الغياب النووي العربي
بقلم/ عبد الباري عطوان
نشر منذ: 14 سنة و 5 أشهر و 28 يوماً
السبت 08 مايو 2010 01:40 م

فاجأت السيدة هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الامريكية، الوفود المشاركة في مؤتمر معاهدة منع الانتشار النووي، المنعقد حاليا في نيويورك، في مقر المنظمة الدولية، بقولها، انها تريد "شرق أوسط خاليا من الاسلحة النووية"، ولكنها لم تذكر اسرائيل مطلقا في خطابها، بينما ذكرت ايران التي لا تملك اي اسلحة نووية حتى الآن اكثر من عشر مرات.

السيدة كلينتون ارادت بمثل هذا التصريح ارضاء بعض الوفود العربية، والمصري منها على وجه الخصوص، الذي وزع اقتراحا على الدول الموقعة للمعاهدة (189 دولة) بعقد مؤتمر في العام المقــــبل بخصــــوص اخلاء الشــرق الاوسط من الاسلحة النووية، تشارك فيه دول المنطقة، ومنع تزويـــد اسرائيل بأي مواد أو اجهزة نووية طالما لم تكشف عن برامجها النووية وتوافق على اخضاعها للتفتيش الدولي.

الموقف المصري هذا يستحق التنويه، ولكن هناك مخاوف جدية من ان يتم التراجع عنه تحت الضغوط الامريكية والاسرائيلية تماما مثلما حدث عام 1995، عندما رفضت مصر التوقيع على قرار بتجديد التـــزامها بالمعاهدة طالما ظلت اسرائيل غير ملتزمة بها، فبعد ان حظــــي هذا الموقف بالتقدير والاحــــترام في العالم الاسلامي ودول عدم الانحياز فوجئنا بالسيد عمرو موسى وزير الخارجية المصري في حينـــها يســـقط كل الشروط المصرية ويوقع على تجديد المعاهدة وتوقيع مصر لها بطريقة مهينة.

وكان لافتا ان بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي حرص على زيارة مصر يوم الاثنين الماضي، ليس من اجل دفع عملية السلام مثلما اشيع، وانما من اجل الضغط على الرئيس حسني مبارك للتراجع عن موقف بلاده المذكور، تماما مثلما حدث عام 1995، ويبدو ان هذا الضغط حقق بعض النجاح، فقد تراجعت حدة المطالبات المصرية بشأن ضرورة الكشف عن الاسلحة النووية الاسرائيلية، ويدور الحديث حاليا عن وساطة امريكية لاصدار "قرار مخفف" في نهاية الاجتماع.

كل هذه الجعجعة الامريكية حول اخلاء المنطقة من الاسلحة النووية تستهدف ابقاء الملف النووي الايراني على مائدة الاهتمام الدولي، وبما يمهد الطريق لفرض عقوبات اقتصادية على طهران. وهذا ما يفسر عدم الاهتمام الاسرائيلي بتصريحات السيدة كلينتون وجهود رئيسها اوباما المفاجئة حول اخلاء العالم بأسره وليس منطقة الشرق الاوسط من الاسلحة النووية، لأن المسؤولين الاسرائيليين مقتنعون بأن الادارة الامريكية ستلتزم بتفاهمات جرى التوصل اليها عام 1969، مع الحكومات الاسرائيلية بعدم ممارسة واشنطن اي ضغوط على اسرائيل كي تنضم الى ميثاق منع انتشار السلاح النووي.

ومن المفارقة ان الادارة الامريكية تبرر التزامها بهذه التفاهمات بتبني ذريعة اسرائيلية تقول بتحقيق السلام اولا ثم الحديث بعد ذلك عن شرق اوسط خال من الاسلحة النووية، اي ان توقع اسرائيل معاهدات سلام وضمانات امنية مع جيرانها العرب ثم يتم بعدها الحديث عن برامجها النووية والكشف عنها.

' ' '

الرد العربي يجب ان يتمثل في عكس هذه المعادلة، اي ان يتم تفكيك الاسلحة النووية الاسرائيلية وتدميرها كشرط لتحقيق السلام وتوقيع المعاهدات الامنية والسلمية، والا اللجوء بكل الطرق والوسائل لامتلاك العرب لاسلحة نووية تحقق الردع النووي مع اسرائيل.

لا نفهم لماذا تخشى بعض الدول العربية من حدوث سباق تسلح نووي في المنطقة، فمثل هذا السباق بات حتميا في ظل التواطؤ الغربي مع البرامج النووية الاسرائيلية، ومحاولة تحويل الانظار عنها الى نظيرتها الايرانية التي ما زالت "نطفة" في رحم طموحات اصحابها.

