مقامرة الغشاشين‎
بقلم/ جمال انعم
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 3 أيام
الأربعاء 04 مايو 2011 07:48 م

يُدافعُ صالح عن القتلة والمجرمين بذاتِ الحماس الذي يدافعُ فيه عن الشرعية. يبدو الرجل مشفقاً على "الشِّيُوبَة" الذين "يُدَسِّعوهُم" بحسبِ كلامِه.

تفجيرُ رؤوس شباب الثورة برصاص قنَّاصته وهراوات أنصاره ، سقوطُ المئات ، شهداء وجرحى: هذا مشهدٌ لا يعنيه ،أقدامُ شباب الثورة أكثرُ إشفاقاً ،القاتلُ لا يُهمُّهُ قَتيلُهُ بأيةِ حال ،كما لا يَعني القتيلُ إشفاقُه .

يُعسكرُ أنصارُ صالح داخلَ مدينة الثورة الرياضيَّة حيث يَتمرَّنون على حماية مرمى الرَّئيس و يأخذون دورات تدريبية مكثَّفة في القنص واصطياد المطالبين برحيله ، يَومَها كانوا في تطبيق عملي على أهداف سلمية بريئة .

وَجدت الجريمةُ في اليمن على مدى عقود حاضناً يمدها بأسباب القوة والبقاء ، ولم يكن سوى صالح ونظامِهِ . لم نظفر به مرةً مدافعاً عن حقِّ مستباحٍ،عن دم مسفوحٍ ، عن كرامةٍ مهانةٍ ، عن عرضٍ مصانٍ ، عن مواطنٍ ذبيحٍ بيدِ أتباع القصرِ وأعوانِهِ . لم ينتصرْ يوماً لمظلوم . 

هو دوماً في صفِّ الظَّالمِ منتصراً للفساد ،منافحاُ عن الفاسدين ، مبرراً الجريمة ، متهماً الأبرياء ، مشيراً إلى مسئول ومساءلٍ سواهُ . كانت الجريمةُ مع ذاتها على طولِ خطٍّ الحكمِ ، وهي اليومُ في واجب الوفاء الأخيرِ ؛لهذا لا يفجعنا الخلقُ الرئاسيّ إذْ يواصل اختلاق الأكاذيب رفقةَ الفانين من غشَّاشِيِّ الخطيئةِ .

في كتابِه " هُروبي إلى الحرية " يُشير الرئيس البُوسنيّ الراحل عَلِي عِزَّتْ بِيجُوفِيتش إلى " رجلين كانَا يَتقامَران على سطح سفينة التّيتَانِيك وهي تغرقُ أحدهما يغشُّ في اللعبِ ، وعلَّق :الكثيرُ من الناسِ يُشبهون هذينِ الاثنين". 

هذا الرجل فوضى عقلية ، ولغوية ، وسلوكية ، محفل اضطراب وتجمع متناقضات . في حديثه لتليفزيون "روسيا اليوم" يشن هجوما كاسحا على دولة قطر وقناة الجزيرة والتي استأثرت بنصيب فادح من سقطاته ، جردها من المهنية ، والمصداقية مدللا باستقالة العديد من مذيعيها ، كنت لحظتها أتأمل قائمة المستقيلين من قيادات الفضائية اليمنية ومؤسسات إعلامية رسمية أخرى لم يذكرهم ؛ لأنهم رفضوا قتل الحقيقة والعمل تحت إدارة قاتل محترف .

ما أستغرب له أنه لم يحمل قطر والجزيرة أزمة الغاز على الأقل ، سيبدو معقولا الإدعاء أنهم أخفوهُ لاستخدامه في إشعال الثورة وطبخ المزيد من المؤامرات . 

تغرقُ سفينةُ صالحُ في بحرِ الثورةِ ، بينما يواصلُ المقامرةَ والغشُّ واستدعاء الغشُّاشين ، ولا عاصمَ اليوم من أمرِ الله ،الوطن ليس سفينةً يقودها ربًّانٌ مجنونٌ.

الوطن اليوم هو البحرُ والبرُّ ، الربان والقائد ، الدليل والمشيرُ ، الذراعُ والشراعُ ، الموجةُ الآملةُ ، المرافئُ والشُّطآن ، كلنا فيه مدٌ لا يعرفُ الجزرَ . كمْ قطعنا من المسافةِ في طريقِ النَّصرِ ؟ كمْ سرنا نحو الخلاص ؟ المسافاتُ داخل الروح ، وقد قطعنا منها الكثير ، عبرنا الخوفَ ، المحاذرة ، التردد والارتعاش ، الهواجس والظنون ، عبرنا هذه الغابة ، تجاوزنا الشكِّ بيقين يزدادُ صلابةً ، قفزنا فوق المستحيل ، تعدينا الأشراك والفخاخ ، المكائد والمصائد ، تخطينا الأهواءَ والأدواءَ والعراقيلَ ، غادرنا الوَهنَ والخَوَرَ ، الجُبْنَ والعجزَ ، رمَّمنا الكثيرَ من شروخ وتمزُّقات الزمن الدميم .

الثورات الكبرى أسرارٌ وقوى مربية تنجزُ الخوارقَ والمعجزات ، تحدثُ هزاتها الكبرى على مستوى الروح والعقل والسلوك ، تعيدُ تشكيلَ الحياةَ والأحياءَ ، تعيدُ صياغةَ الإنسانَ والأوطانَ من جديد.

صالحُ اليوم حالةٌ قديمةٌ على هامشِ الوطن الجديد الذي يتشكّلُ داخل ساحات الحريَّة ، يدركُ أن الوطنَ قد تخطاهُ ، وأنَّ الزمنَ قد تعداهُ ، وأنَّ استمرارهُ في العدوان لن يعيدَ العجلةَ نحو الوراء.

هو يلعبُ الآنَ بأكثرِ الأوراقِ تدميراً وإحراقاً له ، ورقة الدماء ، يستسهلُ إراقةَ دمِ شباب اليمن ورجالهِ في الشوارعِ والأحياءِ ، يبدي جُرْأَةً في القتلِ ، يحشدُ آلياته التي دفع فيها شعبنا ثمن " الكسرة والدواء" لمحاصرةِ وقمعِ مدائننا الثائرة في الجنوبِ والشمالِ ، يقود معركة بقاء مستحيل بأسلوبه الخاص والمعهود ، استخدام القوة والإكثار من القتل كما فعل ذلك قبل في الجنوب وصعدة.

ينسى صالحُ أنه يدفع اليوم ثمن جرائمه بحق الوطن كاملة مع فارق أن شعبنا الآنَ أكثر منه قوةً وقدرةً على الملاحقة والمقاضاة ، وتقرير العقاب.