|
تخوض السلطة حروباً شاملة «وإن بدت متقطعة ومتفاوتة» في الشمال والجنوب تحت مبرر حماية الوحدة من تهديدات «الانفصاليين» وحماية الجمهورية من تهديدات «الملكيين» وحماية البنك المركزي من وصول «التتار» للسلطة، ومؤخرا أضيفت إليها خداعا «استقرار الإقليم» ومنع تصدير الإرهاب والمخدرات والعملات المزيفة إلى أشقائنا على الحدود «الشمالية»!!
ويتلخص مفهوم السلطة لما يحصل في اليمن -كما سمعتها وزملائي من رئيس الوزراء الدكتور علي محمد مجور: «ما يحدث في الجنوب هم بقايا ومخلفات حرب 94م». وقبلها قالها الرئيس في مؤتمر نقابة الصحفيين: «ما يحدث في الجنوب محاولة للعودة إلى ما قبل 1990م وما يحدث في صعدة محاولة للعودة لما قبل 1962م» والنتائج المترتبة على هذه التوصيفات لا تعني سوى إعلان الحرب وسحق الخصوم والمحتجين في كل اتجاه ولا عبرة بدعوات الحوار والتسامح والدبابات خارج ثكناتها العسكرية.
الاستغفال.. والحقائق
أتمنى أن تكون هذه التوصيفات حقيقية إذ من حق كل الشعوب الدفاع عن استقرارها ووحدة أوطانها باعتبارها مصالح قومية عليا وحدث ذلك في كل الشعوب فأمريكا دفعت ثمن وحدتها في عهد «كيندي» وبريطانيا تقاتل «أيرلندا» منذ عقود.
لدينا لا توجد حروب يمكن وصفها بالوطنية والدفاع عن المصالح العليا وأزعم أن ما يجري صراع داخل النظام الحاكم يلتهب في الأطراف ويستخدم مقدرات البلد وأبناءه وقودا للحفاظ على مصالح مكتسبة وحتما سيصل هذا الصراع قريبا إلى المركز بعد تآكل الأطراف وفقدان السيطرة كما هو حاصل اليوم في عدد من المناطق الشمالية والجنوبية والشرقية (مؤخرا ظهر تحد للقاعدة والتجول بالأسلحة علنا في بعض المحافظات الشرقية).
مخطط السلطة: نقاتلهم بالشعب لا بالجيش!!
بعد عام 97م تمكن المؤتمر الشعبي العام من التفرد بالحكم والخلاص من كل التحالفات وبدأ مشروع «التوريث» وضاقت دائرة المصالح والنفوذ وتقليص صلاحيات «ممثلي الجنوب» في السلطة وتيار سنحان وقبيلة حاشد ممن لا يدينون بالولاء المطلق لـ»الجيل الثاني» من أبناء سنحان وقبلها تم إخراج الاشتراكي بالحرب وإخراج التجمع اليمني للإصلاح بالصندوق في عام 97م..
وفي عام 98م بدأ تشكيل «اللجان الشعبية في المحافظات الجنوبية» ثم تبعه ملتقى أبناء الجنوب عام 2000م وجميعهم من رموز النظام وممثلي «تيار الجنوب» في السلطة، ثم انشقاق «الحسني» ومغادرته سوريا نحو «لندن» ليؤسس لتيار انفصالي ضاغط يحمي مصالح -مشروعة- لمن ساهم في تثبيت الوحدة في عام 94م وقاتل إخوانه من أجلها ووجد نفسه فجأة خارج دائرة النفوذ والمصالح.
هو ذلك التشابه ما حدث في الشمال فقد تم إفراغ حزب الحق من قوام «ثلاثة آلاف عضو» بقيادة حسين الحوثي ودعمه بالمال من الخزينة العامة والتمويلات الغذائية وبمباركة شخصية من الرئاسة وقال الرئيس في خطاب معلن عام 98م بعد أحداث «الرضمة»: لن نقاتلهم بالجيش.. سنتصدى لهم بالشعب» إذ كانت الرؤية الرسمية تقضي محاولة ضرب حزب الإصلاح بالمليشيات الشعبية الجديدة المدعومة!!
حرب داخلية.. والكارثة وطنية
من هم أولئك الذين يقاتلهم النظام من أجل حماية الوحدة والجمهورية؟ طارق الفضلي، نافس في انتخابات اللجنة العامة السابقة على مقعد أبين وتمكن المحافظ أحمد الميسري من التغلب عليه بدعم من رئيس الجمهورية بنفس الأدوات التي تم الإطاحة بحسين الأحمر.
والفضلي من الحلفاء والأنساب وهو الذي قام بتمليك القيادات السياسية والعكسرية لأخصب الأراضي الزراعية في دلتا أبين وهناك محضر موقع من قبل قيادات في النظام أعطت الحق لطارق الفضلي بأن يتملك 70% من محافظة أبين.
