|
أكدت حرب صعده و غيرها من الدروس التي خاضها النظام عبر سنواته ما للقبيلة من دورٍ هامٍ في صناعة المواقف والإحداث , كما ترسخت قناعات عميقة في إيجاد أنصار لها من أبناء القبائل كونهم يمثلون الدرع الحصين الذي كانت تلتجئ إلية في لح
ظات الإخفاق والعسر .
إضافة إلى تجاربها عبر سنوات الضياع الماضية التي كانت تهدف عبرها في تعزيز سلطة الشيخ قبل سلطات الانجاز وتجاهلها في تعزيز مفهوم الدولة بمعناها الحقيقي وغرس قيم العدالة في المجتمع والدولة على حد سواء لكي ترسم ملامح مشروع حضاري قائم على أركان حقيقة تمهداً لسلطةٍ بعيدةٍ عن تعقيدات المجتمع ومرسوبات الماضي .
لكن كل ذالك لم يجدي نفعا في التعاطي مع المتغيرات التي تطرأ من وقت إلى أخر , وفشل القائمين على ذالك الخروج برؤية عصرية , فكان التوسع والتوغل في عمق المجتمع القبلي قائم على أفكار الماضي البائد .
ونظرا لتراكم الخبرات الطويلة في دعم المشروع القبلي ممثلاً في شخصيات المشائخ فقط , بدأت بعض الرؤى تُطرح لتطوير ذالك المشروع إلى أفاق أوسع عبر استيعاب كلي للمجتمع القبلي ليصب في خدمة السلطة .
حيث تولدت قناعات في نجاح ذالك الدور خاصة مع أبناء القبائل الذين يمثلون غالبية الشعب .
لذالك يجد المتابع للخطاب الرسمي للسلطة في اليمن خاصة حول آليات إدارة الدولة ومؤسساتها يجد لغة تتحدث وبصرامة عن أهمية تفعيل النظام والقانون في إدارة شئون الناس والدولة على حد سواء .
لكن المضحك في الأمر أن هذه اللغة هي وحدها التي تبرز في المساحات الإعلامية الخاصة بالسلطة بكل وسائلها المتعددة, ونشرها كمصطلحات تتكرر في تلك الوسائل على العامة والخاصة.
لكن المتابع للواقع من زاوية أخرى والمتمعن إلى قرارات ومواقف رموز الغالبية من السلطة وتعاملها مع قضايا المجتمع اليمني سواء القضايا التي تنشئ في مسقط رأس تلك الشخصيات أو التي يتم تجييرها كأحداث تجعل من الدولة خِصماً لأطراف ما في المجتمع فإن المواجهة مع تلك الإحداث يتم التعامل معها استنادا إلى " الأسلاف والأعراف القبلية "وجعل النظام والقانون خلفهم ظِهِريا " .
المشكلة لا تكمن اليوم في النظام والقانون بقدر ما هي تكمن فيمن وجدوا أمناء على النظام والقانون وتطبيقه على الواقع فحسب, بل وتصويره عبر تصرفات عملية كآلية معقدة لحل قضايا الناس , وتقديم المشروع القبلي كبديل فاعل يمكن أن يقدم الكثير .
اليمنيون ليسوا من كوكب أخر وليسوا فصيلة نادرة من المخلوقات العجيبة على هذا الكون, حتى نضع الكثير من اللوم والتوبيخ على تمرد المجتمع القبلي على ذالك النظام.
يظهر ذالك جليا وابتداء في توزيع المناصب العليا في الدولة ومرورا بكل مؤسساتها, حيث نجد أن كل رأس كبير يحظى بأجندة ظاهرة وخفية من عشيرته وقومه في مفاصل أي مؤسسة يديرها , وإن كان جديدا يعمد إلى تعيين مقربين إلية ومن قبيلته .
المشائخ .. مشروع التوريث الجديد
لا يستطيع أحدٌُ أن ينكر ما لدور" الشيخ والقبيلة " في صناعة رؤساء اليمن مرورا بعبد الله السلال ووصولا إلى الرئيس على عبد الله صالح , وكل واحد منهم له قصته وملحمته حول اعتلائهم لعروشهم أو سقوطهم عنها .
