|
الثورة بتعريفها هي حركة تغييرية واسعة تتفجر كنتيجة لشعور الناس بالحاجة لهذا التغيير، ورغم أن الحاجة للتغير قد يجمع عليها الغالبية في الشعب إلا أن الكثيرين يفضلون الصمت بدافع الخوف وايثار السلامة والرضى بالواقع ولذلك فان أي ثورة تحتاج إلى فئة تقوم بإشعال فتيل الثورة و دفع عجلتها للتحرك حتى يتم هدم حائط الخوف رويداً رويداً ليزداد الملتحقون بالثورة حتى تصبح سيلاً جارفاً لا تستطيع أنظمة الاستبداد الوقوف في طريقه.
واذا كان الثورة الشبابية اليوم في اليمن قد هدمت حاجز الخوف هذا وتجاوزته بمراحل كثيرة و لم تعد وسائل القمع والبطش تجدي نفعاً ، فإن النظام يلجأ لتخويف الناس من نتائج هذه الثورة وبث الإشاعات حول أهدافها وما ستؤول إليه الأوضاع من أجل أن يثبط البعض الذين مازالوا صامتين من اللحاق بركب هذه الثورة. وبدايةً علينا أن ندرك أن هذه الثورة تهدف لبناء يمن جديد تحكمه دولة مدنية حديثة تسودها المساواة وتديرها المؤسسات بحيث يحترم النظام و القانون الذي يسرى علي الجميع دون استثناء وستظل هذه الاهداف النقية محل الإجماع لشباب التغيير وإن تعددت مشاربهم وخلفياتهم السياسية وأصولهم المناطقية وسيظل حماية هذه الأهداف مسؤولية الجميع.
ولعل أهم الشبهات التي يعمل النظام علي نشرها لتخويف الناس كالتالي:
التخويف بالفوضى لو ذهب النظام الحالي: لا يمكن أن ينكر أحد الوضع الأمني في البلاد المتدهور أصلاً فالثارات القبلية تتخطف شباب اليمن كل سنة دون أن يكون هناك أي توجه للنظام لحل مثل هذه القضايا، ومثال آخر لانعدام الأمن أن اليمني لا يأمن علي قطعة أرض يشتريها لانه يدرك تمام الإدراك أنه سيفاجاً بمن يدعي ملكيتها، ويعرف اليمني أنه ربما يخرج ليجد سيارته قد سرقت ونقلت من محافظة إلى أخرى وعبرت كثير من النقاط الأمنية دون أن يجد من يغيثه ليسترجعها. وحالة الفوضى هذه تزداد عاماً بعد أخر ولا محالة أن استمرار هذا النظام يجعلها تزداد سوءًا كل يوم. ولذلك فالخوف من الفوضى غير مبرر لأن البلد أصلاً في فوضى بل لا بد من التحرك والتكاتف للمطالبة بتغيير هذا الوضع الفوضوي السيء واقامة دولة نظام وقانون يأمن فيها المواطن على نفسه وماله وعرضه.
التخويف بالانفصال: لقد كانت الوحدة حلم اليمنيين جميعاً في الشمال والجنوب وعندما قامت الوحدة كان اليمنيون يحلمون بدولة يعم فيها المساواة والعدل لا تفرق بينهم علي اساس المناطق أو الولاءات ، ثم كانت حرب 94 والتى كان لأبناء الجنوب أنفسهم الدور الأكبر في حسمها. لكن سياسة الإقصاء والتهميش التي أعقبت الحرب وإبعاد الكثير من القيادات الكفوءة ونهب الأراضي في المحافظات الجنوبية كل ذلك عزز الشعور بالظلم والغبن وبدأت المطالب برفع هذا الظلم لكن النظام حاول الالتفات عليها ولم تكن هناك نية صادقة في حل هذه القضايا حتى ارتفعت المطالب بالإنفصال. إن بقاء هذا النظام هو ما سيكرس الانفصال بسبب ظلمه وجوره، أما الثورة فهي اليوم تجمع كل اليمنيين و بالتالي فإن قضية الجنوب هي القضية السياسية الأولى التي ينبغي حلها عند نجاح الثورة لأن النظام فشل في حلها.
