"القبــيلي" خـــطُ أحـمر !!
بقلم/ اسكندر شاهر
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و 5 أيام
الأحد 22 يوليو-تموز 2007 10:59 م

مأرب برس - خاص

قد يوحي العنوان بأنني ممن يربأون بأنفسهم عن القبيلة أو ممن لا يؤمنون بقيمتها وأهميتها أو ممن يتهكمون عليها أو أو..إلخ ..

والحال غير ذلك تماماً –فأنا منها وإليها ولن أتباهى بأكثر من ذلك- فالقبيلة بما هي مكون اجتماعي هي في أسمى معانيها تدل على الوجود الإنساني المؤتلف المترابط بأفضل الروابط ، وتستثير كثير من القيم الأصيلة التي باتت أشبه بحكايات العجائز ، كالكرم و النجدة والإيثار والشجاعة وغيرها ..

وبعيداً عن التنظير عن القبيلة الذي تعج به المصنفات والمؤلفات المختلفة التي تبدأ في الكتب الدراسية ولا تنتهي عند "الكتاب الأخضر" .

فإنني سأبدأ من طرفة ليست مضحكة ولا مبكية لا مفرحة ولا محزنة .. فقد روى أحد شيوخ القبائل اليمنية لجماعة كنت واحداً منهم ، قصة سفره الأول من اليمن إلى خارج الوطن عندما كان شاباً يافعاً ، وبعد أن وصف لنا –بروح مرحة- شكله آنذاك وطريقته لربط "القبع" وملبسه التقليدي الذي لم يكن بعد يعرف غيره ، روى لنا قصة وصوله إلى مطار البلد العربي الذي كان أول بلد يزوره ، فعندما سلم الشيخ اليافع جواز سفره الدبلوماسي –ولا غرابة فالشيخ عندنا أس الدبلوماسية وأساسها - سأله موظف المطار عن مهنته التي هي أصلاً مكتوبة في صفحة التعريف داخل الجواز إلى جانب الاسم وبقية البيانات الأخرى .

فأجاب الشيخ اليافع والدبلوماسي النافع المهنة ها ..يعني الوظيفة : "شيخ" ، فعبر موظف المطار للشيخ عن دهشته وبأنه رأى هذه الكلمة مكتوبة في الجواز أمام المهنة . ولكنه يتساءل ماذا يعني شيخ ؟! ، –فالشيوخ أنواع- وخاصة في بلدان الجزيرة العربية فقد يكون الشيخ رئس الدولة وقد يكون رئيس البرلمان وقد يكون وزير الأوقاف وقد يكون شيخ علم ودين ، وقد يكون "راسبوتين" وقد يكون غير ذلك.

ولكن "شيخنا" كان جاداً بما فيه الكفاية وقالها بملء الفم "شيخ قبيلة" ، ومضت الأمور على خير ، وبدأ الشيخ اليافع يسبر أغوار حياته الجديدة وعصره الفضي قبل أن يبلغ اليوبيل الذهبي -وقت روايته للقصة- .

ولبعض الإيضاح فإن لقب "شيخ" ليس بالضرورة لقب عملي ويتمتع بكافة الصلاحيات التي تلحق به ، فقد يكون لقباً فخرياً مثل لقب السفير الذي يلحق صاحبه حتى بعد انتهاء فترة عمله مع ملاحظة أن الشيخ عندنا هو أفضل من السفير فلا يُسحب جواز سفره من قبل الخارجية لأن القبيلة ستسحب الداخلية والخارجية ، وأما السفير فيسحبونه ويسحبون جوازه ولنا في الأستاذ الفاضل السياسي السفير والوزير السابق عبد الله سلام الحكيمي أسوة حسنة .

وهناك ميزة أخرى للشيخ فهو حتى لو كان لقبه فخرياً إلا أنه يحتفظ لنفسه ببعض الصلاحيات –مثل رئيس إسرائيل ورئيسة الهند- وبعض المشائخ ينسى نفسه ويريد ممارسة هذه الصلاحيات خارج الوطن فيصطدم بجدار الفصل العنصري .

- وإذا قلتُ بأن القبيلة ليست خطاً أحمراً فإنني أعني فيما أعنيه بأنها ليست إلا فضاء مفتوحاً ككل هذه الفضاءات المفتوحة التي ينبغي أن تنفتح على كل المتغيرات وأن تتفاعل مع هذا التدفق الكمي والكيفي الذي ينبعث من روح العصر ، وأن تفخر بتعاطيها معه أكثر من اعتزازها بعزلتها على ذاتها وعلى قديمها فليس كل قديم جيد كما أن ليس كل جديد رائع ، غير أن ماهو أجود من ذلك وأروع من ذلكم هو الانفتاح عليهما .

وعندما نراجع بعض الأعمال النقدية التي تناولت القبيلة نلاحظ أن معظمها كان محل استهجان واستنكار ، وكثيراً ما يخرج فرسان القبيلة المغاوير بسيوفهم وبنادقهم يقاتلوا والبعض بأقلامهم ليكتبوا ويرفضوا ويشجبوا وكأن المنتقد قد تناول مقدساً دينياً -في دولة دينية- ، أو قارب محظورا سياسياً –في دولة بوليسية- ، أو تعرض لرمز مذهبي لدولة طائفيةً .

