ماذا لو كسب البيض حرب صيف 94؟!
بقلم/ ناجي منصور نمران
نشر منذ: 12 سنة و شهر و يومين
السبت 13 أكتوبر-تشرين الأول 2012 04:38 م
قد يُخيل للبعض من قاصري النظر أننا وبمجرد نقد تحركات البيض السياسية والهادفة إلى الإنفصال أو فك الإرتباط بحسب ألفاظهم المنمقة، نعمد إلى ذلك من منطلق حقد دفين تجاه إخواننا أبناء المحافظات الجنوبية الأحرار، وعلى الرغم من إحترامنا لكل الآراء ، إلا أن أصحاب تلك الرؤية للأسف قد جانبهم الصواب فيما ذهبوا إليه، فالبيض يظل إنسان يخطئ ويصيب ، وهو بلسان الكثيرين قد اقترف بعض الأخطاء السياسية في لحظة من اللحظات ، هذا إذا ما أضفنا إلى ذلك أنه لايمثل كل أبناء المحافظات الجنوبية بدليل الخلافات الكبيرة التي ظهرت على السطح مؤخراً بين فصائل الحراك وقياداته، ولذا نؤكد مجدداً على أن ذلك الطرح لايعدو عن كونه إنتقاد لزعيم سياسي كان طرفاً فاعلاً في تحقيق الوحدة ولايزال لاعباً أساسياً في الساحة اليمنية اليوم، ولايمكن تجاهله بأي حال من الأحوال شأنه في ذلك شأن باقي الساسة كالرئيس السابق صالح وغيره. صحيح قد لانكون بحاجة لمثل هذه الخطابات لاسيما في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد، والتي تتطلب رص الصفوف لدعم عملية الحوار الوطني، ولكن واجبنا تجاه الوطن يحتم علينا أن نقف في وجه كل من يحاول عرقلة سير هذه العملية التي يعلق عليها كل أبناء اليمن آمالاً عراض في طي صفحة الماضي بكل فصولها ومآسيها ، والعمل على رأب الصدع ، وإصلاح ذات البين ، وإعادة اللحمة الوطنية المفقودة لرسم البسمة على شفاه أبناء السعيدة من جديد ، خصوصاً وأن ثمة لعبة كبيرة يتم العمل عليها من الداخل وبمباركة أيادٍ خارجية تجد مصلحتها في تعطيل سير عملية الحوار الوطني المرتقب ، لاحت بوادرها في الأفق وتؤكدها الكثير من الشواهد أهمها محاولات جر البلاد إلى مربع العنف من خلال تنفيذ عمليات إغتيال لرموز وطنية ، علاوة على التسريبات الإعلامية لإعتزام البيض العودة إلى اليمن قريباً لتأجيج الشارع وتبني تحركات عملية على الأرض لتنفيذ مشروعه الإنفصالي، وما يصاحب ذلك من حملات إعلامية تصعيدية تتبناها بعض الأبواق الإعلامية المندسة

