ترددت مؤخرا أنباء عن دعم الحزب الحاكم لعدد من القياديات في الأحزاب المختلفة لخوض الانتخابات القادمة فما مدى مصداقية تلك الأخبار وما مدى مصداقية الحزب الحاكم في ذلك وهو قد نكث بوعود سابقة قطعها للنساء بمنحهن نسبة 30% أو 15% من المقاعد! والسؤال هنا هو لما يدعم الحزب الحاكم إن كان ماتردد صحيحا قياديات من أحزاب أخرى في ظل توجه أحزاب\"اللقاء المشترك\" المعارضة نحو مقاطعة الانتخابات البرلمانية المزمع انعقادها في ابريل القادم. مما لاشك فيه إن بلادنا تعيش أزمة حقيقية بعد انقلاب الحزب الحاكم على الهامش الديمقراطي وانفراده بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات! هل أراد الحاكم بهذا ضرب المشترك عن طريق قياداته النسوية وهو الذي لم يف بالتزاماته تجاههن سابقة !أم أن الحاكم أدرك فجأة أهمية إشراك المرأة في العملية الانتخابية كمرشحة وليس كناخبة؟ وإذا كان فعلا مهتما بالمرأة فلما حين شكل اللجنة العليا للانتخابات لم تكن بين أعضاءها حتى امرأة واحدة لما غابت المرأة هنا؟! في انتخابات سبتمبر 2006م المحلية ورغم ضئالة عدد المرشحات إلا أنهن لم يحظين بالفوز بل تراجع عددهن في المجالس المحلية وتراجع عدد المتقدمات للترشيح, والنساء اللاتي تقدمن للترشح عانين من محاربة الرجل,حتى المؤتمر الشعبي العام حين ترشحت امرأة ومؤتمريه ترشح أمامها رجل رغم وعود حزبها وتوجيهات الرئيس التي لم تنفذ بإفساح المجال للمرأة وتنازل الرجل أمامها.
كثيرة هي العوامل والأسباب التي شكلت عائقا أمام مشاركتها أو أدت إلى عزوفها عن خوض تلك الانتخابات.وتلك العوامل إما اجتماعية اودينية وقانونية وما إلى ذلك.
وشكلت انتخابات محليات 2006م نكسة للمرأة وتراجعت بشكل ملحوظ عما كان سابقا \"ما بعد الوحدة\" وشكل نكسة لنساء المحافظات الجنوبية والتي كان يحكمها آنذاك الحزب الاشتراكي اليمني والتي كانت تحظى المرأة في ظل حكمه بكثير من الحقوق والمزايا جعلها حاضرة في كل مواقع صنع القرار و شريكة فاعلة للرجل لم تمنعها عادات ولا تقاليد ولا فتاوى دينية من خوض غمار السياسة والاقتصاد ...الخ لكن بعد الوحدة وبسبب تغير نظام الحكم من اشتراكي تقدمي منح المرأة كل الحقوق والمزايا تراجع ذلك في ظل حكم قبلي واسري ومجتمع منغلق ومحافظ يتذرع تارة بالدين وتارة بالعادات والتقاليد. نعلم أن السياسة العامة للدولة هي عائق أمام المرأة لأنه باستطاعة هذا النظام إذا أراد إشراكها بتعديل القوانين التي تنتقص من حقوقها ولفعل الكثير وفقا للمواطنة المتساوية ووفقا لمكانتها ودورها الفاعل دون التذرع بالمجتمع, فهو حين أراد تجنيد فتيات في الشرطة تحدى العادات والتقاليد والفتاوى الدينية وضرب بها عرض الحائط , إذا باستطاعته دعم المرأة بتعديل القوانين بالإضافة إلى إصدار توجيهات للقائمين على الإعلام الرسمي القيام بواجبهم تجاه قضاياها و توعية المجتمع بأهمية مشاركتها لا قيام الإعلام بتكريس النظرة الدونية للمرأة وأنها ما خلقت إلا لتكون أم وربة بيت فقط وخادمة للرجل كما في برنامجها الإذاعي الشهير\"مسعد ومسعدة\" البرنامج الذي يكرس في مقدمته الغنائية تلك النظرة الدونية للمرأة وان مكانها فقط البيت.الإعلام لا يزال سلاح مهم لو استخدم لصالح المرأة وبما يخدم قضاياها والتعريف بحقوقها لكان لذلك أثرا إيجابيا لكنها لا تزال مغيبة عمدا من قبل القائمين عليه أو ربما القائمين ينفذون سياسة وتوجيهات عليا!
