السلفيون والإخوان وقصة حب مؤثرة
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 17 سنة و 3 أشهر و 24 يوماً
الإثنين 03 سبتمبر-أيلول 2007 02:31 م

مأرب برس - خاص

  يطرح البعض أن العلاقة بين هاتين الجماعتين الكبيرتين في العالم الإسلامي، السلفيون والإخوان، علاقة لا يمكن أن تتحسن، على الأقل في المستقبل القريب المنظور، حيث فيما يبدوا ويظهر أنه لا يمكن أن يلتقي الطرفان على شيء، وما بعضهم بتابع قبلة بعض، وأن هذا الصراع الفكري بينهما، هو صراع عقدي عميق، متعدد الجهات والأسباب، كما أن الدعوة إلى لقاء بين التيارين، مجرد مضيعة للوقت، وإهدار للجهود، لأن ثمة قناعة متداولة على كل الأوساط الإسلامية أن الجماعتين بينهما من أسباب التنافر والخلاف والنزاع والشقاق، ما لا يوصف، وهو ما لا يمكن معه القول بأن ثمة أملا في اللقاء، فضلا عن الوحدة بينهما، كما أن هذه الفرقة والشتات بين الجماعتين لن تنتهي إلا بآية من السماء، كظهور المهدي، أو نزول عيسى بن مريم! .

هذا الطرح مع كونه تشخيص للمشكلة، قد يقترب من الصواب من وجه أو أوجه، بيد أن قراءة عابرة تاريخية وواقعية لسير هاتين الجماعتين، تجعل المراقب الحصيف يعيد النظر، ويقلّب الفكر والرأي، المرة تلو المرة، ليخرج في نهاية المطاف بأنّ الأمر ليس على هذا النحو ولا على هذه الصورة، وأن هذه النظرة غير دقيقة ومتشائمة أكثر مما يجب، ولنحاول الغوص في تاريخ الجماعتين لنرى أن الصورة لم تكن على ما هي عليه الآن، وأن ثمة عوامل سياسية وتطورات فكرية، تدخلت وعكرت صفو العلاقة بين الجماعتين .

نشأة الاتجاه السلفي:

ينتمي السلفيون إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وُلد الشيخ "محمد بن عبد الوهاب بن داود" سنة (1115هـ = 1703م) في "العيينة" من بلاد "نجد"، ونشأ بها، وحفظ القرآن، وتلقى العلم عن أبيه، الذي تولى القضاء في بلدان العارض من أقاليم نجد، حيث نشأت دعوة محمد بن عبد الوهاب في أوساط القبائل النجدية والحجازية، واتسعت فيما بعد حتى عمت كثيراً من أرجاء الجزيرة العربية والخليج، ثم ما لبثت حتى دخلت كثيراً من أرجاء العالم الإسلامي، عبر وسائل عديدة كالطلاب المبتعثين، أو أعمال الدعوة والإغاثة، أو عبر نشر الكتب، لا سيما في أيام الحج والعمرة ، أو عبر الدعاة والمرشدين.

كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب يرى في أصل دعوته، أنّ سبب تخلف المسلمين وضعفهم يعود إلى ضعف عقيدتهم وتوحيدهم، فقامت دعوته على أساس التوحيد الخالص، ومحاربة البدع والخرافات والقبوريات، والتصوف الآثم، ومحاربة كل سبب يعكر صفو العقيدة الإسلامية الخالصة، واعتمدت "الوهابية" مذهب السلف الصالح، وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام بن تيمية، وابن القيم، وغيرهم من سلف الأمة، منهجاً في التغيير والعقيدة والسلوك والدعوة .

وتتلمذ التلاميذ على هذه الدعوة المباركة، المتبعة لمنهج السلف ديدنا ومنهجا للتغيير .

ومما تجدر الإشارة إليه أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كانت في أصلها دعوة سلفية جهادية رشيدة، شاملة، غير أنه نتيجة ظروف خاصة، لم تعد بهذا القدر من الشمول، وغلب عليها مؤخراً الاقتصار على محاربة البدع والشركيات، لأسباب علّنا نشير إليها في ختام هذا البحث .

نشأة الإخوان المسلمون:

وفي مصر الإخوان المسلمون، أسسها الإمام حسن البنا عام 1928 كدعوة إسلامية وهى كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة، وتنتشر هذه الجماعة الآن في 80 دولة تضم كل الدول العربية و دولا إسلامية وغير إسلامية في القارات الست .

وتقوم دعوة الإخوان على الإسلام بمفهومه الشامل، والذي أشار إليه الإمام البنا في رسائله، وبالأخص في أصوله العشرين، كما يعتقد الإخوان المسلمون أن سبب ضعف المسلمين، هو بسبب غياب الحكم الإسلامي الرشيد، فاختطت الجماعة لنفسها منهجاً للتغيير، يقوم على أساس الجهاد السياسي والكفاح التربوي والتوعوي والتنظيمي، وقد لقيت بسبب هذا التوجه السياسي كثيرا من الإيذاء والتعذيب والاضطهاد، منذ ذلك الحين، وإلى هذه اللحظة .

