توجيه عاجل من مكتب الصحة بالعاصمة صنعاء برفع جاهزية المستشفيات وبنوك الدم وتجهيز سيارات الإسعاف ما حقيقة خصخصة قطاعات شركة بترومسيلة للاستكشاف النفطية في اليمن أبرز خطوة رسمية لتعزيز الوسطية والاعتدال في الخطاب الديني في اليمن وزير الأوقاف يفتتح أكاديمية الإرشاد مدير عام شرطة مأرب يطالب برفع الجاهزية الأمنية وحسن التعامل مع المواطنين أردوغان في تصريح ناري يحمل الموت والحرب يتوعد أكراد سوريا بدفنهم مع أسلحتهم إذا لم يسلموا السلاح عاجل: محكمة في عدن تبرئ الصحفي أحمد ماهر وتحكم بإطلاق سراحه فوراً الاستهداف الإسرائيلي للبنية التحتية في اليمن يخدم الحوثيين ... الإقتصاديون يكشفون الذرائع الحوثية الإدارة السورية الجديدة توجه أول تحذير لإيران رداً على تصريحات خامنئي.. ماذا قال؟ هجوم مضاد يسحق الميليشيات في تعز والجيش يتقدم إلى شارع الأربعين و يسيطر على مناطق استراتيجية حاكمة.. مصرع وإصابة 23 حوثيًا نزوح للمرة الثانية في مأرب.. أكثر من 2500 أسرة تركت منازلها مضطرة
تتسم القاعدة بمجموعة من السمات التي لا يمكن للصوفية أن تتسم بها كالعنف الذي يطال الأبرياء ثم وتحويله من وسيلة إلى هدف.
خلاصة من بحث صادق غانم 'قراءة تاريخية وتحليلية'، ضمن الكتاب 19 (يوليو 2008) 'الإسلامية اليمنية' الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.
على الرغم من خصوصية التصوف في اليمن، إلا أنه لا يمكن الجزم بامتلاكه وجهة خاصة، إذ لا تعدو الطرق المحلية التي ازدهر بعضها، كالطريقة الأهدلية، والطريقة الحدادية، والطريقة الجبرتية، والطريقة العيدروسية وغيرها، أن تكون متأثرة بشدة، أو تعبيراً محلياً عن إحدى الطرق والمدارس الصوفية الكبيرة، التي عرفتها باكراً عواصم إسلامية أخرى حظيت بمكانة مرموقة، مثل بغداد ومصر والمغرب.
وإلى جانب التأثير الخارجي، قامت الوفود الصوفية بدور بارز في بلورة التصوف في اليمن، وذلك بإدخالها بعض التيارات الجديدة كاستحداث النزعة الفلسفية وقيام التنظيمات الخاصة بالصوفية، والشعائر كالخرقة الصوفية والسماع وغيرها من الأمور، التي سرعان ما تقبلها صوفية اليمن.
وتعد وفادة الصوفي الشهير ذي النون المصري (نحو سنة 237هـ/1336م)، ووفادة الصوفي المغربي الشيخ أحمد بن إدريس، الذي استقر في اليمن وتوفى سنة 1253هـ/1837، وقام بعض أحفاده بتأسيس دولة مستقلة عُرفت باسم الدولة الادريسية، من أهم الوفادات بالنسبة للتصوف في اليمن. وفي القرن الثاني عشر الهجري شهد اليمن وفادات صوفية تجاوز تأثيرها التصوف اليمني ليصل إلى التأثير في كل المجرى التاريخي لليمن، ففي هذا القرن قامت بعض الشخصيات الصوفية الوافدة بالدعوة إلى التصوف بكل جراءة، متجاهلين سخط الأئمة الزيديين، وعلى رأس هولاء ذكر الجبرتي في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" الصوفي المصري علي بن عمر القناوي، الذي تمكن من "تحبيذ التصوف إلى أهل صنعاء وكوكبان".
من أهم الطرق والمدارس الصوفية التي بلورت التصوف في اليمن وأثرت فيه، مايلي:
1- الطريقة القادرية: نسبة إلى الشيخ عبد القادر بن موسى الجيلاني (ت 561هـ/1165م)، وتعد من أوائل الصوفية التي دخلت اليمن وأوسعها انتشاراً وأكثرها تأثيراً، لدرجة أن معظم الطرق المحلية هي عبارة عن فروع لها.
2- الطريقة الشاذلية: نسبة إلى الشيخ أبي الحسن علي بن عبد الله الشاذلي (ت 656هـ/1169م)، وقد انتقلت الطريقة الشاذلية إلى اليمن على يد الشيخ علي بن عمر بن دعسين الشاذلي (ت 821هـ/1418م)(34).
