من هو القاتل الحقيقي للمعلم الفرنسي؟
بقلم/ إحسان الفقيه
نشر منذ: 4 سنوات و 3 أسابيع و 6 أيام
الإثنين 19 أكتوبر-تشرين الأول 2020 08:16 م
  

رغم الظلم الشديد الذي أوقعه الاحتلال الفرنسي بأهل مصر 1798-1801م، إلا أن الفرنسيين بعد مقتل كليبر على يد سليمان الحلبي، لم يأخذوا الشعب المصري كله بجريرة ما فعل الشاب السوري، ولم ينسبوا فعلته إلى الإرهاب الإسلامي.

ولعل جنرالات الحملة كانوا أكثر تحضّرًا من الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون، الذي سارع إثر جريمة اغتيال مدرس الرسوم المسيئة للنبي محمد على يد شاب مسلم، إلى نسبة الإرهاب إلى الإسلام، والتعهد بملاحقة الظلامية، التي يترجمها أي متابع على أنه اتجاه لدى ماكرون نحو مزيد من التضييق على مسلمي فرنسا ومؤسساتهم التعليمية والاجتماعية، في سياق حملة ممنهجة لمواجهة ما سماه ماكرون بالانعزالية الإسلامية.

إن هذه الجريمة يدينها كل مسلم، على الرغم من أنها جاءت ردًا على الإساءة للنبي محمد، حيث عرض المدرس رسوما مسيئة للنبي، خلال حصة دراسية، في إطار نقاش حول حرية التعبير عن الرأي، أعقبتها شكاوى من بعض أهالي الطلاب، هذه الجريمة يدينها المسلم رغم الإساءة لنبيه، لعلمه أن جريمة سب الرسول، لا يتولى الأفراد معاقبة مرتكبها، بل الأمر منوط بالسلطة كما هو مفترض، وإلا صارت فوضى. ويدينها المسلم رغم الإساءة لنبيه، لأنها تشوه صورة الإسلام والمسلمين، وتخدم المتربصين بالدين، وتكون وبالا على الجاليات المسلمة في فرنسا، وتتخذ ذريعة للتضييق عليهم من قبل ماكرون وحكومته.

أسوق هذه الكلمات حتى لا يستغلها هواة الاصطياد في الماء العكر، ويتهمون صاحبتها بالرضا بمثل هذه الجرائم الدموية. وسوف أتجاوز احتمالية كوْن هذه الجريمة مُدبرة من أجل مزيد من إجراءات التضييق والملاحقة لمسلمي فرنسا، ومواجهة الوجود الإسلامي فيها، وأتناول هذه القضية على أساس أنها أمر يقيني لا لَبس فيه. أتساءل: هل المسؤول عن قتل المدرس هو ذلك الشاب ابن 18 ربيعًا، الذي حملته العاطفة الدينية على ارتكاب الجريمة في ظل جهله بتعاليم دينه؟ نعم هو من نفذ الجريمة، لكن المتسبب فيها، وفي أي جرائم قد تُرتكب على هذا النحو، هو الرئيس ماكرون، الذي يتبنى خطابا عدائيا للإسلام والمسلمين، ويُصرّح علنا بأن الرسوم المسيئة للنبي محمد تقع في إطار التعبير عن الرأي، وتحدّى مشاعر ملياري مسلم عندما رفض انتقاد خطوة المجلة الفرنسية «تشارلي إيبدو» في إعادة نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد. مثل هذا الاستخفاف بمشاعر ستة ملايين مسلم في فرنسا، وفق السجلات الحكومية، وتمرير الإساءة لمقدساتهم ورموزهم الدينية، هو ضرب من الحماقة السياسية، ويفتح الباب أمام التطرف وأعمال العنف.

ماكرون يتحدث أن الإساءة لنبي الإسلام ضمن حرية التعبير عن الرأي، وهو يعلم تمام العلم أن المسلمين في فرنسا لن يتخذوا مما أقرّه ذريعة للإساءة إلى المسيح، أو موسى عليهما السلام، لأن تقديس جميع الأنبياء هو جزء من إيمان المسلم، ولا يقبل المسلمون أن يسيء أي فرد منهم لأي من الأنبياء. ولكن ماذا عن الجهلة وضعفاء العقل من المسلمين في فرنسا؟ ماذا لو أقدم أحد هؤلاء على الإساءة للمسيح مثلا، وتابعه على ذلك جهلاء مثله، ألن يفتح ذلك الباب أمام مسيحي متدين ينتمي إلى دينه، لأن يُقدم على القيام بأعمال عنف ضد المُسيئين؟ حينئذ من سيكون المسؤول؟ هل المسلم الجاهل الذي يرى ذلك حرية في التعبير عن الرأي، على سبيل المعاملة بالمثل؟ أم ذلك المسيحي الذي يغار على دينه؟ لذلك أقول بملء الفم: إن ماكرون يسكب الزيت على النار، ويفتح المجال أمام التطرف والإرهاب بالفعل.

على ماكرون أن يكف عن تحصيل الأرباح السياسية بورقة إسلاموفوبيا، لأن الخسائر سوف تكون أكثر بكثير مما يأمل جَنْيَهُ من المكاسب، وأن يتصرف على أساس أن الإرهاب لا دين له، وإلا اعتبرنا الاعتداءات على المساجد والمحجبات في فرنسا إرهابا مسيحيا، فوفقا لما أعلنه المرصد الفرنسي لمكافحة الإسلاموفوبيا أن عام 2019 شهد ارتفاعا حادا في الهجمات ضد المسلمين في فرنسا مقارنة بالعام الذي قبله، وأن عدد هذه الاعتداءات على المسلمين وصلت في هذا العام إلى 154 حادث اعتداء، فهل روّج مسلمو فرنسا أنه إرهاب مسيحي ضد المسلمين؟ على ماكرون أن يتعامل مع مثل هذه الوقائع على أساس المواطنة التي يترنم بها، على أساس أن لاجئًا روسيًا قتل مواطنا فرنسيًّا، لا على أساس أن مسلما قتل مسيحيا، وأن تكون المحاكمات ومسارات التحقيق وإجراءاته على النحو الطبيعي، من دون نسبة العمل الإجرامي أو الإرهابي إلى الدين الإسلامي.

هذا الاستفزاز الرسمي الذي يصدر عن القيادة الفرنسية لمشاعر المسلمين، هو بوابة صريحة لأعمال العنف والإرهاب، فلا ضمانات هناك لالتزام المواطنين المسلمين جانب الصمت والحكمة، خاصة لدى الشباب المتحمس الذي ربما يتحرك بالعاطفة الدينية بجهل أو حماقة.

وعلى صعيد أوسع، ينبغي على النخب الثقافية والسياسية والإعلامية في العالم الإسلامي، وكل دعاة السلام والاستقرار في العالم أجمع، المطالبة الجادة المستمرة بسنّ قانون دولي يُجرّم الإساءة للأنبياء والمقدسات والرموز الدينية بكل أشكالها، وذلك لمنع هذه الفوضى التي تتم تحت مظلة حرية التعبير عن الرأي، والتي تقابلها أعمال عدوانية وجرائم عنف، ليس في مصلحة الجميع أن تحدث، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

كاتبة أردنية