السلفيون والإخوان وأيام العسل

عاش الإخوان المسلمون والسلفيون، أياماً طوالاً من الحب والوئام والسلام، لا سيما في عهد الملك فيصل يرحمه الله، حيث فتح يرحمه الله بلاد الحرمين، للإخوان المسلمين، مدرسين ومعلمين، ومهندسين، وأطباء، وخبراء.. لمواجهة تيارات التغريب والعلمنة التي كانت تجتاح البلدان الإسلامية، آنذاك،لا سيما في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، فازدهرت العلاقة بين الإخوان والسلفيين في هذه الحقبة، إزدهاراً كبيراً ورائعاً، وصل ربما حد التعاون والتنسيق، رغم بعض التباينات الفكرية والخلافات الفروعية، التي لم تكن ترقى إلى حد الخلاف العقدي .

 إلى أن اعتلى الشيخ عبد العزيز بن باز- يرحمه الله- (1330 هـ - 1420هـ) في محرم عام 1414 هـ منصب المفتي العام للمملكة العربية السعودية، حيث كان يعتبر بن باز شيخ السلفية في العالم بلا منازع، وحظي الشيخ بن باز بحب الأمة بكل فئاتها وطوائفها، وكان له قبول كبير أيضاً على المستوى الرسمي السعودي، ومع أنه كان إمام السلفية في العالم كما ذكرت، بيد أن كبار طلابه والمقربين إليه كان بعضهم من الإخوان المسلمين، وكانوا يجلونه ويوقرونه، لعلمه، وقدرته على الاستيعاب، ولما كان يتحلى به رحمه الله من وسطية واعتدال، قلّ أن تجدها في غيره .

هؤلاء الطلبة الذين تتلمذوا على يد الشيخ بن باز، بعضهم الآن قيادات العمل الإخواني في فلسطين ومصر واليمن والخليج والشام ..الخ .

كان مجلس الشيخ بن باز مجلساً للجميع، سلفيون وإخوان وجهاد، وتبليغ، ومما عزز من العلاقات الحميمة بين الإخوان والسلفيين في هذه المرحلة، الجهاد الأفغاني، حيث التقى الإخوان والسلفيون في أرض أفغانستان، وقدّم الجميع المهج والأرواح والدماء الزكية الطاهرة على أرض أفغانستان، إلى أن تحررت أفغانستان من الشيوعية الحمراء، ثم التقى الطرفان بعد ذلك على ساحات الجهاد في البوسنة والهرسك، والشيشان، والصومال، ولم يكن أحد من الطرفين يكفر أحداً أو ينال من دينه.

ومما أذكر أن الشيخ محمد يوسف حربة يرحمه الله المعروف بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، كان يزور صديقه الشيخ محمد بن عبد الوهاب الوصابي السلفي في مسجده، ويلقي فيه الدروس والمواعظ والمحاضرات، بلا إشكال، ولم تكن هذه هي الصورة الوحيدة، بل هناك صورا كثيرة جداً، تعكس طبيعة العلاقات الودية آنذاك بين الإخوان والسلفيين .

 بالطبع كما ذكرت كان الخلاف موجوداً، وتلك هي سنة الله، إلا أنه لم يكن في هذه المرحلة في الأعم الأغلب يرقى إلى القول بالخلاف العقدي.

 المهم كان الشيخان بن باز وبن عثيمين، عمدة الفتيا، ومهبط طلاب العلم، الذين يتوافدون إلى بلاد الحرمين من أنحاء العالم المختلفة، لا يفتون بتكفير أحد من المسلمين، ويلقنون تلاميذهم أن من دخل الإسلام بإجماع المسلمين لا يخرج منه إلا بإجماع المسلمين، أو نحوا من هذا، الأمر الذي قضى على أسباب التكفير والتفجير إلى حد كبير .

بداية التحول

 إلى أن جاءت فتنة حرب الخليج الثانية، ثم وفاة الشيخين بن باز وبن عثيمين يرحمهما الله، فكان هذان الحدثان الكبيران هما المرحلة التالية والهامة في علاقة الإخوان والسلفيين، حيث تحولت بعد ذلك العلاقات تحولا كبيراً جداً، ولم تعد على نحو ما سبق .

تباينت جداً وجهات النظر والاجتهاد بين علماء الأمة، إبان أحداث حرب الخليج الثانية، ووقع هرج ومرج كبير، واختلفت التيارات الإسلامية فيما بينها، حتى ذات التوجه الواحد، في كل أرجاء العالم الإسلامي، وبدأ الخلاف يظهر بين الإخوان والسلفيين بشكل أوضح وأكبر، بيد أنه في تلك المرحلة، كان لوجود المشايخ ابن باز والعثيمين، الأثر في فك التنازع الفكري الذي كان يحصل بين الطرفين، كون هذين الرجلين هما محل تسليم وحب وتقدير كل الأطراف على حد سواء.

