ليتك تبادر اليوم غير مضطر غداً!!
بقلم/ فيصل مكرم
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و يومين
الثلاثاء 01 فبراير-شباط 2011 06:03 م

ما يحدث في مصر منذ أيام هو تكرار لذات المشهد الذي حدث بالأمس القريب في تونس.

بعد هروب زين العابدين بن علي من وجه الثورة الشعبية وسقوط نظامه قال السياسيون الموالون للحكم في مصر، وقال الإعلام الحكومي، وقالت الصحافة الرسمية في مصر أن مصر ليست تونس، وأن الرئيس مبارك ليس زين العابدين..

قالوا بأن لمصر خصوصيتها، فهي دولة مؤسسات عريقة وهي الدولة العربية الأولى نفوذاً في المنطقة وتاثيراً على كل المتغيرات والتطورات الدولية، والإقليمية، وتمتلك من الإمكانيات الأمنية والاقتصادية والسياسية ما يجعلها مستبعدة عن مشهد مشابه للمشهد التونسي.

وقالت أنظمة عربية أخرى ما قاله النظام المصري لشعبه، غير أن ما يجري اليوم في مصر خالف كل التوقعات ودحض كل نظريات التباين والاختلاف بين الأنظمة وبين الشعوب العربية، وتلك نظريات أثبتت أنها قاصرة، حيث لم تستوعب وجه التشابه في الأسباب والمعطيات لما جرى وحدث في تونس بما يجري في مصر وما سيحدث تباعاً في دول عربية أخرى ربما لا تزال النخبة الحاكمة فيها تعتقد بما كانت تعتقده النخبة الحاكمة في مصر.

الشباب التونسي هو من أشعل نيران الثورة تحت أقدام زين العابدين ونظامه، وهو من أجبر زين العابدين على الفرار ذليلاً بغير هدى ولا وجهة، مستجيراً يستجدي الجوار بعد أن ضاقت به الدنيا بما رحبت، وها هو زين العابدين يتحول خلال أيام من رئيس دولة يحكمها بالحديد والنار إلى فار من وجه العدالة التي نزعها عن شعبه.

وما حدث ويحدث في مصر ربما فاق كل التوقعات، غير أنها نتيجة حتمية للاحتقانات الشعبية المتراكمة.. الشباب المصري من كل الطبقات الاجتماعية والمستويات العلمية والثقافية ومن مختلف الانتماءات الحزبية والسياسية حين فاض به الكيل قرر أن يعبر عن إرادته وأن يختبر مقدرته على فرض مطالبه.. انتظر الشباب المصري طويلاً لعل رأس النظام والقائمين على إدارته يلتفتون إلى معاناة شعبهم ومطالب شبابهم وتطلعات أجيال وطنهم نحو غد أفضل ومستقبل أرحب..

ربما كان الشباب المصري سينتظر لوقت أطول، غير أنه أدرك أن الانتظار أصبح ضرباً من الاستسلام ومن ضروب الخذلان والمذلة التي بات يتجرعها، بطالة، وفقراً، وفساداً، واستبداداً، دون أمل في بصيص ضوء على نهاية النفق المظلم.

ما يحدث في مصر ربما فاق كل التوقعات، غير أنه تأكيد صريح لإرادة شعب في انتزاع حقوقه من بين مخالب الطغاة وجبابرة القمع والاستبداد وتماسيح الفساد.. ما يحدث في مصر ليس ثورة جياع يحلمون بقوت يومهم، ولا مطالب فقراء يرزحون بالملايين تحت خط الفقر، ولا مناشدة عاطلين عن العمل يصطفون في طوابير طويلة لسنوات وسنوات بانتظار فرصة عمل تجدد آمالهم في حياة كريمة.. ما يحدث في مصر ليس له علاقة بصراع على السلطة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، في بلد كبير وعريق بحجم مصر استأثر به الحاكم ورموز سلطته وفساده على حساب شعب مصر كلها.

الذي يحدث اليوم في مصر ثورة شعبية لا تقل شأناً عن كل ثورات التحرر من الاستعمار والاستبداد والظلم والتخلف التي أشعلتها الشعوب الحرة في سبيل انتزاع حريتها وسيادة أوطانها، حيث كانت مصر عبر تاريخها عنواناً عريضاً ومشرقاً لانطلاق تلك الثورات من ميادينها وشطآنها ومدنها العريقة وضفاف نيلها الذي يمد شعبها بالحياة ويستمد منه قوة الإرادة.

وحيث كان لمصر وشعبها أدوار ومواقف وتضحيات كبيرة في سبيل دعم ومساندة ثورات التحرر في الوطن العربي من محيطه إلى خليجه.

الذي يحدث في مصر اليوم ثورة من أجل التغيير وليست مجرد تظاهرات من أجل التعبير، ثورة انعتاق من براثن الاستبداد والفساد، ثورة شباب حلموا طويلاً في انتزاع حقوقهم في حياة كريمة وحرية لا يشوبها زيف الإعلام ولا أكاذيب زبانية الطغاة وأبواقهم ومستقبل نشدوا ولوجه بإرادتهم وليس بإرادة من لا يكترث بأحلامهم وتطلعاتهم.

الذي يحدث في مصر درس آخر يتكرر خلال أسابيع قليلة على واجهة المشهد العربي، حيث كان الدرس التونسي لا يزال شاخصاً غير بعيد.

الذي حدث في تونس يتكرر في مصر خلال فترة زمنية قياسية وكلاهما حدثان تاريخيان لهذه الأمة في تاريخها المعاصر.

ولأن اليمن مرشح هو الآخر لمشهد مماثل في ضوء المعطيات والمتغيرات الراهنة الغالبة على المشهد العام الذي يسود العالم العربي.. لأن اليمن في ضوء التداعيات التي تفرضها أزماته الراهنة مرشح لكل الاحتمالات والتوقعات.

ولأن اليمن مثقل بفقره وضعف موارده وموروث صراع الفرقاء من أبنائه.. ولأن اليمن اليوم أمام تحد حقيقي إذ لا يحتمل مشهداً مماثلاً لمشهدي تونس، ومصر.

وإذ لم يعد يحتمل اليمن اليوم مزيداً من الاختلالات والأزمات والصراعات والفساد والاستئثار بمقدراته وحقوق أبنائه وشبابه وأجياله، فإن الرئيس علي عبدالله صالح مطالب بإحداث تغيير جذري وحقيقي يلبي طموحات هذا الشعب الطيب الصابر، ويعيد لشباب الوطن الأمل في حياة كريمة ومستقبل أفضل.

نعم.. الرئيس مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بالانحياز الكامل وغير المشروط إلى تطلعات السواد الأعظم من أبناء شعبه في التصدي لكل بؤر الفساد والظلم ومصالح المستأثرين بالنفوذ والسلطة والثروة.

نعم.. الرئيس مطالب اليوم وليس غداً بإفساح الطريق أمام طموحات أبناء شعبه في التغيير والتداول السلمي بين الأجيال في السلطة والشراكة في الثروة وتحمل مسؤولية بناء اليمن حاضراً ومستقبلاً قبل فوات الأوان، وقبل أن يتكرر مشهد تونس بالأمس ومشهد القاهرة اليوم في صنعاء غداً.

نعم.. الرئيس مطالب اليوم النأي باليمن عن مخاطر الانهيار وحرائق الغضب الشعبي التي لا تزال تشتعل في مصر ولم تنطفئ بعد في تونس، وحتى لا نقول غداً ليتك بادرت بالأمس.. نقول لك.. ليتك تبادر اليوم غير مضطر غداً.