ولأهمية ذالك الدور الذي تلعبه تلك الشخصيات كان لا بد من إيجاد محضن دافئ يعتني بها ويحفظ ولائها فكان مولد " مصلحة شئون القبائل " التي رعها الرئيس برعايته منذ أيامه الأولى لتولية منصب الرئاسة .
ولخطورة الدور الذي تلعبه " مؤسسة " القبيلة ودورها في صناعه القرار السياسي في اليمن , عمدت " مملكة آل سعود الصديقة " أيضا على إيجاد محضن مماثل لكنة أكثر دفئا ونعومة من الأول للمشائخ ,حيث منحوا إعتمادات كانت أكثر سخاءً خاصة لأصحاب النفوذ القبلي الكبير في اليمن , بل وتوسعت تلك الدائرة لتصل خيراتها ودفئها حتى الجيل الثاني من المشائج .
تلك الوقفة " الإنسانية " مع مشائخ الجيل الثاني لم تمر مرور الكرام على " سدنة القصر " في صنعاء بل حظيت باهتمام كبير من السلطة حيث بادرت إلى إضافة شخصيات جديدة إلى كشوفات " مصلحة شئون القبائل " أو رئاسة الجمهورية من أبناء الجيل الثاني من المشائخ أو من تم صناعتهم خلال السنوات الماضية خاصة بعد عام 1990م.
نفوذ الدولة يمتدد ضمن نفوذ الشيخ
كان نفوذ الدولة في أوائل حكم الرئيس على عبد الله صالح ينتهي شمالا في نقطة " خشم البكرة " 25" كم عن العاصمة صنعاء, وكانت اليمن تدار عن طريق الشيخ والقبيلة , وتدريجا بدا التوسع يجتاح مناطق عدة خاصة ذات النفوذ القبلي , وتدريجا رضخت القبائل وسمحت بدخول المعسكرات إلى عمقها القبلي , جاء ذالك ضمن موافقة من " شيوخ القبيلة " في تلك المناطق على توغل الدولة عبر أراضيها - كان ينظر إلى الدولة وقواتها بأنه خطر يكمن فيه السيطرة والتحكم في مصير القبيلة - .
وعلى النقيض من ذالك نجد مناطق حتى اليوم مازالت حتى اللحظة تعلن رفضها القاطع في دخول أي معسكرات أو بناء وحدات عسكرية في إطارها الجغرافي وما محافظة الجوف وصعده عنا ببعيد .
ورغم الفترة الزمنية التي قاربت على أن تشارف على نصف قرن من عمر الثورة , إلا أن القناعات مازالت راسخة حول جدوى " تلك الرموز" القبلية , ونجاحها في إخراج النظام من العديد من مأزقه التي صنعها لنفسه عن قصد أو بغير قصد , وهناك عشرات ألأمثله لقضايا واجهت السلطة في معظم محافظات الجمهورية , كان الجانب القبلي هو العنصر الفاعل في حسم تلك الأزمات , خاصة في المناطق ذات البعد القبلي الكبير والتي شهدت ساحاتها مواجهات مسلحة بين القبيلة والدولة , كانت الأخيرة ترضخ في الأخير ويتم التعامل في حل تلك القضايا إلى " الإسلاف والأعراف " وليس إلى النظام والقانون .
صناعة المشائح
في محافظات كإب وتعز وذمار وبعض المحافظات الجنوبية نجحت فكرة صناعة المشائخ , وتنصيبهم كوجهاء إليهم ينتهي ألأمر والنهي , عبر دعم رسمي وتوجيه سياسي لتلك الشخصيات التي لم تكن ذات يوم بيت مشيخ أو وجاهة وما قبيلة آنس عنا اليوم ببعيد .
في حين نجحت فكرة تلميع " شيوخ اللحام " أي الشيوخ الصغار في القبيلة كمحافظات كمأرب والجوف وصعدة وشبوة , وجعلهم شخصيات تعلن اعتراضها في وجه المشائخ الذين لم يمدوا يد الولاء والطاعة , مما عجل في خلخلة " صف القبيلة " داخليا واختراقها عبر القادمون الجدد .
قبيلة ألدوله .
يمكن القول أن الدولة اليوم في أمس الحاجة إلى قبيلة خاصة بها , تستند إليها في أوقات الحاجة , وتلجا إليها أيام الشدة , وتصفق لها لحظات الإخفاق , وتسبح بحمدها في لحظات السحر .