3- الطريقة المغربية: تنسب إلى الشيخ شعيب بن الحسن (ت 594هـ/1197م) والذي اشتهر بأبي مدين، وقام ببعث مندوب إلى حضرموت، ومنذ ذاك الحين ازداد عدد أتباع هذه الطريقة في اليمن.
4- الطريقة الرفاعية: أسسها الشيخ أحمد بن علي الرفاعي (ت 578هـ/1182م)، ونقلها إلى اليمن الشيخ عمر بن عبد الرحمن بن حسان القدسي (ت 688هـ/1289م)، الذي تعلم على يد أحد أحفاد الشيخ الرفاعي، وبعد أن استكمل تعليمه عاد إلى اليمن.
5- الطريقة السهروردية: نسبة إلى الشيخ عمر بن محمد السهروردي (ت 632هـ/1234م)، ولم يُعرف شيء من آثار هذه الطريقة في اليمن سوى الخرقة المنسوبة إليها، فقد أشار العيدروس إلى بعض أتباعها وهما الجبرتي والعلوي.
6- الطريقة النقشبندية: نسبة إلى الشيخ بهاء الدين محمد بن محمد البخاري، المعروف بشاه نقشبند، وهي من الطرق الصوفية المتأخرة، دخلت اليمن في القرن الحادي عشر الهجري.
7- مدرسة ابن الفارض: أشار ابن الفارض إلى وجود بعض اليمنيين الذين كانوا في صحبة جده عندما كان مقيماً في مكة، وانتقلت أشعار ابن الفارض إلى اليمن أثناء حياته، وانتشرت في العصر الرسولي في أوساط المغنين والمنشدين.
8- مدرسة الحلول: عرف اليمن منذ فترة مبكرة مدرسة الحلول المتمثلة في أبي يزيد البسطامي والحلاج، إلا أنها لم تكن شائعة في الأوساط الصوفية بالقدر الكافي..
1- مدرسة وحدة الوجود: تتمثل هذه المدرسة بابن سبعين وابن عربي، اللذين قالا بوحدة الوجود، أما عن الكيفية التي دخلت بها آراؤهما اليمن، فيذكر المؤرخون أن الملك المظفر الرسولي استدعى ابن سبعين للمقام في اليمن. ويذكر المؤرخ الجندي أن الشيخ عبد الرحمن بن محمد الحضرمي، كان من أتباع ابن سبعين.
التصوف والقاعدة
ينبني التصور العام للمضمون الأساسي للتصوف في الثقافة الإسلامية على الروحية والبعد عن الأغراض الدنيوية، وفي اليمن تحديداً، يعامل هذا التصور كمسلمة يُبنى عليها الموقف مع أو ضد الصوفية. ولفهم مصادر هذا التصور وأثره على التصوف في اليمن نوجز المعطيات التالية:
- اتسم التصوف طوال القرون الستة الأولى بالزهد والتعبد، واستمر الوعي العام بعدها في الخلط بين شخصيتي الفقيه والصوفي حتى قرون متأخرة.
- ميل الصوفية إلى الدولة السنية لأنها تقوم على زعامات تفصل بين الدولة والدين.
- انسحاب الصوفية من المشهد العام، نتيجة ما لاقوه من عداء ومحاربة من قبل الأئمة والفقهاء.
- بدخول فلسفة المدرسة الاشراقية إلى اليمن، زاد تعالي المصادر الصوفية للمعرفة، وبالتالي صار خطابه لا يقصد التوجه إلى محيط ما، بقدر ما يعبر به الصوفي عن تعالي مصادر معرفته.
- النقد الذي لاقاه الصوفية أحياناً من علاقتهم ببعض الحكام والملوك، وخصوصاُ في أوج مراحل نضوج التصوف واستكمال مذهبه النظري والعملي.
- تنافس الطرق فيما بينها، وتحول كثير منها إلى الترزق من التصوف والمبالغة في تبجيل شيخ الطريقة وعجائب كراماته، مما زاد من سخط كثيرين -خصوصاً الأئمة والفقهاء- عليهم، بل وتنفير الناس منهم بإشاعة خروجهم عن القاعدة العامة للعقيدة.
