التسلح بالإعلام والسينما!
بقلم/ سارة الراجحي
نشر منذ: 18 سنة و أسبوعين
الثلاثاء 12 ديسمبر-كانون الأول 2006 11:22 ص

حينما نتساءل: كيف لقلة من اليهود التغلغل والسيطرة على العالم خاصة أمريكا..؟ سنجد أن الكاتب والصحفي الإسرائيلي (إسرائيل آدم شامير) قد أجابنا في كتابه (الجنة.. دراسة في الكابالا) بقوله: "ليس لليهود عباقرة يتميزون بشيء لا يوجد عند الآخرين حتى تمكنوا من توجيه الفكر الغربي، بل هم قوم عاديون، نجحوا في جعل برنامج عملهم برنامجاً عالمياً يتبناه الأوروبيون والأمريكيون..".

ثم يقدم نماذج لذلك النجاح، ومن ذلك أنه في الحرب العالمية الثانية أُلقيت قنبلة نووية على اليابان فمسحت من الخريطة مدينتين كبيرتين هما هيروشيما وناجازاكي، وتعرض اليهود في ذات الوقت لمحرقة على يد الزعيم الألماني النازي هتلر، غير أن الإعلام ركز أكثر على اليهود، ولم يركز على اليابانيين الغابرين في لمح البصر .. وهذا ملموس بالفعل، فلقد اشتهر فيلم (هيروشيما هي حبي)، غير أنه لا يوازي شهرة فلم مثل (لائحة شنايدلر) الذي طمره و غيره، و حصد العديد من جوائز الأوسكار..

وذلك وغيره لأن اليهود سيطروا على وسائل الإعلام والسينما، فتمكنوا من تحويل الناس إلى بهائم مدجّنة على حد تعبير الكاتب شامير..!

والمتتبع لتاريخ اليهود يجد أنهم لم يكونوا سوى قلة محتقرة حينما حذر الرئيس الأمريكي (فرانكلين) منهم في أحد خطاباته: "أينما حل اليهود هبط المستوى الأخلاقي والشرف التجاري. فقد ظلوا دائماً في عزلة، لا يندمجون في أية أمة، يدفعهم الشعور بالاضطهاد إلى خنق الأمم اقتصادياً، كما حدث في أسبانيا والبرتغال. فإذا لم تُقصِهم الولايات المتحدة عن دستورها، فسنراهم في أقل من مائة عام يقتحمون هذه البلاد لكي يسيطروا عليها، ويدمروها، ويغيروا نظام الحكم الذي سالت من أجله دماؤنا ..."

وقد حدث ..!

كانوا يرفلون في التخلف والمهانة، لكنهم بسبب أنشطتهم في"الجيتو"، وفي المسرح "اليديشي" أقبلوا على العمل في مجالات الاستعراض و التمثيل، وبالتالي استقطاب الجمهور من العامة، وشيئاً فشيئاً ظهرت الشركات المتخصصة في هذا المجال، والتي لا تزال إلى الآن تحت سيطرتهم وأبرزها: "فوكس للقرن العشرين- يونيفرسال- جولدن- وارنر- بارامونت- كولومبيا..." وغيرها.. والتي استطاعت على مر العقود الدفاع عن قضايا الصهيونية على الرغم من عدم عدالتها ونزاهتها وتقديمها كقضايا إنسانية تستدر تعاطف المتلقي، إضافة إلى نشر الروح القومية بين يهود العالم، مع تبرعاتها السخية، لتي حصدتها من جيوب المشاهدين بمن فيهم العرب والمسلمون، عبر مراحل تراعي السير وفق الخط التاريخي و السياسي، وبالتالي المساهمة في صنع الأحداث.. فمثلاً اعتمدت في البدء على قصص التوراة لترسخ فكرة أرض الميعاد، وبعد وعد بلفور صارت قضيتها التهجير إلى هذه الأرض.. وبعد حرب 48 أخذت السينما تبث فكرة ضرورة الاقتناع بإسرائيل ونسيان فلسطين.. وتوالت الأفلام التي تحمل فكرة حق اليهودي في استعادة ما سُلب منه، إضافة إلى أفلام (الأوشنينز) و (الهولوكوست) والتي قُدّمت في قالب إنساني.. مع بث فكرة عن اليهود توهم أنهم أكثر الأشخاص ذكاء وعلماً وإنجازاً وإنسانية بعكس العرب الذين يمتلكون الأموال و لا يعرفون كيف ينفقونها إلاّ في الملذات و الإرهاب.. مما جعلهم يكسبون تعاطف الكثير معهم والدفاع عنهم، وتقبل وجودهم وأحقيتهم في فلسطين، وأن ما يجري هناك من اجتياحات حق شرعي في مكافحة إرهاب حجارة الأطفال العرب..!

