ما يشاهده المراهقون
بقلم/ الحياة
نشر منذ: 17 سنة
الثلاثاء 30 أكتوبر-تشرين الأول 2007 09:16 م

اسأل أي شاب أو شابة، مراهق أو مراهقة في مصر: هل تشاهد التلفزيون؟ وستلقى إحدى إجابتين: إما طبعاً, أو أكيد وستصحب أياً من الإجابتين نظرة تعكس استهزاء المسؤول بسؤال السائل الذي يعد أمراً مفروغاً منه. والطبيعي أن يكون السؤال: كم ساعة تمضي أمام التلفزيون يومياً, أو ما البرامج التي تعجبك أو لا تعجبك؟ أو ما أفكار البرامج التي يفتقدها التلفزيون؟

لدى سؤال محمد النادي (14 عاماً) لماذا تشاهد التلفزيون؟ خرجت الإجابة كاملة كالمدفع الرشاش: "ولماذا لا أشاهد التلفزيون؟ فهو يقدم برامجَ تعليمية, ومسلسلاتٍ وأفلاماً عربية وأجنبية, وسباقات سيارات, ومباريات كرة قدم, وأفلاماً إباحية, وبرامجَ دينية, وحتى لو لم يكن يقدم هذه التنويعة الغنية التي تناسب الجميع, هل هناك بديل آخر أمامي لأمضي فيه وقت فراغي؟ الأندية الرياضية مغلقة على أعضائها, والشوارع تئن من كثرة الشباب المتلطّع فيها, وأقل نزهة تبتلع مصروف الشهر كله".

عدد متزايد من العاملين والمسؤولين في مجالي التعليم والإعلام يؤمن بأن التلفزيون هو الوسيلة الأكثر انتشاراً وجاذبية لنقل المعلومات والمعرفة والتجارب, بل يكاد يكون الوسيلة الوحيدة القادرة على التغلب على كل العوائق الاجتماعية والاقتصادية, بما فيها الأمية.

ويتفوق التلفزيون على كل وسائل الإعلام والعلم والمعرفة الأخرى لدى الشباب. ففي دراسة أجرتها منظمة "يونيسيف" على النشء المصري في الريف والحضر بين سن 10 و19 عاماً, تبين أن الغالبية العظمى منهم مشاهدون دائمون لشاشة التلفزيون, على عكس الجرائد والمجلات والكتب (غير المدرسية) التي يقل إقبالهم عليها لأسباب مختلفة. ولاحظت الدراسة التي أجرتها الدكتورة سحر الطويلة أنه "كلما ابتعدنا عن القاهرة حيث تقل فرص الترفيه ووسائل تمضية وقت الفراغ, زادت نسبة مشاهدة التلفزيون بين المراهقين والمراهقات". وكان السبب الأبرز الذي ذكره معظم الشباب لعدم إقبالهم على القراءة هو أنهم مشغولون في المذاكرة, وأن في حال وجود وقت فراغ يفضلون تمضيته أمام التلفزيون.

الذكور أكثر عرضة للإعلام

وعلى رغم افتراض عدم وجود فروق في نسب المشاهدة بين المراهقين والمراهقات, فإن دراسات عدة أشارت إلى غير ذلك. فالمراهقون الذكور الملتحقون بالتعليم أكثر عرضة للإعلام عموماً - سواء كان تلفزيوناً أو إذاعة أو صحفاً ومجلات - أكثر من المراهقين غيرالملتحقين بالمدارس والجامعات. وقد يكون ذلك بسبب انشغال الفئة الأخيرة في أعمال تتطلب ساعات طويلة لا تترك لهم وقتاً كافياً يشاهدون فيه التلفزيون.

ويختلف الوضع بالنسبة إلى الفتيات المراهقات, فالفتيات الأقل تعليماً (الحاصلات على قدر قليل من التعليم أو المتسربات من المدارس) يلتزمن بيوتهن أكثر من غيرهن, وتقل بينهن معدلات الخروج وإمكان الاطلاع على وسائل الإعلام باستثناء التلفزيون, في حين تكون فرصة الاطلاع على الصحف وغيرها أكبر بين الفتيات الملتحقات بالمدارس والجامعات.

وتشير دراسة ميدانية أجريت على الفتيات المراهقات في محافظتي المنيا وأسيوط في صعيد مصر عام 2000, إلى أن الفتيات الملتحقات بالتعليم يوزعن وقتهن اليومي في موسم الدراسة بين المدرسة والمذاكرة في البيت, ومشاهدة التلفزيون, والمساعدة في أعمال المنزل, والخروج لتلقي الدروس الخصوصية وزيارة الصديقات والجيران. وفي الصيف ينشغلن بالأعمال المنزلية ومشاهدة التلفزيون والزيارات.

أما الفتيات خارج منظومة التعليم, فينقسم يومهن بين الأعمال المنزلية ومشاهدة التلفزيون وتلقي دروس محو الأمية. مشاهدة التلفزيون إذاً هي العنصر الذي يوحّد الجميع.