سيقولون الدستور منحها حقوقها وسنقول نعم بعض الحقوق ولكن ليست كاملة بالإضافة إلى وجود قوانين تتعارض مع المواطنة المتساوية وتشكل عائقا أمام مشاركتها! ولا يمكن إغفال ذكر أن المرأة نفسها ترفض الإنخراط في الحياة العامة بسبب ثقافة\" العيب والحرام\" وأنها لم تخلق لذلك لمجرد انها امرأة وان هذا العمل هو للرجل فقط ولا يجوز لها الاختلاط , لذا النساء لم ينتخبن النساء وتذهب أصواتهن للمرشحين الرجال وليس ببعيد عما ذكر سابقا فالنظام الذي أعطى الضؤ الأخضر لتأسيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تأسست مؤخرا في اليمن يظهر مدى تناقضه مع الدستور ومع تصريحات حتى رئيس الجمهورية , فالهيئة كانت أول فتاواها هي عن المرأة بإصدار كتيب تحت عنوان\" رسالة علماء اليمن بشأن الكوتا النسائية\"و يحرم علماء المسلمين الكوتا التي تطالب بها عدد من المنظمات والقيادات النسائية لإشراك المرأة في العملية الانتخابية كمرشحة هذه الفتوى أثارت ردود فعل غاضبة ومستنكرة من قبل المنظمات والقيادات النسائية واصدر اتحاد نساء اليمن بيانا استنكر ماجاء في ذلك الكتيب معتبرا بعض ما جاء فيه قذف للمحصنات وذلك يتناقض وروح الإسلام الذي منح المرأة حقوقا جاء هؤلاء وباسم الدين ليسلبوها إياها! نذكر هنا بعض مما جاء في الكتيب(\"مشروع الكوتا النسائية \"يتعارض مع ديننا ويتعارض مع ما فطر الله عليه الرجال والنساء ويتعارض حتى مع دعوى المساواة بين الرجال والنساء عند من يتبناها، كما أنه يصادر حقوق الرجال في عدد من الدوائر رغم أنوفهم\" وقال العلماء في الكتيب \"من حقها أن تسهم بآرائها وعلمها في الحياة العامة والقيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الالتزام بالضوابط الشرعية بعيداً عن الاختلاط والتبرج والخلوة المحرمة
ورأوا في خروجها واختلاطها بالرجال فوضى وضياع للعفة \"إذا فُتح الباب لتسابق النساء على الخروج من المنزل، والاختلاط بالرجال في أماكن العمل، وإظهار جمالهن لكل الرجال فستنشأ عواطف وعلاقات جديدة بين الرجال والنساء غير علاقة الزواج، هي علاقة العشاق والأخدان، ومع استمرار إظهار الزينة من النساء للرجال وانجذاب الرجال إليهن وعشقهم للجمال والزينة عندهن يصل المجتمع إلى الفوضى الجنسية وما يصاحبها من ضياع العفة، وانتشار الزنا، وكثرة الأولاد غير الشرعيين).
صحيح العقبات كبيرة وكثيرة أمام النساء ولكن لو كن متعلمات لربما انتزعن حقوقهن, فالأمية المنتشرة بنسبة كبيرة بين أوساطهن تعد سبب رئيسي آخر بل ومن أهم العوامل التي أعاقت تقدم المرأة وانخراطها في المجال السياسي إضافة إلى أسباب أخرى كعدم وعيهن بحقوقهن القانونية حتى المتعلمات منهن , وعدم جدية الأحزاب في ترشيح النساء واستغلالهم إياها كصوت فقط ! إذا كما قلنا كثيرة هي العوائق التي تحد من مشاركة المرأة ولكن أظن أخطرها هو استغلال الدين ضدها والتفسير الخاطئ بقصد أو بدون قصد للكتاب والسنة وهو تحد يتطلب منها من التفقه في الدين ومعرفة حقوقها الشرعية والقانونية.
صحيح المجتمع لا زال يرفض مشاركتها في العمل السياسي ولكن نعلم لو كانت هناك جدية و إرادة سياسية وإعلامية لتوعية المجتمع لتقبلها كما تقبل من قبل أعمال كان يرفضها.
الحاكم يتاجر بقضايا المرأة والمعارضة تستغلها كصوت ورغم قلة عدد المرشحات في الانتخابات السابقة مقابل عدد الذكور إلا أن أحدا لم يقدم لهن الدعم فلا الحاكم التزم بتعهداته ولا المعارضة دفعتهن نحو مشاركة حقيقية, وظلت المرأة اليمنية على مدى ثلاث دورات انتخابية مجرد صوت للمرشح الرجل. ففي العام 1993م شاركت كناخبة بـــ500 الف ووصل العدد في انتخابات 1997م إلى مليون ونصف المليون وفي انتخابات 2003م البرلمانية كانت النسبة كبيرة للمرأة كناخبة حيث وصل عددهن إلى ثلاثة ملايين ونصف ,وارتفع العدد في انتخابات 2006م حسب السجل إلى أربعة ملايين ناخبة ومع هذا لم يقدر للمرشحات الفوز لان المرأة نفسها لاتمنح صوتها إلا للمرشح الرجل بسبب خضوعها وتبعيتها للرجل\"الأب أو الزوج أو الأخ\" الذي غالبا مايقرر لها مرشحها. والمرأة كما ذكرنا سابقا بالنسبة للأحزاب سلطة ومعارضة هي مجرد صوت فقط , الأحزاب تتذرع بتركيبة المجتمع القبلي وعاداته وتقاليده لتتنصل من واجبها تجاه المرأة ومنحها حقوقا كفلها حتى النظام الداخلي لتلك الأحزاب, ونعلم انه لايمكن للأحزاب المغامرة في دوائر قد يكسب فيها مرشحها الرجل وتقدم امرأة كمرشحة قد تخسر الانتخابات!
