لله دركم يا أهل اليمن !!
بقلم/ الخضر بن عبد الملك الشيباني
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 9 أيام
الخميس 05 إبريل-نيسان 2012 04:51 م

من ساحات حلف الفضول

إلى مشاهد الفقه والحكمة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله المبعوث رحمة للعالمين ، وحجة على الناس أجمعين ، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد :

ظل اليمنيون لعقود يبحثون عن مشاهد حقيقية يتجلى فيها الإيمان والفقه اليماني والحكمة اليمانية التي وصفهم بها نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم : «أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدةً وألين قلوباً»(1).

وقوله صلى الله عليه وسلم: «إني لبقعر حوضي يوم القيامة أذود الناس لأهل اليمن» (2).

وبعد عقود ، بل ربما قرون من التاريخ اليمني المليء بالصراعات القبلية والفكرية ، كدنا – نحن الشباب من الأجيال الأخيرة – نصاب بالحيرة والذهول نتيجة ما نشاهده في بلادنا من التفنن في صناعة (التخلف) بجميع أشكاله وصوره.

فبينما يحارب العالم الغش بجميع صوره وأشكاله ، إذا بنا ندرّسه في مدارسنا منذ المرحلة الابتدائية ، ونختم به حياة الطلاب في المراحل الجامعية ، بل تجاوز الأمر ليخترق شهادات الدراسات العليا (الماجستير ، والدكتوراه) ، ومن المضحك المبكي أن يوجد الغشاشون في مراحل التمهيدي والروضة.

وبينما يحارب العالم أمية الحاسوب ، إذا بنا نصارع من أجل حق الطفل اليمني في التعليم الأساسي .

وبينما يسعى العالم لإنارة ناطحات السحاب ، والجسور المعلّقة فوق البحار وشبكات الكهرباء الممتدة عبر الدول حتى العربية منها ، لا يزال شعبنا الصابر يبحث عن الاكتفاء الذاتي من الشموع ، وتقديم جوائز الابتكار لوسائل الإنارة للشعوب المصدرة كالصين والهند وسواهما.

وبينما يبشر النظام الصحي في العالم بطبيب لكل أسرة ، أو على الأقل لكل مائة ، أو لكل ألف ، أو خمسة آلاف.. إذا بنا نبحث عن جُرع ومضادات للأمراض الفتاكة التي تم الانتهاء من مكافحتها - بإذن الله - في الدول المجاورة ، وفي أغلب دول العالم منذ عشرات السنين.

وبينما يتحدث الناس في العالم عن أنظمة الجودة وتحسين الخدمات ، إذا بنا نطالب بالحد الأدنى من الخدمات والبنى التحتية التي تقوم عليها الدولة الحقيقية.

لا شك أن النظام السابق قد قدم استقراراً للبلاد بشكل ما خلال 33 عاماً ، كما قدم عدداً من الإنجازات الكبرى التي لا يمكن إنكارها ، وعلى رأسها الوحدة اليمنية المباركة ، والتي لم يكن ليحققها لولا وجود الشركاء الصادقين والمخلصين ، لكنه فشل في تقديم أكثر من ذلك ، لأنه لم يوجد القنوات الصحيحة والأدوات السليمة لصناعة القرار ؛ وبالتالي ظل يستخدم القوة والعنجهية والاستبداد الفردي والحزبي (والشطارة)، والعنصرية في إدارة ثروات البلاد وموارد الدخل الحكومي ، وهذا ما أدى بالناس – وخاصة الشباب – إلى انتفاضتهم المشهودة وثورتهم المباركة بإذن الله.

إننا لسنا مسرورين أبداً بما حصل في البلاد من محنة وفتنة، ذهب ضحيتها عشرات القتلى من الشباب - نحسبهم من الشهداء والله حسيبهم - ونتج عنها عشرات بل آلاف المعاقين والمصابين ، وانقسم الجيش إلى معسكرين أو ثلاثة ، ودخلت المعاناة الاقتصادية والاجتماعية مرحلة من الخطورة لم يسبق لها مثيل ،لكننا نكرر قول الله عز وجل : (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)(3).

لكننا نقول أيضا: لقد جاءت الحكمة وظهر الفقه اليماني في خاتمة المطاف.

