ يتنفسون بقصائدهم أحيانا، هروبًا من ضغط الواقع، كما يتنفس بها أيضا بعض القُرّاء إذا ما لامسَ هذا الإبداع نفس مشاعرهم ووجداناتهم. ومن هنا كان التفاوت في الإعجاب بالأعمال الفنية..
الألفاظ أوعية المعاني كما يقولُ الجاحظ، والقلم ترجمانُ القلب؛ وبالتالي فلم ينتقل عملٌ ما إلى الفضاء الخارجي إلا وقد اعتملَ داخل مخيلة الكاتب ووجدانه وأحاسيسه؛ بل ربما قد عاشه كاتبه عراكا داخليا عصيبا.
تعكس الحالةُ النفسيةُ ذاتَها على العمل الأدبي فيرى الناقدُ لهذا النص أو ذاك صورًا متحركة ومشاهد حية بين مسامات هذه الحروف، أو لكأن الحروف تكاد تنطق بذلك، موضحة حقائق اللحظة التي عاشها المبدع، كاتبا كان أم شاعرا، أم موسيقيا أم رساما.. إلخ.
نتوقف أولا أمام نصوص المؤسس يحيى حسين الرسي، بوصفه مجرما سفاحا ساديًّا، كما تعكس ذلك قصائده الشعرية، يقول مستعذبًا ومستحليًا القتل والإبادة والتنكيل:
الطعن أحلى عندنا من سلوة
كر الجوامس حين طال ظماها
والروس تُحصد بالسيوف ألذ
من بيضاء ناعمة تجر رداها
والسائلات من الدماء فواغرا
عظمت فقسط الزيت لا يملاها
أشهى وأعجب من صبوح مدامة
في القلب يظهر غيَّها ورداها
وجماجم القتلى لأرجل خيلنا
في الكر تقرع فوقها وتطاها
والرُّمح في كفي كأن سنانه
نجم المجرة لاح في أعلاها
هذه ليست قطعة من الشعر فحسب؛ بل لوحة فنية تحتوي عشرات المشاهد من العنف والإرهاب والقتل والتدمير، وهي ملاحم عاشها الشاعر عراكا نفسيا داخليا في اللاوعي، متصورا فصولها ومشاهدها قبل أن ينقلها إلى العقل الواعي. يقول سيجموند فرويد: "إن الصراع ينشأ من عملية الإبداع حيث أن القوى اللاشعورية التي تدفع بالإبداع هي موازية للقوى الشعورية التي تؤدي للإصابة بالعُصاب أو العقدة، أي أن القوى التي تدفع المبدع هي نفس الصراعات التي تدفع الأشخاص الآخرين إلى الحالة العُصابية، فالتفكير يستمد مادته من الأوهام المتقنة التي تنطلق بحريه تامة، من الأفكار التي ترتبط بأحلام اليقظة والطفولة.. فيكون الإبداع هو عملية انتقال من الخيال اللذة إلى الواقع".
وهكذا عكس لنا الشاعر ــ وهو المُنظِّرُ الأول ــ انطباعاته وأحاسيسه التي اختزلتها طفولته عُقدًا مكبوتة في هذا النص الشعري.
إنَّ من يتأمل نصوصَ يحيى حسين الرسي، مستقرئا إيّاها من وجهة نظر سيكولوجية يكتشف نفسًا متوحشة، وعقلية انتقامية، ليس من البشر فحسب؛ بل حتى من الحيوانات والكائنات، فبدا في شعره كما بدا في سلوكه كما لو أنه "داعش" القديمة، وربما أكثر من ذلك.
يقول المفكر محمد أحمد نعمان: "لقد قَدِمت طلائعُ الأئمَّة العَلويين إلى اليَمَنِ قبل أحد عَشر قرنا، تريدُ أن تنجو بنفسها من العذاب الشديد الذي كانت تلقاه في بغداد، وكانت القسوة في التعامل بين العبَّاسِيين والعَلويين قد بلغت حد رمي العَلويين أحياء في الآبار التي لا يجدون منها منفذا، أو بناء الجُدران عليهم أحيَاء، هم وأبناؤهم، فاتسمتْ نفسيَّاتُ من نجا منهم بالحقد المرير على الوجود، والقسْوة على كل من يقع في أيديهم ممن يعترض سَبيلهم". انظر: الفِكر والموقف، الأعمال الكاملة، "الأطراف المعنية في اليمن"، محمد أحمد نعمان، جمع وترتيب: لطفي فؤاد أحمد نعمان، ط:1، مارس، 2001م، 333.