ويؤكد نصف مراهقي ومراهقات مصر أن التلفزيون هو أحد أبرز مصادر المعرفة بالنسبة إليهم, ولا سيما في المجالات التي تهمهم, وترتفع هذه النسبة في القاهرة لتصل إلى 80 في المئة.

وتعتمد المراهقات مصادر متعددة للحصول على معلومات. وهذه المصادر هي على التوالي: التلفزيون, الأسرة, المدرسة, الأصدقاء وأخيراً الإعلام المكتوب والمسموع. أما المراهقون, ولا سيما في مرحلة التعليم الجامعي, فيعتمدون مصادر أخرى من المعرفة, لكنهم يشاهدون التلفزيون لأسباب ترفيهية.

ما يشاهده المراهقون

وبالطبع يختلف ما يشاهده المراهقون عما تشاهده المراهقات. وتقول دراسة "يونيسيف" إن المراهقات يقبلن على مشاهدة المسلسلات وبرامج المنوعات والبرامج الدينية وتلك التي تخاطب المرأة, في حين يقبل المراهقون على المسلسلات الأجنبية والرياضة.

وتقول الطويلة: "إن أكثر البرامج التي تلاقي استحسان المراهقين هي الأفلام والمسلسلات وبرامج المنوعات والفيديو كليب, تليها برامج "العلم والإيمان" و"حديث المدينة" و"غرائب وعجائب". وهم نادراً ما يشاهدون النشرات الإخبارية أو أية برامج دينية أو ثقافية جادة".

ويبدو أن مراهقي مصر يشاهدون عدداً قياسياً من الأفلام أسبوعياً, يراوح بين ثلاثة وستة أفلام. وقال 80 في المئة من مراهقي القاهرة الذين شملتهم الدراسة إنهم يستقون جانباً كبيراً من معلوماتهم عن الجنس من تلك الأفلام, بل قال 64 في المئة إنهم يشاهدون الأفلام بغرض مشاهدة لقطات الجنس.

لكن ما الصورة التي يقدمها التلفزيون, ولا سيما المسلسلات, للمراهق أو الشاب المصري؟ تشير دراسة أجراها الباحث تامر سكر عنوانها "صورة المراهق في المسلسلات العربية في التلفزيون المصري", إلى أن غالبية الأعمال التلفزيونية لا تهتم بمراهق أو شاب الريف, وتركز على شباب المدينة. كما لوحظ زيادة عدد أدوار المراهقين عن أدوار المراهقات في المسلسلات, على رغم أن الأخيرات تمتعن بعدد أكبر من أدوار البطولة.

أما المستويات الاقتصادية والاجتماعية التي ينتمي إليها معظم "مراهقي التلفزيون" فهي المتوسطة والمرتفعة, في حين تقلصت أدوار المراهقين الفقراء.

وانتقدت دراسة "يونيسيف" عدم اعتراف الإعلام المصري عموماً بأن المراهقين فئة في حد ذاتها, لهم حاجاتهم الإعلامية, "فالمسؤولون يعتبرون أن المواد الإعلامية الموجهة لمرحلة الطفولة المتأخرة تصلح كذلك للمراهقين".

وهناك 17 برنامجاً تخاطب "الصغار" على القنوات المصرية الأرضية, لكن لا توجد أية دراسات حول نسب المشاهدة. ويشار إلى أن القنوات التعليمية المتخصصة المصرية تبث ما يزيد على 40 برنامجاً تخاطب الطلاب في المرحلتين الإعدادية والثانونية.

وتشيد الطويلة في دراستها بتجربة تلفزيونية رائدة هي برنامج "أجيال وراء أجيال" الذي كان يذاع على القناة الثامنة وكان موجهاً لمحافظات الصعيد, ويناقش قضايا الصحة الإنجابية.

وعلى رغم الضجة التي أثارها التلفزيون عن برنامجه "حوار مع الكبار" الذي تقدمه مذيعة من رعيل التلفزيون الأول, تستضيف فيه مسؤولين كباراً وجمهوراً "صغيراً", يقول أحد المراهقين: "نريد برنامجاً يخاطب المراهقين الطبيعيين, نفتقد برنامجاً يخاطب حاجاتنا الحقيقية وليس تلك التي يحددها التلفزيون". ويقول آخر عن البرنامج: "هم جالسون طوال الوقت, ولا همّ لهم إلا الوعظ".

وتعبر شابة (18 عاماً) عن رغبتها في أن ترى برنامجاً يخاطب قضايا الشباب "الواقعية" على أن يقدمه شاب أو شابة.

وحددت الطويلة الأطر العامة للبرامج التي يود الشباب مشاهدتها, "فهم يودون مخاطبتهم باعتبارهم شباباً وليس مراهقين أو أطفالاً ويفضلون أن تكون البرامج على الهواء وليست مسجلة, وطالب عدد كبير منهم استضافة الآباء والأمهات والمعلمين ليستمعوا إلى وجهات نظر الشباب وشكواهم مباشرة من أفواههم".

جريدة الحياة