فطارق الفضلي يعتبر شيخ النائب/ عبد ربه منصور هادي وعلي عبدالله صالح هو رئيس للمحافظ أحمد الميسري وخارطة النفوذ والصراع في أبين تدور في صنعاء وتظهر النتائج هناك، وناصر النوبة عضو اللجنة الدائمة حتى سنوات قريبة، وحسين الحوثي ويحيى الحوثي وعدد من قيادات حركة الحوثي هم أعضاء المؤتمر الشعبي العام -حتى هذه اللحظة.
وقيادات تنتمي لمحافظة حضرموت تمارس نضالها خارج إطار المحافظة، ربما اشترط «الممولون» استقرار المحافظة لحين الطلب!!
الدعم والإسناد
هناك من تولى دعم حركة الحوثي من داخل النظام وإمداده بالمعلومات والأسلحة المتطورة من المستودعات الرسمية وإشعال الحرب وإيقافها لخمس مرات متتالية، ولم يتمالك العميد يحيى محمد عبدالله صالح -رئيس أركان حرب الأمن المركزي ليدين علنا إيقاف الحرب عند كل لحظة اقتراب من الحسم في صعدة ويسخر من تعيين رئيس لجنة سلام وصفه بتاجر حرب ألا يعني ذلك اتهامات متبادلة داخل النظام؟ ثم إن أحدا في المعارضة ولا في البرلمان توجه للرأي العام بتوضيح «حقيقة» ما يحدث، كما أن الذي مول النظام في الحرب في الشمال يستعد لتمويل «الجنوب» ضد النظام!!
النار فـي صنعاء.. والدخان فـي أبين وصعدة
بتعبير الدكتور حسن مكي وهو يستغرب من انشغال السلطة بالدخان وترك «النار» تشتعل وهو وصف «دبلوماسي» لم يفصح عن الحقيقة الكاملة وفحواها من زاوية أخرى حسب قراء مغايرة أن دائرة صنع القرار في صنعاء تشعل الحروب وتصفي حساباتها وتستثمر ذلك لخلق اصطفافات من المغفلين والحمقى لمطاردة آثار الدخان ومحاولة إخماده.
ومثله د. صالح باصرة وزير التعليم العالي الذي يؤكد أنه لا أحد يستطيع هدم القلعة إلا من الداخل وجميع التوصيفات تقود إلى مسئولية دوائر صنع القرار عما يحدث في البلد.
ففي الأسبوع الماضي استطاع الحوثيون السيطرة على منطقة «الحصامة» مقتل جنود من الوحدة المشاركة في المواجهة إثر نفاد الذخيرة والغذاء بينما كانت قوات أخرى مرابطة ترقب ما يحدث مكتفية بإطلاق مدفعي عن بعد!!
وفي نفس الأسبوع بعد قتل أربعة من جنود الأمن في أبين وجرح خامس، انتفض مصدر أمني مسئول وأعلن عدم صحة المعلومات التي تحدثت عن القبض على القتلة -وحسب معلومات- فإن النفي يأتي في إطار الاتفاق مع الفضلي بتهدئة الأوضاع في الجنوب لمدة شهرين وعدم الإفصاح عن من تم اعتقالهم!!
تحالف وطني ضد المطبخ
معظم الصراعات والحروب والإخفاقات التي ساقت اليمن باتجاه «النفق المظلم» وأهدرت دماء اليمنيين ومقدراتهم وأطاحت بآمال مستقبلهم كانت نتيجة لانحسار التفكير في إطار دوائر صنع القرار من مربع «الوطن» إلى مصلحة «الأسرة» وهذا الانتقال ترتب عليه تكسير التحالفات وضرب مصالح المتحالفين وتقزيم نفوذ تراكمات العقود الماضية، ومراكمة الثروة في إطار محدود لضمان بقاء السلطة وإضعاف الآخرين.
حاليا يحاول النظام استخدام المتمصلحين وهم كل من يشملهم «تيار ذيل بغلة السلطان» وقليل من حسني النوايا كدرع واق وتجييشهم ضد الضحايا والمظلومين وتبرئة «صُنّاع الأزمات».
ويتعين على كل قوى المعارضة كأحزاب وحركات وقوى وطنية عدم الانشغال «بالدخان» والتوجه صوب «المطبخ الرئيسي» لإطفاء النيران المشتعلة.
وربما يتفهم البعض موقف أحزاب المشترك التي رفضت الاصطفاف مع أي من أجنحة وتيارات الحكم ضد بعضها باستخدام الدم والمال اليمني وتنبهت مبكرا إلى مسئولية النظام عن كل أزمات البلد ودعت إلى تسوية تاريخية تحد من سلطة الفرد وضرورة أن يكون هناك مساءلة تقابل كل مسئولية، إذ أن من يحكم الآن بسلطات مطلقة لا يسأل عما يفعل!!
aligradee@hotmail.com
* ينشر بالتزامن مع الأهالي
في الثلاثاء 04 أغسطس-آب 2009 05:04:59 م