تولي حميد الاحمر السلطة أو سيطرة المشترك علي البلاد: إن الثورة اليوم لا تهدف لتغيير حاكم باخر أو حزب بحزب أخر وانما تستهدف تغيير القيم الحالية واستبدالها بقيم المساواة والعدالة وايجاد نظام ديمقراطي يكفل للجميع التنافس بالتساوي دون تمييز على اساس مناطقي أو حزبي وبالتالي فان الفرصة التي يجب أن تتاح لحميد أو لأحزاب المشترك يجب أن تكون هي نفس الفرصة التي تتاح للأخرين والذي يستطيع أن يفرض هذه القيم والمبادئ ويكرسها هو الشعب نفسه الذي أصبح قوة حقيقية لا يمكن التغاضي عنها في أي حسابات سياسية قادمة.
مشكلة صعدة : لم تقفز مشكلة الى السطح فجأة بل إن النظام عمل على التلاعب بهذه القضية واستجداء الخارج وأزهق الكثير من الأرواح من أجل حساباته الخاصة وتعامل مع هذه القضية كأحد الكروت التي يستخدمها لتحقيق هدف بقاءه في السلطة. وخلال الفترة السابقة اندلعت الكثير من الحروب في صعدة تنفجر وتنطفي لا يعلم الناس متى وكيف وانما وفق اجندة الحاكم ولذلك فان بقاء هذا النظام لن يحل هذه المشكلة بل بالعكس انه يزيد توترها وسيفجر مثلها الكثير من المشاكل في مناطق أخرى.
الوضع الاقتصادي: ربما يكون النظام الحالي هو اخر من يدعي اهتمامه بالوضع الاقتصادي للبلاد وخوفه عليه ذلك أن سياسة العبث بالمال العام واضحة العيان لكل الناس وليس اقلها صفقة الغاز التي تخسر اليمن فيها كل سنة اكثر من ملياري دولار كان يمكن ان تفعل الكثير للاقتصاد اليمني. وكلنا يعرف أن الوضع الاقتصادي ينحدر كل فترة من سيء لأسوأ بسبب سياسة هدر الموارد الاقتصادية والتي يلتهمها غول الفساد المتمثل في رموز النظام بحيث سيطروا علي أهم مفاصل الاقتصاد واحتكروا كل الفرص الاستثمارية وعملوا على تنفير نفر رأس المال الأجنبي بمطالبهم بمشاركته وعمل هذا النظام عى تركيز رؤوس الأموال في أيدي شلة صغيرة تعبث بمقدرات هذا الوطن ونتيجة لذلك أضحى واضحاً للعيان أن التخلص من هذا النظام هو الأمل الوحيد لإصلاح الوضع الإقتصادي وإيجاد فرص متكافئة لكل أبناء الشعب اليمني في الإستثمار .
ختاماً فإن ثورة التغيير اليوم قد تجاوزت محاولات وأدها بل لقد حققت بعضاً من أهدافها في تغيير المفاهيم والقيم والموازين لدى الناس حيث أدركت غالبية الشعب اليوم حقوقها واستوعبت أن النظام يجب أن يكون خادماً للشعب ليعمل علي تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للمواطن وفي حالة فشله فانه ينبغي استبداله بأخر، وادراك الناس لهذه الحقائق والأسس سيشكل عامل حماية لهذه الثورة من الالتفاف عليها من قبل أشخاص أو أحزاب أو فئات. ولعلنا الأن أدركنا أن الديمقراطية الحقيقية لا تكون الإ تلك التي ينتزعها الشعب من الحاكم أما التي يهبها الحاكم فانه سيظل يغير مقاييسها وفق أهوائه ومصالحه.
إن النظام الحاكم في اليمن اليوم يدرك أن دورة التغيير قد تمت وأن رحيله مسألة وقت غاية ما يرجوه هو 150 يوم كما كان في اخر مبادرة وجهها للأخوة الخليجيين وعليه فانه فقط يهدف لإثارة المزيد من الفوضى ونهب المزيد من المال العام و لم يعد للصمت على ذلك أي معنى .
في الأحد 24 إبريل-نيسان 2011 11:37:25 ص