شروط الحوار الناجح
بقلم/ محمد بن ناصر الحزمي
نشر منذ: 14 سنة و 10 أشهر و 18 يوماً
الإثنين 21 ديسمبر-كانون الأول 2009 05:54 م

جميل أن قطبي النظام اليوم –الحزب الحاكم والمشترك – وصلا إلى قناعة مشتركة بأننا بحاجة إلى حوار بين اليمنيين وهذا أمر طيب بغض النظر عن رؤية كل واحد منهما لكيفية الحوار ومع من يكون الحوار وعلى ماذا الحوار، إلا أن الحوار في حد ذاته مبدأ ديني وأخلاقي وحضاري وضرورة إنسانية، ولا يتم العمران والتواصل بغير حوار تتوافر شروط نجاحه .. فالحوار على كافة المستويات وبين جميع الأطراف الفاعلة وسيلة حضارية للالتقاء على كلمة سواء، فلا يصطدم طرف بآخر .. ولا تهدر الجهود هباء لأنها سارت في المسار غير الصحيح...

والواقع أن الحوار لا يستغني عنه أحد، فعن طريقه يتوصل الناس إلى صياغة إجابات مناسبة للمشكلات التي تدور بينهم، والوصول إلى أرضية مشتركة يتوصل من خلالها إلى أهداف محددة قد تكون هذه الأرضية قيما مشتركة كإقامة العدل ونبذ الحروب وحقن الدماء ،وقد تكون لتحقيق مصالح للأطراف وقد تكون من اجل إقناع احد الأطرف بوجهة النظر الأخرى عن طريق وسائل الإقناع ويتم التفاهم بين أطراف الحوار عن طريق المناقشة والتفاوض، على أساس من الاعتراف المتبادل والانفتاح على الآخر بسماحة وبإرادة مشتركة لتبادل الآراء والإذعان للحقيقة على قاعدة أننا بشر مختلفين كما قال تعالى \\\" ولا يزالون مختلفين\\\" إن كثيراً من النزاعات ودورات العنف إنما تنشأ من عدم معرفة الناس بعضهم ببعض، وتبادلهم الحذر وسوء الفهم والمخاوف مع أنهم لو جلسوا بعضهم إلى بعض وتحاوروا، لأبعدوا شبح العنف والتدمير، فالعنف يبدأ عندما يتعطل الحوار. والذين يضيقون بالحوار هم أصحاب التعصب المقيت وناقصو الفكر والأخلاق، عندما يعجزون عن مواصلة الحوار بالحجة والبرهان.

ونحن نريد حوارا لإنقاذ عاجل لوضعنا القائم، ولا نريد جدالا، فالحوار من اجل الحوار هو جدال منهي عنه شرعا والحوار الذي نصل من خلاله إلى أفكار مشتركة لحل المعضلات الموجودة هو الحوار المثمر والمتميز ولن يكون هذا إلا إذا تخلى أطراف الحوار عن تقديس أفكارهم و تسخيف واحتقار أفكار محاوريهم ، وهذا يتطلب الاعتراف بوجود الأخر والاستعداد للتفاعل معه وإعطائه حقوقه كشريك موجود معك بالحياة هو بداية الحوار الناجح وبما أن الحوار لابد منه مع جميع الأطراف المؤثرة في الساحة دون استثنى احد فالله جل جلاله حاور إبليس والله هو الخالق وإبليس المخلوق، هذا من ناحية المتحاورين أما القضايا المطروحة للحوار لابد من طرح كل القضايا ومن وجهت نظري أن أول قضية يجب طرحها الفساد الأخلاقي الذي يدمر كل شيء فنحن لدينا أزمة أخلاق انعكست على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية يصلح لنا حال فإذا صلحت علاقتنا بالله أصلح الله علاقتنا ببعض، وبدون معالجة الفساد الأخلاقي لن يصلح لنا حال، وأما المرجعية لإنجاح الحوار فنحن كمسلمين فمرجعيتنا الإسلام الذي نص عليه الدستور كمصدر للتشريع، الإسلام بكل تشريعاته وقيمه وآدابه وأحكامه ، فالإسلام هو من حث على الحوار ووضع له آدابا وهو من حرم التنابز بالألقاب والتفرق والاختلاف وحرم الظلم والفساد بكل صوره والتعصب ألمناطقي والعنصري أيا كان شكله -وهذا كله عندنا كمرض مزمن- ودعا إلى الحب والوئام والأخوة والسلام ، والإسلام وضع قواعد تحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، مبنية على العدل والرحمة والطاعة بالمعروف ،وهذا ما نسعى إليه ويسعى إليه المصلحون ،ولا يخفى على أولي النهى أن العلاقات والسياسات القائمة على المصالح فمصيرها الانهيار، وأخيرا أقول إن مرجعية الحوار أمر مهم للغاية إذا أردنا أن نخلص إلى ما نصبوا إليه، والإسلام كمرجعية لا أظن أن أحدا من المتحاورين في يمن الإيمان والحكمة يرفض هذه المرجعية ، إلا من كان في قلبه مرض ، كما قال تعالى \\\" وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما انزل والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا\\\" أما المؤمنون فهم أولى بالإسلام هاديا ونصيرا ورحم الله شاعر الإسلام محمد إقبال حين كان يردد إذا الإيـمان ضاع فلا أمان *** و لا دنيا لـمن لم يحي دينا ومن رضي الحياة بغير دين *** فقد جعـل الفناء لها قرينـا تـساندت الكواكب فاستقرت *** ولولا الجـاذبيـة ما بقينا وفـي التـوحيد للأمم اتحاد *** ولن تـبنـوا العلا متفرقينا ومن هنا سيكون نجاح الحوار بإذن الله .