ومهما قيل عن المبادرة الخليجية ونسخها المعدّلة ، وحكومة الوفاق الوطني وتشكيلها ، ومهما قيل عن تدخل الأشقاء الخليجيين وعن الوصاية الأجنبية وعن الرئيس الجديد عبد ربه منصور ؛ فإنني أقول بكل فخر واعتزاز:

لله درُّكم أيها اليمنيون الأحرار، انتفضتم للبحث عن الحرية والعدل ، وقدمتم دماءكم رخيصة لنصرة الحق والمستضعفين في بلادكم ، فكان الله معكم مثبتاً ومسدداً وموفقا.

وها أنتم بدأتم تجنون الثمار ولم تحتاجوا إلى ما احتاج إليه إخوانكم في بقية بلدان الربيع العربي ، بل قدمتم نموذجاً أصبح مضرب المثل في حل الخلافات .. فلله درّكم يا أهل الإيمان والفقه والحكمة.

وإن قال قائل : أين الفقه والحكمة؟!

أقول : لقد ظهرت الحكمة والفقه اليماني في العام المنصرم في مواقف كثيرة ، منها على سبيل المثال وليس الحصر، المشاهد التالية:

- مشهد ساحات التغيير ، التي أحب أن أسميها ساحات (حلف الفضول)، الذي كان في الجاهلية ، والذي قال عنه صلى الله عليه وسلم : «شهدت في دار عبد الله بن جذعان حلفاً لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت». لقد ضمّت ساحات التغيير كل الأعمار رجالاً ونساء ومن كل الأطياف والمشارب والاتجاهات، ومثّلت لوحة شعبية مهيبة لم يسبق لأهل اليمن أن قدّموها بمثل هذا الالتفاف على قضية سامية ومبدأ رفيع .. فلله درّكم يا أهل اليمن.

- مشهد ما بعد (جمعة الكرامة) 18 مارس 2011م ، والتي أثبت فيها عقلاء اليمن أنهم ما زالوا يحسّون وأن ضمائرهم حيَّة ، وما تصرّفُ شركاء النظام السابق ، وكذا المنسحبين والمستقيلين من السلطة والحزب الحاكم إلا شواهد حية على ذلك .. فلله دّركم يا أهل اليمن.

- مشهد علماء اليمن ومشايخ القبائل الأحرار ، الذين بذلوا الجهد والوقت للنصيحة وتقديم المقترحات والحلول، واستمروا على ذلك طوال المراحل التي سبقت الثورة وأثناءها وبعدها، ولمّا تعرّضوا لألاعيب المكر والدمار ومحاولة الاحتواء لم يكن لهم بُدّ من إصدار موقفهم بكل شجاعة .. فلله درّكم يا أهل اليمن.

- مشهد حرائر اليمن ، اللاتي أعجزن كتّاب الأخبار ومراسلي القنوات ومبدعي الملاحم والروايات، بما قدّمنه من بطولات وكان يُظن أن بقاءهن في البيوت لتربية الأجيال ورعاية الأسر قد قتل فيهن روح التضحية والفداء - كما يروّج الحاسدون – فإذا بهن يسطرن أروع المشاهد في كل ساحة وفي كل جمعة وفي كل قرية وفي كل حي .. فلله درّكم يا أهل اليمن.

- مشهد الانتخابات الرئاسية المبكرة ، واجتماع غالبية الشعب عليها ، فلم يخرج أغلب الناس – فيما أظن – حباً في الرئيس الجديد ، أو في شريك الرئيس السابق ، أو بحثاً عن مجرد مخرج.. لقد خرج أغلب اليمنيين متحاملين على أنفسهم ومعاناتهم ، ليقولوا : نحن نبحث عن العدل والحرية ، ونبحث عن الحكمة والفقه اليماني ، ونبحث عن وحدة الصف وجمع الكلمة ، ولو كان هذا على حساب مصالحنا الشخصية وأهوائنا الحزبية والاجتماعية ، وهذا- والله – مصدر الفخر ..فلله درّكم يا أهل اليمن.