إلى جانب الرسي أيضا الشريف الرضي، نقيب العلويين، ومنظرهم الكبير، وجامع "نهج البلاغة"، يقول في حائيته الشهيرة التي تعتبر دستورا شعريا يتوارثه الشباب الهاشمي خلفا عن سلف منذ ذلك الوقت وحتى اليوم:
نَبّهتُهُمْ مِثْلَ عَوَالي الرّمَاحْ
إلى الوَغَى قَبلَ نُمُومِ الصّبَاحْ
فوارس نالوا المنى بالقنا
وصافحوا اعراضهم بالصفاح
لغارة سامع أنبائها
يغص منها بالزلال القراح
لَيسَ عَلى مُضْرِمِهَا سُبّةٌ
ولا على المجلب منها جناح
دُونَكُمُ، فابتَدِرُوا غُنمَهَا
دمًى مُباحاتٍ، وَمَالا مُبَاحْ
فإننا في أرض أعدائنا
لا نَطَأُ العَذْرَاءَ إلاّ سَفَاحْ
يا نَفْسُ مِنْ هُمٍّ إلى هِمّةٍ
فلَيسَ من عِبْءِ الأذى مُسترَاحْ
ويضيف متسائلا والحقد يملأ صدره على من دونه من الخلق:
متى أرى الأرض وقد زلزلت
بعارض أغبر دامي النواح
متى أرى الناس وقد صبحوا
أوَائِلَ اليَوْمِ بِطَعْنٍ صُرَاحْ
يَلتَفِتُ الهَارِبُ في عِطْفِهِ
مروعًا يرقب وقع الجراح
متى أرى البيض وقد أمطرت
سَيلَ دَمٍ يَغلِبُ سَيلَ البِطاحْ
متى أرى البيضة مصدوعة
عن كل نشوان طويل المراح
وهكذا يُنشّئُ هؤلاء القوم أطفالهم من اللحظات الأولى على كُره الغير، والنظر إليهم كمغتصبين، فيعتمل العدوان داخل نفسية الطفل من بداية الحياة، وفقا لإشارة المحللة النفسية النمساوية "ميلاني كلاين"؛ لهذا لا تحتاج الثورات والانقلابات فيما بعد إلا أن تقدح الزناد فقط، فالبارود في الرأس، ولا يحتاج غير قدح الشرارة الأولى لا أكثر. ومع تداخل الفرد مع الجماعة تتماهى أخلاقه داخلها، ويصبح وحشا كاسرا لا تعرفه، وقد تطبع بطباعها دون أن يدري، ومعلوم للجميع أن منطق الجماعة غير منطق الفرد. الجماعة جياشة عاطفية، مسرفة في عاطفتها وفي نزقها، وأقل تحريض من قائد القطيع يجعل الجماعة ترتكب أبشع الأعمال وأقساها. ومن يتأمل عنف الجماعات يجد جنونا من الوحشية غير متخيل.
وذات الشعور أيضا الذي انتقل بالعدوى كما أشرنا سابقا إلى إمام بعده، يحمل ذات المشاعر، وذات التوجه، وهو أحمد بن سليمان، في نص آخر، لا يقل وحشية ورعبًا عن نص الرسي نفسه، يقول أحمد بن سليمان:
فمتى كسوت السَّيف من هام العدى
علقا كساني هيبة وجلالا
والسَّيف يُغني المفلسين ويشبع ال...
غرثى ويروي العاطشين زُلالا
والسَّيف ينفع في الصَّديق وفي الذي
عادى ويترك عزمه منهالا
والسَّيف يُسمع من به صمم إذا
حكمته ويعلم الجهالا
والسَّيف ينفي لي تحكُّمه الأذى
ولعزة ويُحصل الأموالا
والسَّيف يجمع لي إذا حكمته
قوما يفيد معونة ونوالا
فلأؤيمن نساء قوم منهم
ولأوتمن من العدا أطفالا
ولأطعمنَّ الطيرَ من أجسَادهم
ولأ كثرنَّ لجنْدي الأثقالا
انظر: سيرة الإمَام أحمد بن سليمان، سليمان بن يحي الثقفي، تحقيق: الدكتور عبدالغني محمد عبدالعاطي، عين للدراسات والبحوث الإنسانية، ط:1، 2002م، 84.
ويقول أيضا مفاخرا بالتنكيل باليمنيين:
وخرَّبت أسْواقا لهم وصِياصيًا
وأغنيت مِن أموالهم جُلَّ أعْواني
سيرة الإمَام أحمد بن سليمان، سابق، ص 100.
هذه الأبيات الشعرية التي تعكس روحًا إجرامية لم يقلها الشاعر/الإمام وهو على ثغور الروم أو مشارف بلاد الفرس يقاتل غير المسلمين، بل قالها وهو يقتل اليمنيين الموحدين في صعدة وصنعاء..!
ذات الفكرة نفسها انتقلت إلى السفاح عبدالله بن حمزة، وهو من كبار كرادلة النظرية الهادوية، وبنفس الشعور والعقدة النفسية الموبوءة بالاستعلاء والزهو، حين يقول ردا على الفقيه اليماني المجدد نشوان بن سعيد الحميري حين قرر أن الإمامة تصلح في أي إنسان انطبقت عليه شروط الإمامة/ الخلافة، قرشيًا كان أم غير قرشي، علويا أم غير علوي.
