|
بعد غياب دام لأكثر من شهر كثر فيه الجدل بشأن صحته ، ظهر صالح في خطاب متلفز ظهوراً فاجأ أنصاره وخصومه معاً ، والمفاجأة الأكبر للجميع كانت في الحالة المزرية والمثيرة للشفقة التي ظهر بها الرجل (اللهم لا شماتة) ، حيث ظهر الرجل عاجزاً تمام العجز إلا من تحريك رأسه ، وظهر بجسد منهكٍ ومتهتك ، وبوجه محترقٍ تماماً ويدين عاجزتين عن الحركة بسبب الكسور التي وضعتهما في الجبس ، وبقدمين عاجزتين عن حمله ، وبدا صدره وكأنه محشور في جهازٍ ما أو طبقةٍ سميكةٍ من الجبس والشاش.
ظهر صالحُ متغيراً تماماً إلى درجة أن هناك من أنكر أن يكون هو هو صالح بشحمه ولحمه ، ولكن الذين يعرفون عقلية صالح وطريقة تفكيره ومفردات خطابه تأكد لهم أن ذلك الذي ظهر هو صالح ، فرغم التغير الحاصل في جسده إلا أن تفكيره وخطابه لم يتغير فهو لا يزال يصر على مواجهة التحدي بالتحدي ، ولا يزال متشبثاً بالحكم أكثر من ذي قبل ، ولا يزال مصراً على الحوار والشراكة مع الآخر بدلاً من التنحي والتفرغ للعناية بصحته وكتابة مذاكراته.
ورغم هذا الظهور المثير للشفقة الذي يدفع إلى الحزن لا إلى الفرحة ، إلا أن أنصاره بعنادهم وكبرهم وصلفهم وبشكل عبّر عن همجيتهم أحرقوا سماوات البلاد بالألعاب النارية والرصاص الحي الذي كلف خزينة الدولة في أحلك ظروفها الكثير من المال ، وكلف الناس أرواحاً بريئةً وخسائر جسيمة في ممتلكاتهم ، وأفزع النساء والأطفال.
لم يكن لتلك الفرحة ما يبررها ؛ لكنه العناد .. إذ أن الرجل بظهوره أثبت وبما لا يدع مجالاً للشك أنه أصبح عاجزاً تمام العجز عن ممارسة أي مهام مستقبلية إنْ في الحكم أو في المعارضة كما كان يردد أنه سينتقل إلى المعارضة في حال تسليمه السلطة وفق المبادرة الخليجية ، وبقي إثرَ ذلك أن يسلم بنوه وإخوانه وبنو إخوانه وأنصاره ومعارضوه جميعاً بهذا الأمر الواقع وأن يتركوا الرجل وشأنه.
أعتقد أن الفرصة الآن سانحةٌ أكثر من ذي قبل لانتقال السلطة وفق المادة السادسة عشر بعد المائة من الدستور التي تنص على : " في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجـزه الدائم عن العمل يتولى مهام الرئاسة مؤقتاً نائب الرئيس لمدة لا تزيد عن ستين يوماً من تاريخ خلو منصب الرئيس يتم خلالها إجراء انتخابات جديـدة للرئيس." ، وطالما أن الرئيس أكد في خطابه احترامه للدستور فعليه وأركان نظامه وأنصاره أن يقروا بالعجز الدائم الذي أصابه ، وفي المقابل على الثوار في الساحات ومؤيدوهم أن يصعدوا من برامجهم الثورية في هذا الاتجاه وأن لا يفوتوا هذه الفرصة الثمينة كما فوتوا فرصاً أثمن منها في الشهور الماضية.
وعلى الفريق منصور أن يدرك أنه رجل المرحلة وأن واجبه الوطني والدستوري يمليان عليه أن يبادر إلى تسلم مهامه دون إبطاء ، وممارسة صلاحياته كرئيس مؤقت للجمهورية دون خوفٍ أو استحياء ، وأن يدرك أن وطناً بهذا الحجم وبهذه الحالة المزرية والصعبة وفي هذه المرحلة الدقيقة والحاسمة ينظر إليه كبطل منقذ ، فإما أن يضطلع بواجباته الدستورية احتراماً للشعب والتزاماً بالدستور وحفاظاً على الوطن وينتشل الوطن من هذا المأزق الصعب وأن ينتزع سلطاته من براثن (الأقارب) بقوة الدستور ودعم الشعب وتأييده ، أو أن يعلن عجزه هو الآخر لينظر الشعب في أمره ويحدد مصيره بنفسه دون الانتظار الذي يقود إلى مالا يحمد عقباه.
كما أن على القوى الإقليمية والدولية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية أن تقتنع بأن رجلها في اليمن قد انتهت صلاحيته تماماً ولم يعد قادراً على حماية مصالحهم في اليمن ، وبالتالي عليهم أن يتخلوا عن استخدامه وهو في هذه الحالة كفزاعة للثورة الشعبية أو ما يسمى بالقاعدة دون أي اعتبارات لشعب الخمسة والعشرين مليون إنسان ، وعليهم أن يدعموا خيارات الشعب اليمني في إمضاء ثورته واختيار حكامه وبناء دولته بعيداً عن التدخلات في شؤونه.
*كاتب وأكاديمي يمني, صنعاء.
في الإثنين 11 يوليو-تموز 2011 07:34:08 م