يا شباب الثورة اعتبروا من
بقلم/ أ.د سيف العسلي
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 14 يوماً
السبت 11 يونيو-حزيران 2011 10:45 م

لقد كان اليمن في الماضي القديم يدعى سبأ. و قد سجل القران و التاريخ له وضعين مختلفين. الوضع الاول كان فيه هذا البلد و اهله يعيشون في كرامة و بحبوحة من العيش بلدة طيبة ورب كريم لانهم كانوا يديرون انفسهم وفقا لقواعد مؤسسية متفق عليها. اما الوضع الثاني فقد ظلموا انفسهم فتحولوا فعم الفقر المدقع كل البلاد و تقاتل اهله فصاروا احاديث بين الامم لانهم مزقوا انفسهم و بلدهم كل التمزق فكل فرد و منطقة و جماعة كانت لا تفكر الا بنفسها.

فقد وصف القران الوضع الاول على لسان الهدهد الذي قال لنبي الله سليمان احطت بما لم تحط به و جئتك من سبأ بنباء يقين. فعلى الرغم من ان امرة تملكهم فانهم قد اوتوا من كل شيء و لها عرش عظيم. ثم وصف الله ملكتهم بالحكمة و بلادهم بالاستقرار. و تظهر حكمتها من وصفها لكتاب النبي سليمان بانه كتاب كريم. و كذلك من خلال تطرحها موضوع الكتاب على ممثلي الشعب للنقاش و تحديد الموقف المناسب تجاهه.

 و تتضح الصفات القيادية لهذه الملكة و النضوج الذي كان يتمتع به شعبها من خلال تتبع تعامل كل منهما مع هذا الامر الجلل. فالملكة لم تكتفي فقط بطرح الموضوع على ممثلي الشعب بل انها قد شددت على طلبها لهم بان يأخذوه على محمل الجد و بالتالي عدم الاكتفاء بتايد وجهة نظرها يا ايها الملأ افتوني في امري ما كنت قاطعة امرا حتى تناقشوه من كل الجوانب.

 و فعلا ناقشوا هذا الموضوع و تمكنوا من الوصول الى موقف موحد هو عدم اظهار الضعف فالبلاد تتمتع بالقوة الكافية لردع العدوان. و فعلا فقد وافقت الملكة على هذا الراي و لكنها ابلغتهم ان لديها وسيلة افضل لتحقيق ذلك و هو فتح باب الحوار اولا للتعرف على حقيقة مطالب هذا الملك و اقنعتهم بذلك حيث قالت ان الملوك اذا دخلوا قرية عنوة دمروها و عاثوا فيها و جعلوا اهلها الاعزاء اذلة في بلادهم. و على هذا الاساس فانه قد يكون من الافضل تجنب الحرب اذا لم تكن ضرورية. و بعد ان سمع ممثلو الشعب ذلك وافقوا عليه و بالتالي فقد وقفوا ورائها صفا واحدا. و قد مكنها ذلك من ادارة الامور بشكل ناجح فقد تم تجنب الحرب و في نفس الوقت الحافظ على كرامة البلاد واستقلاله و تقدمه و تطوره. فظلت كما وصفها القران بلدة طيبة و رب غفور و ظلت كذلك و لفترة طويلة حتى بعد موت الملكة. ولذلك فقد خلد التاريخ الملكة و البلد و اهله الى الابد.

 اما الوضع الثاني فقد سطره القران كذلك في سورة سبأ. و يتلخص ذلك في ان اهل سبأ تغيروا فاعرضوا عن الحق. و قد تجلى ذلك في التساهل في الحكم مما ترتب عليه تسلل من لا يتوفر فيهم الشروط المطلوبة اليه. فحكموا الناس بالحديد و النار. و من اجل شراء سكوت المتنفذين عن تصرفاتهم فقد خصوهم بالأموال العامة و المشاريع التجارية المربحة. و قد ترتب على ذلك تدمير اسس حياتهم السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية السليمة.