وربما لا نبالغ اذا قلنا ان جميع الدول العربية، بل والاسلامية ايضا يجب ان تنسحب بشكل جماعي من معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية طالما ظلت اسرائيل خارج مظلتها، وترفض اخضاع مفاعلاتها النووية وخاصة مفاعل ديمونة للتفتيش الدولي.

نعرف ان الحكومات العربية لن تفكر، مجرد التفكير، بمثل هذا الاقتراح، لانها اضعف من ان تغضب الولايات المتحدة او تستفز اسرائيل، فاذا كانت لا تستطيع كسر حصار ظالم وغير قانوني او اخلاقي على مليوني عربي مسلم في قطاع غزة، فهل ستنسحب من معاهدة دولية على هذه الدرجة من الاهمية كهذه؟

امتلاك العرب لاسلحة نووية هو الكفيل بوضع حد لهذا التغول الاسرائيلي، وبما يحقق الردع الفاعل مع الدولة العبرية. ويكفي الاشارة الى انه منذ ان امتلكت كل من الهند وباكستان اسلحة نووية توقفت الحروب بينهما كليا.

ونذهب الى ما هو ابعد من ذلك ونشير الى حالة الرعب التي تسود اسرائيل حاليا من صواريخ "حزب الله" في جنوب لبنان ونجاح هذه الصواريخ والارادة القتالية القوية خلفها في وقف العربدة الاسرائيلية ضد لبنان التي استمرت طوال الثلاثين عاما الماضية.

وربما يفيد ضرب مثل آخر على حالة الرعب الاسرائيلية هذه من خلال الاشارة الى ازمة صواريخ سكود التي اثيرت مؤخرا، وتبنتها واشنطن والتعاطي "المنضبط" معها، فاذا كانت اسرائيل على علم بنقل هذه الصواريخ السورية الى "حزب الله" في لبنان، فلماذا لا تضربها مثلما ضربت مفاعل دير الزور المزعوم، طالما تؤمن بان هذه الصواريخ تخل بالتوازن الاستراتيجي في المنطقة وتشكل تهديدا مباشرا للامن الاسرائيلي؟

' ' '

ما يمنع اسرائيل من ضرب هذه الصواريخ هو تيقنها بان الاقدام على مثل هذا العمل لن يمر بسلام، وقد يؤدي الى تفجير حرب اقليمية شاملة، لان اللقاء الثلاثي الذي انعقد في دمشق (بشار الاسد واحمدي نجاد والسيد حسن نصر الله) اتخذ قرارا بالرد، وان صبر سورية على كيل الاهانات الاسرائيلية قد يكون نفد، والا كيف يتم فهم تصريحات السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري الذي يعتبر "انعم" المسؤولين السوريين، عندما قال ان الاسرائيليين يجب ان يعلموا ان الحرب اذا ما اشتعلت ستصل الى قلب المدن الاسرائيلية، او تصريحات السيد حسن نصر الله التي قال فيها ان هدم بيت في الضاحية الجنوبية سيرد عليه بتدمير احياء كاملة في تل ابيب.

التفوق العسكري الاسرائيلي يتآكل، ليس بسبب الاستعدادات والبرامج النووية العربية وانما بسبب بروز قوى اقليمية عظمى غير عربية مثل ايران وتركيا، فمنطقة الخليج العربي تشهد حاليا مناورات عسكرية بحرية ايرانية تستمر ثمانية ايام هي الثانية من نوعها في غضون شهر، حيث تجري هذه المناورات قرب الاساطيل الامريكية التي تزدحم بها مياه المنطقة في تحد غير مسبوق.

الابداع العربي المتميز هو في استئناف المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل، والتهديد باللجوء الى مجلس الامن في حال فشلها، وكأن مجلس الامن لا يعرف شيئا من قضية الصراع العربي ـ الاسرائيلي ولم يصدر خمسة وستين قرارا بشأنها مع الجمعية العامة.

الرد العربي على الرفض الاسرائيلي بالكشف عن اسلحته النووية وتفكيكها هو بدخول السباق النووي، فهناك 500 مليار دولار تدخل خزائن دول المنطقة العربية من عوائد النفط سنويا، وهناك كوريا الشمالية وباكستان وربما روسيا والصين ايضا على استعداد للمساعدة في هذا الصدد اذا ما كان الثمن مناسبا (عقود تجارية ونفطية)، لكن الاستمرار في العويل والشكوى من البرنامج النووي الايراني والتحريض عليه امريكيا فهذا هو قمة المهانة والتذلل.