مما لاشك فيه أن تداعيات حرب صيف 94 قد أسهمت بشكل كبير في رسم ملامح الواقع السياسي اليمني، فهي حرب كباقي الحروب كان لابد وأن ينتصر فيها أحد العليين ولامفر من حسم الموقف عسكرياً لصالح أحدهما مهما كان الثمن غير آبهين بمصير الشعب، خصوصاً وأنهما قد وصلا لقناعة تامة بإستحالة التعايش بينهما، علاوة على أن كل منهما قد حارب بالوكالة عن قوى إقليمية معروفة، فالسعودية والكويت وفرتا الدعم المالي والعسكري للبيض حينها كنوع من تصفية الحسابات مع صالح لوقوفه مع صدام في حرب الخليج ، في حين دعمت قطر صالح كنوع من النكاية بالسعودية . لقد كان إحتمال حسم البيض للمعركة كبير لولا مشيئة الله سبحانه التي أرادت أن يكسبها صالح ، وليس الشمال كما يزعم البعض ، ولله في ذلك حكمه لايعلمها إلا هو سبحانه ، فقد كسب صالح الحرب وكان ما كان من إقصاء وتهميش للكثير من الكوادر الجنوبية ونهب للأراضي إلخ من الأخطاء التي أرتكبها الرجل في غمرة إنتصاره ، لتسفر تلك الحماقات مع مرور الزمن عن تأجيج الوضع وانفجاره في المحافظات الجنوبية، وبصراحة فإن سياسات صالح ومعالجته للأمور على تلك الشاكلة لم تكن مستغربه كون تاريخ الرجل السياسي يزخر بالكثير من الأخطاء، حيث عمد إلى تهميش أغلب القيادات الوطنية منذ تربعه على كرسي الحكم ، واعتمد على بعض الجهلاء والفاسدين في إدارة شئون الدولة ، واتخذ من الولاء الشخصي له ولعائلته المعيار الأوحد في شغر المناصب ، وعمل على تغييب مفهوم دولة المؤسسات وإستبداله بمفهوم سلطة العائلة والقبيلة ،وما صاحب ذلك من فساد و نهب منظم للثروات ، والتنازل عن بعض حدود الوطن لدول الجوار، بالإضافة إلى أنه المتهم الرئيسي في إجهاض مشروع الدولة المدنية الحديثة وذلك بمسئوليته المباشرة عن إغتيال الرئيس الحمدي رحمه الله ، وما تلى ذلك من تصفيات جسدية لبعض أعضاء الحركة الناصرية الذين أرادوا تصحيح الأوضاع حينها وإخفاء البعض الآخر منهم قسرياً حتى الآن ولايعلم بمصيرهم إلا الله، علاوة على ضلوعه بشكل أو بآخر في العديد من الإغتيالات كتصفية أبوشوارب ، المتوكل ، محمد إسماعيل، أحمد فرج وجار الله عمر ، وغيرهم ، وهنالك الكثير من الملفات السوداء التي تورط فيها صالح ولايسعنا المقام لسردها، وما تم التطرق إليه لايمثل إلا جزءاً بسيطاً من صفحات تاريخه الملطخ بالدم والفساد، وسياساته التي لم تتغير سواء قبل الوحدة أو بعدها ، ولكن ماذا عن تاريخ البيض ؟ وكيف سيكون حال اليمن لو انتصر في حرب صيف 94؟ 

لايختلف إثنان على أن البيض قد مد يديه للوحدة في لحظة لن ينساها التاريخ، وتنازل عن دولة بأكملها في سبيل تحقيق ذلك الحلم ، وقد لعبت عوامل عدة دوراً هاماً في إقدامه على تلك الخطوة تحدثنا حولها سابقاً، ولكن ذلك لا يلغي البته وجود ملفات ساخنة اقترنت بمسيرته، ومن البديهي أنها تمثل إنعكاس لتوجهاته الفكرية والسياسية، وتلقي بالظلال على كيفية تعامله مع الوضع فيما لو كسب الحرب ، وهنا تستوقفني عبارة جميلة كتبها أحدهم ذات يوم ، ذكر فيها أن البيض لم يغير تسريحة شعره منذ الستينات ، وقس على ذلك سياساته فكيف له أن يغيرها هي الأخرى

علينا أن لاننسى أن مشروع الوحدة قد خطط له الرئيسان الحمدي وسالمين رحمهما الله عام 1974، وكانا بصدد البدء بتنفيذ أولى الخطوات العملية لترجمته على الواقع لولا مشيئة الله، فقد تمت تصفية الحمدي والمسئول الأول عن ذلك صالح ومن معه من المجرمين ، وتمت تصفية سالمين وجل المسئولية تقع على عاتق البيض، فبحسب رواية الرئيس علي ناصر محمد الأمين العام الأسبق للحزب الإشتراكي ، فإن قرار إعدام الرئيس سالم ربيع علي إتخذه المكتب السياسي برئاسة عبدالفتاح إسماعيل بناء على إقتراح تقدم به علي سالم البيض، والذي اعترض بقوة على قرار المكتب السياسي القاضي بأن يتم نفي الرئيس سالمين ورفاقه إلى اثيوبيا كحل بديل للإعدام، حيث أصر البيض وقتها على تصفية الرئيس سالمين لكي لا يتسنى له العودة مرة أخرى من أثيوبيا بعد نفيه ، وأضاف علي ناصر أنه وبعد قيام الوحدة المباركة طالبنا القيادة السياسية ممثلة بالأخ علي عبدالله صالح رئيس مجلس الرئاسة برد الإعتبار للرئيس سالمين ومعرفة أين دُفنت جثته ونبش قبره وتشييع جثمانه في موكب جنائزي شعبي يليق بمقامه ومكانته التاريخية كبطل وطني قاوم الإستعمار البريطاني ، ولكن نائب الرئيس حينها علي سالم البيض وقف موقفاً سلبياً إزاء ذلك المقترح، إذ رفض بقوة رد الإعتبار للرئيس سالمين ، ولمن لايعرف الرئيس سالمين فليتمعن في شهادة أركان حرب حمايته الخاصة / محمد سعيد عبدالله والذي قال بأن "القيادة السياسية في الحزب الإشتراكي كانت تبحث عن أي سبب لإزاحة الرئيس سالمين عن السلطة، ولذا فقد أعدموه بحجة تحمله مسئولية إغتيال الرئيس الغشمي وماسببه ذلك من إحراج للدولة آنذاك ، وهم بذلك العمل قد قتلوا رئيس من أنظف الرؤساء، فهو الرئيس العربي الوحيد الذي مات ولم يجدوا له رصيد في أي بنك عدا راتبه الشهري ، فقد عاش عفيفاً نظيف اليد ومات مديوناً لصاحب بقالة ب 600 شلن كان قد اقترضها منه ليوزعها على الفقراء في إحدى جولاته الشعبية