هذا التغلغل اليهودي عدّه نعوم تشومسكي وإدوارد هيرمان في كتابهما "صناعة الإجماع" أول كابح للإعلام الأمريكي: "فالإعلام الأمريكي ملك لحفنة قليلة من رجال الإعلام الأثرياء والشركات العملاقة، ومهما تكن الحرية التي ينعم بها قانونياً فهو لا يستطيع أن يبث ما يؤثر سلباً على مصالح مالكيه".. فالسكوت عن نقد إسرائيل مسوّغ بملكية اليهود لأهم وسائل الإعلام، مع حاجتهم إلى الدعاية، والخوف من اتهام معاداة السامية الذي تُسنّ لأجله قوانين صارمة، وغير ذلك..

إن التفوق في المعلومات لم يعد مهماً بقدر أهمية السيطرة على المعلومات والتحكم في تقديمها للآخرين وفق المصالح والأيدلوجيا الخاصة بالمـُرسِل.. وهذا ما يحدث الآن في عصر الإعلام والعولمة، واللذين كانا غرماً علينا، غنيمة لغيرنا في الغالب.. فهم قد سيطروا على الإعلام بنوعيه المباشر وغير المباشر.. المباشر الذي يصوغ الخبر ويقدمه لك مباشرة أياً كانت صورته، عبر قنوات الأخبار العالمية مثلاً - وهذه القنوات الآن غالباً إما أن تكون تحت سيطرة اليهود مباشرة، أو تكون تحت سيطرتهم بطريقة غير مباشرة - و الإعلام غير المباشر الذي يخفى علينا كثيراً كونه إعلاماً؛ لأنه يبدو كبرامج عادية حيادية لا تهدف لشيء.. إنما هي في حقيقتها ضمن خطة متكاملة تهدف إلى إيجاد حالة لا انتماء وبلادة و ضعف المخزون المعرفي، وبالتالي التهيئة لتمرير الأفكار.. وهاهو إعلامهم يتدفق علينا بإذهال وتنوع سواء في التقارير الإخبارية أو البرامج الوثائقية والحوارية، أو الصحف والمجلات، أو الأفلام، وغيرها..

لقد تأخرنا في امتلاك هذه الأدوات، وحينما توفر شيء منها، فغالباً ما سخرها أصحابها النفعيون لنخر مجتمعاتنا بالتافه والساقط والهادم، ولكم أن تقارنوا بين أشهر برامج تلفزيون الواقع لدينا في العالم العربي ومدى ما بثه من إسفاف وإلهاء وميوعة، وبين أحد برامج الواقع الإسرائيلية الذي هدف إلى تلميع صورة الكيان الإسرائيلي عبر اختيار عدد من الشباب والفتيات والمنافسة بينهم لاكتساب مهارات ذلك، من خلال مناقشة قضاياهم حول العالم، ومن ثم ترشيح السفير الذي يجيد إيصال صورة جيدة لبلده وحشد التأييد لها..! ولكم أيضاً أن تقارنوا بين الأفلام التي سُخرت لخدمة الكيان الصهيوني، وبين الأفلام العربية التي تفننت في خدش مجتمعاتنا وقيمنا، ولم تقدم شيئاً إيجابياً يُذكر، فضلاً عن إمكانية الاتكاء عليها في حمل همومنا و قضايانا..!

الإعلام أصبح أقوى من الجيوش، و تلك الشاشة الفاتنة، لها تأثيرها و وزنها، و بإمكانها أن تمحو أو تشوه خلال ساعة ما استغرق البيت والمعلم بناءه خلال أشهر؛ فهي ليست مجرد أداة ترفيه بل أداة توجيه وبث فكري وعقدي سواء كان ذلك ظاهراً أو مستتراً .. فلماذا نعجز عن استغلالها كما فعل اليهود..؟ ولماذا نبتعد بحجة تردي الأمر الواقع، و نستسلم له و ننوح عليه بدلاً من التصارع مع الباطل، وتقديم البديل وإصلاح الواقع..؟! لماذا لا تمتد أيادي حملة هم الأمة إليها بدلاً من الاكتفاء بالوسائل التقليدية التي لا تستطيع مجاراة (رتم) هذا العصر..؟! لماذا لا نمزج بين الفنان المتدين في فنه و رجل الدعوة المتفنن في دعوته..؟

إن اختزال و تصنيف هذه القضية في خانة التحريم ببساطة جعلنا نفقد الكثير، خاصة وأن جزءاً كبيراً من الواقع يعيش خارج نطاق هذا الإفتاء.. وحينما نتجاوز حدود النقاش في حكمها إلى حدود المطالبة باستغلالها لصالحنا لا يعني هذا أننا نخرج عن ثوابت الدين، ما دمنا نؤكد على مسألة الضوابط العقدية والأخلاقية، وعدم إطلاق يد من يقوم عليها كيفما اتفق.. وبالتالي تحويلها من غرم علينا إلى غنم لنا ..