- وبعد هذه المشاهد الرائعة ، ألا يحق لنا أن نقول : إن الحكمة اليمانية قد حضرت ، وإن الفقه اليماني قد كشف عن معادن القلوب في هذا الشعب الأبي الصابر؟

ثم تأتي الأسئلة تباعاً :

هل انتهت المحنة والمعاناة؟

هل انتهت مسوّغات الانتفاضة والثورة ؟

هل الوضع القادم سيكون أفضل من الماضي؟

إن هذه التساؤلات ، من الصعب الإجابة عنها في هذه العجالة ، لكننا نؤكد هنا على بعض المسارات التي ينبغي أن تحدد مجالات الحركة والعمل في المرحلة القادمة ، والتي يمكن أن نوجزها بما يلي :

أولاً : ضرورة الالتزام بإكمال بنود المبادرة الخليجية الموقّع عليها ، وعدم التأخر أو التلكؤ في تنفيذ بنودها ؛ لأن هذا سيكون محلاً للطعن والتنصل ، خاصة قضية هيكلة الجيش والمؤسسات الأمنية.

ثانياً : العمل على استتباب الأمن ومنع التجاوز في حمل السلاح وترهيب الآمنين والتعدي على الأبرياء ، سواء في ساحات التغيير أو في الطرقات بين المدن أو في المؤسسات ، أو في المنازل .. ومحاصرة أسباب زرع الفتنة وتصفية الحسابات والثارات الشخصية والحزبية في مختلف المواقع ومن مختلف القوى ، سواء كانت موالية للثورة أو ضدها ، فالأمن مفتاح لكل خير ، ومفتاح لكل عقل وقلب.

ثالثاً : الإسراع في إعادة حركة الحياة اليومية إلى وضعها المعتاد أو على الأقل الوضع المقبول ، من خلال مكافحة غلاء الأسعار ، وتقديم الخدمات الأساسية إلى المستوى الذي يجعل المواطن قادراً على الحركة دون معاناة.

ولا نطالب في هذه المرحلة بالرفاهية والترفيه ، بل بالحد الأدنى.

رابعاً : توفير عوامل النجاح لمشروع الحوار الوطني الشامل ، من خلال إشراك جميع المكونات الوطنية الحريصة على وحدة البلاد دون استثناء أو إقصاء لأحد ، سوى من يريد أن يفرض آراءه على الآخرين بالقوة والاستبداد.

خامساً : البدء التدريجي بإغلاق الملفات والقنوات التي تستخدم لغرض الوصاية الخارجية على البلاد والعباد ، والسعي لاستقلال صناعة القرار السياسي في اليمن من خلال مجلس النواب والشورى والمؤسسات الأهلية المتخصصة بمختلف مسمياتها ، بدلاً من الملحقيات والسفارات وأجهزة الاستخبارات الشقيقة وغير الشقيقة.

ولامانع – أثناء ذلك – من أخذ الحكمة من أيٍّ كان دون قيد ولا شرط .

سادساً : ترشيد الخطاب الإعلامي في الوسائل الرسمية والأهلية ، وتوجيهه لتقديم خطاب يقدم أولويات البلاد والعباد على المخططات والأهواء الشخصية ، أو التلميع الفردي أو الحزبي ، وليكن الإعلاميون مفاتيح خير مغاليق شر ، وليسوا كما يسعى أصحاب النفوذ لجعلهم أبواقاً عمياء صماء بكماء لخدمة مشاريعهم وقلوبهم المريضة.

ختاماً : إن ما عايشه أهل اليمن خلال العام الماضي ، وما خرجوا به من الدروس والعبر؛ كفيل بإيجاد نهضة شاملة لبناء اليمن الجديد على شتى المستويات.

ولهذا نقول للمنظرين والموجهين من أهل العلم والدعوة والفكر والثقافة وقادة الرأي : هذه فرصتكم السانحة لتحويل الكلام إلى فعل . فلا تنتظروا المبادرات من أصحاب القوة من رجال المال والأعمال والعسكريين ومشايخ القبائل ؛ فقد عرفتم خلال أيام وسنة الثورة الصادق من الكاذب ، والحريص على البلاد والعباد من الانتهازي المرجف ، فكونوا روّاداً للصادقين ودرعاً ضد الفاسدين ، وكونوا سواعد نشطة تدل الشعب على أفضل البرامج والمشاريع العملية لصناعة التحول والتغيير الإيجابي في بلادنا العزيزة .

حماكم الله يا أهل اليمن ، ولله درّكم ، وإلى يمن جديد وسعيد بإذن الله ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- متفق عليه .

2 - رواه مسلم.

3 - البقرة : 216 .

مشاهدة المزيد