أمَّا الذي عند جدودي فيه
فيقطعون لسْنه من فيه
ويُيتّمون ضحــوة بنيــه
إذ صَار حق الغير يدعيْه
وحق الغير المقصود به هنا هو الإمامة التي يعتبرونها من حقوقهم الخاصة التي لا يصح أن ينازعَهم فيها أحد..!
ويقول ابن حمزة متوعدا المطرفية قبل إبادتهم:
لستُ ابن حمزة إن تركتُ جماعة
متجمعــين بقــاعة للمنكر
ولأتركنهم كمثل عجائز
يبكــين حــول جنــــازة لم تقبر
ولأروين البيض من أعناقهم
وسنابك الخيل الجياد الضُّمّر
انظر: السيرة الشريفة المنصورية، أبو فراس بن دعثم، 965/2.
كما هو ذات الشعور ــ أيضا ــ وذات النفسية والعقلية التي جعلت من عالم كبير وأديب معاصر متبحر، هو أحمد بن محمد الشامي أن ينحو ذات المنحى، فيعلن هو من جهته في ملحمته الشهيرة: "دامغة الدوامغ" ما أسماه في عنوان جانبي: "يمين الثأر" قائلا:
ستسلو، قلت: لا أسلو دياري
ستنسى، قلت: لن أنسى القطينـا
عدمتُ الدمع إن لم أنتزفه
دَمًــا بعد اللواتي والذينــــــا
وظلت تأكل الحسرات قلبي
إذا لم أرْع حقهم المصونــا
ولا أبقتْ لي الأيامُ خلاً
إذا سالمتُ خصمَهم الخؤونا
سأطلبُ ثأرهم حتى أراها
بلاقع أو نعود محكمينا
ونشفي غلة ونميت ضغنــًا
ونستقضي المغارم والديـونا
سيعلم كل ختالٍ أثيم
بأنـــــا رغم كل العالمينــا
سنجعل من حصونهم قبورًا
ونبني من قبورهم حُصونــا
هذا ما ظهر من العقل الواعي لوحده، فما بالك ما خفي من العقل الباطن "اللاشعور" عند هؤلاء القوم؟ "العقل الواعي هو المسؤول عن حياة الإنسان الشاعرة أو ما يمكن أن يُطلق عليه دائرة الشعور؛ أما العقل الباطن فيمثل حياة الإنسان اللاشاعرة أو ما يسمى وراء الشعور. ويرى البعض أن العقل الواعي يمثل حوالي 10% فقط من مجمل النشاط العقلي للإنسان؛ أما العقل الباطن فيستحوذ علي ال90% الباقي".
ووفقا لفرويد فإنّ العقلَ البشري يشبه الجليدَ العائم في المياه القطبيّة؛ حيث يختفي منه تحت سطح الماء تسعة أعشاره، ولا يظهر منه للعيان سوى عشر واحد، ومعنى هذا أن الأجزاء المختفية من العقل هي التي تقرر سلوك الإنسان؛ أما الجزء الظاهر من العقل فليس سوى برقع يحاول الإنسان أن يغطيَ به سلوكه الشاذ. انظر: انظر: الأحلام بين العلم والعقيدة، د. علي الوردي، دار كوفان للنشر، بيروت، لبنان، ط:2، 1994م، 113.
وهكذا ارتكب الأئمة جرائم تاريخية بحق الشعب اليمني منذ المؤسس الأول وحتى اليوم، لا تزال أفكارهم الشيطانية تنخر في ثقافة الشعب كسُوسٍ خبيث المنبت، فيما دسائسُهم وفتنُهم قد وصلت إلى قاع المجتمع. وهكذا تصنع الإمامة الهادوية عدوها بيدها من خارج كيانها، لتحافظ على تماسكها الداخلي، ولتوهم أتباعها أنها مستهدفة، لكونها حامية حمى الدين والقيم والفضائل..!
إن الأدبيات الهادوية المتوارثة، أو ما يسمى "علم آل البيت" ليس أكثر من تعبئة عسكرية حربية لكل فرد من هذه الجماعة، بمعنى أنّ كلَّ عنصر داخل أي جماعة هو رجلُ حرب بالطبع والتطبع، وبنزعة عدوانية، وهو على أهبة الاستعداد لتنفيذ كل ما يوكل إليه من مهام بلا نقاش أو اعتراض، وهو كذلك عنصرُ أمن داخل جماعته، يترقب الآخرين ويحلل سلوكهم وتصرفاتهم من منظور علاقته بكيانه السلالي العنصري فقط.
إن البنية النفسية للنظرية الإمامية الهادوية بنية فوضوية، تنزع للدم، وتميل للعنف، وتؤصل للفوضى منذ بذورها الأولى عمليا، ومن حروفها الأولى نظريا، متمثلة في "الخروج بالسيف" كشرط أساسي لديمومة الإمامة لا تصح إلا به؛ لهذا فهي نظرية عُنفية مع الآخر المخالف لها، وهي كذلك عُنفية مع نفسها من الداخل، ولا يستقر لها قرار.