فسيطر التسلط و الفساد السياسي على الحياة السياسية مما ادى الى تفشي الظلم و غياب العدل. و قد نتج عن ذلك سوء توزيع للثروة بهدف استمرار السيطرة السياسية. فالسلطة تهب للبعض المناصب السياسية و يكون ذلك سببا لتكوين الثروة. و قد تسابقت النخب في المجتمع على ذلك. فتم همال الزراعة لارتفاع نسبة الاتاوات عليها و لإهمال البنية التحتية الضرورية لتطورها. و نتيجة لذلك فقد تسبب سيل العرم في تدمير سدهم المهمل و اجتاح جنتيهم اللاتي كانتا غنيتين بالزروع و الفواكه و تحولتا الى اراضي تحتلهما الاعشاب الضارة و غير المفيدة.

 و في نفس الوقت فقد احتكرت النخبة الحاكم كل الانشطة المرتبطة بالتجارة. و في نفس الوقت فقد تم اهمال الموضوعات المرتبطة بأمن القوافل التجارية فاصبح كل متنفذ حر في فرض الرسوم التي يتقاضها و من يرفض ذلك فانه يتعرض للمصادرة و الحبس. و بعد ان كانت قوافل التجار تسير عبر قرى ظاهرة ليالي و اياما امنين اصبحوا يقطعون نفس المسافة في فترة طويلة و بدون امن. و بدلا من ان تكون محطات توقف القوافل محطات للتزود بالمواد الاساسية مثل الما و الغذاء اصبحت محطات للنهب و الاذلال فقال التجار ربنا باعد بين اسفارنا حتى لا نمر بهذه المناطق الخطرة. و فعلا ارغم التجار على تغير طرق سيرهم متفادين كل او معظم محطات التجارة السابقة. فظلموا انفسهم فافلسوا و ما تبقى من نشاط تجاري محدود احتكرته النخب المتنفذ. فسارع كل وكيل الى ان يستولي على وكالة غيره و كل صاحب سوق يعمل على اغلاق سوق اخيه و كل تاجر سلعة يحرص على افلاس التاجر الاخر. و عندما تحول هذا التكالب الى قتال فقد توقفت التجارة.

 و عندما لم يبقى ما يمكنهم من الحياة لم يكن امامهم اي خيار غير الخروج من قراهم لاجئين مشتتين في كل المناطق المجاورة لهم. و بعد ان كانوا سادة اصبحوا يتوسلون الى من يتفضل عليهم بفتات العيش. و من فظاعة ما ارتكبه هؤلاء من اخطاء تداول الناس ذلك فاطلقوا عليهم مثلا ظل سائدا الى يومنا هذا الا و هو " تفرقوا ايادي سبأ" اي انهم تفرقوا في الداخل فتفرقوا في الخارج. ان ذلك قد حدث لهم بسبب ظلمهم لأنفسهم. ان ما حدث لهم لم يكن بسبب اي كوارث طبيعية. و قد كان بإمكانهم تجنب ذلك. فقد صدق إبليس عليهم ظنه فاتبعوه و ما كان له عليهم من سلطان.

 ما اشبه الليلة بالبارحة. فها هو اليمن (سبأ) في الوقت الحاضر ينزلق الى الفقر و التقاتل و التمزق بسبب تصرفات نخبه السياسية و ليس بسبب اي كوارث طبيعية. و اذا لم يتم ايقاف ذلك فقد يكون مصير اليمن و لا سمح الله مصير سبأ الثاني.

 لكن ربما كان من حسن الحظ اليمن ان فجر شبابه ثورة مباركة. و حتى ينجح شاب الثورة في ايقاف الانزلاق الى ما يشبه الوضع الثاني لسبأ و ووضعه على طريق يوصله الى وضع مشابه للوضع الاول فان عليهم الاستفادة من عبر تاريخ سبأ. فالدرس الابرز و الاهم هو ان التقسيم العادل للسلطة و الثورة كان يقف وراء ازدهار سباء و ان الاخلال بذلك كان هو راء تدهورها.

