الجووجل الإسلامي
بقلم/ خالد كريم
نشر منذ: 14 سنة و شهرين و 24 يوماً
الإثنين 16 أغسطس-آب 2010 09:08 م

انتشرت في الآونة الاخيرة في محيط الشبكة العنكبوتية "الانترنت" حملات ودعوات إسلامية تهدف إلى جمع أكبر عدد من المناصرين المتصفحين للأنترنت بغرض دعوة الجهات التي تملك الجووجل محرك البحث الاشهر والاوسع انتشاراً في العالم وكذلك موقع فيس بوك الإجتماعي واسع الاستخدام في كافة أرجاء المعمورة والذي وصل عدد مستخدميه إلى النصف مليار حسب ما أعلن مؤخراً،دعوتهم إلى الانضمام إلى المجموعات التي تدعو وتضغطالضغط على ادارة تلك الشركات المالكة لتلك المواقع لجعل واجهة صفحاتهم تحمل رمز و دلالة شهر رمضان .

وهم يرون أن على تلك المواقع احترام مشاعر المسلمين كون أعداد كبيرة منهم هم من متصفحيها ومستخدمي الخدمات التي تقدمها ، ولأن محرك جووجل في مناسبات سابقة قد غير شعاره وشكله ليظهر احتفاءه بمناسبات ذات دلالة في الدولة الغربية .

ويؤمن اصحاب تلك الدعوات بأنهم يقدمون خدمة جليلة لمصلحة الدين ويسهمون في الدعوة إلى الاسلام .

لكن مع كل ذلك نعتقد أن تلك الحملات لا تؤدي كثير نفع ولا عظيم فائده لخدمة قضايانا بل على العكس من ذلك تؤدي إلى تسطيح رؤيتنا لواقعنا وتحرمنا من النظر بعمق و تأني وروية لمجمل مشكللاتنا وملمات حياتنا .

ورغم احترامنا لمشاعر أولئك المتحمسين لمثل هذه الخطوات ونيتهم الصادقة لاتخاذ الطرق والاساليب التي يرونها صحيحة من وجهة نظرهم لخدمة الدين والذود عن حياض العقيدة .

إلا أننا نعتقد أنهم يقعون في اخطاء عديدة ويسلكون غير ذات الدرب الذي يحقق ما يرمون اليه و يصل بهم إلى ما يتمنونه لجهة الدعوة للدين والدفاع عن القضايا الاساسية للأمة

واهم تلك الأخطاء من وجهة نظرنا يتخلص في الأمرين التاليين :-

أولاُ : يطالب اصحاب تلك الحملات جهات لا تنتمي لهذه الامة وليسوا جزءا منها وهي عبارة عن شركات غربية تحتكم لقواعد السوق ومبادئ الرأسمالية والقوانين ذات المرجعية العلمانية والتي تنأى بنفسها عن الاديان و المذاهب والخلافات الاثنية والقومية ناهيك عن كونها موجهة لجميع شعوب العالم فهي تحاول قدر الامكان التزام الحياد والمهنية، وبالتالي يتوقع منها أن لا تستجيب لهذه الدعوات .

  فهل ادرك اصحاب تلك الدعوات تلك الحقيقة ام انهم ينظرون لهذا الموضوع نظرة سطحية و مبتسرة لا تُعنى كثيرا بواقع تلك الدعوات وامكانية ان تلقى قبولاً وصدى لدى جووجل وفيس بوك.

 

وثانيهما : تحمل تلك الدعوات في طياتها الإقرار النهائي بأننا امة عاجزة لا نستطيع فعل شئ ولا تقديم ماهو مفيد ولا المنافسة و تؤكد بأننا لن نستطيع القيام بدور المنافس والمنتج لمثل تلك المواقع . وبالتالي ولعجزنا ذلك فما علينا إلا محاولة اقناع تلك الشركات بإضفاء الطابع الاسلامى على تلك المنتجات ليدخل الرضى على قلوبنا ولو قليلاً عند مشاهدة شعار رمضان وكعادتنا القديمة في محاولة اسلمة كل شئ ولو لم نقم بانتاجة ولا المساهمة في ابتكاره فكم سمعنا عن الكمبيوتر الاسلامي والتلفون الاسلامي والمنبه الاسلامي .

اخشى ان يتمادى أولئك في مطالبة الفيس بوك وجووجل بوضع شعارات لباب الحارة والفوازير والقادة ، والملوك والرؤساء العرب بالمرة.

فهل يعقل ياسادة أن ننظر إلى قضايانا بكل تلك البساطة و نتهرب من محاولة فهم الواقع، هل يعرف الكثير منا أننا لا نزال خارج ركب الحضارة والتقدم .

تخيلوا وقوع الجووجل في قبضتنا :

يطل محرك البحث جووجل على مستخدميه بواجهة بسيطة وتصميم متواضع، لكن بمجرد العمل عليه تكتشف أنه يخفي وراءه جهداً وعملاً جباراً أصبح معروفاُ لدى القاصي والداني .

فالتركيز على المضمون ، و بساطة الشكل والمظهر التي عليها الجووجل هي من صلب ثقافة وقيم العمل والانجاز التي تُعلي من شأن الانجاز كقيمة و تقلل من اهمية البهرجة الزائقة .

لكن بالمقابل لو دخلت احد المواقع العربية التي لا تحتوي شيئاً يذكر على صعيد المعلومات ستجده طافحاُ بالرسوم والاشكال والصور والبهرجة الكاذبة .

فتخيلوا امتلاكنا لموقع مثل الجووجل هل يمكن أن نتركه هكذا بتصميمه البسيط رغم ان عدد زواره اليوميين بعشرات الملايين .

هل يعقل ان ندع واجهته لا تزينها صورة الزعيم والقائد ،ولا ترصعها العبارات الطنانة والشعارات الكاذبة .

هل ستفلت واجهته الالكترونية من بين ايدينا لتخلوا من محاولتنا الدائمة فرض رؤيتنا الخاصة للظواهر الكونية على العالم وعلى جميع الشعوب دون احترام لثقافاتهم المحلية وخلفيات الدينية والاثنية.

Kak.kareem@yahoo.com