بيد أن الخرق اتسع على الراقع بعد وفاة الشيخين، وغابت بغيابهما المرجعية الكبرى في الفتيا والفقه، وانقطعت بوفاتهما كثير من العلائق السياسية والفكرية، ولم يجد الزمان بمثل الشيخين، اللذان يحظيان بحب واجتماع الجماهير والجماعات الإسلامية، ولهم القبول أو الحظوة في الاتجاه الرسمي، فقد يقع أحد الأمرين دون الآخر، فكبر الخلاف والنزاع، بين الإخوان والسلفيين، وامتد هذا الخلاف إلى كل أرجاء العالم الإسلامي، في مطلع التسعينيات، وأضحى إخوة الأمس أعداء اليوم .

زاد من عمق الخلاف واتساعه التدخل الأمني من بعض وزارات الداخليات بشكل أو بآخر، من بعض الحكومات الإقليمية، التي لم يسرّها الوضع أو الزخم الإسلامي المزدهر، الذي ربما قد يهدد مصالحها، واستراتيجياتها، أو لها مصالح انتخابية أو سياسية من زرع الخلاف بين الطوائف الإسلامية، لغرض تفتيتها، والقضاء عليها، نتج عن هذه الممارسات الحكومية، بعض الاجتهادات الإسلامية الغريبة والشاذة، المخالفة لصريح الكتاب والسنة، في جملة من القضايا السياسية والفكرية، مما عزز من حدة الصراع والخلاف .

تجدر الإشارة هنا إلى أن الأصول السلفية استقبلت بعض المستجدات بنظرة شرعية واعية، (كالانتخابات مثلاً) وهو ما لم تستطع التيارات السلفية المقلدة أو العتيقة فهمهما واستيعابها، الأمر الذي أدى إلى تصدعات وتشققات وتشظيات سلفية كبرى، على مستوى الجزيرة والخليج وغيرها.

 كما أن الإخوان من جهتهم وقفوا إزاء المشروع الأميركي بشتى تشكلاته الفكرية والسياسية والثقافية في بعض الجوانب موقف الولهان أو المضطرب، في بعض القضايا المتعلقة بالحريات والديمقراطية وقضايا المرأة، فحيناً يلوذون بمذهب أبي حنيفة، وحينا يلوذون بمذهب مالك والأوزاعي، وحيناً لا يجدون مالكاً ولا الشافعي ولا حتى أبي حنيفة، ولا يجدون إلا مذهب بوش قولا واحدا في المسألة، فيلجئون إلى فقه المصالح والمفاسد، وفق الأصول الشرعية والموازنة بينهما، وحينا يصيبون، وحيناً لا يفوتهم أجر الخطأ بإذن الله .

إزاء هذه الأحداث والاجتهادات الفكرية بين أحبابنا السلفيين وأحبابنا الإخوان المسلمين الذي ندين الله بحبهم جميعاً، أرى ما يأتي:

1) تعزيز الوعي السياسي لدى الإخوة السلفيين، فلعلهم من هذا الباب أتوا، حيث تتلاعب بهم بعض الأجهزة الأمنية، في تقديري، وليس أدل على هذا من موقفهم من حرب الوحدة اليمنية، فما كان هذا ليحدث لو أن ثمة وعياً سياسياً يتحلى به التيار السلفي في اليمن .

2) على الإخوان المسلمين الوعي التام بأن المسلمين جميعا هم جمهورهم، وفي مقدمتهم الجماعات الإسلامية، فعليهم الحرص التام على وحدة الأمة وانتظامها في صف الدفاع عن الإسلام، وعليهم ألا يقطعوا صلتهم بذوي القربى من إخوانهم من باقي التيارات الإسلامية، قاطبة، فالصلة عبادة يتقرب بها إلى الله، علينا جميعا أن نحييها، وليس شرطا أن تثمر الزيارة شيئا، بل يكفي مجرد الزيارة والتزاور في الله، ولو لم تلق ترحيباً كافياً .

3) على التيارات الوسطية من الإخوان والسلفيين، التعاون فيما يمكن فيه التعاون، لا سيما في القضايا الكبرى ذات الشأن العام، علماً أن البعض يشكوا كثيراً ويقول إننا نجد تفهما من بعض العلمانيين أكثر من إخواننا الدعاة من باقي الجماعات الإسلامية، في بعض القضايا كفلسطين، وهذا من المفارقات العجيبة والمحزنة والمخزية .

4) علينا ألا نقطع الأمل في الله سبحانه، وفي أمتنا وفي أخوتنا، وأن هذه التصدعات هي مقدمة بإذن الله ليوم الاجتماع والوحدة الشاملة بين الدعاة والمصلحين، والأمة من ورائهم، كما أنّ على العقلاء والحكماء أن يضعوا نصب أعينهم أن وحدة الأمة بكل طوائفها واتجاهاتها فريضة شرعية، لا محيص عنها، ولا يجوز التنازل عنها .

والله تعالى من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

Moafa12@hotmail.com