الاستثمار السياسي في اليمن 3
بقلم/ مشعل المهدي
نشر منذ: 14 سنة و 5 أشهر و 9 أيام
الخميس 27 مايو 2010 05:56 م

قيل ويقال بأن الرئيس رمى الكرة في ملعب المشترك، وتبرز - بحسب تصوري - أربعة محاور مهمة في الخطاب أدت إلى مثل هذا القول المتسرع من نوع من المحللين يكتفي بظاهر من القول ولا يستطيع فك الألغاز والخفايا التي تكمن وراء السطور.

الأول: إطلاق سراح المعتقلين من السجون، وقد كان هذا المطلب الملح أحد شروط المشترك في بدء الحوار، وهذا عمل رائع من قبل الرئيس، بيد أن الذي يبدوا للاستغراب هنا وأظنه مثار تساؤل : لماذا تم إطلاق الناس في هذا التوقيت بالذات أعني في (عيد الوحدة) ؟ فهذا التوقيت بالذات يجعل المراقبين والمتابعين والمحليين في شك من أمرهم يجعلهم يتساءلون قائلين: هل ذلك الإطلاق كان بنية صادقة ومن أجل حصول الحوار ومن أجل انتشال البلاد والعباد من شلالات الدم وبراثين الفقر ومخالب الجوع ؟ أم هي صفقة تجارية في سوق السياسة؛ خاصة وأن التوقيت للإطلاق كان في يوم مشهود ومجموع له الناس!!

في الحقيقة لسنا معولين بقراءة ما وراء السطور، وقد يكون المطلوب منا دائما حسن النية أو الاكتفاء بما هو ظاهر من الخطاب؛ بيد أنه من حقنا أن نتساءل وهذا ليس بمحرم علين بل من صميم حقنا ومن واجب النظام أو من حقه أن يرد على تساؤلات الناس ؟ خاصة وأن من كانوا في السجون أكثرهم خرجوا للتظاهر السلمي والاعتصامات والمطالبة بالحقوق وهذا مكفول لهم في القانون والدستور؛ فكون مؤسسات السلطة العسكرية تقوم بحشرهم ضحى من الساحات إلى السجون؛ ثم يأتي إطلاقهم يوم العيد وليس (قبله ولا بعده) فإن ذلك يثير الكثير من الشكوك التي ينجم عنها العديد من السؤالات. لكن كما قلنا دعونا نترك الأمر للمستقبل فهو جدير بأن يكشف عن والمتخفي في بطن الخطيب إن وجد.

أما المحور الثاني: فهو دعوة الرئيس إلى الحوار، بيد أن ما يبدوا مبهما هنا هو عدم الدقة في تحديد الأرضية التي سوف يقوم عليها الحوار، وقد أعجبني في ذلك طرح الدكتور عبد الله الفقيه السياسي المتخصص بجامعة صنعاء؛ حيث أشارا الكاتبان إلى نقطة مهمة جدا تتعلق بأهمية أرضية الحوار وأهمية اتساع أرضية الملعب السياسي حتى تمكنها من استيعاب جميع الأطراف، فبتصوري إنه كلما كانت الأرضية أوسع كلما كان نجاح الحوار أكبر، فإنه بالفعل إذا ما تمت التسوية في ملعب أرضيته لا تتسع سوى للشركاء فقط فإن الحوار يكون لا شك مبتورا، وسوف يغيب طرف مهم في اللعبة السياسية، أقصد الحوثيين، وما قامت الدنيا وقعدت وأنهكت اليمن إلا بسبب الحروب الستة الطاحنة في صعدة وإذا ما كنا نريد لرحى الحرب أن تتوقف وإلى الأبد فلا بد لنا من جعل الحوثيين لاعب أساسي في ملعب السياسة. وإلا فأن الدعوة هي متاجرة وصفقة رابحة في سوق السياسة.

إذا لا بد من أن تتسع أرضية الملعب للتناسب مع حجم اللاعبين، ولا يفوتني في هذا المقام أن أشير إلى نقطة هي جدا هامة ولا تقل أهمية عن سابقتها، فحتى نضمن سير اللعب من دون فوضى ومن دون عرقلة لا بد من طاقم تحكيم عالي الشفافية والنزاهة، وهذا الطاقم بهذه الصفات لا بد وأن يكون من خارج الأطياف الذين يلعبون في أرضية الملعب، بمعنى أنه لا بد من طاقم تحكيم خارجي ومن هنا أثمن عاليا ما طالبت به لجنة الحوار الوطني الشامل؛ حيث أشارت إلى نقطة في الصميم عندما طلبت أو اشترطت حضور لجان من خارج الوطن.

