ثلاثون عاما من الخداع
بقلم/ احمد منصور
نشر منذ: 15 سنة و 7 أشهر
الأربعاء 08 إبريل-نيسان 2009 08:42 م

" وفجأة سقطت أمطار غزيرة واجتاح كامب ديفيد ريح شديدة وكأن الطبيعة تطلب منا مغادرة هذا المكان وأثناء تناول الإفطار ترددت أصداء الرعد والبرق في كبد السماء وقال أحد دبلوماسيينا إن السماء غاضبة مما يحدث فى كامب ديفيد " هذا الوصف ليس لأحد معارضي اتفاقية السلام بين مصر وِإسرائيل ، أو أحد منتقديها لكنه لأحد القائمين عليها وهو الدكتور بطرس غالي وزير الدولة المصري للشئون الخارجية آنذاك يصف من خلالها الأجواء التى عاشها الوفد المصري الذي شارك في توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل قبل ثلاثين عاما ، ذكر بطرس غالي هذا في صفحة 154 من مذكراته عن اتفاقية السلام التى نشرها تحت عنوان : " طريق مصر إلي القدس " ليكشف عن تلك الأجواء التى سبقت توقيع هذه الاتفاقية. 

التى وقعها الرئيس المصري أنور السادات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجين في واشنطن فى السادس و العشرين من مارس عام 1979 لم يعط السادات فيها أي قيمة لمرافقيه المصريين الذين اختارهم بعناية ليكونوا كما قال بطرس غالي الذي كان أحدهم : " وكان واضحا لي أننا أعضاء الوفد بمثابة كم مهمل وأن علينا الانتظار لحين إعلان النتيجة النهائية " كانوا كما مهملا لا قيمة له في وقت كان يتم فيه تقرير مصير أكبر دولة عربية هي مصر بل مصير الأمة كلها لأن مصر هي قلب العروبة النابض ، لم يقبل محمد إبراهيم كامل الذي كان وزيرا للخارجية آنذاك أن يكون شاهد زور مثل الباقين فاستقال من منصبه كما استقال قبله إسماعيل فهمي وزير الخارجية احتجاجا علي ما قام به السادات حيث اختزل القرار المصري كله فى رأيه الشخصي وعلاقاته الشخصية مع صديقه كارتر ، أما المشهد الذي رافق التوقيع فقد وصفه بطرس غالي وصفا تاريخيا سيبقي إدانة للذين وقعوا هذه الاتفاقية حيث قال : " وتم التوقيع وانطلقت عاصفة من التصفيق وغادر الزعماء الثلاثة المكان ، كان الأمريكيون مبتهجين ، و أبدي الجانب الإسرائيلي مشاعر مماثلة ، أما المندوبون المصريون فكانوا قانطين وانعكست مشاعرهم علي وجوههم " .

الآن بعد ثلاثين عاما من هذا المشهد الذي كان فيه الموظفون المصريون لدي السادات قانطين ووجوههم مكفهرة حسب وصف أحدهم بينما كان الأمريكيون و الإسرائيليين مبتهجين الآن بعد مرور ثلاثين عاما علي هذا المشهد ماذا حدث لمصر والعالم العربي ؟

أطلقت إسرائيل يدها لتبطش وتقتل فى الفلسطينيين واللبنانيين واجتاحت لبنان مرتين 1982 و2006 ودمرت غزة علي رؤوس من فيها كما دمرت العديد من المدن الفلسطينية والمخيمات ونالت من كل من يمكن لها أن تنال منه ، بينما لم تتوقف مشروعاتها التوسعية الاستيطانية داخل فلسطين ولم تتوقف جرائمها وكان من آخرها حربها علي غزة ، بينما اصطف العرب طابورا يطلبون من إسرائيل الرضا عما أطلقوا عليه مبادرات السلام العربية حيث تبارت الدول فى عرض المبادرات وتقديم التنازلات بينما إسرائيل تترفع حتى عن الرد عليهم بينما هم يتسابقون لنيل الرضا والوقوف في طابور الوجوه المكفهرة والقنوط الذي وصفه بطرس غالي قبل ثلاثين عاما ، وكما حول السادات موظفيه إلي " كم مهمل " حسب وصف بطرس غالي ، فقد حول هؤلاء كل شعوبهم إلي " كم مهمل " .

أما مصر فكانت أكبر الخاسرين حيث أطلقت يد الجواسيس يجوبون مصر ويتجسسون علي كل شيء فيها عيانا بيانا جهارا نهارا فمنذ توقيع كامب ديفيد وحتى الآن تم الإعلان بشكل رسمي عن ضبط 67 جاسوسا إسرائيليا هذا خلاف الجواسيس الذي يعملون بإذن رسمي من الحكومة تحت غطاء وظائف وأعمال أخري كثيرة ، وحسب التقارير الأمنية فإن 86% من جرائم التهريب وتزوير العملات فى مصر يقوم بها إسرائيليون ، في حين بلغت أعداد قضايا المخدرات التى اتهم فيها إسرائيليون خلال عشر سنوات فقط أربعة آلاف و457 قضية ، وهناك تقارير كثيرة نوقش بعضها في مجلس الشعب المصري تتحدث عن هجرة 30 ألف شاب مصري إلي إسرائيل كثير منهم تزوج بإسرائيليات بل وتجنسوا بالجنسية الإسرائيلية ، وقد أشارت صحيفة الأهرام المصرية شبه الرسمية فى دراسة نشرتها فى 8 ديسمبر 2007 إن 13 % من هؤلاء المصريين يعملون فى صفوف الجيش الإسرائيلي وكثيرون تم استغلالهم من قبل الموساد ، مما يشكل تهديدا مباشرا لأمن مصر القومي ، كما لوحظ أنه بعد كامب ديفيد أخذت الأمراض تنهش فى المصريين الفشل الكلوي والكبدي الوبائي والسرطانات وأمراض الدم وتشير بعض الدراسات إلي أنه تحت غطاء كامب ديفيد قام الموساد بإرسال عينات من الدم الملوث وتلويث المياه والتربة فى مصر بشكل أدي إلي تدمير صحة المصريين من خلال الطعام والشراب الذي يتناولونه ، ولعل دراسة علمية دقيقة للوضع الصحي للمصريين قبل وبعد كامب ديفيد تقود إلي حقيقة الدمار الذي تقوم به إسرائيل لمصر والشعب المصري تحت أوهام السلام واتفاقياته التى لم تكن سوي بوابة لحرب مدمرة قتلت من المصريين أضعافا مضاعفة ممن قتلوا خلال الحروب مع إسرائيل وحولت نسبة كبيرة من الشعب المصري إلي مرضي مزمنين علي رأسهم الأطفال الذين ينهش السرطان أجسادهم النحيلة مع أمراض أخري مرعبة .

إن الحديث عن السلام فى ظل جرائم الحرب التى ترتكبها إسرائيل ليس سوي ضربا من الخداع والوهم لاسيما وأن الشعوب التى حولها حكامها إلي " كم مهمل " لن تبقي فى غفوتها طويلا ، وعلي هذه الشعوب أن تستيقظ حتى توقف هذه المسيرة " مسيرة الخداع " .