قبيلة الدولة هي خليط من قبائل , وجموع من بشر , داعيهم الكبير ليس " حاشدي أو بكيلي أو مذحجي" وإنما من يشبع بطونهم ويملأ جيوبهم .
هناك ملامح مشروع كبير كالذي ألمحت إلية , يمر بمراحل مخاضه الأولى , ليجسد أدوارا مستقبلية , ويحظى بدعم رسمي ومباركة من جيران البلد , ويتصدر قيادته رهبان جدد , لهم جذور ضاربة في أقوامهم , ومقامات ذات شأن في أحزابهم , يعلنون التمدن , ويزعمون بتقديم القبيلة بصورة أكثر إشراقا من ذي قبل .
قبيلة الدولة ستسخر لها الإمكانيات , وتمهد لها العراقيل , ويسمح لأساطينها اعتلاء الصدارة , والتحدث باسم الشعب .
قبيلة الدولة مشروع لا يكفي الانتماء إلية إلى " القبيلة الأم " وإنما عبر استمارات التنسيب , وبطاقات العضوية .
كما انه مشروع يحمل في طياته الكثير من الأهداف التي تخدم رواد الفكرة الأم , و خطوة تستعد لمنافسة الحزب , والفوز بالصوت والسباق على الصندوق .
مشروع قبيلة الدولة خطوة لالتهام القبيلة الأصل , تعتمد على استقطاب نخب الجيل الثاني , في كل محافظة ليكونوا هم طليعة المشروع البكر وهم منفذ العبور .
مشروع قبيلة الدولة مشروع يختزل في ثناياه طموحات دول , وأهدف ساسة ضالعون في مكر الالتواء , وأمنيات شيوخ لاهثون أمام كرم يرسم في مخيلاتهم شموخا أحمري شعارهم لمرحلة التأسيس" أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا " .
مشروع قبيلة الدولة " واحة آمنه للمترددين على عنفوان السلطة إلى الانبطاح اليوم بنفوس مطمئنة , وقلوب راضية , وهو قسطرة عبور لأبناء المشائخ الرافضين حقبا من الزمن لأي عروض استشراء عبر سنوات الصمود والعفاف من دنانير الحاكم .
اليائسون من علقم الديمقراطية
يسود اعتقاد كبير في المناطق القبلية وقناعة تتأصل يوميا في فشل التجربة الديمقراطية طيلة " 18" عاما الماضية , وكذالك عجز الأحزاب في إخراج اليمن من مأزقها الذي تعيشه في هذه الظروف الصعبة , وهنا يأتي دور " مشروع قبيلة الدولة " في تقديم رؤية تخاطب الناس من منطلق أكثر حساسة وإقناعا لهم .. في خوض غمار هذا الداعي الجديد الذي ريما يكون أبناء القبائل في نظرهم أكثر كفاءة من رجال النظام والقانون وقد يكونوا هم رواد المرحلة وأملها القادم " بهذه الصورة يمكن أن يكون العرض والتقديم .
إن الأيام القادمة مليئة بصورية التحديات أمام ذالك المشروع , خاصة ضمن توجهات رسمية في إختزل الحياة السياسية القائمة في صور الأحزاب واللعب بأوراق التحالفات " الوهمية " والسير باليمن إلى طريق ثنائية القطب في العمل السياسي .
أي أن المؤشرات والمعالم بدأت ترسم معالم صراع بين خصمين سياسيين هما أحزاب اللقاء المشترك ( تجمع العارضة اليمنية ) وأحزاب التحالف الوطني ( تحالف الحزب الحاكم مع أحزاب الموالاة ) , لذا كان لا بد مع تتدافع الأحداث من تشكيل كيان ثالث , يجب أن يظهر أمام الملأ " على أنه كيان مستقل يمثل كل أبناء اليمن .
دعونا في الختام نتساءل هل يمكن لمجلس التضامن الوطني بمشروعة الكبير أن يلعب دورا كذالك... الأيام قادمة ونحن مع الأيام قادمون ....
Mareb2009@hotmail.com
في الأحد 10 أغسطس-آب 2008 04:04:38 م