وهذا في الحقيقة له ارتباط كبير بالمحور الأول، بحيث إن موافقة النظام على مثل هذا مطلب أو شرط سوف يؤكد مصداقية النظام ولا يترك مجالا للريب والشك النية عندما أطلق المعتقلين وحينها لن تزاحم أفكارنا تلك الأسئلة المفترضة أو المشككة في عدم صدق النية، أما إذا ما حصل العكس ورفض ذلك الطلب تحت أي ذريعة فإن ذلك – ليس ثمة شك – يؤكد الشكوك ويجعل إطلاق المعتقلين في بوتقة الاستثمار السياسي، ويكون العرض منه إذ ذاك هو لفت أنظار الخارج والداخل ليقولوا قولتهم وقد قالوها إن الرئيس رمى الكرة في ملعب المشترك ولن يدرك المجتمعون في ذلك اليوم المشهود إذا ما كانت تلك الكرة مفخخة وأرضية الملعب مليئة بالألغام.

أما المحور الثالث فهو يتمثل في الدعوة إلى حكومة وطينة مبنية على (قاعدة/أرضية) الشراكة، وفي هذا المحور كانت الدعوة خاصة بمن سماهم الرئيس بـ (الشريك الأساسي في قيام الوحدة) و (الشريك المساعد)، وهنا قد نفهم منه إذا لم تتحقق تلك الشروط كذلك عدم صدق النية.

فالجميع يعرف إن المشترك كان هو المستهدف في كل تلك الأزمات وقد أشرت في المقالين السابقين إلى كيف استطاع النظام توظيف كل تلك الأزمات وأن يجعل منها شباك صيد يصطاد من خلالها المشترك وكأن الحرب كانت قائمة بين النظام والمشترك بالفعل لا بين النظام والحوثيين من جهة وبينه وبين الانفصاليين من جهة ثانية. ولعل عناوين الصحف غير اللائقة التي كانت موجهة إلى المشترك كانت تؤكد بأن المشترك هو المستهدف من جهة ومن جهة ثانية كان يؤكد - بما لا يدع مجالا للشك - بأن المشترك شكل كابوسا للنظام أقض مضجعه وأسهد نومه، بحيث أصبح همه الأول والأخير.

وعليه فقد حاول النظام توظيف كل الأزمات واستثمارها سياسيا ليحاول – من دون جدوى – إزاحة المشترك من طريقه، وأنا أقول هنا إن النظام في خطابه ما يدل على محاولة مغازلة الاشتراكي بوصفه الشريك الأساسي في قيام الوحدة وقد كان قبل يوم الوحدة بساعات عدو الوحدة وساعي للانفصال هذه التناقضات تجعل الجميع في خوف وتوجس دائم ومطلوب منهم الانتباه والحذر من تلك الدعوة التي تحمل في ظاهرها الرحمة وقد يكون في باطنها الكثير من المكر والخداع؛ خاصة إذا ما تم رفض اشتراطات مهمة ينبغي أن تقوم عليها أرضية الحوار من حيث ضيقها واتساعها، ومن حيث تواجد لجان التحكيم الدولية الخارجية.

أما المحور الرابع والأخير والمهم – بتصوري - هو الإشارة إلى الجيش، والسعي الحثيث في تطوير إمكانياته، ولا أطيل في هذا الجانب لأن الحليم تكفيه الإشارة ولعل استحضر هنا مثلا مفاده (احلبي وإلا السكين).

ثم الخاتمة الطللية، وقد كان يسمع بأن هناك مقدمة طللية، لكن في الحطب السياسة هناك (خاتمة طللية) وقد كانت المقدمة الطللية في القصيدة العربية مضمونها البكاء على الأطلال والحبيب والديار، أما الخاتمة الطللية الخاصة بالسياسيين العرب هي البكاء على فلسطين وديارها.

أخيرا كنت أتمنى أن يكون هناك محورا خاصا في الخطاب يتضمن الاعتذار للشعب اليمني خاصة لمن فقدوا أحبتهم في أثناء الحروب، ولمن قلتهم الفقر وحطمهم الجوع ونخر في أجسادهم فوهنت قواهم، وتغير حالهم، وباختصار فإن النظام قد ألبسهم لباس الفقر والجوع، فكان المطلوب منه على اقل القليل الاعتذار