 ما من شك بان الوضع الحالي في اليمن يشبه الوضع الثاني الى حد التطابق. فالمصلحة العامة لا يهتم بها احد و كل حزب او جهة او فرد لا يفكر الا بنفسه و لا يطالب الا لنفسه و قد بدد ذلك كل او معظم ما حصلت عليه البلاد من الايراد النفط و المساعدات و القروض الخارجية. و الان و بعد ان بدا نضوب هذه الموارد فما زال كل طرف يصر على الحصول على حصته و يطالب الاخرين بالتنازل عن حصصهم. و لذلك فانهم لن يقبلوا باي توزيع عادل للسلطة و الثروة. و بدلا من ذلك فانهم يحاولون الاستقواء بالشعب ضد بعضهم البعض من دون ان يكون له اي نصيب يذكر لا في السلطة و لا في الثورة لا في الحاضر و لا في المستقبل.

 الا ترون انهم يقتلون الناس و يهدمون منازلهم و يرعبونهم و يقطعون عنهم الكهرباء و المحروقات و الاحتياجات الاساسية. انهم فقط لا يهتمون و لا يحزنون الا لقتلاهم و لما يحدث من تدمير لبيوتهم و قصورهم. اما الشعب فلا يهمهم لا من قريب و لا من بعيد.

 يا شباب الثورة عليكم ان تجعلوا من اعادة توزيع السلطة و الثروة بين مختلف مناطق اليمن و بين كل فئاته و افراد بطريقة عادلة و مقبولة هدفكم الاستراتيجي. و يجب ان تكون الاهداف المرحلية مرتبطة بذلك. و في هذا الاطار فانه يجب عليكم ان لا تقبلوا اي وضع يتناقض مع هدفكم الاستراتيجي او يمكن ان يكون عقبة امامه سوء في الحال او في المستقبل.

 يجب ان يكون اسقاط النظام وسيلة لتحقيق ذلك لا وسيلة للمحافظة على التوزيع الحالي غير العادل و غير المقبول. و من اجل التأكيد على ذلك يجب ان تتفقوا في كل الميادين على وثيقة تحدد اهداف ثورتكم و التي يجب ان ترتكز على هذا الهدف الاستراتيجي بحيث يمكن الرجوع اليها للتخطيط و ادارة المرحلة الانتقالية. وكذلك يمكن الرجوع اليها عند الاختلاف. ان عمل كهذا سيعمل على منع اي محاولة للالتفاف علي الثورة من اي طرف كان.

 و كذلك يجب عليكم ان تنتخبوا قيادة موحدة للثورة. ان ذلك ضروري من اجل انجاز الاهداف المرحلية على الاقل. ان ذلك ضروري كذلك من اجل التواصل مع الاخرين سواء في الداخل او في الخارج. و من اجل ان ينسجم ذلك مع هدفكم الاستراتيجي فان هذه القيادة يجب ان تمثل كل محافظات الجمهورية بممثل على الاقل. و قد يكون من مهمة هذه اللجنة العمل على انجاز وثيقة واضحة يحدد فيها مطالبكم و يتم التواصل مع الاخرين في الداخل و الخارج وفقا لذلك.

 فاذا فشلتم في ذلك فانه من المؤكد انكم ستفشلون في التعامل مع مرحلة ما بعد سقوط النظام او سيتم سرقة ثورتكم لصالح قوى متنفذة. و في هذه الحالة فانه سوف لن يكون امام اليمن الا خيار واحد و هو الهروب الى المناطق المجاورة و ستتمزقون كل ممزق و في حال تحقق ذلك فانه سيتحقق فيكم المثل القديم اي تفرقوا ايادي سبأ. و بالتأكيد ستصبحون محل سخرية في العالم العربي و خصوصا عندما تنجح ثورات بلدانه و تفشل ثورتكم. ارجو من الله ان لا يتحقق ذلك.

 آلا هل بلغت اللهم فاشهد!