ووفقا لإحصائيات اللجنة العليا للانتخابات فقد كان إجمالي عدد الأصوات الصحيحة التي حصلت عليها الأحزاب المشاركة في انتخابات2003م في اليمن إلى خمسة ملايين و996 الف و39 صوتا من بينها مليونين 471الف و6 أصوات للمرأة وبنسبة 41,21% حيث حصل المؤتمر الشعبي العام\" الحاكم\" على ثلاثة ملايين و465 الف و117 صوت من الأصوات الإجمالية للناخبين من بينها مليون و488 الف و732 صوتا من أصوات النساء بينما حصل التجمع اليمني للإصلاح المعارض على مليون و349 الف و485 صوتا منها 534 الف و62 صوتا من النساء وحصل الحزب الاشتراكي اليمني على 291 الف و541 صوت من بينها 113 الف 808 أصوات من النساء وحصل المستقلون على 620 الف و615 صوت منها 232 الف و660 صوت من النساء, فيما توزعت بقية الأصوات بنسب متفاوتة على بقية الأحزاب .وتصل نسبة النساء الناخبات إلى مايقارب43% من إجمالي عدد الناخبين إضافة إلى أنهن يشكلن 49% من نسبة السكان.
في العام 2001م فازت المرأة بــ26 مقعدا من مقاعد المجالس المحلية على الرغم من إن عدد من خضن الانتخابات كان 120 امرأة من بين 22 الف و892 مرشحا من الذكور لعضوية المجالس المحلية وسجلت المرأة بذلك حضورا على مستوى المحليات إلا أن العدد في الانتخابات 2006م التي تزامنت مع الانتخابات الرئاسية شهدت تراجعا كبيرا لمشاركتها كمرشحة. كما في الانتخابات البرلمانية فقد شهد حضورها أيضا في البرلمان تراجعا سلبيا ففي 93 م فازت امرأتان من أصل 48 مرشحة وللمرة الثانية نجت امرأتان أيضا من أصل 23 امرأة ترشحت لانتخابات عام 97م, وفي انتخابات 2003م لم تنجح سوى امرأة واحدة فقط من بين 11مرشحة.
إذا يمكن تلخيص أهم المعوقات التي تقف أمام مشاركة المرأة في الانتخابات سواء البرلمانية أو المحلية ليس في اليمن فقط بل تتشابه الأسباب التي تمنع المرأة من المشاركة في الانتخابات سواء النيابية أو المحلية والنقاط هي:ــ
1- الفقر والأمية المنتشرين بنسبة عالية بين أوساط النساء
2- الفتاوى الدينية والتفسير الخاطئ للشريعة الإسلامية
3- العادات والتقاليد والموروثات التي لازالت تؤثر سلبا على مشاركة المرأة ويتحجج بها صانعوا القرار.
4- عدم جدية الأحزاب السياسية بالدفع بالمرأة نحو مشاركة حقيقية وفاعلة
5- جهل المرأة وان كانت متعلمة بحقوقها الشرعية والقانونية وضعف وعيها السياسي
6- تغييب الإعلام للمرأة السياسية وعدم تسليط الضؤ على قضاياها.
بالإضافة إلى حملات التشهير ضد المرشحات أثناء الدعاية الانتخابية وكذلك التهديد الذي تتعرض له المرشحة ومطالبتها بالانسحاب يجعلها في ظل دولة لاتحتكم إلى قانون تعزف عن المشاركة لئلا تتعرض وأسرتها للخطر.
ولتتجاوز النساء هذه العقبات يجب أن تكون هناك إرادة سياسية في تعديل القوانين منها قانون الانتخابات بدلا من نظام الدائرة الفردية إلى نظام القائمة النسبية وهو مطلب للأحزاب حتى تستطيع كل الفئات خوض الانتخابات, كف رجال الدين والفقهاء عن خطابات التحريض ضد المرأة ومما يمتهن كرامتها ويكرس من دونيتها بفتاواهم ضدها والاستدلال بأحاديث ضعيفة لان المرأة كانت عبر العصور ملكة ومحاربة وطبيبة وفقيهة ... الخ ولم يحرم عليها احد ذلك والإسلام جاء يكرمها لا ليهينها بعض الفقهاء بتفسيراتهم ,وليتذكروا انها شقيقة الرجل ولايمكن بناء مجتمع ونصفه مشلول , وبناء مجتمعنا مسؤولية المرأة والرجل, أيضا المرأة نفسها يجب أن تثقف نفسها وتكون واعية بحقوقها التي كفلها لها الشرع والدستور, وقيام الإعلام بأداء دوره خصوصا فيما يتعلق بالمرأة والدفع بها نحو مشاركة حقيقية, والمسؤولية الكبرى التي تقع على عاتق الجميع سلطة ومعارضة ومنظمات وفي مقدمتهم الأسرة هو تعليم الفتاة.