كل ذلك شكل المعطيات التي أنتجت الشخصية الحالية للصوفي، وعبر عن سعي لتعزيز التصور العام بروحية التصوف وبعده عن الأغراض الدنيوية. وضمن تفاعلاً بين بناء الخطاب الصوفي ومقوماته وبين معطيات الواقع السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي، وقد سعى الصوفي بدوره إلى تعزيز ممكنات الحماية من جهة، والتعبير بمقتضاها عن سلطته الروحية. فغالباً ما لجأ الصوفي إلى تحاشي التصادم مع بقية المذاهب، مبدياً ذلك كتعبير متعال يملك الحقيقة ويبلغ إيمانه بها حد عدم لجوءه لكشفها أو الدفاع عنها. وبهذا الموقف المزدوج والمُظلّل صنع الصوفية من غموضهم مظهراً للتحدي والإيمان، معززين بذلك نفوذاً بالقدر نفسه من الغموض.
إن لجوء الصوفية إلى تحاشي التصادم مع مخالفيهم، الذين -على العكس تماماً- يسعون إلى التصادم وينشدونه، يعود في المقام الأول إلى إدراك واقعي لدى الصوفية بأنهم ليسوا سوى حالات فردية لا حول لها ولا قوة، وأنهم لا ينتمون إلى مؤسسة فعلية تتمتع بقدر لا بأس به من التنظيم والتحالفات وغيرها من الأسباب التي تمكنهم من دخول أكثر من معركة مع مخالفيهم.
ومع إدراك الصوفي لمأزق الارتباط الشرطي بين ما يتمتع به من نفوذ روحي، وبين فردانية هشة أمام التعبيرات الجمعية الأخرى، لم يبق للصوفي إلا التعبير عن وجوده، والاحتماء في الوقت نفسه بهذه الفردانية. لذا اتجه الصوفي نفسه نحو عزل نفسه أكثر، أي بمنطق الحماية عبر طمأنة الآخر بأنه لا يشكل خطراً حقيقيا على مصالحه.
إن هذه البنية التي تشكل الخطاب والموقف الصوفيين، لا تبدو مؤهلة للقيام بالدور الذي تلعبه القاعدة في اليمن. وبالمقابل، فالمجتمع ليس مستعداً للتفاعل مع التصوف كبديل عن القاعدة، ولا لدفعه ليصير كذلك. لكننا سنتساءل: إن كان التصوف لا يتمتع فعلاً بمقومات الحلول بدلاً عن خطاب القاعده لأن بنيته لا تسمح أصلاً بذلك، فما هي السمات التي يتمتع بها تنظيم القاعدة عن الصوفية؟
على عكس الصوفية، فإن للقاعدة تصوراً محدداً عن "مجتمع مثالي"، وخطاباً واضحاً ومستنداً على أكثر من مركز سلطة، مع إبداء حرص وجدية شديدين على ايصال خطابها هذا للمجتمع ومن ثم تسييره وفقه. وبعيداً عن تقييم مشروع القاعدة، وقياس مدى تأثيره سلباً أو ايجاباً على المجتمع، يعنينا هنا الإشارة إلى أن القاعدة تختلف كلية عن الصوفية، في كونها قادرة على تقديم نفسها كاستجابة للحظة الاحتدام، التي تشير إلى وجود اختلال في ميزان القوة المادية لصالح القوة الجائرة، وتنادي بالجهاد باعتباره "الخيار الوحيد الذي يقدم وعداً بالنصر للقوة المغلوبة على أمرها". ونتيجة لذلك يحدث أن تلقى القاعدة تعاطفاً من الناس على الرغم من التحفظ الذي قد يبدونه.
وكفكر جهادي، تتسم القاعدة بمجموعة من السمات المتداخلة، التي لا يمكن للصوفية أن تتسم بها من مثل: العنف الذي يطال الأبرياء، والإفراط في العنف بحيث يتسبب في كوارث، ثم تبرير العنف وتحويله من وسيلة إلى هدف بحد ذاته وعليه تتمتع القاعدة بما يفتقر إليه الصوفية أي النموذج العالي التنظيم، والمحكم التخطيط، والغامض الهدف.
وليس فيما ذكرناه إدانة للصوفية، الذين يعد ابتعادهم عن العنف أبرز السمات التي تميزهم عن غيرهم من الطوائف وتجعلهم محط احترام. فقد اقتصر هدفنا على عقد مقارنة موضوعية بين الطرفين، لها علاقة بالواقع المحسوس، أكثر من القيم التي يناديان لها. ويأتي اعتمادنا على نقاط بعينها لسببين: الأول: التمكن من عقد مقارنة بين خطابين مختلفين كلية، والثاني: تبيان عدم توافر الشروط الموضوعية لأن يكون التصوف بديلاً عن القاعدة، حتى مع تفضيل خطاب التصوف المسالم على القاعدة.