لذلك أعود وأقول بأننا نعيش فقراً فنياً حقيقياً في الإنتاج كماً ونوعاً، على الرغم من توفر روافد هذا الإنتاج، وهي القضايا الإنسانية العادلة، والقيم الرفيعة السامية، والإرث الثقافي والحضاري.. والذي يحتاج إلى من يصوغه ويقدمه باحتراف، عبر استثارة وجدانية كمنفذ ضوء على الحقيقة المتوارية أو التي تحتاج إلى تعزيز، دلاً من الاتكاء على البرامج الحوارية والإلقائية المباشرة،خاصة وأن الكثير منها يعاني من الضعف والخفوت إما مضموناً أو أسلوباً.. أما القدرة على استثارة وجدان الآخرين وتقديم التجارب الإنسانية فإنه يفتح أقصى تخوم النفس، و يستنطق الحقائق التجريدية والرموز، ويسكب حولها الدلائل، أي أنه يحدث تفاعلاً عميقاً بين الوجدان وبين الرؤية العقلية، وبالتالي تحدث رؤية مغايرة للصورة السابقة حتى التي قد تكون نمطية راسخة من الصعب إعادة تشكيلها، و من ثم يتغير التقدير و التعامل مستقبلاً..

إن علينا اجتراح آليات تستمد وقودها من نسقنا العقدي و الاجتماعي والثقافي الذي يفرز قضايا تحتاج إلى نوع من التواؤم ومحايثة المتغير .. خاصة وأن لدينا معيناً لا ينضب من هذه القضايا والتجارب الإنسانية، التي من الممكن استغلالها لضخ الحقائق، كما فعل المخرج العقاد - رحمه الله - في فلم "عمر المختار".. حينما حرّر هذه الشخصية الرائعة و "الكاريزمية" من إسار جمود التاريخ و تصوره المجرد عند كثير من الأجيال إلى شخصية مُجسدة مفعمة بالجهاد و التفاصيل الإنسانية والعميقة لا يفتر لمعانها..

لدينا رسالة عظيمة تحتاج البلاغ .. لدينا فلسطين، والشيشان، والعراق، والنيجر.. لدينا صلاح الدين، وابن تاشفين، والدرة، وإيمان حجو.. لدينا جدار العزل والاستعمار والاحتلال، لدينا الأقليات والأسرى، لدينا الفقر والأمية والبطالة ونهب الثروات والتغريب.. لدينا عمق التاريخ و أصالة التراث، لدينا العبق المشبع بالقيم والجمال.. لدينا الكثير الكثير.. في حين يعاني الغرب واليهود من قلة تلك الروافد، ومع ذلك يستمر إنتاجهم ولو بأفلام الرعب والخيال العلمي و"الأكشن".. ونحن نتفرج بعناية..!

إننا بحاجة إلى إعلام و فن يعكس التصور الإسلامي، و سينما جادة ومؤثرة توظف لصالح قضايانا ومصالحنا المشتركة وتحدّ من تأثير الفن و السينما الغربية التي تنخر في جسدنا منذ أمد.. بحاجة إلى جيل من الكتاب والمخرجين الذين يقدمون القضايا من منطلق إسلامي صحيح و وفق الضوابط، ولديهم القدرة على المزج بين الرقي القيمي والإبداع الفني، عبر لغة تأثيرية، تستنفر حواس المتلقي و تؤثر على سلوكه و آرائه و مواقفه ، فلا يمكنه العودة كما كان، فثمة لغة حرّضت مشاعره وفكره وتساؤله..

و في هذا العصر الذي تنبض عروقه بالصور واللغة التأثيرية بكثافة، علينا مداهمة التواءاتها - العصيّة والطيّعة في آن - عبر العمل الدائب والجاد وذي البصيرة لملء أوعيتها بما يخدم الإسلام، و يحقق أهدافه ومقاصده، و يخدم المسلمين ويساهم في إعداد أجيال لها هوية كاملة ومتوازنة، و يحقق الانتماء إلى أمتنا و وشد الوشائج فيها و نبذ الفرقة، و يشكل رأي عام فاضل ومنضبط، و يعزز الفضائل ويمجدها، ويجسم الأخطاء ويُجنـّبها، مع احترام مستوى المتلقي وذائقته..

والفن مهما كان جامحاً وهلامياً ومدفوعاً بالشغف إلى الخروج عن المألوف لإحداث الجذب، إلاّ أنه من الممكن استدراجه وتطويعه عبر استجلاب المفاهيم و القيم الضالعة في السمو لتندغم فيه وتنصهر معه، فيحدث- ولو جزئياً - تحقق المقاصد وبلوغ المرامي وإحداث التوازن بين ثنائية الثوابت والمتغيرات التي نعيش في كنفها.. لذلك نهيب بالمؤسسات والمنظمات والقنوات الإسلامية تبني هكذا مشاريع عبر التخطيط والتأليف والاستعانة بالخبرات و الإشراف والتمويل والحوافز، وسيأتي الجني و الأرباح - بأنواعها - تبعاً بمشيئة الله. 

عن ألأسلام اليوم