- أتذكر أن الكاتب الكبير الأستاذ عبد الكريم الرازحي في أوائل التسعينات –بعد الوحدة وقبل الحرب- كتب عدة حلقات في صحيفة "الشورى" المصادرة تحت عنوان –قبيلي يبحث عن حزب- وكان العديد من القبائل الذين هجموا على صنعاء بعد الوحدة من عدة اتجاهات ليدخلوا معمعمة الحزبية التي راج سوقها آنذاك كانوا يتابعون حلقات الرازحي ليس رغبة في الإفادة مما يريد أن يوصله الرازحي إلى القبائل من صور نقدية قد تنعكس إيجاباً عليهم فتؤثر في محو السلبيات التي لا يخلو منها كل مجتمع سواء كان في القبيلة أم المدينة أم في الفضاء بقدر ما كانوا ينظرون بكثير من التوجس والريبة لصورة القبيلي الذي يمكن أن تمس هيبته "طرطعة" الرازحي له من شارع إلى شارع ومن مطعم إلى مقهي وهو في رحلة بحثه عن حزب .

وأتذكر أن الرازحي –في واحدة من حلقاته- زج بالقبيلي في حفرة "بالوعة" وقع بها وهو يتخبط في شوارع صنعاء .

وما كان من عدد من مغاوير القبيلة إلا أن رفعوا حالة الاستنفار إلى أعلى مستوياته وجاؤوا إلى مقر الصحيفة التي كنت آنذاك اعمل فيها باحثين عن الرازحي يتوعدونه الويل والثبور ويطالبون أن ينهض بالقبيلي وبأقصى سرعة يعني –في الحلقة القادمة- من تلك البالوعة ومن ثم يتوقف عن طرطعة القبيلي ويكف هذا "البرغلي" من إهانة القبائل .. "القبيلي" خط احمر !!

- وبما أن القبيلي لم يعد حكراً على قبيلته بحيث لم يعد يُتحف بوجهه البشوش شيخه ذا الوجه الأكثر بشاشة وامرأته وأولاده وجيرانه فقط ، بل أصبح من الرواد الكثر لمكاتب السياحة والسفر وفنادق الخمس نجوم في الداخل والخارج في بلدان عربية وأجنبية فإنه يتعين هنا أن يخط لحياته المزدوجة مساراً جديداً واضحاً وهو بين ثلاثة خيارات لا رابع لهما : فإما أن ينتقل ويتنقل ويسافر ويتجول براحته بلباسه التقليدي و"قُبعه" و"جنبيته" و"شيلانه" و"قاته" و"شمّته" وطقوسه الظريفة وغير الظريفة فيتقبل منا لقب سفير –مع مرتبة الخرَف- ويحمل معه تقرير طبي يثبت اختلاله العقلي ، ويتهيأ من غيرنا لكل إهانة وردت في قاموسه أو لم ترد ، وإما أن يمزج بين الأصالة والمعاصرة مع بهارات حداثية ، فيلتزم بما ينبغي أن يلتزم به بحسب الأولية والأهمية من التقليدي والأصيل ويستبدل غيرها بأحسن منها ، وبما يتناسب مع أبسط مقتضيات الواقع الجديد الذي دس فيه أرنبة أنفه .

وإما أن ينسى جذوره ويقطعها من الوتين ، ويتحول إلى "دونجوان" عصره وزمانه ، وفي هذه الحالة يتوجب أن ينسى تماماً تاريخه القديم وأصوله العتيدة وعاداته وتقاليده وبطولاته القبلية السابقة ولا يتغنى بها ، وخاصة إذا كان رمزاً قبلياً وليس قبيلياً عادياً .

ولا يدهشكم أن أحد (الأكاديميين) – وهو قبيلي محافظ جداً- أكثر من المحافظين الجدد يعيش في الخارج منذ الثمانينات ، وعندما أصدرت في 99م صحيفة ساخرة هزئت فيها من كل المظاهر القبلية والممارسات السيئة التي يمارسها اليمنيون الوافدون والطلاب ثارت ثورته ورفع حالة التأهب وسُمعت صفارات الإنذار في سماء "الفيحاء" ، وحُشدت الطاقات اليمنية القبلية وخاصة أنني بحسب حملة (القبيلي خط أحمر) قمتُ بفضح عيوب القبيلي في الخارج وعند الغرباء وهرّبت أوساخنا إلى خارج الحدود ، مع أن وجودهم أنفسهم خارج الحدود هو بحد ذاته أكبر عملية تهريب وغش وتزوير ، هكذا إلى أن أخذتُ لقب "خائن" بإجماع قبلي يعد الأول من نوعه لتجمع يمني في الخارج ، ومن يومها قطعت كافة العلاقات بيني وبين السفارة اليمنية وبيني وبين زعماء تلك الحملة ، التي لعبت وقتها دوراً فاعلاً في استقرار الأوضاع في المنطقة وإشاعة السلم الأهلي القبلي ، وحافظت على الوحدة اليمنية ومقدراتها المقدسة .

ويبقى السؤال المطروح ليس بقوة وإنما بكل ضعف ووهن .. إلى متى سيبقى "القبيلي خط أحمر" بذلك الفهم المغلوط الذي أشرت إلى بعض من وجوه حياته وانعكاساتها ؟! .

 واختم "بنصيحة" للمتظاهرين المتقاعدين الجنوبيين الذين رددوا شعارات خاصة في 7/7/ 2007 م في مدينة "عدن" الحالمة والذين يتوقع أن يكررونها بقوة ، اطلقوا شعاراتكم كما أردتم وكيفما طاب لكم وطيّب خاطركم ، إلا "القبيلي" فلا مساس به وإياكم والاقتراب من عتباته ، إنه رجل يبتلع الثورات والانقلابات والمظاهرات .. "القـبيلي" خـــطُ "أحـمر" !!

*باحث وكاتب صحافي يمني

eskandarsh@yahoo.com