هنالك ملفات دموية أخرى ما أن يتم ذكرها إلا ويُذكر معها إسم البيض، منها ملف أحداث يناير 86 والذي يتحمل البيض جزء كبيرمن مسئوليته حين مورست بحق البشر أبشع الجرائم ، بل وتحمله المسئولية الكاملة عن التصفيات الجسدية لأنصار علي ناصر في عام 87 التي تلت أحداث يناير الدامية كون البيض حينها قد أصبح الأمين العام للحزب الإشتراكي وبالتالي رجل الدولة الأول . ثم ماذا عن مصير الرئيس عبدالفتاح اسماعيل الذي شُوهد لآخر مرة يخرج مع البيض في مدرعة واحدة بعد نجاتهما من مجزرة اللجنة المركزية التي حصدت أرواح كبار القادة في الحزب، ولطالما تهرب البيض من الإدلاء بأية تفاصيل حول الموضوع خلال اللقاءات الصحفية معتبراً تلك الحادثة وبكل برود تاريخ لايستحق الخوض فيه ، مع العلم أن هناك خلافات كبيرة كانت قد ظهرت على السطح بين البيض وعبدالفتاح يأتي في مقدمتها قيام الأخير بتجريد البيض من كل مناصبة بسبب تجاوزه لوائح الحزب الصارمة وقيامه بالجمع بين زوجتين وهو الأمر الذي كانت تحظره لوائح الحزب، وهذا ما ظهر من تاريخ دموية البيض وما خفي كان أعظم . أما فيما يتعلق بملفات الفساد يمكننا القول أن البيض لايقل عن صالح فساداً ، بدليل إختفاء أموال الحزب الإشتراكي والتي قُدرت بمليارات الدولارات ، فهل تبخرت تلك الأموال أم أكلتها القوارض ، مع العلم أن البيض والعطاس كانوا إثنين من المخولين بالتوقيع على التصرف بأموال الحزب ، وإذا كان البيض غير فاسد فمن يفسر لنا صرفه مبلغ خرافي في حفلة زواج ابنته تماني على ملحم زين تجاوز 2 مليون ونصف دولار، بالإضافة إلى تقديمه مبلغ 25 مليون دولار للعريس ملحم زين كهدية زفافه من عمه (بارك الله فيه وزاد من أمثاله) ، وهذا المبلغ الذي يعادل قرابة 6 مليارات ريال يمني كافي لسداد تكاليف زواج 3000 شاب على افتراض أن متوسط التكاليف 2 مليون ريال ، وأخيراً ماذا عن العلاقة المشبوهة بين البيض ونظام العمائم في إيران ؟ والتي فاحت رائحتها النتنة بقوة هذه الأيام ، حيث صرح شخصياً أنه سيتعاون معهم بدون أي تحفظات

لا خلاف على أن تاريخ علي أسود ، ورصيده السياسي ملوث، ولايختلف كثيراً عن تاريخ علي ، ولا داعي أن تشغل نفسك عزيزي القارئ بمعرفة أي العليين قصدت في بداية الجملة لعدم وجود فروق جوهرية بينهما، فيما عدا الإختلاف من حيث طول القامة وقصرها، وسأترك لك تصور الحال فيما لو ابتسم الحظ للأطول قامة في صيف 94 وقذف بالقصير خارج الملعب ، فهل يا تُرى سيختلف الوضع عن ماهو عليه اليوم ؟!